عن النزعة المركزية العربية؟!

غريبي مراد

بين الفينة والأخرى تطلع على الواقع العربي، نكرات سياسية ودينية وثقافية وإعلامية، حاملة لواء الدفاع عن الأصالة العربية والهوية العربية والإسلامية، وتبدأ بكل بساطة توزيع بطاقات الانتماء الوطني والديني والقومي والسياسي والثقافي على الأشخاص والمذاهب والأحزاب والقوميات، وبالتالي يصبح مفهوم الهوية والمواطنة والإيمان عناوين زئبقية وهلامية تنتظر تأصيل عباقرة السياسة والدين والثقافة والاجتماع في الواقع العربي المقهور بسياسات الالغاء ودين الملوك وثقافة الطائفية واجتماع النبلاء بحسب منطق القوة والسلطة والتاريخ والفقه العتيد...

بصراحة: مع تلاحق أحداث الربيع العربي واندفاع العديد من شعراء سوق عكاظ النيو ليبرالي وخطباء منبر الحلف الأطلسي وحمقى اقتصاد السوق، بدأت تتضح الصورة الحقيقية للعقل العربي في جميع أبعاد الوجود العربي على مدى التاريخ كله، عبر تفكيك شيفرة السؤال المصيري الذي عبر عنه المرحوم محمد عابد الجابري بالأزمة والنقد وما هنالك من محاولاته لتبيئة المنهج التفكيكي لظاهرة العقل الغربي عبر المركزية الغربية، لكن للأسف العرب ما يزالون يفتقدون المركزية العربية والتي لا يمكنها أن تتحقق سوى عبر ترشيد هذه المركزية بالمركزية الإسلامية الإنسانية التي أثارها المرحوم الدكتور أبو قاسم الحاج حمد، لأن المركزية في المنطق الاسلامي تختلف عن المركزيات البشرية الأخرى التي تعود للصين القديمة واليهودية وصولا إلى أوروبا الصناعية الحديثة والنيو ليبرالية الجديدة، إذ المركزية التي توسل بها العرب هي ذاتها المركزية الغربية والتي هي ظاهرة ثقافية ضيقة تنظر للآخر ليس بمجرد أنه مختلف بل باعتباره أدنى بشكل أو بآخر كما تتحرك حفاظا على حيويتها عبر تركيز مقومات هذه النظرة...

وحتى إشارتي للمركزية الإسلامية ليس تلك المركزية التي تستند للثقافة الدينية المؤثرة في صناعة الأحداث الفعلية ولكن تلك التي تستوحى من النص الإسلامي المقدس في حد ذاته، فحتى بناء الثقافة الدينية لم يكن وفق مرونة وتواضع أمام المنهج الإسلامي الأصيل الذي حدده النبي الأكرم (ص) وشرح أبعاده وآفاقه الواردة في العديد من الآيات القرآنية... وهذه الاشكالية المنهجية أشار إليها العلامة السيد محمد تقي المدرسي في العديد من كتاباته الفكرية والفلسفية وحتى الفقهية والأصولية بخصوص الفصل بين مفهومي التراث والدين فيما يتعلق ببناء التفكير الحضاري الإسلامي الجديد...

بكلمة: هناك استغراب حقيقي للعرب بخصوص بناء ثقافة مواطنية فاعلة واعية لدور المركزية الإسلامية في ذلك عبر تجديد الوعي العربي للحقيقة الإسلامية الدافعة نحو العالمية التي ربطها الفيلسوف الدكتور أبو القاسم الحاج حمد بتفكيك أسئلة جدلية الوجود والغيب لدى الإنسان العربي...

دون أن نغفل عن مشروع الدكتور المغربي طه عبد الرحمن بخصوص أسئلة العقل الديني والقيم والحداثة والحجاج وتجديد المناهج في تقويم التراث والحق الإسلامي في الاختلاف، انتهاء بأسس ومنطلقات الحداثة الإسلامية، كما يمكننا الاستناد للعديد من الأفكار والمشاريع المهمة لدى المثقفين والفقهاء والعلماء المعاصرين القادرة على نقد العقل العربي ليس السياسي فحسب وإنما الثقافي والديني، والتي تسببت في استغراق الواقع العربي بمطبات فلسفية ونزعات ثقافية غابرة أنتجت استقالة مجانية للعرب من مضمار التنافس الحضاري ليس في مقابل الغرب الليبرالي الأوروبي والأميركي والياباني بل حتى الإسلامي (التركي والإيراني.)...

ببساطة: ما يحدث من حولنا كعرب وفي بعض بيوتنا الخربة بفعل الطائفية والتسلط والتجبر والتهميش والاستعباد والعنجهية النابعة من نزعة مركزية سياسية مذهبية وثقافية فارغة من كل القيم والأخلاق الإسلامية والإنسانية، يستدعي التحرك في صياغة التصور الأمثل للتغيير في العالم العربي كله، والذي لا يمكن أن يتحقق بعيدا أن تجاوز محددات النزعة المركزية العربية في قبال جوهر المركزية الإسلامية التي لها الفضل أساسا في إشهار العرب كشعب يملك حضارة للإنسانية عبر التاريخ لينفتح على الإنسان كله ويبلغه رسالة السماء الحضارية...

فهل سيلتحق العرب مجددا بالمدرسة الإسلامية لفقه المركزية العالمية الثانية أم ماذا؟!...والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/تشرين الثاني/2011 - 8/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م