العراق والديمقراطية... صمام أمان أم مسالة وقت؟

آراء عراقية خالصة!

شبكة النبأ: يبدي العديد من العراقيين قلقهم مما يكتنف مستقبل بلدهم بعد اكتمال عملية الانسحاب الامريكي نهاية العام، سيما ان العراق لا يزال يعاني من هشاشة مؤسساته الدستورية، وعدم اكتمال عملية التحول الديمقراطي المفترضة بالشكل المطلوب، الى جانب الافتقار الى الاستقرار السياسي والأمني المريح.

فبعد ما يوازي ثمان اعوام على بدأ عملية تحرير العراق كما تطلقها عليها واشنطن، يبدو العراق ضعيفا ومنهك وتحيطه التهديدات الداخلية والخارجية على حد سواء، ابتداءا من الصراع السياسي الجدلي المستمر بين المكونات السياسية، بالاضافة الى الفساد الاداري والمالي المستشر، الى جانب المشاكل الاقليمية التي لا تزال قائمة.

ديمقراطية الامريكان

فلم يكن من السهل محاورة حسين علي وصديقيه الذين كانوا يجلسون في محل للحلاقة في أحد أحياء مدينة الصدر ذات الأغلبية الشيعية في شرق العاصمة العراقية بغداد في موضوع الديمقراطية التي وعد الامريكان بجلبها الى العراق غداة الحرب التي شنوها على البلاد في عام 2003 .

فالثلاثة وان اعترفوا بعد حوار مضن وساخن ان الامريكيين جلبوا الديمقراطية الى العراق فقد كانوا يشعرون بغصة ومرارة في الاقرار بذلك دون النبش في ذكريات مؤلمة حفلت بها تلك السنين لما يفضلون ان يسموه بسنوات الاحتلال الامريكي لبلدهم.

وقال علي (21 عاما) بينما كان يجلس مع صديقيه ينتظر دوره للحلاقة "اوكيه.. اوكيه.. نحن الان نستطيع ان نتحدث بحرية وننتخب بحرية ونستطيع ان نتظاهر متى شئنا....هذا صحيح كل هذه الاشياء لم تكن موجودة قبل 2003 ."

وأضاف بكثير من العصبية وقد احمر وجهه غضبا "لكن لماذا لا تسألنا عن الجزء الاخر من القصة.. لماذا لا تسألنا عن الالم والاذية التي تحملناها طوال هذه السنين والتي كان الجيش الامريكي السبب بها.. لماذا لا تسألنا عن الجرائم والفظائع التي ارتكبوها بحقنا.. لماذا لا تسألنا عن هذه الاشياء وتسألنا عن الديمقراطية فقط."

ومع اقتراب موعد الانسحاب الامريكي من العراق بنهاية العام الجاري اصبحت الديمقراطية التي عشم العراقيون انفسهم بها لسنوات طويلة موضوعا يثير الكثير من الجدل والخلاف. ومازال العراقيون منقسمين حول حقيقة الديمقراطية التي وعد بها الامريكيون واحلامهم التي قد تكون تلاشت في خضم الصراع على السلطة بين القوى السياسية التي حكمت العراق بعد عام 2003 والذي مازال مستمرا وماتسبب به من هدر لابسط حقوق المواطنة وحق العيش وافتقار للخدمات في بلد غني بثرواته بين دول المنطقة. بحسب رويترز.

وكان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد وعد بعد الفشل في العثور على اسلحة الدمار الشامل التي كانت حجة لغزو العراق بجعل البلاد واحة ونموذجا للديمقراطية في المنطقة والعالم. لكن هذه الوعود مالبثت ان تبخرت بعد ان تيقن العراقيون ان امالهم واحلامهم بمستقبل افضل لم تكن الا مجرد اوهام وهم يرون بلدهم يغوص بمستنقع الاقتتال الطائفي بين عامي 2006 و2007 والذي تسبب بمقتل عشرات الاف من العراقيين.

وعند طرح سؤال عما اذا كان الامريكيون قد حققوا ما وعدوا به وجلبوا الديمقراطية يفضل الكثير من العراقيين الحديث عن الاخطاء التي ارتكبها الجنود الامريكيون طوال تلك السنين مثل فضيحة سجن ابو غريب وماتعرض له سجناء عراقيون من اعتداءات جنسية او الحديث عن ذكريات مؤلمة لصور مازالت عالقة في الاذهان عن الاستخدام المفرط للقوة من قبل بعض افراد الجيش الامريكي ضد عراقيين.

ولا ينكر العراقيون انه بامكانهم الان التصويت بحرية لاختيار ممثليهم سواء في مجلس النواب او في المجالس البلدية. كما لا ينكر العراقيون وجود تعددية حزبية اضافة الى العشرات من الصحف اليومية السياسية وغير السياسية ومثلها من القنوات التلفزيونية والاذاعات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل بحرية سياسية لم يكن يألفها العراقيون قبل عام 2003 .

لكن شدة الخلافات والصراعات السياسية التي طغت على مشهد الحياة اليومية في العراق وماتسببت به من انقسامات طائفية واستمرار شبه يومي لحوادث وانتهاكات امنية من جانب ميليشيات مسلحة سنية وشيعية تجعل كثيرا من العراقيين يشككون بماهية المشروع الامريكي للديمقراطية .

وقال حمزة جبار (23 عاما) العاطل عن العمل والذي كان يجلس بجوار علي في محل الحلاقة مشيرا الى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين "كان لدينا صدام واحد يسرق ويقتل. تخلصنا منه لكن المشكلة بمساعدة الامريكان.. الان عندنا اكثر من صدام."

وتعتبر مشكلة ارتفاع نسبة البطالة احدى سمات العراق بعد عام 2003 ورغم مرور كل هذه السنوات الا ان مئات الاف من العراقيين مازالوا بدون عمل. ورغم انخفاض هذه النسبة في العراق مؤخرا بشكل ملحوظ الا ان احصاءات رسمية تظهر ان نسبة البطالة في العراق تصل الى 15 في المئة وان 23 في المئة من العراقيين يعملون بدوام جزئي. وتقول بيانات حكومية ان ما يقارب ربع سكان البلد البالغ عددهم ثلاثين مليون نسمة مازالوا يعيشون تحت خط الفقر.

وبالحديث مع عشرات من الاشخاص في مدينة الصدر ذات الكثافة السكانية العالية والتي يدين الكثير من ابنائها الذين حملوا السلاح ضد القوات الامريكية في العراق بالولاء لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر المناهض للسياسة الامريكية يقر الجميع وان كانوا مكرهين بحقيقة ان الوجود الامريكي في العراق كان سببا في جلب الديمقراطية الى البلاد لكنهم جميعا يحملون الكثير من الضغائن والكراهية بسبب مالاقوه خلال هذه السنوات.

وينحى كثير من العراقيين باللائمة عل قادتهم السياسيين الجدد المنقسمين بشدة على انفسهم ويحملونهم مسؤولية الكثير من المشاكل التي يعانون منها.

وقال خالد الطائي (53 عاما) صاحب محل لبيع الحاسبات في الموصل "الامريكان أتوا بالديمقراطية للعراق ولكن الساسة العراقيين هم من اساء لها لانها لا تناسبهم كونها تكشف عيبوهم وتفضح فسادهم وهذا الامر لا يروق لهم."

وفي الجانب الاخر لبغداد وبعيدا عن مدينة الصدر كشف الحديث مع عشرات من سكان مدينة الاعظمية احدى معاقل السنة العرب في غرب بغداد ان هؤلاء ينظرون بمنظار مختلف لديمقراطية امريكا في العراق.

ومازال السنة العرب في العراق والذين كان لهم دور بارز في اللعبة السياسية في العراق خلال حكم صدام يعتقدون ان الغزو الامريكي لبلاد مابين النهرين كان السبب في تقويض وجودهم في السلطة وتهميش دورهم وان هذا الغزو تسبب في الاتيان بالشيعة الى مقاليد الحكم.

ورغم مشاركتهم في التشكيل الحكومي الهش واستحواذهم على عدد غير قليل من الحقائب الوزارية ومناصب سيادية اخرى فان الكثير من السنة يرون انهم مضطهدون في هذه الحكومة التي يقودها نوري المالكي وهو شيعي وانهم مستهدفون لانهم عارضوا الوجود العسكري الامريكي في بلدهم منذ بدايات الغزو قبل نحو تسع سنوات.

وقال وائل الخفاجي (48 عاما) وهو صاحب محل وهو يشير الى جندي عراقي يقف على مقربة في نقطة تفتيش للجيش وسط الاعظمية "انظر الى هذا الجندي الذي يقف في نقطة التفتيش .. هذا قادر على اهانتك أو أي انسان اخر وان يفعل ما يشاء بك دون ان تستطيع ان تفعل اي شيء ضده او حتى ايقافه. هل هذه ديمقراطية.."

وأضاف "أي ديمقراطية أنت تسالني عنها وانا لا استطيع ان احمي نفسي في هذا البلد. اي ديمقراطية وابسط حقوقي انا كانسان مسلوبة. اذا كانت هذه هي الديمقراطية التي يتحدث عنها الامريكان فطز بالديمقراطية اللي تعمل بالناس هكذا."

ومازالت شوارع بغداد تعج بالمئات من نقاط التفتيش التي تسبب ارباكا شديدا لحركة المرور. لكن عدم الاستقرار الامني يجعل من وجود نقاط التفتيش هذه امرا حتميا على الاقل خلال الفترة القادمة التي ستواجه فيها القوات الامنية العراقية تحديا كبيرا بعد اكتمال انسحاب القوات الامريكية من العراق.

ورغم مرور نحو سنتين على الانتخابات البرلمانية فان الخفاجي مازال يشعر بالخيبة والمرارة شأنه في ذلك شأن العديد من السنة العرب بسبب عدم تمكن اياد علاوي رئيس الوزراء السابق والفائز بالانتخابات من تشكيل الحكومة.

ولم يتمكن علاوي الذي رأس القائمة العراقية والتي صوت لها السنة بقوة من تشكيل حكومة بسبب عدم تمكنه من حشد تحالف أغلبية برلمانية وهو مانجح به غريمه المالكي رغم ان قائمته حلت في المركز الثاني بالانتخابات.

وقال الخفاجي "تقدر تقول لي من فاز بالانتخابات ومن شكل الحكومة.. جاوبني على سؤالي قبل ان تطلب مني ان ارد على سؤالك عن الديمقراطية. اين وزير الداخلية في الحكومة واين وزير الدفاع..."

ورغم مرور ما يقارب السنة على تشكيل الحكومة الا ان منصبي وزيري الدفاع والداخلية مازالا شاغرين حتى الان بسبب خلافات سياسية. وعلى ايقاع الاحداث في تونس ومصر وعدد اخر من البلدان العربية فان الالاف من العراقيين المتحمسين تظاهروا في الاشهر الماضية ضد الفساد المستشري في مؤسسات الدولة مطالين بتحسين مستوى الخدمات المتردي بشكل كبير. وطالب عدد من هؤلاء المتظاهرين باجراء اصلاح سياسي في النظام السياسي العراقي. لكن غالبية الذين سئلوا عما اذا كان العراق بحاجة الى ربيع عربي لتحقيق الاصلاح السياسي والاقتصادي المنشود أجاب معظمهم بالنفي.

وقال علي في محل الحلاقة "ربيع عربي يعني مزيد من الدم والقتل. ونحن ملينا من الدم وملينا الاقتتال. انظر الى الناس في الدول التي شهدت ربيعا عربيا انهم يتقاتلون فيما بينهم." لكن ما قد تؤول اليه الاحداث بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق نهاية العام يشعر العديد من العراقيين بالقلق ازاء مستقبل الديمقراطية الوليدة في بلدهم.

وقال محمد جاسم (42 عاما) وهو سائق سيارة أجرة "هناك أحزاب اسلامية متشددة تنتظر وتترقب فرصة انسحاب الأمريكان حتى تقفز على السلطة لتستحوذ عليها." وأضاف "واذا حدث هذا فهذا معناه باي باي للديمقراطية في العراق."

التحولات السلمية

من جهته اكد رئيس الوزراء العراقي ان بلاده تسعى لان تجري التحولات السياسية في عدد من الدول العربية "بطريقة سلمية تحفظ للمنطقة امنها واستقرارها"، مشددا على ان العراق يرفض "التدخل في شؤون الدول الاخرى".

وقال نوري المالكي خلال استقباله وزير خارجية النمسا ميشيل سبينده ليغر ان "سياسة العراق قائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الاخرى". واضاف بحسب ما نقل عنه مكتبه في بيان تلقت وكالة فرانس برس نسخة منه ان العراق "يدعم مطالب الشعوب في الحصول على الحرية والمكتسبات الديموقراطية، ونسعى لان تتم التحولات بطريقة سلمية تحفظ للمنطقة امنها واستقرارها".

وكان المالكي يشير الى التحولات السياسية الجارية في العديد من الدول العربية وبينها سوريا التي تشهد حركة احتجاجية غير مسبوقة منذ منتصف اذار/مارس الماضي اسفر قمعها عن سقوط 3500 قتيل، وفقا لاخر حصيلة نشرتها الامم المتحدة في 8 تشرين الثاني/نوفمبر.

وقد قرر وزراء الخارجية العرب في ختام اجتماع عقد في القاهرة السبت، تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية، الا ان الوفد العراقي المشارك في الاجتماع امتنع عن التصويت على القرار. بحسب فرانس برس.

من جهة اخرى، دعا المالكي الوزير النمساوي والوفد المرافق له الى "زيادة التعاون الاستثماري والتجاري والاقتصادي بين العراق والنمسا". وقال "نحن بلد غني كثير الثروات ولكن هذه الثروات كانت تذهب لشراء الاسلحة ومن ثم تدميرها في الحروب وتدمير البنى التحتية معها، لذلك اصبح وضع العراق الآن لا يتناسب مع دولة غنية".

ورد وزير الخارجية النمساوي بالقول "اتكلم بالنيابة عن الاتحاد الاوروبي واننا نريد ان يكون العراق مستقرا وان يصبح مركزا للتجارة في الشرق الاوسط". وتابع سبينده ليغر ان "الاتحاد الاوروبي مهتم بالتعاون مع العراق وسيقوم المسؤولون المعنيون بهذا المجال بزيارته لتحقيق هذا الهدف".

وكان زيباري عقد في وقت سابق مؤتمرا صحافيا مع نظيره النمساوي اكد فيه "انها الزيارة الاولى لوزير خارجية النمسا وهي زيارة تاريخية و مهمة جدا خلال هذه الفترة." وتابع ان "التعاون العسكري لم نبحث فيه لكنه بالطبع سيكون جزءا من التعاون المستقبلي بيننا".

واعلن الوزير النمساوي انه سيجري التوقيع على ست اتفاقيات تعاون قيمتها 60 مليون دولار خلال زيارته، من دون ان يحدد طبيعة هذه الاتفاقيات. وقال "نود ايضا مساعدتكم في تحقيق الاستقرار وحماية الاقليات الدينية ومن بينهم المسيحيون".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21/تشرين الثاني/2011 - 24/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م