الهجرة في سبيل الحياة... آمال كبيرة وخيبة أكبر

باسم حسين الزيدي

شبكة النبأ: ليس من باب المغامرة أو البطر حين تقوم مجاميع غفيرة من الرجال والنساء والأطفال الخائفين المعدمين، بترك أوطانهم والرحيل نحو المجهول بعد قطع رحلة شاقة عبر البحار أو الجبال أو الصحاري يموت خلالها الكثيرون وينجوا القليل منهم، في حين يصل الباقون منهم متعبون منهكون، ليواجهوا رحلة أخرى تمتد عبر القوانين والأنظمة التي تسلط كالسيف على رقاب المهاجرين الوافدين إلى تلك الدول، دون الالتفات إلى معاناتهم الإنسانية والسياسية والاقتصادية، حيث يعاد الكثير منهم إلى بلدانهم التي هربوا منها طلباً للأمن أو بحثاً عن حياة جديدة، ليلاقوا مصيرهم المحتوم بين السجون أو على قارعة الطريق، إما من منح موافقة اللجوء فليس بأوفر حضاً من غيره، إذ يتعرض إلى الكثير من المعاناة والمضايقة والحرمان خلال فترة منحة الإقامة وهو يتقلب بين الخوف والرجاء، وربما فقدان الأمل نحو حياة أفضل.

الهجرة في أرمينيا

فقد تبدو أرياف بلدة فاردادزور خالية من الرجال، بينما تشق سوزانا أساتريان وهي أم لأربعة أولاد طريقها إلى الحقول لدرس الشعير والقمح، فقد غادر زوجها البلاد بحثا عن عمل، شأنه في ذلك شأن الكثير من الرجال الآخرين الذي يهجرون قراهم الأرمنية النائية والفقيرة فيتركونها مأهولة بالنساء، ما يعكس مشكلة نقص السكان في البلاد، وتقول سوزانا أساتريان البالغة من العمر 36 عاما وهي ام لاربعة اطفال "مجتمعنا مجتمع نسائي بامتياز، حتى إننا نقول من باب المزاح إنه ينبغي تغيير اسم قريتنا من وادي الورود إلى وادي النساء"، وفي موسم الحصاد في فاردادزور الواقعة على بعد 130 كيلومترا تقريبا من العاصمة يريفان، تتولى النساء الأعمال الزراعية الشاقة ويستعدن للشتاء الطويل ويربين أولادهن من دون مساعدة الآباء، وتقول أساتريان "يشتاق الأولاد إلى والدهم ولكن ما العمل؟"، في هذه القرى الأرمنية، تتزوج النساء في سن مبكرة وغالبا ما يسافر أزواجهن بعد شهر العسل بداعي العمل ولا يعودون إلا لبضعة أشهر كل سنة، وبالتالي، لا يبقى في القرى سوى الرجال الطاعنين في السن، وقد غادر أكثر من مليون شخص أرمينيا بين العامين 1988 و2007 واستقر ثلثاهم تقريبا في روسيا، مثل زوج أساتريان، ما قلص عدد سكان هذه الجمهورية الصغيرة في القوقاز إلى 3،2 ملايين نسمة، ولكن أساتريان تعتبر محظوظة لأن زوجها يزورها في رأس السنة ويتصل بها باستمرار ويرسل مئات الدولارات كل بضعة أشهر لإعالة أسرته، أما النساء الأخريات فيخشين أن يجد أزواجهن زوجات جديدات في روسيا وينسوا أمرهن كليا، كما حصل لامرأة من فاردادزور قطع زوجها المهاجر كل اتصال بها بينما كانت حاملا بطفلهما الثاني. بحسب فرانس برس.

وتقول تامارا البالغة من العمر 29 عاما "لم أسمع عنه شيئا منذ عشر سنوات ولم يتصل بي مرة واحدة حتى"، وتضيف "يقول الناس إنه يعيش في أومسك مع امرأة روسية تكبره سنا ويعيل ابنها ولا يريد التفكير فينا"، ارتفع معدل الهجرة مجددا في أرمينيا في الأشهر الأخيرة وتعزى هذه الظاهرة إلى الانتعاش الاقتصادي بعد الأزمة المالية العالمية، ويقدر صندوق الأمم المتحدة للسكان ووكالة الاحصاءات المحلية عدد الذين يغادرون أرمينيا نهائيا كل سنة بين 25 و30 ألف شخص، ويقول غاريك هايرابيتيان من صندوق الأمم المتحدة للسكان إن "من يغادرون البلاد هم في الغالب شبان في مقتبل العمر"، ويضيف أن "الوضع يؤثر سلبا على تكاثر السكان والتوازن بين الجنسين ويساهم في شيخوخة المجتمع"، وتعتبر المعارضة في أرمينيا أن الهجرة تهدد الأمن القومي وقال الرئيس سيرج سركيسيان أنه على السلطات التحرك، وأعلن في وقت سابق هذه السنة أن "عدد الأشخاص الذين يبحثون عن عمل في الخارج كبير وعلينا طبعا أن ننظر إلى هذه المشلكة بجدية"، مشيرا إلى أن الطريقة الوحيدة للحد من هذه الظاهرة تكمن في تحسين الظروف الاقتصادية، وأظهرت استطلاعات الرأي أن 70 إلى 75% من المهاجرين يغادرون بسبب النقص في فرص العمل والأجور المنخفضة في بلد يعاني من العزلة الاقتصادية بسبب حدوده المقفلة مع تركيا وأذربيجان لأسباب سياسية، ولكن رئيس وكالة الهجرة المحلية يتهم المعارضة بمحاولة تسجيل نقاط سياسية بوصف موجة الهجرة الأخيرة بالكارثية وباعتبار أرمينيا "مهجورة"، ويقول "ما من بيانات عن نسبة الأشخاص (المهاجرين هذه السنة) الذين غادروا البلاد إلى الأبد".

ويعتبر بعض المحللين أن للهجرة منافع اقتصادية نظرا إلى أن عائلات عدة تعتمد على الأموال التي يرسلها إليها أقاربها العاملين في الخارج والتي بلغت قيمتها 772 مليون دولار في النصف الأول من هذه السنة، ولكن استطلاعا للرأي أجراه صندوق الأمم المتحدة للسكان يشير إلى أن 44% من الأشخاص لا يرون مستقبلا لهم ولأولادهم في أرميني، وأوضح هايرابيتيان أن ما يثير القلق هو أن الهجرة اليوم لا تقتصر على الفقراء والعاطلين عن العمل، فيقول إن "نوعية الهجرة قد تغيرت، فالأشخاص الميسورون الذين يتمتعون بتعليم عال وبرواتب مرتفعة يهاجرون اليوم"، وتحضر الحكومة حاليا برنامجا وطنيا للحد من الهجرة يتوقع إطلاقه قريبا فيما يهدف برنامج آخر بعنوان "عودوا إلى دياركم" إلى تشجيع الشتات الأرمني الضخم على الاستقرار في بلدهم الأم من جديد، وفي فاردادزور، يتواصل أولاد سوزانا أساتريان مع والدهم عبر الانترنت فيما ينتظر آخرون بشغف عودة آبائهم من روسيا في عيد الميلاد، مع أن بعضهم سيخيب ظنه على الأرجح.

المهاجرون الأفارقة

في السياق ذاته لقد ظل القلق من العنف والتمييز ضد الليبيين والمهاجرين ذوي البشرة الداكنة من دول أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يتزايد منذ المراحل المبكرة للصراع في ليبي، ففي حين اتُهم العقيد القذافي والموالين له في وقت مبكر بترويج رسائل تحث على كراهية الأجانب وتتهم الثوار منذ البداية بتبعيتهم لعناصر "غير ليبية" ولمتطرفين دينيين، لم تنج سمعة المجلس الوطني الانتقالي من الاتهامات بالعنصرية، وقد كانت هناك، قبل وقت طويل من اندلاع القتال في ليبيا في فبراير 2011، تقارير قديمة عن استخدام القذافي لجنود تشاديين، ومحاربي الطوارق من شمال غرب أفريقيا، وغيرهم من المقاتلين غير الليبيين داخل المؤسسة العسكرية الليبية، ولا سيما لواء خميس، الذي يقوده أحد أبناء القذافي، كما وردت تقارير عن احتجاز المجلس الوطني الانتقالي لأكثر من 500 جندي من الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في الصحراء الغربية (البوليساريو)، واتهامهم بأنهم مرتزقة استأجرهم القذافي، ويصر أنصار المجلس الوطني الانتقالي على أن مثل هذه العناصر لعبت دوراً رائداً في عرقلة تقدم الثوار وتوفير خط الدفاع الأخير للقذافي، وفي السياق نفسه، أشار نشطاء حقوق الانسان ومعلقون إعلاميون من أفريقيا جنوب الصحراء إلى أن حوادث العنصرية المتطرفة لا تعتبر أمراً جديداً في ليبي، فشهادات السجناء والمهاجرين الفارين تحمل أصداء قوية لتصريحات أولئك الذين فروا من ليبيا في عام 2000، بعد مقتل أكثر من 130 شخصاً، معظمهم من دول غرب أفريقيا، بسبب تفشي أعمال عنف ذات دوافع عرقية، وتم توجيه اتهامات إلى إدارة القذافي بالإهمال في أفضل الأحوال والتواطؤ في أسوئه، كما تم التنديد بالقذافي نفسه لدعوته لتكوين رابطة أفريقية عامة في الخارج، في حين يترأس مذابح عرقية منظمة في بلده، ومنذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، انضم الآلاف من دول مثل السنغال ونيجريا ومالي وغانا إلى الأعداد الكبيرة من المهاجرين القادمين إلى ليبيا من الدول المجاورة لها مثل تشاد والنيجر.

وتزامن هذا التدفق مع فترة من العزلة الدولية، لعب القذافي خلالها دوراً الذي خلقه لنفسه كبطل الوحدة الأفريقية على خلفية العقوبات والعلاقات المتوترة مع العديد من نظرائه العرب، وعززت ليبيا وقتها علاقاتها بشدة مع مجتمعات دول الساحل والصحراء، الذي بشر بالتضامن الإقليمي، وشدد على الالتزام بحرية تنقل الأشخاص والبضائع، وأصبحت ليبيا محطة هامة للمهاجرين المتجهين إلى جنوب أوروبا، ولا سيما إيطاليا، ومقصداً في حد ذاتها للباحثين عن فرص عمل في ظل اقتصاد سريع التوسع يستوعب الوظائف غير المتخصصة بصورة كبيرة ويوفر فرص عمل في القطاع غير الرسمي، ووفقاً لجون فيليب شوزي، المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة، طالما اجتذبت ليبيا العمال المهاجرين لأسباب اقتصادية، ولكنهم ظلوا يعيشون على الهامش، حيث "واجه المهاجرون صعوبات جمة في ليبيا قبل الأزمة"، مشيراً إلى أن معظم الأفارقة من جنوب الصحراء في ليبيا كانوا يعيشون كمهاجرين غير شرعيين، حيث "كان الليبيون يستأجرونهم ويطردونهم كل يوم، وكانوا يبذلون قصارى جهدهم من أجل مواصلة الصمود اقتصادياً". كما تم تهريب معظم المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى ليبيا بشكل غير قانوني، ولم يقوموا بتسجيل أسمائهم لدى سفاراتهم، وبالتالي كانوا حتماً عرضة للاستغلال، حسب شوزي، في حين كانت السلطات الليبية متساهلة إلى حد كبير فيما يتعلق بتعريف الهجرة الشرعية وغير الشرعية، كانت هناك عدة موجات من الترحيل، ففي عامي 1995 و 2008 أعلنت الحكومة الليبية عن نيتها طرد مليون مهاجر، ورغم أنها لم تحقق هذا الهدف إلا أنها واجهت انتقادات متزايدة بسبب سوء معاملتها للاجئين، وكانت اللجنة الأميركية للاجئين والمهاجرين قد لاحظت في دراستها الاستقصائية العالمية عن أحوال اللاجئين في عام 2009 وجود 10 معسكرات احتجاز للمهاجرين غير الشرعيين. بحسب ايرين.

كما تم اتهام ليبيا من قبل منظمات حقوق الإنسان بتملق إيطاليا ودول أوروبية أخرى عن طريق تضييق الخناق على الهجرة غير الشرعية باستخدام أساليب وحشية في كثير من الأحيان، كما أثيرت مخاوف من تنامي العنصرية ووصم مجتمعات المهاجرين المتهمين بالتورط في الجريمة وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز، وأضاف شوزي أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لدعم برامج إعادة إدماج المهاجرين العائدين إلى بلدان مثل النيجر وتشاد، في السياق الحالي، مشيراً إلى أن العائلات بدأت الآن تحاول التكيف مع توقف التحويلات المرسلة من ليبيا، والتي لطالما لعبت دوراً رئيسياً في الحفاظ على ميزانيات الأسر، كما حذر شوزي من مغبة التخلي على "هذه البلدان لتحمل عبء الأزمة الليبية بمفردها".

فيما "تم خلال العملية التي انتهت في 30 يوليو إجلاء 1،398 مهاجراً تشادياً كانوا معرضين للخطر، بالإضافة إلى رعايا بلدان أخرى، بما في ذلك العديد من النساء والأطفال والمسنين، الذين فروا من المناطق الواقعة حول مدن طرابلس ومصراته وبنغازي وسبها"، حسب تصرح الناطق باسم المنظمة الدولية للهجرة، جان فيليب شوزي، للصحفيين، وقد تم نقل المهاجرين إلى مركز للعبور في سبها، ثم منه إلى نجامينا جواً، حيث تمت مساعدتهم للعودة إلى مدنهم وقراهم، كما تمت إحالة جرحى الحرب إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العاصمة التشادية، من جهته، أفاد قاسم صوفي، المسؤول بالمنظمة الدولية للهجرة والذي أشرف على الرحلات الجوية، أن المهاجرين كانوا منهكين للغاية بعد أن أمضوا بضعة أسابيع في العراء دون ما يكفي من الغذاء والمياه والخدمات الصحية، وأضاف أن "هذا الجسر الجوي الإنساني وفر مخرجاً لجميع المتضررين الذين لم يكونوا يملكون الوسائل أو القوة اللازمة للعودة إلى ديارهم، وسنواصل مراقبة الوضع بصورة منتظمة في سبها لمعرفة ما إذا كان المزيد من المهاجرين سيطلبون المساعدة لإجلائهم خلال الأسابيع المقبلة"، وكان أكثر من 78،000 مواطن تشادي قد عادوا إلى ديارهم خلال الأشهر القليلة الماضية، معظمهم خالي الوفاض، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، مما يعرض أسرهم التي كانت تعتمد على التحويلات المالية التي كانت تتلقاها منهم للمزيد من الحاجة في وقت يتفاقم فيه انعدام الأمن الغذائي، ومنذ اندلاع القتال بين الزعيم الليبي معمر القذافي والمتمردين الذين أطاحوا به، عاد ما يقرب من 200،000 مواطن من غرب أفريقيا كانوا يعملون ويقيمون في ليبيا إلى بلدانهم الأصلية، هذا الجسر الجوي الإنساني وفر مخرجاً لجميع المتضررين الذين لم يكونوا يملكون الوسائل أو القوة اللازمة للعودة إلى ديارهم  كما يسعى الآلاف من المهاجرين، معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، إلى الفرار عبر البحر الأبيض المتوسط في زوارق متهالكة ومزدحمة، ويُعتقد أن المئات قد لقوا حتفهم في الأشهر الأخيرة أثناء محاولتهم الإبحار إلى إيطالي، وكانت وسائل الإعلام الإيطالية قد ذكرت في 1 يوليو، أن أكثر من عشرين مهاجراً أفريقياً قد لقوا حتفهم على متن قارب صغير مكتظ كان يحاول الإبحار من ليبيا إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية، حاملاً على متنه 296 شخص، وقد تم نقل الناجين إلى الشاطئ، ثم منه إلى ملجأ للاجئين، و في شهر أبريل، انقلب قارب يُعتقد أنه كان يحمل حوالي 300 مهاجر من ليبيا، ويُخشى أن يكون 250 شخصاً ممن كانوا على متنه قد لقوا حتفهم. بحسب ايرين.

ظروف صعبة

من جهتهم يتذبذب عدد السوريين الذين فروا إلى لبنان من أسبوع إلى آخر والعديد منهم يواجه صعوبة في تلبية الاحتياجات الأساسية خاصة المأوى والغذاء والرعاية الصحية والحماية، طبقاً لما ذكرته بعض المصادر، وقالت دانا سليمان مسؤولة وحدة الإعلام في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان أن "العائلات الكبرى والعائلات التي تعيش في فقر شديد والناس الذين لديهم ظروف صحية صعبة والمعاقين ذهنياً وجسدياً يحتاجون إلى مساعدة خاصة ولكن عمال الإغاثة يجدون صعوبة في تقديم تلك المساعدة"، وطبقاً لما ذكره الشيخ عبد الله وهو أحد القيادات الدينية في مدينة وادي خالد في الشمال الغربي أنه خلال الشهر الماضي عاد إلى سوريا ما يزيد عن نصف طالبي اللجوء السوريين في لبنان والبالغ عددهم عدة آلاف، إلا أن أعداد طالبي اللجوء بدأت مرة أخرى في التزايد، وأوضح الشيخ عبد الله أن "سكان قريتين كاملتين على مشارف مدينة حمص قد هاجروا بالكامل،" مضيفاً أن اللاجئين قد أحضروا معهم العديد من ممتلكاتهم بما في ذلك المواشي، وقال أن حوالي 3،000 سوري قد عبروا الحدود إلى لبنان في يوم 29 يونيو، وقال مسؤولون "فضلوا عدم ذكر أسمائهم" في اثنين من المنظمات غير الحكومية الدولية العاملة في وادي خالد أن المزيد من اللاجئين السوريين قد وصلوا يوم 30 يونيو، وقد أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى تقارير عن وصول المئات من طالبي اللجوء يومي 24 و 26 يونيو وكان معظمهم من النساء والأطفال من بلدات سورية كحدث وعريضة وتل كلخ، وقالت تقارير أخرى أن حوالي ثلثي السوريين النازحين يعيشون مع أقارب أو أصدقاء عبر الحدود في لبنان، وقد تم فتح مركز استقبال في مقاطعة عكار الشمالية لمساعدة طالبي اللجوء.

وتقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجلس الأعلى للإغاثة اللبناني ووزارة الشؤون الاجتماعية وشركاء آخرون بمساعدة طالبي اللجوء.

كما فر عدد أكبر من السوريين إلى تركيا. فقد ذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم 21 يونيو أن ما بين 500-1000 شخص يعبرون الحدود من سوريا إلى تركيا يوميا منذ يوم 7 يونيو، وقد قامت السلطات التركية بإيواء أكثر من 10 آلاف شخص في أربع مخيمات على طول الحدود السورية التركية، والناس يعيشون تحت أغطية من المشمع ولا توجد مرافق للصرف الصحي والمصدر الوحيد للمياه هو بحيرة صغيرة، ولم نشاهد أي دعم آخر لهؤلاء الناس باستثناء ما يجلبه الهلال الأحمر التركي  وأثناء الزيارة التي قامت بها إلى قرية جسر الشغور السورية بالقرب من الحدود وجدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن القرية شبه مهجورة حيث تم إغلاق معظم المحال التجارية.

خيبة أمل

من جهته وصل علي غناي إلى فرنسا من تونس في شهر مارس في محاولة للهروب من الفقر ورغبة في مشاهدة ذلك الجزء من العالم وأملاً في توفير نفقات أسرته المقيمة في قرية بالمنطقة الجنوبية الفقيرة، ولكن عامل البناء هذا البالغ من العمر 24 عاماً يريد الآن العودة إلى دياره بعد أن أصيب بخيبة أمل شديدة بعد أسابيع من معاناته من مضايقات السلطات الفرنسية والنوم في الشوارع والعيش على إحسان الغرباء، وعن ذلك قال علي "لم يكن الأمر سهل، لم يكن سفري إلى فرنسا مجدياً"، وتحدث علي أثناء جلوسه مع الأصدقاء في مقهى تونسي على الرصيف وسط مدينة مرسيليا كيف سارت الأمور في الاتجاه الخطأ على مدار الأشهر الأربعة الماضية، فقد حجز رحلة إلى إيطاليا، مثل آلاف التونسيين الآخرين، ودفع 1،000 دينار (700 دولار) للحصول على مكان على متن قارب، لكنه قال، "كانت رحلة صعبة، رأيت الناس يغرقون أمامي، مع ذلك ما زلت ممتناً للرجل الذي أخرجني"، ولدى وصوله، قدمت له السلطات الإيطالية وثيقة تخول له الدخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الموقعة على اتفاقية شنغن، بما في ذلك فرنسا، لمدة ستة أشهر دون الحصول على تأشيرة دخول، وكانت إيطاليا قد استقبلت بالفعل الآلاف من المهاجرين من تونس، خاصة في جزيرة لامبيدوسا التي تقع في القسم الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط، وكان رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني قد دعا الدول الأوروبية المجاورة لإيطاليا إلى تقاسم العبء، لكن فرنسا اتهمت إيطاليا بإرسال المهاجرين عبر حدودها بشكل متهور، دون إضفاء الطابع الرسمي على وضعهم، استقل علي بعدها قطاراً إلى فرنسا من دون صعوبة، مثل الكثير من التونسيين، ولكن عند وصوله إلى مدينة نيس الفرنسية، كان في استقباله حشد من رجال الشرطة الأشداء في محطة السكك الحديدية، وأوضحت الشرطة أنه كان مجرد شخص "بلا أوراق"، أو مهاجر من دون صفة قانونية، وتم بعدها القبض عليه واعتقاله وطرده دون تحقيق، لكنه حاول القيام بنفس الرحلة مرة أخرى وواجه النتيجة نفسه، وفي نهاية المطاف، وصل إلى مرسيليا، لكن دون سكن حقيقي أو وظيفة. بحسب ايرين.

وكان منذر حرزلي، وهو تونسي المولد ومقيم في مرسيليا منذ 30 عاماً، يستمع إلى علي بتعاطف، فمنذر من المؤيدين علناً "للربيع العربي"، وقد اعترف بوجود الكثير من عدم اليقين حول المرحلة المقبلة، إذ أن قوى مختلفة تتنافس الآن على السلطة والنفوذ، لكنه لم يخف تفاؤله من إمكانية نجاح تونس، وقال منذر "الناس يريدون التغيير، وهذا أمر طبيعي، لكن الثورة لا تأتي بين عشية وضحاه، فهناك ثمن يجب دفعه مقابل الحرية، وأهم شيء هو أننا أحرار، ولم نعد خائفين"، وأضاف أن المرء في الماضي كان يشعر بجو من التحكم حتى في مرسيلي، وأوضح بالقول "لم أكن أشعر بارتياح أبداً عندما أمشي بجوار القنصلية التونسية في الماضي لأنني كنت أعلم بوجود عناصر من الحزب الحاكم بداخلها يراقبون الناس، وكنت أتعمد تجاهل السياسة"، واعترف منذر أنه لا يزال هناك قلق عام حول بقاء الموالين للرئيس السابق بن علي أحراراً طلقاء يتجسسون على مواطنيهم، ولكنه قال أن التغييرات التي حدثت في تونس قد منحت الجالية التونسية في مرسيليا إحساساً جديداً بالتركيز والتضامن، وأضاف أن التونسيين من جيله يدينون بكثير من الفضل للناشطين الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع، وأنه يرغب في مساعدة أولئك القادمين إلى فرنس، ولكنه حذّر من التوقعات غير الواقعية المبنية على الجهل، وأوضح أن "هؤلاء الشباب لديهم إحساس حقيقي بالمغامرة، لكنهم انطلقوا دون تفكير دقيق في الأمر، كما أنهم يستطيعون الاعتماد على دعم أسرهم في بلدهم، ودائماً ما يجدون الطعام الكافي، لكنهم يصابون بخيبة أمل حقيقية هنا، ولا يصدقون أنهم سيُعاملون كمجرمين".

وتعتبر المجتمعات المغاربية مترسخة منذ فترة طويلة في مرسيليا، وخاصة الجزائريين، لكن نسبة البطالة تصل إلى 40 بالمائة في بعض أجزاء المدينة، وحتى المهاجرون منذ مدة طويلة فبالكاد يحصلون على ما يكفي لتدبر أمورهم، كما يستاء السكان من الصورة النمطية لمرسيليا كمركز للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، ولكنهم يعترفون بأن معدلات الجريمة عالية وفرص العمل محدودة للغاية، وبالنسبة للمهاجرين، يمثل النوم في العراء أو في محطة القطار تهديداً واضحاً لأمنهم وسلامتهم، سواء من قبل المجرمين أو أفراد الشرطة المفرطين في الحماسة، وقال مهدبي بشير، الناشط في رابطة حقوق الإنسان الفرنسية، وهي واحدة من عدة منظمات تعمل من أجل حفظ حقوق المهاجرين، أن السلطات المحلية لا تفعل شيئاً يذكر لتوفير الغذاء والمأوى للقادمين الجدد، وقال أنه "في بعض الأحيان تحصل على وعد بتوفير قاعة ألعاب، أو شيء من هذا القبيل، ولكن هذا ليس بالشيء الكثير، وفي أحيان أخرى، تجد شخصاً يهتم، مثل مالك المقهى الذي يمرر لهم بهدوء مجموعة من الشطائر"، علينا أن نفكر الآن، وليس في منتصف المدة، ربما يكون الربيع العربي مؤشراً على نهاية الرأسمالية القائمة على المحسوبية التي كانت تعوق كثيراً التنمية الاقتصادية في الماضي، وقد اضطرت مرسيليا تقليدياً للتعامل مع المستقطنين أو واضعي اليد، لكن مهدبي يقول أنه قد تم تدشين حملة ضدهم وأصبحت المباني المتاحة الآن أقل عدد، وأضاف "أصبح لديك أشخاص ينامون بشكل غير صحي، وهذا يؤدي إلى مشاكل صحية، إنهم يصابون بالبرد ويعانون من الصداع، لقد أصبح كل هذا مجهداً للغاية، كما يشعر الوافدون الجدد بالضياع والصدمة وتخلي الناس عنهم".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الأول/2011 - 21/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م