سوريا.. وتجليات الجامعة العربية!

د. عادل محمد عايش الأسطل

بالتزامن مع موافقة الجامعة العربية، على قرار فرض عقوبات على سوريا، إضافةً إلى العقوبات التي كانت فرضتها الدول الغربية والولايات المتحدة عليها، فقد لجأ الجيش الإسرائيلي وبشكل دراماتيكي، إلى اتخاذ عدداً من الخطوات العسكرية، وتنفيذ عددٍ من العمليات والنشاطات، على طول الحدود مع سوريا والبالغة حوالي 130 كلم، امتدت من قرية مجدل شمس شمال الهضبة السورية المحتلة، وصولا إلى الحدود مع الأردن، وشملت إقامة العوائق على طول خط الحدود وإقامة الجيش الإسرائيلي ما اسماه بالجدران الذكية على طول 9 كلم لمقدرتها على تعقب المتسللين في نقاط عدة حددها "لواء غولاني" المسئول عن المنطقة المحاذية والحدودية، وذلك في إطار استعدادات طارئة، خشية وقوع أية مفاجآت غير محسوبة، في ضوء الأحداث التي تشهدها سوريا، من قبيل تنفيذ عمليات مسلحة، انطلاقاً من تلك الحدود.

هذه الاستعدادات العسكرية، جاءت نتيجة لتراكمات التطورات الجارية على الساحة السورية، والمتعلقة بأحداث أمنية خطيرة، تغلب عليها طوابع التدخلات الخارجية، والمتهمة في المقام الأول "إسرائيل" وأبرزها مقتل الجنود السوريين العشرة، من بينهم ستة طيارين تابعين لسلاح الجو السوري، حيث تحسبت "إسرائيل" من أن تكون هناك نوايا سورية للرد على تلك العملية.

وكان نقل عن ضابط كبير في الجيش الإسرائيلي قوله: "يجب أن نكون مستعدين لكافة السيناريوهات المفاجئة، وليس من الحكمة أن نستعد فقط لما يقولونه لنا، لذا علينا أن نستعد لكل شيء قد يندلع دون سابق إنذار".

ومن جهةً أخرى كانت قد اتخذت جامعة الدول العربية اليوم الأحد، خطوة دراماتيكية، أكثر صرامة ضد سوريا، حيث أكد وزراء الخارجية العرب، فرض عقوبات اقتصادية غير مسبوقة، اعتبرت الأولى في تاريخ الجامعة العربية، ضد دولة عضو فيها، حيث تم اعتماد القرار بأغلبية 19 من أصل 22 بلداً، وتشمل العقوبات تجميد الأصول السورية لدى الدول العربية، وإنهاء كافة الاتصالات السورية مع الجامعة، ووقف التعاملات مع البنك المركزي السوري، ووقف كافة العمليات الاستثمارية في البلاد. ودراسة تعليق الرحلات الجوية بين الدول العربية وسوريا. بالإضافة إلى ذلك، حظر السفر إلى البلدان العربية، لبعض قيادات وأعضاء بارزين في الحكومة السورية، وستظل هذه العقوبات سارية المفعول، حتى تنفذ دمشق الخطة العربية، التي تمثلت في إيفاد مراقبين من الجامعة العربية، إلى الأراضي السورية، التي كانت وافقت عليها الحكومة السورية، على أمل أن تكون هناك المزيد من التوضيحات والمناقشات بشأنها، لكن الجامعة كانت قد حددت موعداً لقبول الخطة كما هي، أو اللجوء إلى اتخاذ العقوبات الواردة.

 لاشك بأن الجامعة العربية، قد تسرعت في استصدار قراراتها وأحكامها، بشأن الأحداث في سوريا، ومنذ الخطوة الأولى، لأن "التسرع في مثل هذه القضايا، لن يؤثر كثيراً على الساحة السورية، وستكون جدواه مفرغةً من مضمونها ومعناها، خاصةً وأننا نلحظ الخلافات منذ الوهلة الأولى داخل الجامعة نفسها، ثم إن هناك تباينات في الرأي من حيث التطبيق العملي، لتفعيل مثل تلك العقوبات، والتي من المحتمل أن يغلب عليها الطابع الجماعي الرسمي، دون الطابع الفردي للدول، فبينما نرى أن تسعة عشر بلداً قد صوتوا لصالح العقوبات باسم الجامعة، فإنه ومن غير المحتمل أن تتقيد به الدول التي أيدت القرار، مما يوحي بأن هناك أيادٍ خارجية، تسطر ما تقوم بقراءته الجامعة العربية على الملأ، ومن ناحيةٍ أخرى فإن العقوبات في حد ذاتها لن تحل المشكلة، بل ستزيدها تعقيداً، وسيكون تحت وطأتها الشعب السوري، الذي تستثنيه الجامعة من تلك العقوبات المفروضة.

وعلى أية حال، فإذا كانت الجامعة العربية، كما تبدو شديدة الحرص على الشعب السوري، بانعقادها على مدى الساعة، واتخاذ القرارات غير المعهودة منذ تأسيسها، فأين هي من "إسرائيل"؟ التي لم تجرؤ يوماً على اتخاذ موقفاً مثل ذلك، غير الشجب والاستنكار، بل ولا تزال الجامعة تطرح مبادرتها في الحجر الإسرائيلي، تتوسلها القبول بها، ومنذ عقدٍ من الزمن، الذي راح خلاله من الشعب الفلسطيني الآلاف من الضحايا الفلسطينيين وآلاف الجرحى والمنكوبين، والأسرى والمعتقلين، الذين لا يزالون يلقون أشد العذاب داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية، أين الجامعة من "إسرائيل" ؟ التي نهبت الأرض وهتكت العرض، ودنست الأقصى، وذهبت في العنت والغطرسة كل مذهب، وتحت سمع وبصر الجامعة العربية بملوكها ورؤسائها، وأمرائها وقادتها.

إن إقدام الجامعة على هذه الخطوة وفي ضوء الحشد الإسرائيلي باتجاه الأراضي السورية، ونوايا تركيا بإقامة منطقة عازلة، وتواجد الولايات المتحدة من خلال حاملة الطائرات"جورج بوش"، ينبئ بالإضافة إلى إثبات تواطؤها مع الجانب الإسرائيلي، أيضاً بالسير قدماً نحو تدويل المسألة السورية، وإفساح المجال للتدخلات الأجنبية، كما حدث في الشأن الليبي.

لا شك فإن الكثيرين يعوا جيداً، أن ما يغلب على ما اتخذته الجامعة العربية من قرارات بشأن العقوبات ضد سوريا، هو بالأساس تنفيذاً لأجندات خارجية، تم التعامل معها على تراكمات إشكالية وانتقامية، لدى العديد من الدول، ولو أن هذه الإشكالات تم حلها، لما وصلت هذه الجامعة، لاتخاذ مثل تلك القرارات، فعلى سبيل المثال، فإن العلاقات السورية الإيرانية "الجيدة" تمثل معضلة رئيسية تواجهها سوريا، من ناحية التخوفات الخليجية من البرنامج النووي الإيراني، ومن ناحية العلاقات الإيرانية الخليجية "السيئة" مع أغلب الدول العربية وخاصةً الخليجية. 

الآن ولقطع الطريق على الجامعة العربية، ودول المنطقة عموماً وبخاصةً "إسرائيل" التي تزعم محافظتها على النظام في سوريا، ولجم الغرب والشرق، يتوجب على السوريين قادة وشعباً حكومةً ومعارضةً، أن يتوقفوا عند هذا الحد، للعمل على حل الخلافات ما بلغت، فإن ذلك من أوجب الأمور وأفضلها، من أن يتدخل من يريد أن يهدم حصن الأمة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/كانون الأول/2011 - 8/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م