تطور الاعلام

علي اسماعيل حمة الجاف

اذا كان الاعلام يقبل بوصفه الحالي ظاهرة فنية حديثة بل واكثر من ذلك ظاهرة من ظواهر هذا القرن فان جذوره تعود الى قرون قديمة ضاربة في اعماق الماضي، ولكن مفهوم الاعلام لم يتطور الا بعد ان طورت الاختراعات الحديثة حياة الانسان. ومفهوم الاعلام القديم قدم الانسان ذاته، فالامثلة التالية التي عرفتها القبائل البدائية يظهر لنا قدم هذا المفهوم:

- ابداء رجال الشورى في القبيلة آرائهم في الامور التي لها علاقة وثيقة بحياة القبيلة بل وفي مصالحها ولذلك فانهم يزودون القبيلة بالآراء الصائبة السديدة والحلول السليمة لمشكلاتهم عن طريق تجمعاتهم في المضائق والدواوين.

- ما يقدمه المعلم الذي يتولى تربية الاطفال ليجعل منهم افرادا" صالحين.

- ما يقدمه العراف الى القبيلة عن حالة الطقس والجو لمعرفة ما اذا كان يسمح بالعمل به او لا يسمح به.

ان الشكل البسيط للاعلام والذي كان مستعملا" في القديم استخدام الشائعات كما حدث ذلك لدى اليونانيين القدامى. اما لدى الفراعنة او البابليين نلاحظ انهم سلكوا طريقا اخر لنشر الافكار او الانباء وذلك بحفر الاوامر والتعليمات الدينية في المعابد والاحجار التي تنصب في الميادين ولم يكن الامر مقصورا" على الامور الدينية فقط. حيث تجاوزت ذلك الى نشر الاخبار الرياضية والعسكرية وخاصة تلك التي تتعلق بالفتوحات وغير ذلك من الامور الاخرى, ولعل ما ابتدعه الانسان في مجال الاتصال الجماهيري هو الكلمة التي ظلت تتطور مع تطور الانسان واتساع مفاهيمه ومعارفه كما ظل الانسان يتقن في انتقاءها والقائها فكون الانسان منها نظرة الاعلام المباشر او الاتصال الجماهيري.

كما ان ايقاد النار وقرع الطبول واستعمال الرايات والاعلام والمشاعل والحمام الزاجل وسائل اعلامية بدائية سخرها الانسان لا يصال الكلمة.

ب- وخلال القرون الوسطى ظهرت طبقة التجار لها اهداف ودوافع معينة. فقد كانوا هؤلاء التجار ينقلون الاخبار والبضائع بين البلاد التي ينتقلون بينها وبذلك اعتبروا محورين للاخبار وينقلونها بين بلد واخر نتيجة تنقلاتهم.

وهكذا استمر الحال لحين ظهور المطبعة عام 1436م. على يد غوتبزغ وبتقدم الطباعة خرجت وسائل الاعلام الى عالم جديد لم يكن معروفا" في السابق وبذلك خرج الاعلام من حالة الفوضى الى اعتباره حرفة او صناعة فنية بعد ذلك قام اصحاب المطابع بجمع الاخبار وطبعها ونشرها بواسطة النشرات الاخبارية.

ج- وقد مهدت الاختراعات الواسعة الطريق امام الطباعة لكي تحقق تقدما" ملموسا" في بدايات القرن التاسع عشر حيث استخدمت الطباعة الالية عام 1840م كما وان ظهور التصوير وعمل الكلائش المحفورة ادى الى ازدهار الطباعة وتطور الصحافة وتعددها حيث بلغ عدد الصحف التي تصدر في فرنسا عام 1891م حوالي 400 صحيفة وفي بريطانيا عام 1910م حوالي 58 صحيفة.

وتطورت الطباعة ووصلت الى مرحلة (طباعة الاوفسيت) الحديثة الملونة ذات القدرة على انتاج الوف النسخ المطبوعة من الصحف والكتب خلال وقت قصير الامر الذي خلق نهضة فكرية في عالم ساعدت على تقريب الثقافات مع بعضها بين شعوب العالم.

وخلال القرن التاسع عشر نفسه ظهرت وكالات الاخبار التي طورت وسائل الاعلام تطورا" كبيرا" نحو الامام ومن اوائل هذه الوكالات هي وكالة (الاسوشيتدبريس) عام 1848م و (اليونايتدبريس) التي طورت النواحي الفنية في الصحافة خلال تلك الفترة حيث استخدمت الرسوم والصور الفوتوغرافية التي احدثت تقدما" هائلا" في عالم الاخبار... وقد ظهرت وسيلة اعلامية جديدة بظهور الراديو والسينما و التلفزيون التي احدثت ثورة في وسائل الاعلام الحديث اذ افتتحت اول دار للسينما في باريس عام 1895م وبعد الحرب العالمية الاولى سمعت الاذاعات في كل من انكلترا والولايات المتحدة الامريكية وبعدها فرنسا ثم تطورت الامور بظهور اول صحيفة تلفزيونية التي اعتبرت وسيلة حديثة من وسائل الاعلام المتطورة.

هـ- وشهد القرن العشرون احدث اساليب وسائل الاعلام باستعمال التكلس وارسال الصور بالراديو حتى تصل المعلومات عن مراكز صدورها بنفس المواعيد التي تصل فيه قرائها في المدن وكذلك استعمال التلستار والتلفزيون الملون ونقل الاخبار بالصور حال حدوثها في اماكنها مما جعل العالم متقاربا" مع بعضه البعض بحيث اصبح الاعلام في الوقت الحاضر جزءا من حياة الناس ودخل حياة المواطنين اليومية السياسية والتربوية والتوجيهية واصبح من الركائز الاساسية التي تعتمدها الدول في عمليات التقنية الاقتصادية والاجتماعية كما قدر له ان يكون اساس التفاهم الدولي والاحترام بين الامم لما يقوم به من دور رئيسي في نشوء المعلومات في عصر ما زالت الامية تشكل فيه احدى السمات البارزة.

ويمكن القول ان الاعلام السليم والجيد يسهم ويساعد في توطيد دعائم الامن والسلم الدولين.

وهكذا نرى ان الاعلام قد مر بمراحل متعددة منذ نشأته حتى عصرنا هذا أي منذ استعمال الطرق الاعلامية البدائية حتى مرحلة تسخير الاقمار الصناعية واستخدام الانترنيت واجهزة الهواتف النقالة, ويعزى السبب الى هذا التطور في وسائل الاعلام الى ايجار وساطة سريعة للاتصال بالأخرين والتفاهم معهم ونقل المعلومات اليهم يضاف الى هذا النزعة الانسانية المتمثلة في الابتكار والكشف عن المجهول وتسخير الطبقة وطاقاتها الحديثة.

 اما في العراق الحديث فقد تطورت وسائل الاعلام تطورا كبيرا وبسرعة مذهلة للغاية فالصحافة التي تعتبر وسيلة فعالة من وسائل الاعلام قد تطورت خلال النصف الثاني من هذا القرن وانتشرت انتشارا هائلا في نشر الاخبار والانباء الصحفية الشيقة التي تدفع الناس لقرارتها والاستماع لها.

اما الاذاعة العراقية فقد بثت اول برامجها عام 1936م والتلفزيون بث برامجه عام 1956م. ووكالة الانباء العراقية عام 1959م وادخل التلفزيون الملون عام 1976م.

وظل الاعلام في العالم العربي في حالة من التخلف والقصور التي فرضها الاستعمار والثقافات الغربية وزرع مبدا عدم الايمان بأهمية الاعلام كوسيلة مؤثرة من وسائل الاتصال الجماهيري ولها دور رئيسي في نشر المعارف وتوجيه الناس الى العمل. وساعد على ذلك هو ان هذا العلم جديد على الوطن العربي وخبرتهم في فن الاتصال ضعيفة. حيث ان فن الاتصال بالجماهير فن واسع له قواعده وادواته المقروءة والمسموعة والمرئية ومع ذلك فان المرحلة الحالية تشهد جهودا جادة لتطوير اجهزة الاعلام العربي وخاصة الاذاعة التلفزيونية وايجاد نوع من التعاون بين هذه الاجهزة عن طريق مركز التبادل الاخباري واطلاق قمر صناعي عربي والاتصال بالاجهزة العالمية عبر شبكات (التلستار) كما ان الوعي باهمية الاعلام بدا يزداد بعد ان فقد ثقة الجماهير نتيجة الجهد في استخدام وتوجيه هذه الاجهزة ونتيجة النكسات التي مر بها الوطن العربي.

 والسؤال المطروح الان كيف يمكن النهوض باجهزة الاعلام العربية والارتقاء الى المستوى المطلوب ؟

لاشك في ان هذا المسؤولية هي مسؤولية لا تخص قطرا واحدا ولا مسؤولية وطنية لكل اقطار الوطن العربي لخلق اعلام متطور ملتزم بالاهداف الوطنية. ومن هنا يتبين ان تسلح اجهزة الاعلام بوعي قادر على تحقيق التعاون بينها اسوة بالتعاون الحاصل بين الاذاعات الغربية عن طريق اتحاد الاذاعات الاوربية. والاقتراح لتشكيل هيئة اعلامية عربية تضم الهيئات الاعلامية الرسمية كاتحاد الاذاعات العربية والمكاتب الاعلامية واتحاد الصحفيين العرب واتحاد الفنانين واتحاد الادباء ومدها بما تحتاجه من امكانات تتمكن بعدها من القيام بالمهام المطلوبة منها؛ لإحداث تغيير جذري بما يكفل خلق صيغ ووسائل جديدة للاتصال بالجماهير تختلف عن الوسائل السابقة.

ونود ان نبين ان وسائل الاعلام في الدول النامية ينحصر تأثيرها في المدن حيث ان محطات الاذاعة والصحف والمسارح والسينما تتجمع في المدن وخاصة المدن الكبيرة رغم ان نسبة عالية من السكان يعيشون في المناطق الريفية بمعنى ذلك ان وسائل الاعلام انحصر تأثيرها في المدن دون الارياف.

ويعتبر البعض ان مشكلة تعدد اللغات في البلد الواحد من المشاكل المهمة التي تواجه انتشار الاخبار والمعلومات ويمكن ان نلاحظ ذلك في بلد مثل الهند يضم (21) ولاية تتكلم ب(18) لغة معترف بها من قبل الحكومة الى جانب اكثر من ثلاثين لغة محلية غير معترف بها وهذا يعني ان كل المعلومات التي تذاع من الراديو وتنتشر في الصحف تترجم الى اللغات المحلية وهذه ظاهرة تنطبق على معظم اقطار اسيا وافريقيا المكتظة بالشعوب ذات اللغات المتعددة ومن حسن الحظ ان للوطن العربي لغة واحدة وهذا مما يسهل المساعي الاعلامية ذلك ان الكلمة هي اداة اعلام ووسيلة ايصال الكلمة غايته.

* باحث عراقي

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 3/كانون الأول/2011 - 7/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م