عيد الغدير وأهمية انعكاسه على الواقع السياسي الراهن

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: تبقى الحاجة الى النموذج قائمة في حياة الامم والشعوب كافة، لاسيما تلك التي لم تزل قابعة في الدرجات السفلى من السلم العالمي من حيث الاستقرار والتطور، لذا نحن بأمسّ الحاجة الى محاكاة مناسبة مثل مناسبة عيد الغدير المباركة، حيث نستخلص منها ما يساعدنا على اللحاق بالركب العالمي، ومواكبة العصر سياسيا، حيث العدالة والمساواة وبعد النظر وغيرها من السمات القيادية الفريدة، التي تجتمع في شخصية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قائد المسلمين الذي رفع الحق سلاحا لا يدانيه سلاح، بوجه الخصوم من أهل الباطل ومناصريه، وهم يتجددون ويتوالدون في كل عصر وحين.

الغدير أعظم أعياد المسلمين

إن عيد الغدير هو المناسبة العظيمة التي دونها التأريخ الحقيقي بحروف من ذهب، فقد قال عنه الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)ن في كتابه القيّم الموسوم بـ (عيد الغدير أعظم الاعياد في الاسلام): (إنّ عيد الغدير هو أعظم أعياد المسلمين؛ وذلك لأنّ في هذا اليوم نصب رسول الله -صلى الله عليه وآله- الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام خليفة له، وأميراً للمؤمنين من قبل الله تعالى).

إن القيمة العظمى لهذا العيد، تتمثل بالامر الالهي في تنصيب الامام علي عليه السلام قائدا للمسلمين، وقد أعلن ذلك رسول الله الاكرم محمد بن عبد الله، بما لا يخفى على عين أو أذن أو بصيرة، من هنا لابد أن يكون هذا اليوم يوما مقدسا عند المسلمين جميعا، على أن يفهم السياسيون من قادة المسلمين في العصر الراهن، خصائص الامام علي عليه السلام، وسماته القيادية العظيمة لكي يغترفوا منها بما يجعلهم أقرب الى الحق من غيره.

التنقيب السليم في بطون التأريخ

لذلك يحتاج المسلمون في عصرهم الراهن، أي في ظل الانتكاسات المتتالية للحكام الطغاة، وصعود مؤشر الثورات العربية وسواها، يحتاجون الى عقول حكيمة تتبصر الوقائع بدقة وفهم وتوازن، لكي تُصحَح المسارات وتوضع على الجادة السليمة التي صنعها قادة الاسلام العظام، وعلى رأسهم نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله، وإمامنا أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وعندما يحسن القائد في مهمته القيادية ويلتزم بالضوابط والتعاليم المطلوبة، فإن التأريخ لن يغبنه قط.

يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه بهذا الخصوص: (إنّ المنقّب في التاريخ تنكشف له حقيقة ناصعة لا يمكن إخفاؤها، وهي: أنّ التاريخ يذكر العظماء في صفحة من نور، ويسجّل لهم فيها الإجلال والإكبار كلاً على قدر عظمته. ومهما حاول شخص أن يتلاعب في التاريخ ويشوّه الحقائق ويحرّفها، فإنّ مصيره الفشل عاجلاً أم آجلاً؛ لأنّ الزيف والتحريف يظهر من تضارب أقوال المزيفين وتناقضها).

فشل المنافقين

ولابد أن يفهم الجميع أن المكانة التي احتلها الامام علي بن ابي طالب، لا يمكن خدشها او التقليل من شأنها، لسبب بسيط، أن يوم الغدير ليس فعل إنساني بحت، بل تدخلت فيه الارادة الالهية، وسعت الارادة النبوية الى تنفيذه، إلا أن أهل الباطل سرعان ما انقلبوا على إلههم وعلى نبيهم أيضا، وهذا الامر من سمات المنافقين وأصحاب الغدر على مر العصور، ومع ذلك، وعلى الرغم من الدسائس والمؤامرات التي حيكت ضد بوادر الحق وأهله، فإن الحق بقي عاليا، ولا شيء يعلو عليه قط، حين حفظ التأريخ لامامنا وولينا علي عليه السلام مكانته العظيمة والخالدة، وقد قال الامام الشيرازي في كتابه بهذا الصدد: (لقد بقى الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام- ورغم أنوف أعدائه علماً من أعلام الدين وركناً من أركان الهدى والتقى، ليس عند شيعته فقط بل وحتى عند الآخرين، انه -عليه السلام- بقي على ما عرّفه الله ورسوله مفخرة للإسلام والإنسانية على مرّ العصور وكرّ الدهور).

الصراع الازلي بين الحق والباطل

إن الصراع بين ثنائية الحق الباطل لا يتوقف عند زمن محدد، فهو صراعي لا نهائي أزلي، وعلى الناس أن تختار الانتساب الى هذا المعسكر أو ذاك، وعلى العقول أن تميز بين الصالح والطالح، وبين الدنيوي الزائل والاخروي الخالد، لذا على قادة المسلمين اليوم أن يتعظوا بتأريخ الامس، تأريخ الاسلام المجيد وشخصية الامام علي عليه السلام، وأن يتم استثمار ذلك في مثل مناسبة عيد الغدير الاستثمار الامثل والصحيح، لكي تعلو قيمة المسلمين بين أمم العالم أجمع، ولا مجال للتذبذب بين الحق والباطل، بل على صاحب البصيرة السليمة أن يميز الحق وينضم إليه بقوة، لأنه الغالب حتما، ناهيك أن فطرة الانسان تدفعه في الغالب الى احتيار الامر الصائب، ألا وهو الخير، لذا يقول الامام الشيرازي بهذا الخصوص: (إنّ صاحب البصيرة النافذة إذا أعطيت له حرية الاختيار بين الحق والباطل، ورفعت عنه جميع العقبات والحواجز، فإنه ـ وبلا شك ـ سوف يختار طريق الحق؛ لأنّ اتباع الحق يؤدي به إلى السعادة في الدنيا، والى الجنة والنعيم الدائم في الآخرة. وطبيعة الإنسان العاقل أن يختار طريق الأمان والسلام، الذي هو طريق الحق، على طريق الهلكة والهوان، الذي هو طريق الباطل. بالإضافة إلى ذلك فإنّ الله عزوجل يحفظ الإنسان الذي يتبع الحق والحقيقة من النسيان والضمور، ويجعله في مأمن منها رغم تعاقب الأجيال، وتقلّبات الأيام، ويخلّد ذكره ليبقى قدوة للخير والفضيلة، والأمثلة على ذلك كثيرة).

يوم إتمام النعمة واكتمال الدين

لذا تأتي أهمية يوم الغدير، كونه مناسبة مباركة وثابتة ومؤكدة لإتمام النعمة، وإكمال الدين، ولم يكن هذا الحدث من صنع الانسان العادي، إنه أمر إلهي أتم فيه الله تعالى النعمة على عباده، واكتمل الدين، وتم اختيار القائد الاصلح للمسلمين بعد النبي الاكرم صلى الله عليه وآله، ألا وهو الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، حيث علا شأن الحق وانهزم الباطل والى الابد، فكل المحاولات التي تمثلت بالخداع والمماطلة والغدر كانت ولا تزال واضحة للعيان يكشفها مجهر الحقيقة للجميع.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (نعم، هذا هو أمير المؤمنين -عليه السلام-على لسان خير خلق الله تعالى الرسول الحبيب - صلى الله عليه وآله- الذي *ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى* كما قال الله عنه ذلك. ولهذا يعتبر يوم الغدير هو اليوم الذي تمت به النعمة واكتمل به الدين، فهو يوم عظيم ذو أهمية خاصة وقدسية كبيرة عند المسلمين وخصوصاً الشيعة منهم، وذلك هو بمثابة إعلاناً رسمياً في تعيين الإمام علي -عليه السلام-في هذا اليوم أميراً للمؤمنين من قبل الله تعالى. 

أهمية الاحتفال بعيد الغدير

من هنا كان من الواجب على شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، أن يحتفلوا في هذا اليوم، وأن يظهروا بجلاء تام معالم الفرح، إعلاءا للحق وقهرا للباطل وأصحابه، ولابد أن يفهم السياسيون من قادة المسلمين، أن لديهم النموذج الامثل للحكم الصحيح، وما عليهم سوى الاسترشاد به، متمثلا بحكم الامام علي عليه السلام، وعلى الجميع إعلان الاحتفال بصورة جلية في هذا اليوم المبارك، وكما يذكر الامام الشيرازي قائلا في كتابه نفسه: (كان الأئمة من أهل بيت رسول الله - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- يوصون شيعتهم بالاحتفال بهذا العيد العظيم واظهاره باجلى المظاهر، فهم -عليهم السلام- كانوا يجعلونه يوما فريدا ومشهودا بين اهليهم وذويهم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14/تشرين الثاني/2011 - 17/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م