الاقتصاد الأخضر... خيار لا مفر منه

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: اصبح الاقتصاد الاخضر مطلباً أساسياً وحتمياً لمعظم دول العالم، وذلك لإيقاف التدهور البيئي المتمثل في تفاقم ظاهرة تغير المناخ، ويعد هذا النوع من الإقتصاد نموذجاً جديداً من نماذج التنمية الإقتصادية السريعة النمو، اذ انه يقوم أساساً على معرفة الاقتصاديات البيئية التي تهدف الى معالجة العلاقة المتبادلة ما بين الإقتصاديات الإنسانية والنظام البيئي الطبيعي، وهو يناقض نموذج ما يعرف بالإقتصاد الأسود والذي يقوم أساسه على الوقود الحجري مثل الفحم والبترول والغاز الطبيعي، بينما يعتمد الإقتصاد الأخضر على الطاقة الخضراء والتي يقوم توليدها على أساس الطاقة المتجددة، بدلاً من الوقود الحجري، والمحافظة على مصادر الطاقة واستخداماتها كمصادر طاقة فعالة، فضلاً عن أهميته كنموذج في خلق ما يعرف بفرص العمل الخضراء، وضمان النمو الإقتصادي المستدام والحقيقي، ومنع التلوث البيئي واستنزاف الموارد الطبيعية.

وبحسب الخبراء في هذا المجال، قالوا إن الدول العربية لا تملك خيارا آخر ويجب أن تتجه نحو إلاقتصاد الاخضر الذي يراعي البيئة، ويتوقع خبراء آخرون في هذا النوع من اقتصاد بأن الاقتصاد الأخضر سيكون الحل الامثل والانسب للخروج من الازمات الاقتصادية والبيئية العالمية، لما له من تأثيرات إيجابية على المناخ والتنمية، وأنه الخيار الناجع للتمنية الاقتصادية في الوقت الحالي والمستقبل.

توجه العالمي

فقد أكد تقرير للأمم المتحدة أن هناك توجها متزايدا في حكومات العالم وشركاته الاقتصادية لتبني ما يعرف بالاقتصاد الأخضر، ما من شأنه زيادة النمو الاقتصادي وخفض آثار الاقتصاد على البيئة، وأشار التقرير الذي أعلن عنه في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا إلى تزايد الخطوات التي تتخذها حكومات العالم وشركاته نحو مستقبل تقل فيه انبعاثات الغازات الضارة، ويزداد فيه العدل الاجتماعي وترشيد استهلاك الطاقة الكربونية، وحمل التقرير الذي أعده خبراء في برنامج الأمم المتحدة للبيئة يونيب عنوان نحو اقتصاد أخضر، طرق تحقيق التنمية المستدامة ومكافحة الفقر، من الممكن التحول على مستوى العالم من الاقتصاد البني إلى الاقتصادالأخضر من خلال استثمار 2% من إجمالي الناتج الاقتصادي للعالم في عشر قطاعات مفصلية في الاقتصاد، وجاء في بيان ليونيب أن من الصين وحتى دولة بربادوس، ومن البرازيل وحتى جنوب أفريقيا، فإن دولا تعكف حاليا على تطوير إستراتيجيات وأنشطة اقتصادية لدفع النمو الاقتصادي ولتوفير فرص عمل وحماية البيئة وتحقيق المساواة. بحسب وكالة الأنباء الألمانية.

وجاء في التقرير أن من الممكن التحول على مستوى العالم من "الاقتصاد البني" إلى الاقتصاد الأخضر من خلال استثمار 2% من إجمالي الناتج الاقتصادي للعالم في عشر قطاعات مفصلية في الاقتصاد، وأن ذلك يمكن أن  يدفع بالاقتصاد للنمو أكثر مما تنبأ به الخبراء حتى الآن، وأن معدل دخل الفرد يمكن أن يرتفع على مستوى العالم في حال الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر، ويمكن أن تتراجع الآثار السلبية للاقتصاد على البيئة إلى نصف ما عليه الآن بحلول عام 2050، ويعتمد التقرير على بيانات أبحاث أجريت على مدى السنوات الثلاث الماضية وشارك في إعدادها مئات الخبراء.

سبيل الخروج من الأزمة العالمية

من جهته قال مسؤول إن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر هو السبيل لانتشال الاقتصاد العالمي من أزمته الحالية واستحداث وظائف، وهو تقريبا ما ذهبت إليه وزيرة إيطالية في ختام اجتماع بشأن التغيرات المناخية بسيراكوزا في صقلية جنوبي إيطاليا.فقد رأى المدير العام لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة آشيم شتاينر أن إمكانية هائلة لتوفير وظائف في إطار ما يصطلح عليه بالاقتصاد الأخضر الذي يقصد به الأنشطة الصناعية التي لا تسبب تلوثا للبيئة، وقال شتاينر في مؤتمر صحفي في ختام اجتماع وزراء البيئة في دول مجموعة الثماني وثماني دول أخرى صاعدة إنه لا أحد ينتبه إلى أن 2.2 مليون وظيفة تعتمد مباشرة على إنتاج طاقات متجددة، وأشار إلى أن هذا العدد معادل لعدد لوظائف في قطاعات النفط والغاز والفحم. وساق المسؤول الأممي مثال كوريا الجنوبية حيث أوجد الاستثمار في الاقتصاد الصديق للبيئة 350 ألف وظيفة أغلبها مرتبط بتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب وحماية الأنظمة البيئية، وقال لو قامت أوروبا وآخرون بالشيء نفسه لحملنا هذا على الاعتقاد بأننا سنشهد طفرة في توفير الوظائف عبر العالم". وأضاف في السياق نفسه "نحن أمام لحظة تاريخية يتعين علينا فيها أن نقرر ما إذا كان مستقبلنا سيكون رماديا أم أخضر، وقال مدير برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه يشعر بأن رسالة الاجتماع الوزاري بسيراكوزا تكمن في أن تجاوز الأزمة المالية والاقتصادية يمر عبر الاستثمار في البيئة، وفي التصريحات نفسها, أبدى المسؤول الدولي رضاه عن النتائج التي تحققت في الاجتماع. إلا أن شتاينر أشار إلى أن هناك قضايا رئيسة يتعين حلها قبل القمة العالمية بشأن المناخ التي تعقد في ديسمبر/ كانون الأول القادم بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وتتعلق القضايا اتي أشار إليها شتاينر بالأهداف المرسومة للحد من انبعاث الغازات الصناعية المتسببة في ظاهرة الاحتباس الحراري, وتمويل الاستثمارات اللازمة لتطوير الاقتصاد الصديق للبيئة، وقد توصل الوزارء المشاركون في الاجتماع إلى اتفاق بشأن التنوع البيئي والمحافظة على الأنواع المهددة بالانقراض. وتنص الاتفاقية التي وقعتها الدول المتقدمة مع نظيراتها النامية على مكافحة القطع الجائر للغابات والاتجار غير القانوني في الكائنات البرية.

 في المقابل, لم يتوصل إلى اتفاق بشأن الحد من الانبعاثات المتسببة في التغيرات المناخية رغم وصف عدد من الوزراء المناقشات التي جرت على مدى ثلاثة أيام بالصريحة، وفي موقف مماثل, اعتبرت وزيرة البيئة الإيطالية أن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية تمثل فرصثة ذهبية لجعل الاقتصاد العالمي اقتصادا أخضر. بحسب رويترز.

وقالت الوزيرة ستيفانيا بريستيجياموكو, التي كانت تتحدث في ختام الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام, إنه ينبغي صبغ خطط مكافحة الأزمة التي أقرتها مجموعة الثماني (التي تضم الدول السبع الأكثر تصنيعا وروسيا) باللون الأخضر.

النموذج الصيني

فيما حث الأمين العام للأمم المتحدة الصين على تشجيع استخدام الطاقة النظيفة والاستثمار في النمو الاقتصادي الأخضر وأن تصبح قدوة للدول النامية في التعامل مع أزمة التغير المناخي، وقال بان كي مون في خطاب ألقاه قبيل اجتماعه بالرئيس الصيني هو جينتاو إن "الصين ومنذ وقت طويل هي صاحبة الاقتصاد الأسرع نموا في العالم. وهي أيضا مصدر رئيسي للانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري، كما أنها واحدة من الدول الأكثر عرضة لتأثير التغير المناخي، وأطلق بان -الذي بدأ الخميس زيارة للصين تستغرق أربعة أيام- هذا التحذير أثناء افتتاحه مشروعا لتعزيز الإضاءة الموفرة للطاقة الذي تقول الحكومة الصينية إنه سيخفض استهلاك الطاقة بنسبة 8%، وأضاف أن "تقدم الصين في تحقيق سياسات مستدامة اقتصادية وأخرى خاصة بالطاقة بشكل متزامن، أمر هام ليس لمواطني الصين فحسب وإنما لمواطني العالم بأسره، وخاطب الأمين العام للأمم المتحدة المسؤولين الصينيين قائلا إن "أسلوبكم في التعامل مع التغير المناخي يمكن أن يظهر للعالم أن الصين مستعدة لأن تشغل دورا قياديا عالميا في القرن الحادي والعشرين، وقال بان كي مون إن لدى الصين فرصة لتخطي عقود من التنمية التقليدية القائمة على استخدام الوقود الأكثر تلويثا للبيئة، وقال أيضا إن في وسع الصين أن تستفيد من النمو الاقتصادي الصديق للبيئة سواء في مجتمعها أو في السوق العالمي، وتابع أن "الصين تستطيع أن تكون نموذجا ليس للدول النامية فحسب ولكن للعالم بأسره. وكان بان قد جعل من التغير المناخي أولوية لبرامج الأمم المتحدة . بحسب وكالة الانباء الالمانية.

ومن المقرر أن يلتقي قادة الحكومات في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن من 7 إلى 18 ديسمبر/كانون الأول القادم في محاولة للتوصل لاتفاق جديد يحل محل بروتوكول كيوتو لخفض انبعاثات الكربون المسببة للانحباس الحراري العالمي. وينتهي البروتوكول الحالي في عام 2012.

سويسرا وصديق البيئة

بينما تميل الشركات السويسرية إلى إيجاد بديل لأعمالها، يجعلها تبتعد بقدر المستطاع عن الأزمة المالية. إذ آن الأوان، اعتماداً على آراء شرائح واسعة من الخبراء، للتمدد والتوسع داخل الاقتصاد الأخضر الصديق للبيئة، عملت أكثر من 70 ألف شركة سويسرية للاستثمار في المنتجات والتكنولوجيا الصديقة للبيئة. ما يعني أن حوالى 20 % من الشركات السويسرية لها تفرعات اليوم داخل هذا النوع من الاقتصادات الواعدة. وتتفق حاليًا كل الكانتونات السويسرية حول تقديم الدعم والتسهيلات كافة لشركات الاقتصاد الأخضر، من جانبهم يفيدنا المراقبون أن الشركات العاملة في قطاعي إعادة تدوير النفايات وتوليد الطاقة المتجددة تمشي اليوم خطوة خطوة إلى جانب مئات الشركات الأخرى، التي تتبنى خيارات تجارية بيئية، ستقتحم قطاعات جديدة غير تقليدية مستقبلاً. ونجد بين هذه الشركات تلك الزراعية مثلاً، التي تدمج الأنشطة التقليدية بأخرى بيولوجية، والكيميائية التي تخطط لطرح منتجات إبداعية في الأسواق المحلية والخارجية، ومن ضمنها مواد خاصة بالبناء والصناعية الأخرى، في هذا الصدد، يشير الخبير كارل باستازين لصحيفة "إيلاف" إلى أن شركات الاقتصاد الأخضر تستأثر في العام الحالي بأكثر من 17 % من الوظائف المعروضة على أصحاب الكفاءات العليا. كما إن 20 % من الشركات، أي 70 ألف شركة تقريباً، ومن بينها 23 ألف شركة صناعية، تساهم مباشرة راهناً في تعزيز قسم من الناتج المحلي الإجمالي. بحسب فرانس برس.

وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة، بلغ مجموع الاستثمارات في كل المنتجات والتقنيات الصديقة للبيئة، أكثر من 3.7 بليون فرنك سويسري. وتتباين قوة استثمارات كهذه بين كانتون وآخر. لكن، وبصرف النظر عن التحليلات الكانتونية، تتمكن الخبيرة من القول إن سويسرا الموحدة استفاقت، بعدما قطعت الأمل في العثور على حلول سريعة لمعالجة أوضاع أنشطة شركاتها التقليدية، كي تكتشف أن الاقتصاد الأخضر خير علاج لها، علاوة على ذلك، تنوه هذه الخبيرة بأن الطاقة المتجددة هي بدورها قاعدة تجارية مهمة، ستعتمد عليها الحركة التجارية لا سيما لناحية تصدير كل تقنياتها شديدة التطور إلى الخارج. ورغم أن سويسرا تختار الاقتصاد الأخضر، بيد أن الاقتصاد النووي المتعلق ببناء منشآت الطاقة الذرية لن يموت. هنا ستلعب سويسرا كذلك دوراً في تصدير التكنولوجيا الذرية إلى الخارج، خصوصاً بعد تحركات إماراتية وسعودية ترحّب بتبني الطاقة المتجددة وتلك النووية على أراضيها.

العالم العربي

من جانب اخر ما هو واقع الاقتصاد الأخضر وآفاقه في العالم العربي انطلاقا من مؤتمر عالمي عقد في بيروت حول الموضوع ذاته يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر اكتوبر/تشرين الأول 2011 بإشراف المنتدى العربي للبيئة والتنمية.لاتصل مساهمة البلدان العربية في منظومة الاقتصاد الأخضر حتى واحدا بالمائة اليوم .وعلى الرغم من أن هذه البلدان قد انتهجت أحيانا نماذج جريئة للنمو الاقتصادي فإن سياساتها العامة فشلت في تطعيم أبعاد الاقتصاد الأخضر الثلاثة أي الاعتبارات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الموارد الطبيعية بهدف استغلالها استغلالا مستداما، هذا هو أحد الاستنتاجات الأساسية في التقرير السنوي الذي أصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية بمناسبة انعقاد مؤتمره السنوي في العاصمة اللبنانية يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر أكتوبر –تشرين الأول عام 2011. وصدر التقرير بعنوان جاء على الشكل التالي : "الاقتصاد الأخضر في عالم متغير. " وركز واضعوه بشكل خاص على المشاكل المتصلة بعدد من القطاعات وسبل تطويقها أو تسويتها في نهاية المطاف. وهي المشاكل المتصلة  بالزراعة والمياه والصناعة والنقل والمواصلات والمدن والمباني وإدارة النفايات والسياحة، ويتضح من خلال المعطيات التي جمعها واضعو التقرير الذي ورد في مائتين وثمانين صفحة عن أداء البلدان العربية المتصل بأبعاد الاقتصاد الأخضر الثلاثة أن هناك قصورا كبيرا فيه لأسباب كثيرة منها عدم التخطيط المحكم في مجال السياسيات التنموية  ، فالفقر  لايزال مثلا يطال قرابة سبعين مليون نسمة في العالم العربي . وظاهرة البطالة متفشية لدى شرائح كثيرة في مقدمتها شريحة الشباب . ويزال أكثر من خمسة وأربعين مليون عربي يفتقرون إلى الخدمات الصحية الدنيا وإلى المياه النظيفة. بل إن كلفة التدهور البيئي في البلدان العربية تبلغ كل سنة خمسة وتسعين مليار دولار أي ما يعادل خمسة بالمائة من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي عام ألفين وعشرة، وبالرغم من أن العالم العربي يشكو اليوم من ندرة المياه ،فإنه يستمر في هدر منسوب المياه العذبة القليلة  التي لديه . ويحتل العالم العربي المراتب الأخيرة في كفاءة استخدام المياه العذبة ومصادر الطاقة ولاستثمار في منظمة الاقتصاد الأخضر وتقنياته وإدارته، وقد أصدر المشاركون في أعقاب فعاليات مؤتمر الاقتصاد الأخضر في البلدان العربية توصيات في أعقاب هذه التظاهرة باتجاه أصحاب القرارات السياسية والاقتصادية ومؤسسات البحث العلمي العامة والخاصة لحثهم على إعادة النظر في منهجيات التعامل مع منظمة الاقتصاد الأخضر . وأهم التوصيات الموجهة إلى الدول ومؤسساتها العامة هي تلك التي تدعو لإرساء استراتيجيات وطنية وإقليمية  في مجال كفاءة استخدام الطاقة وإدارة الطلب عليها وبخاصة في ما يتعلق بمصادر الطاقات المتجددة، وطلب المؤتمر أيضا من هذه الدول العمل على توظيف استثمارات مستمرة في مجال ترشيد استخدام المياه في كل المجلات وفي النقل العام في المدن وفي خطوط السكك الحديدية لنقل المسافرين والبضائع. بحسب فرانس برس.

وإذا كان المؤتمر قد دعا القطاعين العام والخاص للتعاون وجعل مثل هذه الاستثمارات وسيلة ناجعة للحفاظ على الموارد الطبيعية وخلق مواطن عمل، فإنه شدد على ضرورة تخصيص جزء هام منها في مجالات التأهيل وإعادة التأهيل والابتكار والبحث العلمي باعتبار أن مستقبل الاقتصاد الأخضر لن يكون واعدا خارج الاعتماد على المعلومة الجيدة والمعرفة المتطورة باستمرار لاسيما في وقت أصبح فيه العالم العربي في مقدمة مناطق العالم المعرضة لمخاطر التقلبات المناخية القصوى والتي كانت موضوع تقرير عام ألفين وتسعة، وكان التقرير الأول قد تناول موضوع  التحديات البيئية الكبرى المطروحة بحدة في العالم العربي وتعلق التقرير الثالث وقبل الأخير بمسألة إدارة الموارد المائية المتناقصة إدارة رشيدة.

قبل نفاذ الذهب الأسود

على صعيد اخر كان البترول عصب التمنية على إمتداد سنوات في العالم العربي، الآن تتجه حقبة البترول نحو النهاية والمجتمعات العربية ليست بعد مستعدة لذلك. أحد التقارير المنشورة مؤخرا للمنتدى العربي للبيئة والتنمية يوضح ذلك، البترول له كلفة عالية جدا: سنة بعد أخرى ترتفع تكاليف الخسائر البيئية في البلدان العربية، إذ وصلت حاليا 95 مليار دولار أمريكي أو خمسة بالمائة من الناتج الخام للبلدان العربية مجتمعة للسنة الماضية. هذه الإحصائيات عرضها مراد أحمد الفقيه، من منظمة حماية البيئة باليمن، الذي ينتقد في المقام الأول الإهتمام الضعيف بحماية البيئة أثناء عمليتي الإنتاج والتوزيع. ويخشى الفقيه أن تتراجع القدرة التنافسية للمواد المنتجة بالعالم العربي، يقول الفقيه إن" الدول العربية لاتملك خيارا آخر ويجب أن تتجه نحو إقتصاد يراعي البيئة". خبراء آخرون في هذا المجال يشاطرون الفقيه فيما ذهب إليه، يعتبر المنتدى العربي للبيئة والتنمية منظمة غير حكومية تجمع خبراء ومنظمات في المجال البيئي، وممثلين للقطاعات الخاصة والحكومية من مختلف البلدان العربية. هذا المنتدى، الذي يوجد مقره في بيروت، ركز في تقريره لهذا العام بقضية التنمية المستدامة في العالم العربي النتائج مخذلة، فإذا لم يتم التفكير بشكل عميق فإن إقتصادات الدول العربية لن يكون بمقدورها التغلب على تحديات السنين المقبلة، فمن جهة فالدول ذات نسبة كثافة سكانية عالية لاسيما من شريحة الأطفال والشباب، بحاجة مستعلجة إلى مشاربع التنمية وفرص العمل، لكن من جهة أخرى لا يجب إغفال الحفاظ على البيئة، إعتمدت الدول العربية لفترة طويلة على البترول لوحده. حتى في تقرير"برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" حول التنمية تمت الإشارة إلى الفقر، والبطالة والإضطرابات البيئية كأبرز المشاكل التي يعاني منها العالم العربي، فنسبة 27،3 بالمائة من الشباب عاطلون عن العمل و يلزم إحداث 51 مليون فرصة عمل حتى سنة 2020، صحيح أن هناك نماذج متعددة للإقتصادات الذي تراعي البيئة مثل: مبادرة مصدر بمدينة أبوظبي لأمن الطاقة والتغير المناخي أو مشاريع إستخدام الحرارة الأرضية في الأردن أو الزراعة البيولوجية العضوية في مصر أو لبنان. لكن هذه المبادرات تبقى خجولة، فالتنمية المستدامة في البلدان العربية لا زالت ضعيفة التداول، ةرغم درجات الحرارة المرتفعة في البلدان العربية إلا أن مشاريع الطاقات البديلة كالطاقة الشمسية لاتزال ضعيفة جد، كمثال حول نهج سياسة خاطئة نجد البترول والغاز لايزالان يشكلان أهم مرتكزات الإقتصاد بدول مجلس التعاون الخليجي. إذ يشكل، حسب تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، 60 بالمائة من الناتج الإجتماعي الخام في قطر وقرابة 55 بالمائة بالعربية السعودية وحوالي 40 بالمائة في دولة الإمارات العربية المتحدة. هذه الدول السالفة الذكر تتوفر أيضا على أعلى درجة إستهلاك الكهرباء للفرد الواحد في العالم بأسره.

أما على مستوى حجم انتاج النفايات للشخص الواحد نجد في المقدمة قطر، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، والبحرين، إذ تعتبر هذه الدول "بطلة العالم" في نسبة أوكسيد الكاربون الذي يلقي في الهواء. من بين الأسباب التي تدفع لذلك يشير إبراهيم عبد الجليل، برفسور التسيير البيئي بجامعة المنامة بالبحرين، إلى عدم تحفييز المواطنين إلى إلإقتصاد في إستعمال الطاقة. يقول إبراهيم عبد الجليل "الدولة تدعم أسعار مصاريف الكهرباء بشكل كبير، فالمملكة العربية السعودية مثلا تدعم الكهرباء بنسبة 79بالمائة، هذا يعني أن المستهلك يتكلف فقط 20بدفع بالمائة الباقية". دول التعاون الخليجي تتوفر أيضا على جزء كبير من الصناعة المكونة من قطاعات كالألومنيوم أو منوجات إسمنتية. لكن المسؤولين الخليجيين يتوجسون من وقف الدعم، فقرار من هذا القبيل سيكون قرارا غير مرغوب فيه. 

من جانبه عبد الجليل الذي شارك في إعداد تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية، ينتقد بشدة أصحاب القرار في الدول المصدرة للبترول لأنها ما تزال تشتغل بنماذج متقادمة ف"الحاجة إلى الطاقة المتجددة في تزايد مستمر، لكنه يتم بناء محطات توليد الطاقة تشتغل بوقود أحفوري عوض إستعمال تقنيات أخرى بديلة لذلك، يضيف عبد الجليل أن المشرع لم يقم بخلق شروط ملائمة لدعم إستخدام الطاقات البديلة، وحتى في مجالات أخرى  كالماء أو تصريف النفايات توجد نواقص يتحتم تداركها. حسب تقرير المنتدى فإن 80 بالمائة من النفايات في الدول العربية قابلة لإعادة الإستعمال لكن فقط 5 بالمائة يتم تدويرها قصد إستخدامها مرة أخرى، وما تبقى من النفايات يتم إحراقه أو دفنه تحت الأرض. خبير النفايات في جامعة القاهرة رامي شربيني يرى أنه يلزم العودة الى رواسب عقدين من الزمن من النفايات قصد إعادة تدبيرها.

على حد تعبير رامي شربيني فإن" الخطوة الاولى هي رفع قيمة الضرائب على المنتوجات التي تكلف كثيرا. حتى المواد المغلفة، التي يمكن تدوريرها، يجب سن زيادة في قيمة ضرائبها. من جانبهم يتحتم على المنتجين والمستهلكين أن يتحملوا مسؤولياتهم". موازاة مع ذلك يأمل شربيني أن يتم التوقيع على مذكرة تفاهم من طرف المواطنين و يختم خبير النفايات شربيني تصوره لعمية تدوير النفايات بأثمنة مناسبة بالقول:" حتى الأسمدة في البلدان العربية لا يتم إنتاجها بشكل فعال وشامل. 

بالنسبة لمنتدى العربي للبيئة والتنمية فإن أهم خطوة في إطار السعي إلى بناء إقتصاد أخضر (بيئي)، هو رفع الدعم عن  الوقود والكهرباء والماء. كل ما سيتم توفيره من الأموال سيستثمر في عملية إحداث فرص عمل ودعم البحث العلمي في مجال الإقتصاد الأخضر.

أسواق أوروبا

فيما لا يزال منتجو زيت الزيتون في تونس يحلمون بمكان بين عمالقة السوق في أوروبا، بالرغم من قدرتهم الإنتاجية العالية. لذلك يحاول مشروع ألماني وضع البلد الصغير على خارطة زيت الزيتون في أوروبا، ودعم فرصه للمنافسة في السوق، إذا ما تجولت في معظم المحلات الأوروبية، وقصدت قسم الزيوت، فستجد أن معظم الرفوف مزدحمة بقناني زيت الزيتون من أسبانيا، أو اليونان، أو إيطاليا، وذلك لأن أراضيها ومناخها الدافئ تعتبر من الشروط المثالية لزراعة أشجار الزيتون، وإنتاج زيت ذي جودة عالية، لكن الكثيرين لا يعلمون بأن هناك عدداً – وإن كان ضئيلاً – من قناني زيت الزيتون القادم في تونس – تلك الدولة الصغيرة الواقعة على الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط، والتي تعتبر من أكبر منتجي زيت الزيتون خارج الاتحاد الأوروبي. وتصدر تونس لأوروبا سنوياً كميات ليست بالقليلة من "الذهب الأخضر"، خصوصاً للدول المذكورة أعلاه، التي تمزج هذا الزيت بزيوتها المحلية وتسوقه في أنحاء أوروبا ممهوراً بختم الجودة الأوروبي، تخلط عدد من الدول الأوروبية زيوتها المحلية بالزيت التونسي لتحسين مذاقه وزيادة جودته... لكنها تسوقه على أنه زيتها، لكن هذا الحال سيبدأ في التغير في المستقبل القريب، بفضل الدعم الذي تقدمه ألمانيا لمنتجي زيت الزيتون التونسي، الذين يحاولون منذ شهور دخول السوق الألمانية بكل قوة، كما تقول مديرة برنامج الدعم الألماني إلكه بايلر: "نريد أن نخرج زيت الزيتون التونسي من عجلة التصدير بالحاويات، وأن نضعه إلى جانب قناني زيت الزيتون الأخرى على رفوف المحلات الألمانية، وتعمل بايلر في غرفة التجارة الخارجية الألمانية في تونس، وهي مؤسسة تعنى بتمثيل المصالح الاقتصادية الألمانية في العالم، بالإضافة إلى تمويل مشاريع لدعم النشاط التجاري داخل السوق الألمانية. وتضيف بايلر أن الهدف من هذا المشروع هو أن يستفيد التونسيون بشكل أكبر من الجودة العالية لمنتجهم، بدلاً من شركات التعبئة في أسبانيا، وإيطاليا، واليونان، وترى مديرة المشروع الألماني أن فرص "الذهب الأخضر" التونسي أفضل في قسم المنتجات العضوية (الخالية من الملوثات)، ذلك أن حوالي 85 في المائة من زيت الزيتون في تونس يتم إنتاجه بطرق تقليدية ودون استخدام أسمدة كيماوية أو مبيدات حشرية، بحسب قولها. وتتابع إلكه بايلر بالقول: "لن يواجه عدد كبير من مزارعي الزيتون أي مشاكل في الحصول على شهادة الإنتاج العضوي،" الممنوحة حالياً لنحو 8 بالمائة فقط من إجمالي الأراضي المزروعة بالزيتون في تونس، التي تصل مساحتها إلى 1.7 مليون هكتار. وعلى الرغم من ذلك تعتبر تونس أكبر دولة منتجة لزيت الزيتون العضوي، إنتاج زيت الزيتون في تونس بطرق تقليدية من أهم المزايا التي تسمح بتسويقه في أوروبا كمنتج عضوي خال من المواد الكيماويةن ومن أجل تعريف الأوروبيين بخصائص الزيت التونسي، يعتمد برنامج غرفة التجارة الخارجية الألمانية على التسويق الصحيح له، مثل الاهتمام بشكل الملصق على قناني الزيت، أو تقديمه للشركات من خلال معارض متخصصة، أو حتى انتقاء جهة الاتصال الصحيحة في السلطات الألمانية المعنية. أما في المستقبل، فيسعى البرنامج أيضاً إلى تقديم الدعم التقني لمزارعي الزيتون في تونس، من أجل ضمان أكبر قدر من الفعالية أثناء جني المنتج ورفع مستوى جودته. ويذكر أن هناك حوالي 65 مليون شجرة زيتون، ونحو 1500 معصرة زيتون في تونس حالياً، أهم أنواع الزيت في تونس هو المسمى بالشملالي، الذي يتميز بمذاق زيتوني مكثّف، وتفوح منه رائحة تشبه رائحة اللوز المجفف. وبالإضافة إلى الزيت الشملالي، يمكن استخراج زيت يشبه في طعمه طعم اللوز من زيتون من نوع الشتوي، لكنه أقل مرارة وطعمه أحذق من طعم الشملالي، إلا أن خبير زيت الزيتون الألماني من هامبورغ، كيرستن فيتينكامب، فينظر إلى الذهب الأخضر من تونس بشكل أكثر نقداً، إذ يقول: "الزيوت التونسية تعتبر مثالية للسوق العامة، لكن لا توجد حتى الآن أصناف تناسب أصحاب المذاق الخاص." ويعلل فيتينكامب، الذي يحرر مجلة "فاينشميكر" التي تعنى بالمنتجات الغذائية للذواقة، هذا النقص بحجم المعرفة الإيطالية، مثلاً، بجودة زيت الزيتون، وطرق إنتاجه وتنقيته، التي تتفوق على الطرق التونسية، تعتاش حوالي نصف مليون عائلة في تونس من صناعة زيت الزيتون، الذي يزرع على مساحة مليوني هكتار تقريباً، وبجانب الأسواق الألمانية يحاول منتجو زيت الزيتون التونسي دخول الأسواق الأمريكية واليابانية، بالرغم من ارتفاع تكاليف الشحن إليها. أما بالنسبة لأوروبا، فيبقى العائق الأكبر كامنا في التشريعات الأوروبية الهادفة لحماية المنتجات الأسبانية والإيطالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 26/تشرين الثاني/2011 - 29/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م