ثقافة مريضة أم مثقفون مرضى؟

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: هل ثقافتنا مريضة، وهل مثقفونا مرضى؟ وإذا كانت الثقافة والمثقفون كذلك – على الأقل من باب إستحالة الكمال-، فأيهما يؤثر في الآخر، هل الثقافة نقلت وتنقل أمراضها للمثقف أم العكس هو الذي حدث ويحدث؟ وهل تنحصر هذه الامراض بالثقافة والمثقفين فقط؟ أم تمتد الى غيرهم، واذا كان المجتمع يعاني من امراض مؤشَّرة، سياسية، اجتماعية، تعليمية وغيرها، فما هو مصدر أمراض البنى غير الثقافية في المجتمع؟.

إن التداخل بين الثقافة والمثقفين يكاد يجعل تحديد أسبقية التأثير صعبة، بمعنى أوضح، من الصعب القول أن مرض الثقافة هو الذي تسبب في إنتاج مثقفين مرضى، مثلما يُصعب القول، ان مرض المثقفين هو الذي صنع ثقافة مريضة، أما الاهمية التي تكمن وراء البحث عن اسباب المرض، فهو يتمثل بالتشخيص الدقيق من اجل السعي الحثيث للمعالجة، علما إن القول بأن التناقل القيمي، يمكن أن يتم بصورة ثنائية بين الطرفين، لذا لابد أن يتحمل المثقفون بدءً من الآن مسؤولية معالجة الامراض الذاتية، لأنها ستنعكس بالضرورة على بنية الثقافة.

بكلمة أوضح، حين يصحح المثقف مساراته ويعالج أمراضه، فإنه يبادر بصنع الخطوة الاولى الأصح، كونها ستنعكس مباشرة على الثقافة وستباشر بمعالجة أخطاء الثقافة وامراضها، ولنا أن نتصوّر ما الذي سيحدث لو قام المثقفون بحملة تصحيح جماعية لذواتهم؟ وما هي النتائج التي ستتمخض عن مثل هذه الخطوة الكبيرة، قد يتساءل بعضهم، كيف يمكن أن تتزامن عملية التصحيح فتصبح جماعية، علما أن القضية برمتها تعتمد المبادرة الطوعية، وليست هناك أوامر تُقْسِر المثقف الفرد او الجماعة على التصحيح الذاتي، سوى التطلع والاندفاع الشخصي نحو ذات مثقفة نقية، تُسهم بدورها في تشييد بنية ثقافية نقية ومتطورة.

إذاً فالمبادرة الذاتية لمعالجة المرض في ذات المثقف، هي الخطوة الأصح، بغض النظر عن التفاوت الزمني في اتخاذها، بمعنى أوضح، في أية لحظة يقرر فيها المثقف معالجة الذات، فإنه سيكون قد بدأ بالخطوة الصحيحة الاولى، ولابد أنها ستنتقل الى مثقف آخر وثالث ورابع، لأن المعروف عن المثقفين أنهم يؤثرون في بعضهم بسرعة لافتة، وبهذا يمكن أن تتبلور ثقافة مصحَّحة، قوامها مجموعة من المثقفين المبادرين.

وبذا ليس ثمة عيب حين أقررنا بأننا ازاء ثقافة مريضة ومثقفين مرضى ايضا، مع الاقرار بوجود النخبة المنقّاة من المثقفين المخلصين للثقافة ولأنفسهم، وهم من يُعوَّل عليهم في قيادة عمليات التصحيح الثقافي، ومكافحة الامراض التي تستشري في بنية الثقافة، وتتوطن في ذوات المثقفين، أملا بانعكاس ثقافتنا المعافاة على البنى الاخرى التي تُسهم في النشاط المجتمعي عموما.

بكلمة أوضح، إذا صحّتْ الثقافة صحت البنى الاجتماعية والسياسية والتعليمية وسواها وهو أمر مفروغ منه، وهنا لابد من الاقرار الآن، بأن الثقافة المعافاة هي نتاج مثقفين أصحّاء، والعكس يصح بطبيعة الحال، ولو قلنا أن الامراض السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعانيها العراقيون، هي نتاج لثقافة معتلّة، فإننا لا نجانب الحقيقة، ولن نغالي في ذلك، ولا نغبن أحدا، فجميعنا، مثقفون، سياسيون، اقتصاديون، تعليميون وغيرهم، نُسهم بدرجة أو اخرى، في إدامة ثقافة تعاني من الامراض، وعلى النخب جميعا، وأولهم نخبة المثقفين، أن يعترفوا بالتقصير، ليس لجلد الذات، بل لتحفيزها من أجل المعالجة والتصحيح، والإسهام في إنتاج بنى سليمة، ناتجة عن ثقافة سليمة ومثقفين معافين.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الثاني/2011 - 4/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م