اتفاق الاطار الاستراتيجي وسيادة العراق

نزار حيدر

لا خوف على سيادة العراق من اية اتفاقيات جديدة تبرمها الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة الاميركية، بما في ذلك الاتفاق على الاحتفاظ بمدربين اميركيين، فاتفاق الاطار الاستراتيجي الذي تم توقيعه بين واشنطن وبغداد في العام 2008 المنصرم، ضمن سيادة العراق بشكل واضح لا لبس فيه، اذ نص على ما يلي:

 ففي الديباجة، جاء النص على (ان جمهورية العراق والولايات المتحدة الاميركية، اذ تؤكدان الرغبة الصادقة لبلديهما في اقامة علاقات تعاون وصداقة طويلة الامد استنادا الى مبدا المساواة في السيادة والحقوق والمبادئ الواردة في ميثاق الامم المتحدة والمصالح المشتركة لكليهما).

 اما في (القسم الاول: مبادئ التعاون) فقد نص (1) على ما يلي:

 تستند علاقة الصداقة والتعاون الى الاحترام المتبادل، والمبادئ والمعايير المعترف بها للقانون الدولي والى تلبية الالتزامات الدولية، ومبدا عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام العنف لتسوية الخلافات.

 فيما نص (3) على ما يلي:

 ان الوجود المؤقت لقوات الولايات المتحدة في العراق هو بطلب من حكومة العراق ذات السيادة، وبالاحترام الكامل لسيادة العراق.

 هذا يعني ان الاتفاقات الجديدة التي سيتم ابرامها بين الطرفين انما هي اتفاقات صداقة وتعاون، سوف لن يوقعها العراق ما لم يجد فيها مصلحة ما تساعده على تمكينه على المستويات كافة.

 حتى قضية الحصانة القانونية التي يطالب بها الجانب الاميركي للمدربين الذين من المفترض ان يبقوا في العراق بعد اكمال القوات الاميركية انسحابها من البلد نهاية العام الحالي، فهي الاخرى قضية محلولة بنصوص اتفاق الاطار عندما نص في (القسم الحادي عشر: احكام ختامية) (4) على ما يلي؛

 يخضع كل تعاون بموجب هذه الاتفاقية لقوانين وتعليمات البلدين.

 ان الحصانة القانونية يتمتع بها كل اميركي يخدم خارج اراضي بلاده، فهو يتمتع بها في كل دول الجوار التي تقيم الولايات المتحدة على اراضيها قواعد عسكرية او تنتشر في مياهها الاقليمية بوارجها العسكرية وحاملات الطائرات وغير ذلك.

 كما ان اكثر من (130) بلدا حول العالم وفي القارات الخمس التي تنتشر فيها القواعد العسكرية الاميركية وكل المظاهر العسكرية الاخرى، يتمتع الاميركيون كذلك بمثل هذه الحصانة، ولذلك فان مثل هذا الامر ينبغي ان لا يتحول الى عقبة في طريق اي اتفاق بين بغداد وواشنطن، خشية ان يعرقل تنفيذ اتفاق الاطار الاستراتيجي الذي يلزم على العراقيين، خاصة مجلس النواب، ان يفكر بجدية وبفاعلية اكبر من اجل حث الولايات المتحدة على تنفيذ بنوده، فهو ليس اتفاقا امنيا او عسكريا فحسب وانما هو اتفاق شامل عنوانه (لعلاقة صداقة وتعاون بين جمهورية العراق والولايات المتحدة الاميركية).

 ان الذين يسعون الى تحجيم اتفاق الاطار في حدوده الامنية والعسكرية انما يحاولون عرقلة مساهمته في اعادة بناء العراق وكذلك مساهمته المنتظرة في عملية التنمية الشاملة التي تنتظر العراق الجديد.

 انهم يحاولون حصر الامر بالقضايا الامنية والعسكرية لاثارة الراي العام العراقي ضد الاتفاق، وهو امر سيخسر العراق بسببه الكثير من الامكانيات على مختلف المستويات، خاصة مجالات الثقافة والاقتصاد والطاقة والصحة والبيئة وتكنلوجيا المعلومات والاتصالات والسياسة والديبلوماسية وغيرها من الاسس والاطر التي نص عليها الاتفاق، فلماذا كل هذا التركيز على جانب واهمال الحديث عن بقية الجوانب الاستراتيجية والحيوية؟ الا يعني ذلك ان وراء الاكمة ما وراءها؟.

 ان ابرام العراق لاية اتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة سوف لن يكون الا في اطار علاقة ثنائية بين البلدين، وهي من مصلحة العراق الذي لا زال يعاني الكثير من مخلفات النظام الشمولي البائد، وكذلك من مخلفات (الاحتلال) الذي شرعنه المجتمع الدولي وبتأييد عربي واضح في مجلس الامن وقتها.

 في نهاية العام الحالي ستنتهي كل مظاهر (الاحتلال) التي ابتلي بها العراق بسبب حماقات الطاغية الذليل صدام حسين، وان اي تواجد عسكري اميركي سوف يكون مؤقتا وليس استيطانيا كما هو الحال مثلا مع التواجد العسكري الاميركي في تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية والبحرين والاردن وغيرها من دول الجوار، كما انه سيكون بطلب من حكومة جمهورية العراق وليس بقرارات دولية، الامر الذي يمكن العراق من وضع حد له متى ما لم يجد حاجة الى التمديد له، وهو الامر الذي نص عليه اتفاق الاطار في (القسم الحادي عشر: احكام ختامية) بقوله في (2) ما يلي:

 تظل هذه الاتفاقية سارية المفعول ما لم يقدم اي من الطرفين اخطارا خطيا للطرف الاخر بنيته على انهاء العمل بهذه الاتفاقية.

 ان العراقيين يعرفون جيدا بان هناك عدد من دول الجوار التي لا ترغب بمثل هذه العلاقة الاستراتيجية التي حدد معالمها اتفاق الاطار الاستراتيجي، لانها خائفة من مستقبل العراق وليس عليه، اذ ان مثل هذا الاتفاق سيصوغ منه بلدا قويا اقتصاديا وتكنلوجيا وسياسيا، كما انه سيجعل منه بلدا قويا قادرا على الدفاع عن نفسه، ولذلك فهم يثيرون كل هذه الزوبعة بين الفينة والاخرى للتاثير سلبا على قناعات الراي العام العراقي الذي عليه ان يحذرهم، فلا يفكر الا بمصالحه الاستراتيجية، وان عليه ان يكون على بينة من امره فلا تخدعه الدعاية ولا ارهاب المرجفين واباطيلهم.

 انهم يريدون كل الخير لانظمتهم، فتراهم يمضون على اية اتفاقية تقدم لهم من اميركا او من غيرها، وباتفه النتائج، بل حتى من (اسرائيل) كما هو الحال مع تركيا وقطر ومصر والاردن، اما العراقيون، فحرام عليهم ان يعقدوا اتفاقا مع اي كان، حتى اذا كان فيه ضمانا لمصالحهم.

 لا احد يتحدث عن انتقاص السيادة الفعلي الذي تسببه اتفاقياتهم مع هذه الدولة او تلك، ولكنهم جميعا يتحدثون عن انتقاص محتمل للسيادة اذا ما سار العراقيون الى الامام بشان اتفاق الاطار.

 على الساسة العراقيين ان لا يأخذوا مواقف هذه الدول في حساباتهم وهم يتفاوضون مع واشنطن حاليا لاكمال ترتيبات العلاقة بين البلدين لما بعد نهاية العام الحالي، وان عليهم ان يفكروا بمصلحة بلدهم فقط، فكما ان غيرهم لا يفكرون الا بمصالحهم التي يسمونها بالقومية والاستراتيجية حتى اذا اقتضت الضرورة تدمير العراق وتجييش الارهابيين لقتل شعبه وتدمير بناه التحتية، كذلك فان على العراقيين ان لا يفكروا الا بالمصالح القومية والاستراتيجة للبلد.

 ضعوا الشعارات التي ما قتلت ذبابة جانبا وفكروا بمصالح بلدكم وشعبكم، بعيدا عن تاثيرات ما وراء الحدود، فليس احد منهم سائل عنكم، انهم يريدونكم ادوات لتنفيذ اجنداتهم، او لتصفية حساباتهم مع الاخرين على ارض العراق، فاحذروهم.

 ان من حق العراقيين ان يبحثوا عن كل وسيلة قانونية للدفاع عن بلدهم وعن النظام الديمقراطي الجديد الذي تسعى الكثير من دول الجوار، خاصة المملكة العربية السعودية والاردن ومثيلاتها، الى تدميره للحيلولة دون ان يتحول الى نموذج يحتذى خاصة في الظرف الحالي الذي يشهد ربيعا عربيا جديدا تسعى فيه الشعوب العربية الى الانعتاق من ربقة النظام السياسي العربي الفاسد، واستبداله بنظام سياسي ديمقراطي جديد يحترم الانسان ولا يميز بين مواطن وآخر لا على اساس الدين ولا على اساس المذهب او الاثنية او ما اشبه.

 ان عددا من دول الجوار لا زالت تبذل كل ما في وسعها لتدمير العملية السياسية الجديدة في العراق، لانها ترى فيها خطرا مباشرا على شرعية نظامها البوليسي الوراثي الذي يسحق حقوق الانسان ويكمم الافواه ويقمع الاحتجاجات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية، كما يحصل اليوم في البحرين والجزيرة العربية وغيرها من دول الجوار.

 ولذلك فان من حق العراقيين ان يحموا تجربتهم الديمقراطية ويضمنوا مستقبلهم، وهم يروا في اتفاق الاطار الاستراتيجي فرصة تاريخية لتحقيق ذلك، من خلال تحقيق شراكة استراتيجية وطويلة الامد بين بلادهم والولايات التحدة الاميركية التي ستلتزم، طبقا لبنود الاتفاق، والتي من شانها ان تساهم في تعزيز وتنمية الديمقراطية في العراق، اذ نصت في (القسم الثاني: التعاون السياسي والدبلوماسي) (1) على ما يلي:

 دعم وتعزيز الديمقراطية والمؤسسات الديمقراطية في العراق التي تم تحديدها وتاسيسها في الدستور العراقي، ومن خلال ذلك، تعزيز قدرة العراق على حماية تلك المؤسسات من كل الاخطار الداخلية والخارجية.

 اتمنى على كل العراقيين ان يعودوا الى نص اتفاق الاطار الاستراتيجي، ليتأكدوا مما فيه من نصوص تخدم العراق على المستويات كافة، من اجل ان لا تخدعهم او تضللهم الدعاية السوداء التي تسعى لتشويه المنجز الذي حققه العراقيون بهذا الاتفاق، وتصويره وكانه بدعا من الاتفاقيات الدولية، او كانه يشرعن الاحتلال الاجنبي للعراق، فان تاثر الراي العام العراقي سلبا بمثل هذه الدعاية السوداء سيخسر بسببه العراق فرصة تاريخية لبناء ذاته، كما ان ذلك سيخسر بسببه العراقيون فرصة ثمينة لبناء قدراتهم الذاتية وكذلك قدرات بلدهم.

 ان الاطلاع على نص الاتفاق سيضع العراقيين امام الحقائق بشكل افضل، ليتحملوا مسؤولياتهم، كل حسب موقعه وقدراته، لإنجاز الاتفاق بما يخدم العراق الجديد.

 عليهم التدبر في الامور بعقل وروية وحكمة، فلا يتأثروا بالدعاية او بضوضاء الاعلام الذي ثبت بالتجربة انه لا يفكر بمصالح العراق ابدا، وانما كل همه التأثير سلبا على كل ما ينفع العراقيين.

 ان عليهم ان يفكروا بصوت مرتفع ليحصروا اهتماماتهم بمصالحهم الاستراتيجية فقط، بعيدا عن اية اجندات خارجية تريد الاضرار بالعراق وبنظامه السياسي الديمقراطي الجديد.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/تشرين الأول/2011 - 15/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م