هل أخطأت أمريكا مجددا؟.. الانسحاب المكلف من العراق

متابعة وتحليل: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يشعر الكثير من الساسة الأمريكان ان انسحابهم السريع من العراق كان خطأ استراتيجيا غير مقبول من قبل الإدارة الأمريكية، خصوصا بعد التكلفة الفادحة التي تكبدتها واشنطن في سبيل دخول جيشها الى تلك الدولة المهمة إقليما ودوليا.

وأكثر ما يؤرق المعارضين للانسحاب الامريكي من العراق هو الفراغ العسكري والسياسي الذي سيترتب على تلك الخطوة، الى جانب الاحتمال الكبير في انحسار نفوذ الولايات المتحدة مقابل التوسع الايراني على حسابه.

فيما يرى بعض المحللين للشؤون الإستراتيجية ان قيام إدارة البيت الأبيض بالهروب من العراق جاء نتيجة للضغوط التي باتت لا تطاق على جيشها المنهك، ومحاولة الحد من الاستنزاف الاقتصادي التي تعانيه بعد ازمة الاقتصاد المربكة.

وأقدمت واشنطن على هذا الاجراء بعد ثمان سنوات من الاحتلال الشامل للاراضي العراقية، عقب اسقاط نظام صدام الديكتاتوري الذي كان يمثل تهديدا جدا للمصالح الامريكية بحسب الادارة السابقة للبيت الابيض وتحديدا المحافظين الجدد.

كما يرى بعض المتابعين ان الولايات قد تكون فاجأت الحكومة العراقية ذاتها، بعد ان تخلت عن مفاوضات تمديد الانسحاب بسرعة، مما أربك ساسة بغداد وهم يجدون دولتهم في محب الريح دون غطاء عسكري يعتد به.

وزير الدفاع الامريكي

فقد رفض ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي اتهامات في جلسة محتدمة بمجلس الشيوخ بأن السياسات الامريكية ساعدت في اتخاذ قرار بسحب القوات الامريكية بالكامل من العراق دون ترك عدد محدود منها كمدربين.

وجاء اعلان الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 21 أكتوبر تشرين الاول سحب القوات في أعقاب فشل مفاوضات مع بغداد للتوصل الى اتفاق على منح الحصانة للجنود الامريكيين اعتبرته وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) شرطا ضروريا لبقاء مدربين عسكريين امريكيين في العراق.

وألقى بانيتا اللوم على السياسات العراقية وعدم تمكن رئيس الوزراء نوري المالكي من تمرير اتفاق الحصانة في البرلمان. لكن جمهوريين بارزين في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ أثاروا الشكوك فيما اذا كان للسياسة الامريكية دور كذلك في الوقت الذي يواجه فيه أوباما انتخابات لفترة ولاية ثانية عام 2012 . وأوباما من المعارضين لحرب العراق واعتمدت حملته الانتخابية على وعد بانهائها.

وفي جلسة محتدمة بشكل خاص قال السناتور الجمهوري جون مكين لبانيتا صراحة انه لا يصدق روايته للاحداث. وقال ان ادارة أوباما فشلت في تقديم الحقائق والبيانات التي يحتاجها العراق لاتخاذ القرار.

وقال مكين الذي خسر انتخابات الرئاسة عام 2008 لصالح أوباما "الحقيقة هي ان هذه الادارة كانت ملتزمة بسحب كامل للقوات الامريكية من العراق. وهذا ما فعلته." ورد بانيتا بقوة قائلا "سناتور مكين هذا ببساطة غير حقيقي. اعتقد أن بأمكانك تصديق ذلك ... لكنه غير حقيقي."

وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة اي أكبر قائد بالجيش انه واخرين من القيادات العليا في البنتاجون تلقوا تشجيعا من بانيتا وسلفه روبرت جيتس لحشد تأييد قيادات الجيش العراقي لقبول بقاء قوة تدريب أمريكية. بحسب رويترز.

وقال "كلنا طلب منا التحاور مع نظرائنا وتشجيعهم على القبول بموطيء قدم صغير ودائم." وجاء اعلان سحب القوات من العراق في أعقاب قرار أوباما في يونيو حزيران بسحب ثلث القوات الامريكية من افغانستان بحلول نهاية الصيف المقبل أي بوتيرة أسرع مما أوصى به الجيش الامريكي. وبعد الاعلانين أكد أوباما للامريكيين ان موجات الحرب انحسرت بعد صراعات استمرت عشر سنوات. وقوبل القراران بانتقادات من جانب الجمهوريين الذين قالوا ان أوباما يتجاهل الحقائق على أرض المعركة من أجل انهاء حربين مكلفتين دمويتين.

واضطر بانيتا الذي يبدو متفائلا ورئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي "القلق" على مستقبل العراق، لتبرير هذا الانسحاب الذي يدينه بعض الجمهوريين.

ولم يتردد بعض الجمهوريين الذين يعدون من "الصقور" في اتهام ادارة الرئيس باراك اوباما بالسعي لمغادرة العراق بدون دراسة قدرته على ضمان امنه والحد من نفوذ ايران.

ورأى السناتور الجمهوري جون ماكين الذي يتمتع بنفوذ كبير ان هذا القرار "خطأ" ويشكل "حالة مؤسفة من الانتهازية السياسية التي طغت على الضرورات العسكرية". وكان اوباما وعد خلال حملته الانتخابية بان ينهي الالتزام الاميركي في العراق.

ورأى وزير الدفاع ان "العراق قادر على تولي امنه بنفسه بدون وجود عسكري اميركي كبير"، موضحا ان عسكريين مرتبطين بالوزارة سيبقون في بغداد من اجل تعاون مماثل للذي تقيمه الولايات المتحدة مع السعودية ومصر وتركيا.

ونفى الجنرال ديمبسي من جهته "اي قطيعة" بين بغداد وواشنطن الا انه اعترف بانه "قلق على مستقبل العراق" خصوصا بسبب التوتر بين العرب والاكراد وان اي قائد اميركي لم يوص بالانسحاب من البلاد.

وقال بانيتا مدافعا عن موقف ادارة اوباما ان العراق قادر على مواجهة التحديات التي تنتظره مثل الانقسامات في طبقته السياسية ودفاعه الخارجية او المجموعات المتطرفة. واشار الى ان آلاف العاملين في شركات عسكرية خاصة سيبقون في العراق.

لكن وزير الدفاع قال ان العراق "لا يرغب اطلاقا في ان تهيمن عليه ايران"، مؤكدا ان "العراقيين برهنوا بشكل منهجي على رغبتهم في مقاومة الايرانيين" والمجموعات المتطرفة التي تدعمها طهران في العراق.

ورفضت الحكومة العراقية مطلع تشرين الثاني/نوفمبر مقترحات ايران وتركيا لتدريب الجيش العراقي لكن مسؤولين عسكريين عراقيين وايرانيين اكدوا تأييدهم لتعزيز التعاون بين جيشي بلديهم.

تحذير ايران

في السياق ذاته حذر وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا من تدخل ايران في شؤون العراق بالقول ان رسالتنا لدول الجوار واضحة، لدينا أكثر من 40 ألف جندي امريكي في المنطقة، ونحن لن نغادر.

وقال بانيتا ان العراق يملك القدرة على مواجهة العمليات التي قد تنفذها مجموعات متطرفة تابعة لتنظيم القاعدة . وركز بانيتا على أهمية العلاقة الثنائية العراقية الامركية، موجها رسالة واضحة لدول الجوار مفادها ان الانسحاب الامريكي من العراق لا يعني نهاية الوجود العسكري الامريكي في المنطقة.

وقال بانيتا ايضا: المؤكد ان العراق يواجه تحديات مقبلة، لكنني اعتقد انه مهيأ ومعد للتعامل معها، وان القادة العراقيين يرفضون ما تحاول ايران فعله . وكان الجيش الامريكي قد سلم قاعدة بلد الجوية، ثاني اكبر قواعده العسكرية في العراق، للحكومة العراقية قبل ايام، في سياق سحب قواته من البلاد.

وكانت قاعدة بلد شمالي العاصمة العراقية بغداد تأوي اكثر من 36 الف عسكري ومقاول امني امريكي في سنوات اشتداد الحرب في العراق. وما زال في العراق حوالي 30 الف عسكريا امريكيا. بحسب رويترز.

يذكر ان قاعدة بلد كانت تعرف قبل الغزو والاحتلال الامريكي للعراق بقاعدة البكر (نسبة للرئيس العراقي الاسبق احمد حسن البكر)، ولكن الامريكيين اطلقوا عليها اسم قاعدة اناكوندا بعد استيلائهم عليها عام 2003. وقد سميت لاحقا بقاعدة بلد المشتركة.

وأصبحت القاعدة بفضل مدرجيها الذي يبلغ طول كل منهما 11 الف قدم مركزا لوجستيا رئيسيا للقوات الامريكية العاملة في العراق، ومن اكثر مطارات العالم اكتظاظا بحركة الطائرات. اما اكبر القواعد الامريكية في العراق قهي قاعدة فيكتوري القريبة من مطار بغداد الدولي، والتي ستعاد الى السلطات العراقية في ديسمبر كانون الاول المقبل عند اكتمال الانسحاب الامريكي. يذكر ان الجيش الامريكي قد اخلى بالفعل معظم القواعد التي كان يشغلها في العراق، إذ لم تتبق من 505 من هذه القواعد الا 11 ما زالت في ايدي الامريكيين.

مزيد من القوات في الكويت

الى ذلك قال رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة لاعضاء الكونجرس انه يتعين على الولايات المتحدة ان تفكر في زيادة وجودها العسكري في الكويت للتصدي للنفوذ الايراني المتزايد في العراق ومنطقة الخليج.

وعبر الجنرال مارتن ديمبسي عن اعتقاده بضرورة وضع نظام لتناوب القوات البرية والبحرية والجوية الامريكية في الكويت بشكل دوري. وصرح بأن المسألة لم تبحث مع الكويت بعد. وسأل السناتور جوزيف ليبرمان وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا ورئيس هيئة الاركان ديمبسي عما اذا كانت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) تفكر في زيادة مستويات القوات الامريكية في الكويت مع انسحاب القوات الامريكية من العراق.

ورد ديمبسي قائلا "لن أصف الامر بأنه علاقة سببية استنادا الى ما حدث في العراق لكنه نتيجة القلق المستمر من تنامي نفوذ ايران." وأبلغ بانيتا اللجنة ان الولايات المتحدة لديها نحو 29 ألف جندي في الكويت. وذكر ان هناك أيضا نحو 7000 جندي أمريكي في البحرين ومثلهم في قطر و3000 جندي في دولة الامارات العربية المتحدة و258 جنديا في السعودية.

تحديث سلاحه الجوي

من جهته قال قائد القوات الجوية العراقي ان بلاده تعتزم توسيع اسطولها من طائرات الاستطلاع في المستقبل القريب وانه يأمل بتوقيع اتفاق لشراء مجموعة ثانية من طائرات اف-16 بحلول العام المقبل. وتأتي هذه الخطط التي اعلنها الفريق الركن انور امين على هامش مؤتمر قبيل افتتاح معرض دبي للطيران غدا الاحد في اطار جهود العراق للابتعاد تدريجيا عن الاعتماد على الدعم الجوي الامريكي.

وقال امين للصحفيين على هامش مؤتمر لقادة القوات الجوية ان لدى العراق خططا لشراء طائرات دون طيار في المستقبل القريب. واضاف ان القوة الجوية العراقية تبحث عدة خيارات. وقال امين ان بناء قوة جوية عملية معقدة جدا تعتمد على عدة عوامل بينها تأمين الغطاء المالي والقدرات البشرية بالاضافة الى الوقت. ويقول خبراء عسكريون ان افتقار العراق لاسطول قوي من الطائرات المقاتلة يعني انه سيعتمد على القوة الجوية الامريكية لتحمل هذه المسؤولية لسنوات.

وقال الجنرال نورتون شوارتز قائد سلاح الجو الامريكي يوم "جرى شراء 18 طائرة وتوقيع العقد ونأمل (بيع) الثماني عشرة طائرة الاخرى العام المقبل." ودفع العراق في سبتمبر ايلول القسط الاول في الاتفاق لشراء المجموعة الاولى من الطائرات الحربية البالغ قيمتها نحو ثلاثة مليارات دولار.

وقال امين ان القوة الجوية العراقية تدير بالفعل اسطولا متطورا من طائرات الاستطلاع التي يمتلكها عدد قليل جدا من دول المنطقة. واضاف ان القوة الجوية العراقية تفخر باستخدام طائرات على مدى السنوات القليلة الماضية لرصد انشطة الارهابيين.

في حين اعلن البيت الابيض ان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سيزور واشنطن في 12 كانون الاول/ديسمبر في حين يكون اخر الجنود الاميركيين المنتشرين في العراق يستعدون للعودة الى الولايات المتحدة. وقالت الرئاسة الاميركية في بيان ان المالكي والرئيس الاميركي باراك اوباما "سيبحثان في تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق". بحسب رويترز.

وكان الرئيس باراك اوباما كشف عن مبدأ القيام بهذه الزيارة بنفسه في 21 تشرين الاول/اكتوبر عندما اعلن سحب اخر الجنود الاميركيين الذين لا يزالون متمركزين في العراق من الان وحتى نهاية العام. لكن موعد الزيارة لم يعلن.

واعلن البيت الابيض ان "الرئيس يشيد بتضحية ونجاح الشعب العراقي وكل الذين خدموا في العراق بهدف التوصل الى هذه اللحظة الغنية بالوعود من اجل صداقة دائمة بين الولايات المتحدة والعراق".

واشنطن تعزز وجودها

من جهة أخرى قالت صحيفة نيويورك تايمز في نسختها على الانترنت ان الولايات المتحدة تعتزم تعزيز وجودها العسكري في الخليج بعد أن تسحب ما تبقى من قواتها من العراق. وقال الرئيس الامريكي باراك أوباما يوم 21 اكتوبر تشرين الاول انه قرر سحب جميع القوات الامريكية من العراق بحلول نهاية العام وقالت الصحيفة ان ضباطا عسكريين ودبلوماسيين أمريكيين قلقون من أن يؤدي الانسحاب الى زعزعة الاستقرار في المنطقة.

وقالت ان واشنطن كانت تتفاوض للابقاء على قوة قتالية في الكويت وانها تبحث نشر المزيد من السفن الحربية في المنطقة. ولم يتسن على الفور الحصول على تعقيب من مسؤولين في وزارة الدفاع.

وقالت الصحيفة ان الولايات المتحدة تريد أيضا توسيع علاقاتها العسكرية مع دول مجلس التعاون الخليجي وهي المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان. وأضافت الصحيفة أن هذا الاقتراح يحتاج موافقة زعماء دول مجلس التعاون الخليجي الذين من المقرر أن يجتمعوا في العاصمة السعودية الرياض في ديسمبر كانون الاول.

مشاريع مكلفة وغير مجدية

على صعيد متصل أشار تقرير اقتصادي أمريكي إلى أن المشاريع الاقتصادية والتطويرية الباهظة التكاليف، والتي كانت واشنطن تعمل عليها في العراق، تعترضها الكثير من المصاعب التي قد تحول دون إنجازها، إلى جانب كونها ضعيفة التخطيط ومكلفة، بينما تخطط الولايات المتحدة للانسحاب من العراق بنهاية العام الجاري.

وقال التقرير الصادر عن المفتش العام لمشروع إعادة بناء العراق إن الكثير من المشاريع متأخرة لسنوات عن مواعيد تسليمها الأساسية. وذكر التقرير أن مشروع نظام الصرف للمياه المبتذلة في مدينة الفلوجة على سبيل المثال كان من بين أبرز المشاريع الأمريكية في العراق، وقدرت المخططات أنه سيخدم أكثر من مائة ألف شخص وسيساعد على إنعاش الاقتصاد المحلي، ولكنه تحول إلى نموذج للفشل الذريع الذي ينتظر مشاريع عملاقة أخرى.

فبسبب العمليات العسكرية والهجمات المسلحة وارتفاع التكاليف استغرق المشروع سبعة أعوام، ولكن عند افتتاحه في مايو/أيار الماضي كان عدد المنازل التي تستفيد من خدماته لا يتجاوز ستة آلاف منزل، أما كلفته الإجمالية فقد ارتفعت من 35 مليون دولار وفق التقديرات الأولية إلى أكثر من مائة مليون دولار.

وعلق التقرير بالقول: "لا يمكن الجزم بأن المشروع سينجح في نهاية المطاف بإعادة الاستقرار للمدينة (الفلوجة) أو تعزيز ثقة السكان بالحكومة أو تحقيق هدف استمالة القلوب والعقول وتحفيز الاقتصاد."

وتابع التقرير بالقول: "نظراً لأن خدمات المشروع بعد إنجازه لم تشمل إلا نسبة ضئيلة من السكان فإن من الصعب القول بأنه يستحق التكلفة المادية الباهظة التي خصصت له، أو التكلفة البشرية،" في إشارة إلى الهجمات التي تعرض لها العمال، وصولاً إلى مقتل ثلاثة من الموظفين الأمريكيين عام 2009.

وشكك التقرير في قدرة الحكومة العراقية على إدارة المشروع بشكل مستقل بعد الانسحاب الأمريكي وتوسيع خدماته لتشمل المزيد من المنازل، وأشار إلى أن الموظفين العراقيين يعجزون حالياً عن التعامل بشكل صحيح مع مياه الصرف نظراً لضعف التدريب.

يشار إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية "بنتاغون" أنفقت منذ عام 2003 أكثر من 700 مليار دولار على الحرب في العراق، ولكن المحصلة النهائية قد تصل إلى ترليونات الدولارات إذا أخذنا بعين الاعتبار التكاليف المستقبلية لبرامج رعاية قدامى المحاربين والفوائد المتراكمة على سندات الخزينة.

وبمجرد انسحاب القوات الأمريكية من العراق فإن نسبة الإنفاق سوف تنخفض بشكل واضح، فوفقاً لميزانية العام المالي 2012، فإن الإنفاق الأمريكي على العمليات في العراق سوف ينخفض إلى 15.7 مليار دولار، أي بتراجع نسبته 76 في المائة مقارنة بما جرى إنفاقه في عام 2010 .

وسوف تواصل تكاليف هذه الحرب انخفاضها خلال السنوات التي تلي تصل إلى الصفر تقريباً عام 2013، في حين لن يتجاوز إجمالي الإنفاق الأمريكي على العراق ككل مبلغ خمسة مليارات دولار من حساب وزارة الخارجية الأمريكية.

معتقل مهم

من جانب آخر قال مسؤولون أمريكيون وعراقيون ان الولايات المتحدة تسعى للاحتفاظ بأهم معتقل لديها في العراق مع تبقي أقل من 60 يوما على الانسحاب الكامل للقوات الامريكية من البلاد. ولم يتضح بعد ما اذا كانت بغداد ستوافق -وهو أمر تحجم عنه الى حد بعيد فيما يبدو- او الى أين ستأخذه الولايات المتحدة اذا أصبح في حوزتها.

ويجب تسليم علي موسى دقدوق عضو حزب الله اللبناني للسلطات العراقية بحلول نهاية العام بموجب بنود الاتفاق الامني بين الولايات المتحدة والعراق. ويشتبه أن دقدوق خطط لعملية خطف عام 2007 أسفرت عن مقتل خمسة من أفراد الجيش الامريكي.

لكن مشرعين أمريكيين يخشون من الا يتمكن العراق من الابقاء على دقدوق المولود في لبنان لفترة طويلة. وقال مسؤولان أمريكيان طلبا عدم نشر اسميهما ان ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما تود أن يسلمه العراقيون للولايات المتحدة.

ويسلط مصير دقدوق والسؤال الصعب حول ما ستفعله به الحكومة الامريكية الضوء على واحدة من اكبر المشكلات التي تواجه أوباما خلال تنفيذ خططه التي أعلنها الشهر الماضي للانسحاب الكامل من العراق.

وعلى الرغم من تراجع العنف الى حد كبير منذ ان بلغ ذروته خلال الصراع الطائفي بالعراق فالتساؤلات لاتزال تحيط بقدرة بغداد على التعامل مع المتشددين بما فيهم دقدوق المتهم بتدريب متطرفين عراقيين على كيفية استخدام قذائف المورتر والصواريخ.

وقال أحد المسؤولين الامريكيين انه ليس واضحا ما اذا كان قد تم تقديم طلب رسمي لتسليم دقدوق للولايات المتحدة. لكن مصدرين عراقيين أحدهما مسؤول عسكري كبير طلب عدم نشر اسمه لانه غير مفوض بالحديث لوسائل الاعلام قالا ان الولايات المتحدة طلبت بالفعل ان تأخذه من العراق.

وقال المسؤول العسكري العراقي "طلبوا أن يأخذوه لكن العراقيين يرفضون ذلك." واقر مسؤول كبير في ادارة أوباما بأن هناك "مشاورات جادة تجري بشأن كيفية التعامل" مع دقدوق لكنه لم يذكر تفاصيل. وأحجمت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) عن التعقيب.

وألقي القبض على دقدوق في مارس اذار عام 2007 وادعى في البداية أنه أصم وأبكم. واتهمته القوات الامريكية بأنه يعمل لحساب قوة القدس الايرانية وتقول انه انضم لحزب الله اللبناني عام 1983.

وقال المسؤول العسكري العراقي الكبير انه محتجز في سجن تديره الولايات المتحدة بالاشتراك مع العراق كما أشار الى جهود يبذلها أفراد في لبنان وايران لتسلمه. وأضاف دون اسهاب "الايرانيون واللبنانيون يحاولون استعادته من خلال التفاوض مع الحكومة العراقية."

ولم تتضح الخيارات المتاحة لاوباما في التعامل مع دقدوق اذا خرج من العراق. ومن غير المرجح فيما يبدو أن تكون لدى الرئيس الامريكي رغبة في ضمه الى سجناء معتقل جوانتانامو بكوبا الذي وعد باغلاقه لكنه لم ينجح في تحقيق هذا حتى الان.

ويقول روبرت تشيزني الخبير في قانون وسياسة مكافحة الارهاب بكلية الحقوق في جامعة تكساس ان قضية دقدوق تبرز الازمة القانونية التي يواجهها أوباما في سياسة التعامل مع المعتقلين.

وعلى الرغم من أن دقدوق نظريا قد يمثل امام محكمة مدنية أمريكية فان الاكثر ملاءمة فيما يبدو سيكون المثول امام لجنة عسكرية أمريكية كتلك الموجودة في جوانتانامو نظرا لانشطته القتالية المزعومة. لكن ايا كان اختيار الادارة فانها ستتعرض لانتقادات شرسة.

وقال تشيزني "اذا قمت بالامر بطريقة ما يغضب اليسار واذا قمت به بطريقة أخرى يغضب اليمين." وكتب السناتور الجمهوري جون مكين وزعيم الجمهوريين بمجلس الشيوخ ميتش مكونيل و18 من المشرعين الاخرين رسالة لوزير الدفاع ليون بانيتا في يوليو تموز قالوا فيها ان نقل دقدوق الى جوانتانامو سيكون افضل قرار.

وأضافوا "من الواضح تماما أن الخيار السياسي الذي يقلل المخاطر على سلامة الامريكيين الى أقصى درجة هو القرار الذي ترفض الادارة فيما يبدو بحثه--قانون الاعتقال العسكري في جوانتانامو بمحاكمة وبدون محاكمة امام لجنة عسكرية."

وحذروا من أن المحاكم العراقية ربما لا تستطيع ادانته اذا أصبح في حوزة العراق. وكتب المشرعون "اذا لم يعد في حوزة الولايات المتحدة فان دقدوق بلا أدنى شك سيعود الى ساحة القتال ويستأنف أنشطته الارهابية ضد الولايات المتحدة وضد مصالحنا."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 20/تشرين الثاني/2011 - 23/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م