هل تضمن إسرائيل بقاءها في ظل التراجع الأمريكي؟

صالح النعامي

هناك إجماع إسرائيلي على أن قدرة تل أبيب على تأمين مصالحها الاستراتيجية يرتبط بشكل أساسي باحتفاظ الولايات المتحدة بتأثيرها الطاغي على توجيه مسار الأحداث في العالم، وفي المنطقة على وجه الخصوص. وكما يقول دوف فايسغلاس، مدير ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون، والذي كان المسؤول الأول عن تنسيق العلاقات بين تل أبيب وواشنطن في عهده، فإن حرص الولايات المتحدة على رعاية المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية مثل أهم ذخر لإسرائيل، مشيراً إلى أن الكثير من الدول " المعادية " لإسرائيل كانت تحسب خطواتها وتبلور سياساتها تجاه تل أبيب بحذر شديد بسبب حساسيتها للموقف الأمريكي، وخشيتها من ردة فعل واشنطن. ويتخذ يوسي ساريد وزير القضاء الإسرائيلي الأسبق، وأحد منظري اليسار الصهيوني من حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة دليلاً واضحاً على حقيقة أن الولايات المتحدة تمثل " الرئة " بالنسبة لإسرائيل، وإن أي ضرر يصيب هذه " الرئة " سيؤدي إلى عدم قدرة إسرائيل على مواصلة البقاء. ويشير ساريد إلى أن نتنياهو الذي تحدى الرئيس أوباما وتحرش به ومس بصدقيته لم يجد في ساعة الحقيقة إلا بابه ليدقه طالباً النجدة لتأمين خروج آمن لحراس السفارة الذين أـوشكوا على الهلاك.

مظاهر الضعف

وترصد النخب الإسرائيلية العديد من مظاهر ضعف الولايات المتحدة - التي حسب اعتقادها -باتت تغري الكثير من الأطراف بالتمرد عليها ورفض وصايتها، وعلى رأس هذه المظاهر: الانسحاب الأمريكي من العراق وقرار إدارة أوباما الانسحاب من أفغانستان، وعجز واشنطن عن حماية الأنظمة المتحالفة معها، سواء التي سقطت أو توشك بفعل ثورات التحول الديمقراطي، بشكل يؤذن بعصر عربي جديد، يكون فيه للمواطن العربي القدرة على تقرير مصيره وتحديد السياسات التي تتبعها بلده. وكما يقول الكاتب الإسرائيلي نداف إيال، فإنه قد انقضى العهد الذي كانت إيماءة من أمريكا تكفي لأن يعجل أي زعيم عربي لكي يشعل جبهة أو يخمدها. ويجزم وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق إسحاق مردخاي أنه لم يكن بوسع إسرائيل شن حربها على قطاع غزة أواخر عام 2008 في ظروف مثالية لولا تعاون الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، الذي كان ينطلق في تعاونه مع الإسرائيليين من افتراض مفاده أن أهم مقومات الحفاظ على حكمه هو الإسهام في تأمين المصالح الأمريكية، وأن التعاون مع الإسرائيليين يحقق هذه المصالح.

من هنا فإن النخب الإسرائيلية ترى أن مظاهر الإعياء الأمريكي، وعجز واشنطن عن الحفاظ على الأنظمة المتحالفة معها يبعث برسالة واضحة وجلية لدول العالم مفادها أنه يتوجب عدم الاعتماد على واشنطن، وبالتالي فإن مغازلة إسرائيل والسعي لتحقيق مصالحها لم يعد ضمانة لاستقرار الأنظمة.

تحولات إقليمية " كارثية "

إن اخطر تداعيات الضعف الأمريكي وتراجع دور واشنطن، كما يرصده الإسرائيليون، هو عجز الولايات المتحدة عن إملاء خطوط سياساتها العامة على المنطقة، بل وإضطرارها مرغمة لاتباع سلوك مناقض للقواعد التي حكمت علاقتها بالمنطقة ودولها، كما حدث في أوج الثورة المصرية وإضطرار الرئيس أوباما لدعوة الرئيس مبارك للرحيل، على الرغم من أن وزيرة خارجيته كانت تشدد عند بدء تفجر أحداث الثورة على إن العلاقة مع نظامه استراتيجية لمصالح الولايات المتحدة. ويتوقع تساحي هنغبي رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست سابقاً أن تكون اتفاقية " كامب ديفيد " بين مصر وإسرائيل، التي يعتبرها أهم مركب من مركبات " الأمن القومي " الإسرائيلي، أول " ضحايا " الضعف الأمريكي، مع تشديده على أنه بدون هذه الاتفاقية، فإن إسرائيل ستكون مجبرة للعودة للمربع الأول، وفي ظروف بائسة. ولا يفوت هنغبي أن يذكر الجميع بأن إسرائيل متعلقة بتواصل احترام هذه الاتفاقية أكثر بكثير من تعلق مصر بها. وتجمع النخب الإسرائيلية على أن مصر لا تحتاج أن تدخل في حالة حرب مع إسرائيل، حتى تحول حياة الإسرائيليين إلى " جحيم "، كما يقول وزير الداخلية الإسرائيلي الأسبق حاييم رامون، مشيراً إلى أنه يكفي أن يسلك الحكم الجديد في مصر بعد الانتخابات القادمة سلوك رئيس الوزراء التركي أردوغان، لكي تتغير البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية رأساً على عقب، بشكل يهدد مجرد وجود إسرائيل ذاتها.

إن أكثر ما يثير الهلع في نفوس النخب الإسرائيلية من تداعيات الضعف الأمريكي ليس فقط انهيار التحالفات الإستراتيجية التي كانت تربط إسرائيل بما كان يعرف بدول الاعتدال، مثل مصر وتركيا، بل أن هناك خشية حقيقية أن تستحيل هذه التحالفات إلى حالة عداء وحرب. فقد توقف الإسرائيليون كثيراً عند التصريحات التي أطلقها أردوغان والتي هدد فيها بمرافقة سلاح البحرية التركي السفن التي تقل المتضامنين مع غزة، مع كل ما ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات خطيرة، قد تفضي إلى مواجهة عسكرية مع الجيش التركي. ولا يفوت بن كاسبيت كبير المعلقين في صحيفة " معاريف " أن يذكر قراءه بما أسره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإحدى الشخصيات الإسرائيلية في صيف عام 2002، حيث ينقل كاسبيت عن نتنياهو قوله: " إذا تحولت تركيا إلى طرف معادي لنا، فلن يكون هناك ما يضمن وجودنا في هذه البقعة من العالم".

لكن أخطر تداعيات الضعف الأمريكي المرتقبة على إسرائيل هو مستقبل نظام الحكم في الأردن، كما يقول رئيس الموساد الأسبق داني ياتوم فإن النظام الأردني الحالي استمد شرعيته بشكل أساسي من دوره الوظيفي ضمن المنظومة الأمريكية. ويرى ياتوم إن هناك خياران لا ثالث لهما أمام هذا النظام، فإما أن يلتقط الرسالة بسرعة ويعيد موضعة نفسه ومراعاة اتجاهات الرأي العام الأردني، وضمن ذلك قطع تحالفه مع إسرائيل والولايات المتحدة، أو المخاطرة بسقوطه. ويسود اجماع بين النخب الإسرائيلية الحاكمة والمثققة في تل أبيب حول حيوية العلاقة مع هذا النظام. ولا يتردد ياتوم في القول أن الضرر الاستراتيجي الذي ستتكبده إسرائيل جراء فقدان علاقتها بالنظام الأردني أكبر بكثير من فقدان تحالفها مع مصر أو تركيا. ويرسم الجنرال عاموس مالكا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق صورة قاتمة لمستقبل إسرائيل في حال سقط النظام الأردني القائم، أو حتى إذا انتقال إلى صيغة الملكية الدستورية، كما تنادي الحركات الإصلاحية الأردنية، بشكل يصبح فيه للشعب الأردني الكلمة الفصل في تقرير السياسات الخارجية والداخلية عبر حكومة منتخبة من الشعب. ويؤكد مالكا أن القوى البشرية التي تقف تحت تصرف الجيش الإسرائيلي ليس بإمكانها تأمين الحدود بين الأردن وإسرائيل، وهي الحدود الأطول، والتي تمكن الكيان الصهيوني من حمايتها بفضل التعاون والتنسيق الكبير الذي أبداه النظام الأردني.

www.naamy.net

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/تشرين الأول/2011 - 17/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م