قضايا نفسية مقلقة... إلا أنها طبيعية!

 

شبكة النبأ: في السابق سيطرت على الإنسان الكثير من المعتقدات والخرافات وهو يعيش بين الشعوذة والجهل  حيث كانت النضرة السائدة حول الأمراض النفسية أو العقلية التي تصيب الإنسان تتمحور حول أسباب لها علاقة بممارسة السحر وتلبس الجن والشياطين وغيرها من الأفكار التي سيطرت على البشرية في الفترات والعهود المظلمة  بعد أن ابتعد فيها الإنسان عن الدين والتعلم  أما اليوم  وهو يعيش على واقع الاكتشافات والدراسات العلمية التي تكاد تكون شبه يومية والتي فتحت العديد من أفاق المعرفة ونوافذ الأمل  ووضعت هذا النوع من الأمراض على الطريق الصحيح في أتباع المنهاج العلمي وأسلوب البحث وإيجاد العلاج أسوة بغيره من العلوم الطبية الأخرى  وان كانت الأمراض النفسية بحاجة إلى جهود استثنائية ومزيد من البحث والدراسة للتخلص نهائياً مما لحق به من أثار الماضي.

نصف ساعة تخفف القلق

حيث وجدت دراسة هولندية جديدة أن تخصيص نصف ساعة يومياً للتفكير بالأمور المقلقة يعد استراتيجية مفيدة للتخفيف من القلق  وذكر موقع "لايف ساينس" الأميركي أن باحثين في جامعة "بن ستايت يونيفرستي" الهولندية وجدوا من خلال دراستهم التي شملت 62 شخصاً على مدى 30 عاماً أن من كانوا يعانون من القلق وخصصوا 30 دقيقة يومياً للتفكير بما يقلقهم وحله، تمكنوا من التعامل بشكل أفضل مع مشكلاتهم  ووجد العلماء أن استخدام تقنية "السيطرة على التحفيز" التي تعتمد على ترك الأمور المقلقة جانباً للتفكير بها لاحقاً والبحث عن حل لها وقت يحين موعد النصف ساعة المخصصة خلال اليوم لذلك، من شأنه أن يخفف القلق  وقال الباحث المسؤول عن الدراسة توم بوركوفك "إن طلب الآخرين منا بالكف عن القلق هو بالحقيقة لا يساعدن  وإن طلبنا من أحد تأجيل ذلك فإنه في الواقع يقدر على هذا الأمر"  وأشار الباحثون إلى 4 خطوات تساعد على التخفيف من القلق، الأولى تحديد ومعرفة متى يشعر الفرد بالقلق، والثانية تحديد وقت ومكان للتفكير بالأمور المقلقة، والثالثة أنه لدى الشعور بالقلق على الأشخاص تأجيل ذلك والتركيز على المهمة الموجودة بين أيديهم، والرابعة هي أن يستخدم الأشخاص الوقت المخصص للتفكير بالقلق للتفتيش عن حلول للمشكلة. بحسب يونايتد برس.

الضحك يخفف الوجع

في سياق متصل أشارت دراسة بريطانية نشرت مؤخراً إلى أن الضحك مع الأصدقاء يخفف الشعور بالألم بفضل الجزئيات المسكنة (الأفيونية) التي تفيض في الدماغ  واختبر باحثون في المختبرات ردة فعل متطوعين تجاه الألم بينما كانوا يشاهدون مقتطفات من أفلام كوميدية مثل "مستر بين" أو "فريندز" أو برامج غير فكاهية عن لعبة الغولف أو الحيوانات مثل  ولتوليد الألم، استعمل الباحثون غطاء باردا مخصصا لتبريد النبيذ أو عاصبة مشدودة إلى أقصى حد  وأجرى الباحثون اختبارا آخر خلال مهرجان أدمبره على متطوعين يشاهدون مسرحية كوميدية أو درامية  وبعد العرض، طلب منهم الاتكاء على حائط بينما يثنون ركبهم كما لو كانوا جالسين على كرسي لمعرفة ما إذا كان الضحك يخفف الشعور بالألم  وأظهرت الدراسة أن ربع ساعة من الضحك الحقيقي تكفي لزيادة القدرة على احتمال الألم بنسبة 10%  في المقابل، فإن مشاهدة برامج غير فكاهية أو درامية لا تحدث أي تأثير مضاد للألم  وميزت الدراسة بين الضحك السطحي الذي لا يساهم في تخفيف الألم ونوبات الضحك التي تطلق هورمونات الاندورفين في الدماغ، ما يساهم في التخفيف من الألم الجسدي أو الألم الناتج عن الاجهاد  ويؤدي الضحك الحقيقي إلى تحرك العضلات بطريقة لا إرادية ومتكررة وإلى إخراج الانسان الهواء من فمه من دون استعادة نفسه، ما يؤدي إلى إطلاق الاندورفين، بحسب الباحثين  واعتبر الباحثون الذين نشرت دراستهم في مجلة أكاديمية العلوم البريطانية "بروسيدينغز أوف ذي رويال سوساييتي بي" أن تجاربهم تساعد على فهم الآليات الجسدية والاجتماعية المتعلقة بالضحك. بحسب فرانس برس.

سرعة الشعور بالحرج

من جانبها وجدت دراسة أميركية جديدة أن من يشعرون بسرعة بالحرج هم أيضاً جديرين بالثقة أكثر من الآخرين، كما انهم أكثر عطاء  وذكر موقع "ساينس ديلي" الأميركي أن باحثين في جامعة كاليفورنيا وجدوا أن الحرج باختصار أمر جيّد، فهو قد يدل على ان الشخص جدير بالثقة ومعطاء  وقال الباحث المسؤول عن الدراسة روب ويلر إن "الشعور بالحرج هو مؤشر عاطفي على الشخص الذي يمكنك الثقة به"  وتعد نتائج الدراسة غير مفيدة فقط للأشخاص الذين يبحثون عن فريق عمل وشركاء متعاونين وموثوقين، بل تساعد أيضاً في مجال النصيحة المتعلقة بلقاءات التعارف  ووفقاً للدراسة فإن الأشخاص السريعي الشعور بالإحراج، تسجل لديهم معدلات مرتفعة من الزيجات الأحادية أي غير المتعددة  وقال الباحث ماتيو فينبرغ إن "معدلات الإحراج المعتدلة تؤشر على الاستقامة"، وأضاف أن الدراسة أظهرت أن الشعور بالإحراج "أمر جيّد، وليس شيئاً ينبغي محاربته". بحسب يونايتد برس.

نتعلم أفضل

الى ذلك كيف نتعلم بأسرع وقت ممكن كيفية القيام بمهام حركية بسيطة مثل الحياكة أو النقر على لوحة مفاتيح حاسوب أو قذف الطابات في الهواء ومن ثم التقاطها؟  الأمر سهل جد  يكفي أن نكافأ ببعض المال بحسب ما يؤكد باحثون جديون  ماتيا بيسيغليون من المعهد الوطني الفرنسي للعلوم والأبحاث الطبية "إنسرم" وزملاؤه من معهد علم الدماغ والنخاع الشوكي في باريس "كريكم"، تمكنوا من تأمين البرهان العلمي الحركي لدى الإنسان الذي يقول بأن المكافآت المالية تحسن من التعلم  ويأتي ذلك من خلال إنتاج متزايد من الدوبامين في الدماغ، بحسب هذه الأعمال التي نشرت مؤخرا في مجلة طب الأعصاب "بريين" الشهرية  وقد أخضع الباحثون متطوعين لاختبار يقوم على مشاهدة صورة على شاشة لخمسة مفاتيح من لوحة مفاتيح حاسوب، ثم طلبوا منهم الضغط بأسرع ما يمكن على ثلاثة من المفاتيح  مع كل عملية تنفيذ، كان يقدم لهؤلاء محفز مالي بحسب الحالات، 10 يوروهات أو 10 سنتات من اليورو  أما النتيجة  شيئا فشيئا راح المشاركون ينفذون المهمة بشكل أسرع وهم يتلقون المكافأة الأعلى "10 يوروهات بدلا من 10 سنتات اليورو" من دون أن يدركوا الأمر  وعندما تم التوصل إلى هذا الاستنتاج، كان الهدف محاولة معرفة ما يحدث في أدمغة المشاركين.

ويشرح ماتيا بيسيغليون "وضعنا فرضية تقول بأن حركة الدوبامين قد تلعب دورا في هذه العمليات"  والدوبامين مادة كيميائية "ناقل عصبي" ينتجها الدماغ  وهي تسمح بتعزيز فعالية بعض العصبونات أو الخلايا العصبية التي ترتبط بعملية التنسيق البصري الحركي، أي بين ما أرى وما أفعل  وللتحقق من صحة فرضيتهم، ركز الباحثون على مرضى تنتج أدمغتهم كميات من الدوبامين أكبر من المعتاد  وهذا هو حال المرضى المصابين بمتلازمة توريت التي تتسبب بتشنجات (صوتية أو حركية) لاإرادية ومفاجئة وسريعة ومتقطعة  فأخضعهم باحثو معهد "إنسرم" للاختبار نفسه أي الضغط بأسرع ما يمكن على ثلاثة مفاتيح من لوحة مفاتيح حاسوب  وكان نصفهم يخضعون لعلاج بالعقاقير التي تعرقل حركة الدوبامين، في حين أن النصف الآخر لم يتلق أي علاج  وقد أتت النتائج حاسمة  عندما تكون المكافأة أكبر، كان الأشخاص الذين لا يخضعون للعلاج يتعلمون مهمتهم بشكل أسرع مقارنة مع هؤلاء الذين يتلقون علاجا، وخصوصا أسرع من المتطوعين الأصحاء  إلى ذلك، تناول الباحثون حالات أشخاصا يعانون من اضطرابات حركية غير مرتبطة بالدوبامين  فكانت سرعتهم في تنفيذ المهمة مشابهة لسرعة المتطوعين الأصحاء  وهذا البحث يمهد الطريق أمام علاجات محتملة، متخطيا بذلك مجرد البرهنة العلمية.

الاوروبيين والامرض العقلية

فيما ذكرت دراسة كبيرة جديدة ان الاوروبيين يشعرون بانزعاج من الامراض العقلية والعصبية مع اصابة نحو 165 مليون شخص او 38 في المئة من السكان سنويا بشكل من اشكال الخلل في المخ مثل الاكتئاب او القلق او الارق او الخرف  ومع تلقي ثلث الحالات فقط العلاج او الدواء اللازم يسبب المرض العقلي عبئا اقتصاديا واجتماعيا ضخما يقدر بمئات المليارات من اليورو لان المصابين يصبحون في حالة لا تتيح لهم العمل بالاضافة الى انهيار العلاقات الشخصية  وقال معدو الدراسة ان "الخلل العقلي اصبح اكبر تحد صحي في اوروبا خلال القرن الحادي والعشرين"  وفي نفس الوقت تتراجع بعض شركات الادوية الكبيرة عن الاستثمار في الابحاث المتعلقة بكيفية عمل المخ وتأثيره على السلوك لتضع بذلك عبء تمويل ابحاث علم الاعصاب على الحكومات والمؤسسات الصحية الخيرية  وقال هانز اولريتش فيتشين مدير معهد علم النفس السريري والمعالجة النفسية في جامعة دريسدن بالمانيا وكبير المحققين بشأن تلك الدراسة الاوروبية "لابد من غلق تلك الهوة الضخمة المتعلقة بعلاج الخلل العقلي"  وقاد فيتشين دراسة استمرت ثلاث سنوات وشملت 30 دولة اوروبية وهي الدول السبع والعشرون الاعضاء في الاتحاد الاوروبي بالاضافة الى سويسرا وايسلندا والنرويج والتي يبلغ تعداد سكانها مجتمعة 514 مليون نسمة  ولم تتوفر مقارنة مباشرة بمدى انتشار المرض العقلي في مناطق اخرى من العالم لان الدراسات المختلفة تتبني معايير مختلفة. بحسب رويترز.

وبحث فريق فيتشين في نحو 100 مرض يشمل كل اشكال الخلل الرئيسية في المخ ابتداء من القلق والاكتئاب الى الادمان والفصام بالاضافة الى اشكال الخلل العصبي الرئيسية مثل الصرع  وقال فيتشين للصحفيين في لندن ان النتائج تظهر"عبئا ضخما الى حد كبير" للخلل الصحي العقلي وامراض المخ  وتنشر النتائج الكلية الاوروبية لعلم الادوية النفسية والعصبية  والمرض العقلي احد الاسباب الرئيسية للوفاة والعجز والعبء الاقتصادي في شتى انحاء العالم وتتوقع منظمة الصحة العالمية ان يصبح الاكتئاب ثاني اكبر مساهم رئيسي في العبء العالمي للمرض في مختلف الاعمار بحلول عام 2020  وقال فيتشين ان هذا المستقبل الكئيب وصل مبكرا في اوروبا لان امراض المخ هي بالفعل اكبر مساهم بمفرده في اعباء الاتحاد الاوروبي للصحة المعتلة  واكثر اربع حالات تصيب بالعجز هي الاكتئاب والخرف مثل مرض الزايمر والخرف الوعائي وادمان الكحوليات والجلطة الدماغية  وقال الباحثون ان من المهم بالنسبة لصانعي السياسة الصحية الاعتراف بالعبء الضخم وابتكار سبل لتحديد المرضى المحتملين في وقت مبكر ربما من خلال الفحص وجعل علاجهم بسرعة احد اهم الاولويات.

انفصام الشخصية والاصابة بالصرع

بدورها تشير دراسة حديثة الى ان من يعانون من انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا) اكثر عرضة للاصابة بالصرع بعدما كشفت عن علاقة قوية بين المرضين  ويقول باحثون من تايوان، في الدراسة التي نشرت بدورية الصرع، ان ذلك ربما يعود الى اسباب وراثية او عصبية او بيئية  وتضمنت الدراسة متابعة حالات 16 الف مصاب بانفصام الشخصية والصرع في الفترة ما بين 1999 و2008  ويقول احد الخبراء في مرض الصرع ان الدراسة مثيرة ومقنعة  واستندت الدراسة الى بيانات من قاعدة معلومات التامين الصحي التايواني وقام بها باحثون من مستشفى جامعة الصين الطبية في تايشونغ  وحدد الباحثون 5195 مريضا بانفصام الشخصية و11527 مريضا بالصرع تم تشخيص حالاتهم في فترة السنوات التسع للدراسة  وتم مقارنة تلك المجموعات مع مجموعات من نفس الجنس والعمر لا تعاني من انفصام الشخصية ولا الصرع  واشارت النتائج الى حدوث الاصابة بالصرع بنسبة 6.99 لكل الف شخص في مجموعة المصابين بالانفصام مقارنة مع نسبة 1.19 لغير المصابين بانفصام الشخصية  اما معدل الاصابة بانفصام الشخصية بين المصابين بالصرع فكان 3.53 لكل الف شخص مقارنة مع معدل 0.46 في المجموعة غير المصابة بالصرع  وكانت دراسات سابقة اشارت الى وجود اعراض اضطراب نفسي بين مرضى الصرع  كما اشار الباحثون في هذه الدراسة الى ان معدلات الاصابة بانفصام الشخصية بين الرجال المصابين بالصرع اكبر قليلا من معدلاتها بين النساء المصابات بالمرض.

وقال الدكتور اي-تشينغ تشو، الاستاذ المساعد في جامعة الصين الطبية في تايشونغ  "توضح نتائج دراستنا وجود علاقة بين الاصابة بانفصام الشخصية والصرع  وربما تعود تلك العلاقة الى مسببات مرضية مشتركة في الحالتين مثل العوامل الوراثية او البيئية، الا انه هناك حاجة لمزيد من البحث في تطور الاصابة"  واعتبر استشاري الامراض العصبية والنفسية في برمنغهام ماني باغاري ان الدراسة "مثيرة ومقنعة"  وقال "كنا نعلم ان مرضى الصرع اكثر عرضة لتطوير اعراض نفسية لكن تلك اول دراسة مقنعة تقول ان مرضى انفصام الشخصية اكثر عرضة للاصابة بالصرع، ما يعني علاقة طردية بين الاكتئاب والصرع"  واضاف "ربما تكون العلاقة نتيجة عوامل بيئية مشتركة مثل نزيف المخ او اصابة المخ في الاجنة  او ربما يكون هناك عامل وراثي مثل جينات ال جي اي 1 او سي ان تي ان ايه بي 2، المرتبطة بنوبات الصرع والاعراض النفسية"  لكنه قال ايضا "الا انه ربما تكون هناك بعض الامور التي تحتاج للايضاح حول تشخيص انفصام الشخصية والصرع في الدراسة لان البيانات من سجلات صحية سابقة  مع ذلك ستفيد تلك الدراسة في وضع ملامح اي بحث مستقبلي حول العلاقة بين الصرع والامراض النفسية".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 19/تشرين الثاني/2011 - 22/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م