صِرَاعَاتٌ حَرَقَتْ وَطَنيْ

محمد جواد سنبه

في 6/10/2011، وجّه الدكتور أياد علاوي خطاباً إلى الشعب العراقي، أعلن فيه رفضه بأنْ يكون على رأس مجلس السياسات الاستراتيجيّة أو عضواً فيه. هذا الخطاب يحمل في طياته تجربة مريرة من الصراعات المستمرة، بين السياسيين الذين تقلدوا إدارة دفّة الحكم بعد سقوط نظام صدّام. لقد اتّسمت أطراف العمليّة السياسيّة في العراق، بعدم القدرة على إنتاج موقف سياسي موَحد، يهدف إلى انتشال العراق من ورطتي الاحتلال، وما بعد الاحتلال. لابلّ أصبحت هذه الأطراف جزءاً من ورطة العراق الجديد. فهذه الجهات تخوض باستمرار، عمليات صراع من أجل التشبثّ بالسلطة، دون الالتفات إلى المهمّة الاساسيّة التي من أجلها انتخبهم الشّعب العراقي، بتشجيع من المرجعيّة الدينيّة في النجف الأشرف. هذه الأطراف فشلت فشلاً ذريعاً، في الوصول إلى حالة الشراكة السياسيّة، التي توصِل الوطن إلى حالة الاستقرار والازدهار.

من المعلوم أنّ النُظم الدّيمقراطية في العالم الغربي، تقوم على أساس (فائز وخاسر) في الانتخابات. الفائز يشكّل السلطة التنفيذيّة، والخاسر يشكّل المعارضة في البرلمان أو خارج البرلمان. الخطأ يتكرر في العمليّة السياسيّة في العراق منذ بدايتها ولحدّ الآن. فبالإضافة إلى مرض المحاصصة والولاء لها، تمسَك السياسيّون بفكرة الغنيمة بالمنصب. لابلّ أصبح الاستقتال على نيل المنصب، مهمّة أقدس من مصلحة الوطن، وأشرف من مصلحة المواطن. وبناءً على هذا المنطق، الذي تمسّك به السياسيّون بصرامة منقطعة النظير، بدأ السياسي يفقد مهمّته التغييريّة التي كان المواطن يعقد عليها الآمال منذ سنين طويلة، وبالنتيجة قبل السياسي لنفسة، بان يسمح للمواطن بنزع الثقة عنه، والسياسي يشعر بالرضا و طيب الخاطر.

فبعد مرور ثمان سنوات على تغيير النظام في العراق، لم ينجح السياسيون بتقديم منجز يحسب لصالحهم، لا على مستوى التشريع، ولا على مستوى الأداء الحكومي، ولا على مستوى الأمن، ولا على مستوى التنمية الاقتصاديّة. فخسر السياسي مكانه في نفوس الجماهير، مثلما خسر ولاء الجماهير له، والمفروض أنْ يكون عكس ذلك، لو أخذت الأمور بشيء من الحكمة والتعقل والمسؤوليّة.

كانت خطوة الدكتور أياد علاوي في التخلي عن رئاسة مجلس السياسيات الاستراتجيّة، تعميقاً للمنهج السالف الذّكر. فبعد كل الجهد الذي خاضته القائمة العراقيّة، خلال الفترة التي قاربت السنة من القتال المستميت، مع الأطراف الأخرى، أعلن السيد علاوي بكل بساطة، انسحابه من المشروع الذي اقترحته الإدارة الامريكيّة، ليحفظ العمليّة السياسيّة من الانهيار(طبعاً حسب الرؤية الأمريكيّة). لقد قال الدكتور علاوي في خطابه: (و تقديراً لمصلحةِ العراق العليا، وتلمساً لرغبة مراجع الدين الكرام، أعلن مرة أخرى حيث أعلنت ذلك قبل أشهر عدة من أنني أرفض أن أكون في رئاسة مجلس السياسات أو عضواً فيه).

 وأذكّر بأنّ عشيّة يوم 11/11/2010، اجتمع مجلس النواب العراقي لتشكيل الحكومة بناءً على توافقات أربيل. وكان الرئيس الأمريكي أوباما، و رئيسة الدبلوماسيّة الأمريكيّة السيّدة كلنتون، ووزير خارجيّة بريطانيا وليم هيك، يراقبون خطى الحدث الجاري في العراق. فحرص أوباما أنْ يكون متواصلاً مع أحداث العراق، و أخذ يوجّه رسائله الاتّصاليّة من جنوب شرق آسيا، حيث كان يزور تلك الدّيار. وكانت فضائيّة العربيّة تبث هذه الرسائل أوّلاً بأوّل، عبر الشريط المتحرك للأخبار منها:

(العراقية: أوباما أكد لعلاوي اولوية التصويت على رئاسة مجلس السياسات الاستراتيجية وصلاحياته)، (العراقية: أوباما أكد لعلاوي انه ضمن شخصياً اقرار البرلمان صلاحيات المجلس كاملة خلال الايام الـ(15) المقبلة)، (أوباما لعلاوي: من صلاحيات مجلس السياسات الاستراتيجية الغاء أو تعديل قرارات هيئة "المسائلة والعدالة" و تفعيل قرارات المصالحة الوطنية)، (علاوي يتلقى اتصالين من أوباما و بايدن بعد مغادرته مبنى البرلمان)، (تخصيص مئة مستشار لعلاوي)، (تخصيص فوجين لحماية علاوي))(انتهى).

أقول: لماذا لَمّ يلتفت السيّد علاوي، والسادة مراجع الدّين الكرام (الذي التمس السيّد علاوي رغبتهم كما جاء في خطابه)، إلى هذا المقترح الأمريكي، على أنّه وصاية أمريكيّة على العراق، وتدخل واضح من قبل أمريكا في الشأن السياسي العراقي؟.

اعتقد أنّ النقاط التالية ستكون مفيدة لمن يريد خدمة العراق:

1. ثقة الشعب العراقي هي الضمانة الأكيدة، لكلّ سياسي عراقي وطني، يسعى لخدمة شعبه وبلده. وهي أقوى من كلّ الضمانات الأجنبيّة، سواءً كانت أمريكيّة أو إقليميّة.

2. أمريكا والدّول الإقليميّة، عندما تقوم بدعم بعض الأطراف السياسيّة، فهي بذلك تراهن على ضمان مصالحها في العراق والمنطقة عن طريق تلك الأطراف.

3. لا يَحسَبَنّ البعض من السياسيين، أنّ التجارب الخاطئة ستتكرر في المستقبل أيضاً، خصوصاً أنّ فكرة انقياد الجماهير لأمر المرجعيّة الدينيّة في النّجف الأشرف، كما حصل في المرتيّن السابقتين، بات أمراً مشكوك فيه.

4. يجب أنْ يكرّس النشاط السياسي في إطار/ (السلطة) و(المعارضة)/ وفكّ ملابسات الجمع بين الممارستين، أسوة بالنظم الديمقراطيّة الغربيّة، كي لا يضيع حقّ المواطن مثلما لا يضيع أيضاً جهد السياسي.

5. أنّ لا تتكرر عمليّة حرق المراحل، وتدوير مشاكل الحاضر إلى مفكّرة المستقبل، فقد أثبتت هذه العمليّة عجز السياسيين عن اتخاذ القرارات الحاسمة، التي تكون من صلب أيّ عمل تغييري في كافة مجالات الحياة، لأنّ التغيير هو الخروج على النمط التقليدي المعروف.

6. أنّ لا يكون المنصب هو غاية السياسي، وليكن المنصب وسيلة بيد السياسي لخدمة الشعب.

7. على المرجعية الدّينية في النّجف الأشرف، أنْ تتحمّل مسؤوليتها الشرعيّة والأبويّة والتاريخيّة، وتتدخّل باتخاذ موقف حاسم، لوضع الأمور في نصابها الصحيح، فالعراق قدّم حسب آخر الاحصائيّات، نحو مليون ونصف شهيد وجريح ومعوّق، جرّاء عمليات الاحتلال و الارهاب. فمثلما قدّمت المرجعية الدّعم للسياسيين، ووجهت بكتابة الدّستور (الذي تبيّن أنّه يحتوي الغاماً لا حقوقاً (حسب تصريح السيّد المالكي)، ووضعت المرجعيّة نفسها موضع الموجّه للعمليّة السياسيّة، عليها أنْ تبادر لاصلاح الأمور، وعدم الاكتفاء بالرضا بما يقدم بعض وكلائها، من خطابات ناقدة للعمليّة السياسيّة في خطب صلاة أيّام الجُمَع. فهذه الخطابات لا تسمن ولا تغني من جوع أصلاً. ومثلما وضعت المرجعيّة نفسها كموجّهة للجميع، عليها أنْ تبادر لإنقاذ الجميع. والعاقبة للمتقين.

* كاتب و باحث عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 17/تشرين الأول/2011 - 19/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م