العراق والانسحاب الأمريكي...  تحدي حفظ التوازنات والأمن

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: تسعى الحكومة العراقية من خلال تصريحات ارفع مسئوليها الى التخفيف من حجم المخاوف التي تكتنف شرائح المجتمع العراقي لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي نهاية العام الحالي.

حيث لا تزال العديد من الصراعات الاجتماعية والسياسية تكتنف المشهد الداخلي العراقي، إلى جانب وجود التهديدات الإقليمية التي تلقي بظلالها القاتمة أيضا، فيما تكشف التسريبات عن افتقار الجيش العراقي لقوة ردع استراتيجي في حال تعرض لهجوم أو مواجهة.

وتوقعت بعض الجهات الدولية حدوث اضطرابات مقلقة بعد اكتمال سحب القطعات الأمريكية قد تربك الوضع الأمني الهش في تلك الدولة، وهو ما تنفيه السلطات العراقية جملة وتفصيلا، مصرة على قدرتها في التصدي لاي تهديد داخلي او خارجي مستقبلا.

قائد أمريكي يتوقع اضطرابات

فقد قال أكبر قائد عسكري أمريكي في العراق يوم الاثنين انه يتوقع "اضطرابات" يثيرها مقاتلو تنظيم القاعدة ومتشددون شيعة يسعون لزيادة نشاطهم مع انسحاب القوات الامريكية من البلاد بحلول نهاية العام.

ولم يبق في العراق إلا أقل من 20 ألف جندي أمريكي يستعدون حاليا للانسحاب بحلول نهاية عام 2011 بعد قرابة تسع سنوات من الغزو الذي أطاح بالديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين.

وتراجعت أعمال العنف الى حد بعيد منذ ذروة الصراع الطائفي الذي شهده العراق قبل نحو أربعة أعوام لكن متشددين من السنة مرتبطين بتنظيم القاعدة وميليشيات شيعية لها صلات بايران ما زالوا ينفذون هجمات وتفجيرات مميتة وعمليات اغتيال.

وقال الجنرال لويد أوستن للصحفيين "مع رحيلنا يمكن أن تتوقعوا بعض الاضطرابات في الامن في بداية الامر وهذا لانكم سترون عناصر مختلفة تحاول زيادة حريتها في الحركة وحريتها في العمل. تنظيم القاعدة سيكون واحدا من تلك العناصر." وتابع قوله "اذا أثبتت قوات الامن العراقية وحكومة العراق قدرتهما على التصدي لذلك بكفاءة أعتقد أنه سيكون أمرا طيبا. أما اذا لم يتمكنا من ذلك فستستمر قدراتها (العناصر) في النمو." ويقول العراق ان جيشه يستطيع السيطرة على المسلحين لكنه يعاني نقصا في القدرات في مجالات مثل جمع المعلومات والدفاع الجوي وتأمين الحدود. بحسب رويترز.

وضعف تنظيم القاعدة في العراق بعد مقتل زعماء كبار وبفعل ضغط القوات الامريكية والقوات المسلحة العراقية التي أصبحت أفضل تدريبا على مكافحة المسلحين. لكن مسؤولين عراقيين يقولون ان توقف المساندة الجوية والتكنولوجية الامريكية سمح للمسلحين بالظهور مجددا في شمال وغرب العراق.

وتطور تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ليصبح حركة تمرد محلية وعاد للظهور في معاقله السابقة ويعمل أيضا متحالفا مع أعضاء سابقين في حزب البعث المحظور الذي كان يتزعمه صدام حسين لمحاولة زعزعة استقرار الحكومة.

وقال أوستن ان الميليشيات الشيعية التي ما زالت تستهدف القوات الامريكية المنسحبة يمكن أن تصبح تهديدا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي بعد انسحاب الجنود الامريكيين. وذكر أن أسلحة ومتفجرات ما زالت تتدفق عبر الحدود من ايران على الجماعات التي تستهدف القوات الامريكية بصفة رئيسية. وأضاف أوستن "اذا تركت تلك العناصر بدون كابح فسوف تتحول في نهاية المطاف ضد الحكومة ويجب أن يساورهم (الحكومة) القلق بهذا الخصوص."

وانهارت في أكتوبر تشرين الاول محادثات بين واشنطن وبغداد بخصوص بقاء مفرزة صغيرة من الجنود الامريكيين في العراق كمدربين وذلك لرفض الزعماء السياسيين العراقيين منح الجنود الامريكيين حصانة قانونية.

وسيكون قوام القوات الامريكية الباقية في العراق زهاء 150 فردا من العسكريين الملحقين بالسفارة. ويتوقع أن يتولى مئات المتعاقدين المدنيين تدريب القوات العراقية على عتاد جديد أمريكي الصنع اشتراه العراق.

لا قدرة للبعثيين

الى ذلك قال مسؤول أمني عراقي كبير ان البعثيين لن يكون بمقدورهم إجهاض العملية السياسية في العراق أو الانقلاب عليها بعد الانسحاب الأمريكي في نهاية العام. وتأتي تصريحات المسؤول عدنان الأسدي وكيل وزير الداخلية بعد حملة نفذتها قوات أمنية عراقية في نهاية الشهر الماضي استهدفت بعثيين سابقين وضباطا في الجيش العراقي السابق قالت السلطات انذاك انهم كانوا يخططون للإستيلاء على السلطة بعد رحيل القوات الأمريكية من العراق في نهاية.

لكن الأسدي قال ان البعثيين ليس لديهم القدرة على ذلك وانما هم يسعون الى إحداث إرباك أمني وسياسي في العراق بعد نهاية العام. وقال في مؤتمر صحفي "لا نقول ان لديهم (البعثيين) القدرة على احداث انقلاب عسكري او انقلاب سياسي بشكل كامل لكن الاعمال والمظاهرات والاعتصامات والاغتيالات والتفجيرات والقتل يؤدي الى زعزعة الوضع بشكل من الاشكال مما يؤدي الى إحداث اضطراب أمني."

وتحدث الاسدي عن "معلومات وادلة" قال انها توفرت لدى الحكومة العراقية وانها تشير "الى ان هناك تحركا لهذه المجاميع يتزامن مع انسحاب القوات الامريكية وبالتالي قد يؤدي هذا العمل الذي تقوم به هذه المجاميع الى خلخلة الوضع الامني وزعزعة الوضع السياسي... واحداث اضطراب امني."

وعرضت وزارة الداخلية في المؤتمر بعض الاشخاص الذين القي القبض عليهم في وقت سابق كما عرضت في المؤتمر افادات مسجلة لعدد منهم اعترفوا بقيامهم بعمليات مسلحة وقتل في مناطق عديدة وفي اوقات مختلفة. وكان الاسدي قد اعلن ان ما يقارب 620 شخصا قد القي القبض عليهم من مجموع 800 شخص تسعى للسلطات للقبض عليهم.

وقال الاسدي في المؤتمر ان القوات الامنية العراقية ما زالت تطارد ما تبقى من هؤلاء لالقاء القبض عليهم. وكانت حملة الاعتقالات قد احدثت ردود فعل سياسية وشعبية غاضبة وخصوصا بين السنة العرب. بحسب رويترز.

ويحظر الدستور العراقي الذي شرع في العام 2005 بعد الغزو الامريكي للعراق والذي اطاح بنظام حكم حزب البعث اي تنظيمات لحزب البعث المنحل. واشتكى الاسدي في المؤتمر الصحفي من عدم قيام الحكومة العراقية بتشريع قانون لمحاكمة الاشخاص الذين ينتمون الى حزب البعث رغم وجود نص دستوري يحظر نشاطات هذا الحزب. لكنه قال ان مسودة قانون بهذا الشأن قد تم الانتهاء منها وارسلت الى البرلمان لمناقشتها وتشريعها. وقال الاسدي ان وجود قانون بهذا الشأن سيسهل عملية محاكمة هؤلاء الاشخاص.

وكان عزت الدوري نائب الرئيس العراقي السابق والمطلوب للادارة الامريكية قد انكر في خطاب متلفز قبل ما يقارب الاسبوعين وجود خطة لحزب البعث للانقلاب على العملية السياسية. وقال الدوري ان عدد الذين القي القبض عليهم تجاوز 900 شخص.

وكان مسؤولون عراقيون قد عبروا عن قلقهم من احتمال قيام حزب البعث بالاطاحة بالعملية السياسية وخاصة بعد الانسحاب الامريكي من العراق. لكن جهات اخرى وصفت مثل تلك التصريحات بانها مبالغ بها.

حوالي 700 مدرب امريكي سيبقون

في سياق متصل قال مسؤولون عراقيون وامريكيون ان حوالي 700 مدرب امريكي معظمهم مدنيون سيساعدون قوات الامن العراقية عندما تغادر القوات الامريكية العراق بحلول نهاية العام. وهذا العدد منخفض كثيرا عن الرقم الذي ناقشته واشنطن وبغداد في احدى المراحل والبالغ بضعة الوف من الجنود والمتعاقدين.

وقال مسؤول أمني عراقي بارز على دراية بالمحادثات "لم تعد هناك محادثات بشان هذه المسألة والعدد الاجمالي النهائي للمدربين الامريكيين هو 740 ... معظمهم متعاقدون مدنيون للتدريب على الاسلحة وعدد قليل فقط ضباط عسكريون."

ويحتاج العراق الي خبراء امريكيين لتدريب قواته الامنية على دبابات وطائرات مقاتلة ومعدات امريكية اخرى مع قيامه باعادة بناء جيشه. وقال مسؤول عسكري امريكي ان حوالي 700 مدرب مدني من المتوقع ان يبقوا الي جانب 157 عسكريا سيكونون ملحقين على مكتب التعاون الامني بالسفارة الامريكية وقوة حراسة تتألف من 20 الي 25 من مشاة البحرية.

وقال المسؤول العراقي ان المدربين سيعملون في قواعد عراقية في بغداد وتكريت وكركوك والبصرة والناصرية وبسمايا والتاجي واربيل. وسيجري الحاق ما يزيد قليلا عن 100 مدرب على وزارة الداخلية لتدريب الشرطة وسيعمل الباقون مع وزارة الدفاع. واضاف قائلا "هم ليس لهم أي حصانة لكنهم سيكونون جزءا من وفد السفارة الامريكية في العراق."

فشل محاولات التدخل الايراني

فيما اعرب مستشار الرئيس الاميركي باراك اوباما للامن القومي ان مساعي ايران للتدخل في العراق فشلت، مؤكدا ان بلاده ستعمل على الحفاظ على استقلال العراق بعد انسحاب اخر القوات الاميركية منه في كانون الاول/ديسمبر المقبل. وقال توم دونيلون في كلمة خصصها لايران في معهد بروكينغز في واشنطن ان "ايران فشلت في محاولاتها لتحويل العراق الى بلد تابع لها، على صورتها". واضاف في كلمته التي وزعها البيت الابيض "في الواقع، ينحو العراقيون في الاتجاه المعاكس (لرغبات ايران) من خلال ارساء دولة ديموقراطية، تعارض بقوة التدخلات الخارجية غير المشروعة".

وقال ان لدى ايران والعراق "رؤيتين مختلفتين كثيرا بشأن مستقبلهما"، مشيرا الى استطلاع حديث بين ان "14% فقط من العراقيين يؤيدون ايران". وتابع "حتى انصار (الزعيم الشيعي) مقتدى الصدر الذي تدعمه ايران، ثلاثة ارباعهم لديهم اراء غير ايجابية تجاه ايران".

واعلنت الولايات المتحدة انها شددت عقوباتها على الاشخاص الذين يقدمون مساعدة مادية للقطاع النفطي والبتروكيميائي في ايران التي تصر على الاستمرار في برنامج تخصيب اليورانيوم، وهددت بفرض عقوبات في المستقبل على البنوك التي تتعامل مع هذا البلد في العالم اجمع. بحسب فرانس برس.

ويستعد الجنود الاميركيون للانسحاب من العراق الشهر المقبل بعد ثماني سنوات ونصف سنة من اسقاط نظام صدام حسين. وقال دونيلون انه على الرغم من سحب القوات "سنبقى ملتزمين بلا كلل في شراكة استراتيجية بعيدة المدى مع العراق، من بينها التعاون في المجال الامني والتي ستضمن بقاء العراق فاعلا قويا ومستقلا" في الشرق الاوسط.

وقال دونيلون في كلمته ان النظام الايراني هو اليوم "اكثر عزلة من اي وقت مضى على الساحة الدولية" ولم يعد في وسعه الاعتماد سوى على حليفين هما سوريا وحزب الله اللبناني. وبشان سوريا، اعتبر دونيلون ان النظام السوري برئاسة بشار "الاسد، اهم حلفاء ايران، معزول تماما ومدان في كل مكان (...) التغيير حتمي" في سوريا، معتبرا ان انهيار النظام "سيشكل اكبر انتكاسة لايران في المنطقة".

ووعد مستشار اوباما بان تواصل الولايات المتحدة العمل من اجل "زيادة عزلة ايران في المنطقة والعالم. وحتى وان كان باب التحرك الدبلوماسي لا يزال مفتوحا، لن نتخلى عن اي خيار" في اشارة الى ضرب المنشآت النووية الايرانية. وقال "نحن مصممون على منع ايران من الحصول على السلاح النووي".

الامم المتحدة

من جهته قال مسؤول دولي بعد لقاء مع المرجع الشيعي العراقي الكبير آية الله علي السيستاني في النجف الاثنين ان القوات العراقية قادرة على حفظ الامن بعد الانسحاب الاميركي، رغم "المشاكل والتحديات" التي تنتظر البلاد. واضاف مارتن كوبلر ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق في مؤتمر صحافي عقده بعيد لقائه السيستاني في منزله في النجف، انه ناقش مع المرجع الشيعي "الانسحاب الاميركي من العراق (...) وجهوزية القوات الامنية العراقية التي ستكون مسوؤلة عن حفظ الامن في البلاد". وتابع "جئت الى النجف للاستماع الى نصح سماحة السيد حول ابرز المشاكل التي تشخصها المرجعية في العراق".

الا ان كوبلر اعرب عن ثقته في ان "القوات العراقية ستكون قادرة على حفظ الامن" بعد الانسحاب الاميركي. وحذر في الوقت ذاته من "مشاكل (...) وتحديات لمرحلة ما بعد الانسحاب (...) اذا انتقلت البلاد من نظام امني الى نظام امني اخر"، مشيرا الى ان "هناك فرصة كبيرة للعراقين ليثبتوا للعالم انهم اهل لتحمل المسوؤلية". واكد ان "الامم المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة على المستوى السياسي والتنموي". بحسب فرانس برس.

وتطرق المسؤول الدولي الى "المشاكل التي يعاني منها العراق بسبب الفصل السابع"، لافتا الى انه سيزور "الكويت الاسبوع المقبل لمناقشة خروج العراق من الفصل السابع" لميثاق الامم المتحدة.

آخر عيد شكر لهم

من جانب آخر احيا جنود اميركيون في قاعدة عسكرية قرب بغداد آخر عيد شكر لهم في العراق، معلنين عن سعادتهم لقرب عودتهم الى الولايات المتحدة. يحيي الاميركيون عيد الشكر بعد ايام، الا ان الجنود قرروا تنظيم الاحتفال في وقت مبكر والتوجه الى مقر تناول الطعام في معسكر فيكتوري قبيل اغلاقه بشكل نهائي.

وتجمع حوالى 6600 جندي ومقاول اميركي في المعسكر حول طاولات زينت باوراق ملونة فيما انتشرت لافتات كتب عليها "عيد شكر سعيد". وقال مسؤول مقر تناول الطعام في المعسكر الرقيب اول كريستوفر كويمبلي (38 عاما) "نتناول عشاء عيد الشكر هنا اليوم بدل يوم الخميس المقبل لاننا سنغلق هذا المكان بعد قليل". واضاف "الوجبة الاخيرة ستكون عبارة عن حبش ولحم خنزير وحبوب وذرة وبطاطا مهروسة وانواع عدة من الحلويات". وتابع انه "يجري تقديم اكثر من حوالى طن من الحبش وطن من لحم الخنزير وطن ونصف الطن من البطاطا المهروسة".

وقال كويمبلي "الشكر هو لكل شيء هنا، ونحن شاكرون كل يوم، وهذا يعني الكثير بالنسبة لنا. بدانا من الصفر هنا، راينا المكان ينهض، واليوم نشاهده يغلق". وذكر كويمبلي وهو اب لثلاث بنات انه يتوق "حتما للعودة الى المنزل". وكان كويمبلي بدا في ايار/مايو الماضي خامس مهمة له الى العراق. بحسب فرانس برس.

من جهتها وصفت شاونا ماكنيل (23 عاما) التي تشارك في اول مهمة لها في العراق العشاء في معسكر فيكتوري بانه يمثل "دافعا معنويا جيدا لنا". واضافت "انه امر جيد لاننا نعلم ان الوقت يضيق ولم يعد هناك اي متسع منه، فهذا العشاء الاخير هنا ونحن بدانا نقترب اكثر من منزلنا، وبتنا اكثر استعدادا للعودة اليه". وتابعت "اعتقد انه من الجيد ان نجتمع كلنا وان نستمتع بوجبة جيدة. اعرف الكثير من الناس الذين يشعرون بالشوق لعائلاتهم، لذا فان عشاء كهذا يساعدهم على تخطي ذلك".

واعتبر الرقيب جيمس سكوت (45 عاما) انه "من المفرح المشاركة في آخر عشاء (غير جاهز)". واضاف سكوت الذي يشارك في ثاني مهمة له في العراق "لقد كانت تجربة جيدة جدا، وقد قاموا جميعهم بعمل جيد جدا". وتابع "انها بداية عملية الاغلاق، والاحتفال براس سنة جديدة في وطننا"، مضيفا "انا جاهز للعودة الى كنتاكي والاسترخاء هناك والانضمام الى عائلتي".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 27/تشرين الثاني/2011 - 1/محرم الحرام/1433

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2011م