الروتين الإداري (البيروقراطية)

ومصطلح الضوابط والتعليمات

علي إسماعيل الجاف

يتحدث الناس كثيرا عن الترهل الإداري والروتين الإداري دون معرفة الأسباب التي تؤدي الى حدوث هذه الظاهرة في المؤسسات الحكومية، الخدمية والإنتاجية، التي تعنى بموضوع اكمال الإجراءات الإدارية والقانونية في مجال معين... ويشعر الناس عند ذهابهم الى تلك المؤسسات بمعنى الروتين والترهل الإداري بصورة حقيقية وواقعية كونهم يريدون اكمال أعمالهم ومعاملاتهم بصورة سريعة دون تأخير.

 في الوقت الذي يتطلب انجاز معاملة معينة في احد الدوائر الحكومية يوم او يومين نرى انجازها بستة أشهر او سنة بحجة إجراءات إدارية وقانونية او المصطلح او العبارة الشهيرة (حسب التعليمات والضوابط او إجراءات إدارية) وينهمك صاحب المعاملة بمراجعات ومواعيد عديدة ومستمرة لا جدوى او فائدة منها الا تعطيل الإجراءات، ويحاول ايجاد وسيلة أخرى لإكمال معاملته في اغلب الأحيان، ربما تكون غير شرعية، حتى لا يواجهه عقبة الروتين والمعوقات الإدارية التي يضعها الموظف او المنتسب او الدائرة.

يعود السبب في حدوث الروتين الإداري (البيروقراطية المفرطة) إلى عدة أسباب منها:

1.) عدم كفاءة المسؤول عن أداء الواجبات او المهام؛

2.) عدم كفاءة الموظف او المنتسب؛

3.) عدم وجود رقابة دورية لمتابعة اكمال المعاملات؛

4.) عدم وجود، في اغلب الأحيان، عقوبات إدارية رادعة للموظف المقصر؛

5.) عدم وجود سقف زمني لإكمال المعاملات؛

6.) الخلافات بكافة أنواعها؛

7.) عدم وجود متابعة من موقع أدنى من قبل الإدارات العامة والعليا؛

8.) المحاباة والمحسوبية يتدخلان في المصلحة العامة؛

9.) تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة؛

10.) سياسة التدوير والنقل وفق المصلحة الشخصية؛

11.) ضعف الصياغات الإدارية واعتماد وسائل قديمة في التهميش والتذيل والتحرير؛

12.) النكوص والتراخي في أداء الواجبات والمهام؛

13.) عدم وجود جهات رقابية وتقويمية خارجية؛

14.) اعتماد الموظف (الإدارة العامة) على خبرات الآخرين التي تسير للمصلحة الشخصية؛

15.) وجود عدد محدود من ذوي الكفاءة والخبرة؛

16.) عدم تطوير المهارات والكفاءات على أدارة الوقت وإدارة الجودة الشاملة والعلاقات العامة وغيرها؛

17.) زيارات الجهات الرسمية تركز على الجانب الدعائي أكثر من الجانب التقويمي والتسويقي؛

18.) ندرة الزيارات الميدانية من قبل الإدارات العليا والوسطى للمنتسبين.

في حين نلاحظ ان الدول المتقدمة تعمل جاهدة على استثمار رأس المال البشري (استثمار الموارد البشرية) من خلال تمكينهم قبل تكليفهم وتطويرهم قبل منحهم المراكز والمواقع الإدارية المهمة التي وجدت لتوفير خدمة إلى الناس وليس وضع حواجز وعقبات روتينية قاتلة. ونرى التجارب التي أجريت في تحويل الطابع الورقي الى طابع الكتروني ونسمع كثيرا عن الحوكمة الالكترونية التي ستجعل انجاز الأعمال بصورة أسرع وتحسين وضعية التوثيق والأرشفة التي باتت مسالة مهمة خصوصا في موضوع حفظ حقوق الموظف او المنتسب وحقوق الدائرة كذلك. نرى هنالك ضرورة الى تبني موضوع الأرشفة والتوثيق الالكتروني واستخدام التقنية الالكترونية في المراسلات والمحررات بدلا عن كتابنا وكتابكم...

ويرى الباحث ضرورة تطوير خلاصة الخدمة التي تعتمد في يومنا هذا في المؤسسات الحكومية، لديه أمكانية تصميم عدة نماذج، خصوصا ان شكلها العام قديم لا يتزامن مع تطور البلاد وتغير النظم والبرامج وعى سبيل المثال لا يتم ذكر البحوث والدراسات والندوات والدورات او شهادات الخبرة الخارجية التي يحص عليها الموظف او المنتسب فبتالي لا يكون هنالك معيارا نموذجيا في المفاضلة او المنافسة على مقعد في الدراسات العليا او الاشتراك في ايفاد خارج القطر، وهذا على سبيل المثال والحصر وليس على سبيل التعميم والنشر في القضايا الإدارية. فهنالك ضرورة عاجلة لإصلاحات إدارية حتى في قانون انضباط موظفي الدولة في المواد الخاصة بالعقوبات وطريقة الطعن فيها وطرق منح كتب الشكر والتقدير، تثمين الجهود، كتاب التميز وكتاب الإبداع...الخ لأنها في دول مجاورة تترتب على هذه الكتب مكافأة مالية وامتيازات خاصة.

فنعود الى موضوعنا الأساسي "الروتين الإداري" الذي يحتاج الى وقفة جدية من قبل الجهات المسؤولة لأجراء إصلاحات جذرية تتواكب مع المتغيرات والتطورات التي تجري في دول العالم، فلابد من تحسين نوعية الجودة والعمل على تفعيل مفاهيم ادارة الوقت (من المواضيع المهمة جدا في تحسين نوعية الخدمات وانجاز الإجراءات وفق زمن محدد) و العلاقات العامة (هي واحدة من العلوم الإنسانية التي انبثقت نتيجة وجود حاجة لتلبية متطلبات المواطن والفرد في المجتمع) التي لابد ان توجد او تستحدث في كل وزارة ودائرة والعلاقات العامة تسعى الى ارضاء الناس وإكمال معاملاتهم وهي الصورة الثانية الى الأعلام والدعاية كونها الوسيلة التي تعد البضاعة ليتم تسويقها عبر وسائل الأعلام. ففي حالة تقديم مواطن معاملة معينة في أحدى الدوائر الخدمية او الإنتاجية فان العلاقات العامة هي الجهة المسؤولة عن إيصال هذه البضاعة (المعاملة) الى الجهة المعنية والتي تقوم بمتابعتها وإبلاغ ذوي العلاقة بسقف زمني لإكمالها، فعند انجاز المعاملة يقوم الموطن بنقل صورة ايجابية عن الدائرة إلى المجتمع ويعتبر هذا تسويق اعلامي الى المؤسسة.

 أما في حالة غياب العلاقات العامة والمراقبة والمتابعة يحدث ترهل او روتين أداري وينعكس دعائيا وبأسلوب يفكر به المراجع او الزبون وينقل صورة سيئة وغير ايجابية عن الدائرة او المؤسسة. في الحقيقة ان مهمة الأعلام مخاطبة الناس وإقناعهم عبر عقولهم؛ بينما الدعاية وسيلة التأثير في مشاعر وأحاسيس وعواطف الناس عبر قلوبهم وتكون دائما أقوى خصوصا في مجتمعات العالم الثالث ولها ثلاث أنواع: السوداء، الرمادية والبيضاء.

فنرى هنالك حاجة لدى المؤسسات الحكومية الخدمية والإنتاجية لتطوير كوادرها وتمكينهم من الاطلاع على المواضيع الحديثة في أدارة الجودة الشاملة، ادارة الوقت، الأعلام والعلاقات العامة، الإدارة الحديثة، ادارة الصراعات والأزمات، وغيرها من المواضيع الحديثة التي تسعى الى تقديم خدمات نوعية ونموذجية الى المجتمع والدولة. ان موضوع استثمار رأس المال البشري هو الخطوة الأولى، ويرى الباحث ضرورة استحداث مراكز البحث والتطوير لملاكات المؤسسات الحكومية خير سبيل وهدف (هو شيء يطمح الإنسان الى تحقيقه ضمن فترة زمنية معينة) وغاية (هي شيء يطمح الإنسان الى تحقيقها لكن دون وضع زمن محدد) لتطوير وتحسين مهارات الموظف او المنتسب ليكون موظفا او منتسبا نافعا وناجحا والمخرجات تكون في صالح الدولة والمجتمع. يتكفل هذا المركز، في كل محافظة، موضوع التقييم والتقويم وفق المعايير النموذجية ويرقى الموظف في سلمه الوظيفي وفق نتائج المركز ويكون مرتبطا بهيئة النزاهة او الرقابة المالية او مجلس النواب، ولدى الباحث دراسة مستفيضة في هذا المجال.

يرى الباحث ان مسالة الترقية وفق الدورات التدريبية والتطويرية مهما جدا بدلا من وضع استمارات روتينية وكلاسيكية تعتمد على عنصر الزمن في ترقية الموظف او المنتسب في حين الكفاءات وذوي الخبرات يكون مصيرهم كحال الموظف او المنتسب النكوص او المترهل او غير مبالي بالمسؤولية. فان نستنتج ان ظاهرة الروتين الإداري سببه الموظف او المنتسب وادارته العامة والجهات الرقابية، الداخلية والخارجية، وليس مصطلح (الضوابط والتعليمات او الصلاحيات الإدارية).

أخيرا، نرى الكثير من أصحاب القرار يطبق الضوابط والتعليمات والإجراءات الإدارية على الفقير ويجد لنفسه منفذا شرعيا وقانونيا لتيسير وتسير معاملاته، فهو كالسيف مع الناس ونجده مرنا ومتساهلا مع نفسه قائلا: "ان من صاغ المذكرة، الكتاب، الأعمام، الضوابط، القانون، الأمر، المنشور،...الخ أنسانا مثلي... لا يبالي بمعنى حب الوطن واحترام المهنة والإخلاص في أداء الواجب وتحمل المسؤولية بحجة انه صاحب القرار..." ولدى الباحث كتب وبحوث ودراسات وكراسات معدة ومؤلفة منشورة ومعممة في كثير من المواضيع التي طرحت أعلاه.

* باحث عراقي

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/تشرين الثاني/2011 - 4/ذو الحجة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م