الشراكة السياسية بين الوهم والحقيقة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: النظم السياسية المتطورة تسعى على نحو دائم لتفتيت السلطة، ليس بمعنى إضعافها، بل لتحاشي تركيزها، أي الابتعاد عن (دكترة السلطة) من خلال تجنب حصرها في فرد واحد او حزب واحد، هنا يظهر مفهوم الشراكة السياسية بقوة، فيشترك السياسيون جميعا في تقاسم السلطات التنفيذية أو سواها، ويحدث التوازن المطلوب، ويتم تجنب خطر التركيز السلطوي، فيتحمل الجميع مسؤولياتهم ازاء السلطة، وهي مسؤوليات جسيمة، لا تعني تحقيق المكاسب الفردية ولا الحزبية ولا الفئوية بأي حال، وإنما إدارة شؤون الدولة وفق نهج سياسي متوازن وناجح في آن.

هل يمكن أن تتحول الشراكة السياسية الى وهم ومتى؟ وما هي الشراكة الناجحة فعلا، هل عندما تتحول الى وهم، أم عندما تصبح حقيقة قائمة في الفعل السياسي؟.

في الاجابة عن السؤالين، لابد أن نعترف أن إرادة الفرقاء هي التي تحدد طبيعة الشراكة، وهي التي يمكن أن تجعلها حقيقة ماثلة أو وهماً مختلَقاً، بمعنى أوضح، كلما تنقّتْ نوايا وخفايا الفرقاء، كلما أمكن إماطة اللثام عن وهم الشراكة وبالعكس، وهكذا يمكن أن تكون الشراكة حقيقة ماثلة، ويمكن أيضا، أن تتحول الى وهم يلجأ إليه السياسيون، لتمرير أهداف مصلحية على حساب الشراكة، كمنهج يفتت السلطة ويبعد شبح القمع والتسلط والتكميم عن الساحة السياسية.

في العراق الكل، وأعني بهم السياسيين، يدّعون الشراكة، ولكن حين نأتي الى واقع الحال، نجد ما يناقض الاقوال والتصريحات بل وحتى الاتفاقات، هو الذي يحكم الحراك السياسي عموما، ولم يتم التخلص منذ نيسان 2003 والى الآن، من هذا الادّعاء، وأقصد به إدعاء الجميع للشراكة والالتزام بها قولا، لكن عندما نأتي الى التطبيق نجد أن ما يحدث غير ذلك.

لا ينطبق ذلك على من يقود السلطة فقط، بل على المعارضين أيضا، فالمعارض في الانظمة السياسية الناجحة لا يبحث عن نقاط الزلل من اجل التسقيط، بل من اجل التصحيح قبل كل شيء، على خلاف معارضتنا، فهي تلجأ بوضوح الى أساليب التسقيط من خلال التصريحات والاعتراضات وما شابه، ولكن حين تحصل على بعض المصالح الفردية او الجماعية، فإنها (تبلع لسانها) أو تصمت عما أعلنته سابقا وتتغافل عنه وتتناساه، على الرغم من أنه لا يزال موجودا، كرداءة الخدمات والتقصير الحكومي في هذا المجال.

هذا الحال يدلل على أن المعارضة العاملة في الحقل السياسي العراقي، لم تتأسس وفق منهج حقيقي يهدف الى مصلحة الشعب قبل مصلحة الافراد او الاحزاب، كما أن مفهوم المعارضة في النظم السياسية الناجحة، يدعم الحكومة من خلال رصد وتصحيح أخطائها، عن طريق التأشير وطرح البدائل، ولا تلجأ المعارضة الى اساليب التسقيط الاعلامي قط، إلا إذا كانت هناك حقائق دامغة عن الاخفاقات، عندها يتحول الامر الى (رأي عام) ويتم تصحيح الاخطاء ووضع الامور في نصابها الصحيح أمام الملأ، لكن ما يحدث في الساحة السياسية من شد وجذب بين المعارضة من جهة، والحكومة من جهة اخرى، يدل على فقدان الضوابط التي تحكم العلاقة بين الطرفين. في وقت أصبح العمل السياسي الصحيح، من أهم ما يحتاجه العراقيون في المرحلة الراهنة، وأعني بها مرحلة انسحاب الاحتلال، في هذا الوقت ينبغي على المعارضة الحقيقية أن تفهم خطورة هذه المرحلة، وأن تتعاون مع الحكومة كي تجعل من الشراكة حقيقة قائمة وليست وهما، مثلما يجب على الحكومة أن تتفهم دور المعارضة، ودورها هي ايضا في ترسيخ الشراكة كفعل مطبَّق على الارض، لا كمفهوم نظري فحسب، وأهم ما في ذلك هو عدم اللجوء الى الاعلام والتصريحات المضادة المتبادلة، كإسلوب لطرح وجهات النظر أو لمعالجة الاخطاء، والسبب واضح لأن جميع التصريحات المتصادمة تنعكس على الشارع.

هناك طرق أخرى أرقى بكثير من اسلوب التصريحات الذي لا يخدم العراقيين في أي حال، ومنها منهج الحوار الشفاف بين الحكومة والمعارضة، وهو اجراء عصري تذهب إليه نظم سياسية متطورة، كي تجعل من الشراكة مبدأ فعلي حقيقي لا يشوبه الزيف أو الوهم. هذا هو ما يحتاجه العراق الآن والكرة في ملعب السياسيين دائما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/تشرين الثاني/2011 - 15/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م