سلبيات ثقافة الإقصاء

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: في آراء سابقة، ذكرنا أن مفردة او تسمية المثقف لا تنحصر بالشاعر فقط، ولا بكاتب الرواية او المسرحية أو الناقد أو الفنان أو غيرهم من المثقفين، كما أنها صفة لا تُحكَر على المبدعين فقط، بل حتى الانسان العادي عندما يتسم بدرجة جيدة من الوعي والسلوك الانساني الصحيح، فهو مثقف لأنه سيؤثر أيضا في غيره بفكره او سلوكه، ويُسهم بتطوير وسط اجتماعي راق متنور عمليا وفكريا.

هناك نوع من المثقفين، يعمل في الثقافة، فيُسهم في المنتَج الثقافي، ويكون من خلال موقعه مؤثرا أكثر من غيره بكثير، حتى لو كان الأخير مثقفا، فطبيعة العمل ونوع النشاط يحددان مدى التأثير الذي ينتج عن هذا المثقف أو ذاك، وهناك ملاحظة عن احدى المعادلات التي تنشأ في الوسط الثقافي المنتِج، تشي هذه المعادلة بما يلي: بعض المثقفين كلما ازدادت مسؤوليته وتضخمت كلما اصبح أكثر ميلا لاقصاء الآخر!!، هذا النوع من المثقفين موجود في ساحة الفعل الثقافي، وقد أوصلته عوامل معروفة الى العمل في ميدان الثقافة، ولو قيّض له العمل في ميدان السياسة لأصبح إقصائيا أيضا، ولسوف يصبح دكتاتورا في نهاية المطاف.

هذا الامر إذن لا يتعلق بطبيعة العمل الذي يتعاطاه المثقف الاقصائي، فهو إن كان سياسيا لتحول الى قائد متسلط، ولو كان مديرا عاما لقمع موظفيه وهمّش كل من يعارضه في الرأي، ولو صار أبا، فإنه سيتحول الى دكتاتور صغير يحوّل بيته الى مملكة جائرة، وعائلته الى شعب مقصي ومهمش وذليل، بكلمة أوضح إنه إنسان إقصائي النزعة، ولا علاقة لطبيعة العمل الثقافي أو غيره في تشكيل منظومته السلوكية المتعالية.

ونظرا لأهمية المؤسسات التي تنتج الثقافة، وتديمها وتطورها، سواء كانت رسمية أو أهلية، فإن خطر الانسان الاقصائي في مجال الثقافة، أكثر من خطره في أي مجال آخر حتى في السياسة، والسبب واضح، فالثقافة هي التي تقود الحياة، واذا تحكم بها أناس إقصائيون، فإنها ستصبح ثقافة اقصائية بدورها، وسوف تسهم بقوة بصناعة مجتمع اقصائي بالكامل، حيث تتحول سمة الاقصاء الى فعل وسلوك وفكر متداول وربما مقبول، وسوف يتعزز الاقصاء كقيمة متداولة بين الناس، في الدوائر الرسمية والمعامل والجامعات والمستشفيات وسواها، وبهذا يتضاعف خطر المثقف الاقصائي، ولا ينحصر في المجال العملي الثقافي المؤسساتي او سواه، وإنما سينعكس على مجالات الحياة الاخرى، باعتبار أن الثقافة هي المسؤولة عن منظومة السلوك المجتمعي عموما.

من سمات وصفات المثقف الاقصائي، أنه لا يثق بغيره إلا ما ندر، وأنه ينظر للآخر كند سلبي يهدد مصالحه دائما، كما انه يعاني من تضخّم ذاتي مريض، وبهذا تتولد لديه نزعة اقصائية ذات طابع إستباقي، يلجأ إليها في التعامل مع الجميع، حتى مع اولئك الذين لا يشكلون خطرا مفترضا عليه ولا يحملون نوايا سيئة تجاهه او تجاه غيره، والمشكلة أن هذا النوع من المثقفين العاملين في ميدان الثقافة، تتشكل شخصياتهم بطريقة مزدوجة ومتناقضة، فهو من جهة متضخم الذات متعال إقصائي، ومن جهة أخرى وصولي نمّام ومتزلف لمن يرأسه اداريا او سوى ذلك، هذا التناقض السلوكي قد يحمي المثقف الاقصائي من السقوط في مساوئ أفكاره وأفعاله، ولكن لن يدوم ذلك طويلا.

ومن الملاحظ أن حضور سمة الاقصاء يتضاعف في المجتمعات القلقة، وأن تأثيرها يتزايد في الشعوب التي لا تزال تقبع في دوائر الجهل والحرمان، ومرد ذلك كله ثقافة الاقصاء التي ترتكز اولا على مثقفين مرضى، لايمكنهم ممارسة فعلهم الثقافي من دون أن يستخدموا حرب الاقصاء ضد الجميع، حتى لو كانوا بلا خطر عليهم. وبهذا غالبا ما يتميز المثقف الاقصائي بالعمل الفردي كونه ينزعج ويضجر من الفعل التشاركي، ويمقت العمل الجمعي كليا، بسبب طبيعته النفسية الميالة الى الغطرسة وحب الذات، ويبقى المطلوب ممن يعنيهم أمر الثقافة وهم كثر، أن لا يسمحوا بتسلل مثل هؤلاء الى ميدان العمل الثقافي المؤسساتي او سواه، ليس حرصا على الثقافة وحدها، إنما على ميادين الحياة مجتمعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 25/تشرين الأول/2011 - 27/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م