شباب العراق والكارثة المقبلة؟!

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الحكومات العراقية ومن ضمنها (الحكومة الحالية) والمعنيون بشؤون الشباب، رسميون وغيرهم، لا يريدون أن يفهموا بأن الشباب المهمَّش قنبلة موقوتة تشمل بأخطارها عموم العراق، وقد تنفجر في أية لحظة، فتدمر الجميع من دون استثناء، والاسباب كثيرة، يقف في المقدمة منها الاهمال الحكومي الرسمي والاهلي المتواصل لهذه الشريحة الكبيرة، وكذلك حالات الاقصاء والاجحاف والتهميش التي لاتزال تُلحَق بالشباب سواء كان ذلك عن قصد أو من دونه.

في كتابه (أمريكا والفرصة التأريخية) أشَّر الرئيس الامريكي الاسبق ريتشارد نكسن، مشكلة الاهمال الذي يتعرض له الشباب الامريكي كواحدة من أهم وأخطر اربع مشاكل كبرى، تواجهها الولايات المتحدة الامريكية، وأكد باسلوب واضح أن هذه الدولة العظمى التي تتسيَّد العالم رغما عنه، ستواجه مصير السقوط المحتوم في حالة إيغالها بإقصاء شبابها وعدم اهتمام المعنيين بهم.

ولنا أن نتصور، لماذا تخشى دولة مثل امريكا بقدراتها التنظيمية الهائلة في جميع المجالات، من تهميش الشباب، واذا حاولنا القيام بمقاربة بهذا الصدد، فإننا لن نخطئ قط اذا قلنا ان شبابنا العراقي اليوم، أكثر بؤسا من الشباب الامريكي بكثير، وأكثر تهميشا واقصاءا واهمالا من لدن الحكوميين وسواهم، وبات من البلادة أن نذكر حجم البطالة وهدر طاقات الشباب، سواء في المقاهي او الشوارع او الساحات والحدائق العامة، ناهيك عن الاضرار الكبرى التي تلحق بشخصية الشاب نتيجة للفراغ، والعوز المادي المزمن، وتعرضه لاغراءات الانحراف المتعدد الاهداف والجوانب.

واذا اردنا حصر حديثنا بجيل الشباب لما بعد 2003، ماذا يمكن ان تكون الصورة المرسومة لهم؟ لاسيما بعد انفتاح العراق كليا على وسائل الاتصال كافة، حتى بات جزءا لا يتجزأ من الكرة الارضية برمتها، فلم يعد الشاب معزولا ولا بليدا ولا غبيا او منكفئا في محيط مغلق، بل هو يرى ويفهم ويقارن بين وضعه، وأوضاع غيره من شباب العالم الآخر، وسوف تفعل هذه الفوارق الكبيرة فعلها في الذات الشبابية المحرومة والمهمشة، لهذا ليس غريبا قط أن تجد مئات أو آلاف الشباب لا يعرفون بالضبط ما جدوى حياتهم، ولا أهدافهم، ولا كيف سيسهمون في تطوير أنفسهم وبلادهم، في غياب غريب وعجيب للاهتمام الحكومي المبرمج بهم، فلا وجود لفرص كافية للتربية، ولا للتعليم، ولا للتوجيه والارشاد، ولا لاستثمار طاقات الشباب الهائلة، بل دائما هناك اهمال حكومي ولا مبالاة في التعامل مع هذه الشريحة الحيوية، ونحن هنا لا نتحدث عن الانشطة الشكلية المفبركة التي قد تقوم بها هذه الجهة او تلك، كوزارة الشباب والرياضة مثلا، هذه الوزارة المعنية بطاقات الشباب العراقي أجمع، والتي لم تضع حتى هذه اللحظة، برنامجا واضح المعالم، لاستثمار الطاقات الشبابية على مستوى العراق أجمع.

فإذا اتفقنا على أن الشباب العراقي، يفتقد لفرص التربية والتعليم والتوجيه والعمل في آن، ماذا يمكن أن نتوقع منه؟ لاسيما بحضور النمط الاستهلاكي الغربي المخطط له، حيث باتت حدود العراق مفتوحة لشتى السلع والبضائع، من الغرب والشرق، بل من جهات العالم الاربع، من دون نظام كمركي يحمي المستهلك، من نوع او خطر السلع الداخلة الى البلد، لذا ليس مستبعدا أن تسهم هذه العوامل الخارجية والداخلية، بصنع جيل شبابي مشوّه، يفتقد للثقة بنفسه، بسبب افتقادة للمهارات وتوجيه الطاقات بالطرق المثلى، بالاضافة الى المشكلة المستعصية التي تتمثل بالعوز المادي المزمن، بسبب غياب فرص العمل والربح وما شاكل.

لذا ليس غريبا أن تجتمع هذه الاخطاء الشنيعة بحق الشباب، لتشكل بمجموعها عوامل ضغط هائلة عليهم، ما يؤدي بالنتيجة الى الانفلات الخطير للشباب، وهو يعيش حالة من الضياع والتيه والاهمال المتواصل، في ظل غياب للنموذج الامثل، حيث الفساد المنتشر بين مؤسسات ودوائر الدولة، وحيث المفسدين الكبار، ومنهم من مسؤولي الدولة الكبار، كالوزراء او النواب او غيرهم، ولايغيب النموذج السياسي عن الشباب فحسب، بل هناك غياب للنموذج الفكري والثقافي وسواه، فلا الثقافة تؤدي دورها لاسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها، ولا الفكر والمفكرون ينهضون بالاعباء الملقاة على عاتقهم.

وهكذا ينشغل السياسون والمفكرون والمثقفون، ومنتسبو النخب، بأنفسهم وذواتهم ومصالحهم، تاركين شريحة الشباب تغوص في قعر الاهمال، والضياع في لجة حياة متشابكة، مجهولة وواقع غامض فوضوي، لا يسمح لهم برؤية واقعية لحياة مستقرة وقابلة للتطور.

لهذا مطلوب وعلى الفور، حلول علمية وجذرية لما يعانيه الشباب، يشترك فيها الجميع وأولهم واهمهم، الجهد الحكومي الجاد والمنظم والمخطط له، لاسيما في مجال التنفيذ الامثل، ولابد أن يكون هناك خطاب فكري عملي واضح، من المعنيين، يتوجّه الى المسؤولين في الحكومة والدولة من دون استثناء، والمرجعيات الدينية، والمثقفين، والمفكرين، والآباء، وقيادات النخب كافة، لكي يتنبّه الجميع الى خطورة مشكلة الشباب العراقي، ولكي يعمل الجميع بجدية وبطرق علمية منتظمة، لتحويل الشباب من أجواء اليأس والانحراف وحالات الانفلات، الى طاقة استثنائية تصب في تطور هذه الشريحة، وتسهم في استقرارها، لتصب في صالح المجتمع العراقي عموما.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الأول/2011 - 17/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م