خربشة طفل

عبدالعزيز حسن آل زايد

ابتسامته الساحرة.. وقلبه النابض.. ويداها الحانيتان يفتقدهما الأطفال.. وهل للصغار ذنب حتى يُخطف عنهم والدهم، من كان يرعاهم؟!... إنها إرادة السيف والنار، حينما تتسلط على رقاب البشر!!

يتأملون صورته.. ولا يمتلكون غير كلمات تجول في عيونهم البريئة المحلاة بشيء من الدموع واليأس: " أماه.. متى يعود أبي؟! " تخنق هذه العبارة قلب الأم المسكينة لوعة وألماً، فينفرط منها عقد الصبر، وينحل من فؤادها حبل التجلد، كصالية الجمر أمسى قلبها الكسير، شاحبة كذبول وردة قد فارقها الندى وحل بها الظمأ، تحاول أن تجيب فتنهمر منها دموع لا إرادية كانت قد حبستها أياماً طويلة..

روحها الصابرة لقضاء الله.. لا طاقة لها على عتاب الصغار... ماذا عساها أن تقول؟!

ماذا ستجيب هؤلاء الأولاد... وهم يلحون في الطلب حول سفر أبيهم المفاجئ؟!

كيف تقول لهم: انه معتقل... وهو الآن يقبع خلف قضبان السجن دون أي ذنب ودون أي جرم؟!

ولماذا يعتقل البريء والمظلوم في بلد يعتنق راية التوحيد، ويرفع المصحف عالياً؟!

تهرب من تساؤلاتهم المؤلمة منشغلة بإدارة البيت وعقلها لا يدور إلا حول ذلك الزوج الذي بدأت أيام غيابه تمتد دون أن تتقلص.. والصمت المريع يخيم على الجميع.. كغابة مهجورة لا يسمع فيها إلا صوت المقابر!!

تلمع الجدران التي علاها الغبار، وتنظف الأبواب لتقف أمام أدواته الملقاة على المنضدة، شبح ذكراه لا يزال يحوم هنا في هذه الغرفة... أمام هذه المكتبة... وبالقرب من هذا المقعد... يطالع كتاباَ أو يتصفح موقعاً أو يحمل بين ذراعيه طفله ليضمه ويقبله... تقترب من صغيرها النائم... وتمسح على رأسه بحنو كما كان يفعل أبوه، لقد ذهب عنك والدك من كان يعطف عليك ويقبلك... خلف غيابة السجن ظلماً وعدواناً..

تنهض محاولة إفراغ بعض السطور محبوسة لتنفس عما في داخلها، إلا أنها تغص بكلماتها، وتتكسر الحروف، ولا يخرج منها إلا صوت النحيب عالياً ومدوياً، وشلال العيون لا يعرف السكون والتوقف!

من غلالة القطرات الحارقة المتلبدة ترفع كفيها نحو السماء، تبتهل إلى الله أن يعينها في هذه المحنة التي لا ذنب لهم فيها، وبين راحتيها يقترب طفلها الآخر، ليضع في يديها ورقة رسم فيها صورة والده، وهو يلوح له من بعيد!

 

 

 

 

 

 

 

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/تشرين الأول/2011 - 21/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م