السيبة.... جنة منسية بين سنوات الحرب والسلم

تحقيق: نهلة جابر

 

شبكة النبأ: "السيبة" تروي حبات رملها وطينها أنين الحزن الذي جحد حقها في شواطى حديثة، انحسار غابات النخيل فيها، خطوات طلبة السفرات المدرسية والجامعية التي بحثت عن ملاذ آمن بعيد عن ضوضاء المدن، شوهت معالمها الحروب المتتالية على أرضها.

تعد منطقة السيبة وبقعتها على خارطة العراق أقصى شرق البصرة مؤشر واضح على اهمال لتلك الجنة المنسية والكنز السياحي المهدور، اشتهرت بحكايات صياديها،عن الصيد وتماسها مع الجانب الإيراني ومعاكساته، وعن غاباتها المندثرة فهي غابة النخيل والماء والطيبة وتعايش الأحبة، اشتهرت في تقاويم الحرب العراقية لجوارها وتمّاسها مع مدينة عبادان الايرانية ونالت حصتها من خراب الحرب وآثارها التدميرية، وبعد ان انتهت الحرب، لم يعد احد يتذكر هذه الجنة المنسية الا الشبيبة الباحثين عن اماكن اللهو والعبثية بلا رقيب.

السيباويون يمتازون بالطيبة والتعايش السلمي ويعد مواطني السيبة نموذج للمجتمع البعيد عن الضغائن والاحقاد، لم تشهد اية مشاكل تخص الأمن تعايشوا على إنسانيتهم ولم يضع احدهم الطائفة في الحسبان،يشتركون في الاحتفالات والاعياد وفي مواسم جني التمور التي لم تعد مساحاتها الخضراء كبيرة بعد الحروب والاهمال وهجرة الفلاح ومالك الارض وارتفاع المد الملحي للمنطقة.

هذا مارسمته مخيلة اهلها سابقا، اما حالها الان فهو واقع يرثى له، غابات النخيل أضحت جذوع خاوية نبحث عن الحرائق، بساتين الرمان والتين والعنب اندثرت وحل مكانها قاذفات الهاون والغام زرعتها قوات الاحتلال الأمريكي، منها من اخذ ديته ومنها ينتظر القصاص.

عندما ترجلنا من السيارة وجدنا "الجنة" ارض جرداء، تفتقر الى وجود ايدي الدولة والمواطن فيها، شعرنا حينها بالأسى والحزن واللوعة للإهمال الذي طال مناطقنا الحدودية التي تصبح مناطق سياحية رائعة واماكن لجذب السياح من داخل وخارج البلد لو وضعناها على خرائط الاستثمار.

المفارقة العظمى انها لا تبعد سوى اكثر من مئتي متر تفصلها عن مدينة عبادان التي تشمخ بأعمدة مصنعها الهائل للبتروكيمياويات وتصاعد ابخرته وسط شوارع انيقة مسيجة بغابة خضراء ظهرت عليها علامات الرعاية والاهتمام جلية وبوضوح على الجانب المهمل من السيبة، تحكي قصة الفارق بين مدينة نهضت من جحيم الحرب وهي معافاة في مصانعها وأماكن سياحتها وقدرة انسانها على بناء واعادة ترميم الخراب، وجنة منسية تقابلها مازالت مكبلة بتركات حروبها واهمالها القدري من حكومات متعاقبة.

وجدنا عوائل هاربة من الجو اللاهب والضجيج ورتابة الحياة في المدينة لتبتعد الى الريف وزواياه. وحال وصولنا الى عتبات هذه الجنة الخضراء وجدنها تشكو النفايات المتبعثرة بين غاباتها النخلية، وشاطئها الساحر تشوه رماله الناعمة قطرات النفط الاسود المهرب والمتسرب من الناقلات والبوارج العابرة، ووحشة مكانية تفتقد الى حميمية كازينوهات السياحة واماكن استراحة تضج بالزائرين، عوائل معدودة هاربة من رتابة ايامها تبحث عن زوايا لتتأمل من خلالها مفاتن هذه الجنة فلا تجدها.

اعتقد ان هذه الجنة لم تحظ بزيارة مسؤول حكومي من قبل، لانشغال اغلبهم بالسفر الى جنات غربية خارج البصرة والعراق كله، او لربما انشغالهم بتتبع مسالك النفط ومساربه الاخيرة دون ان يلتفتوا الى جنة تبكي وحشتها وخرابها اسمها السيبة المهجورة.

تقول وفاء المنصور وهي مديرة منظمة مجتمع مدني، "ضروري تدخل الدولة بامكانياتها الكبيرة للمساعدة في انتشال الواقع السياحي واستقطاب العوائل وذلك للمردود الاقتصادي الكبير الذي يعود بالنفع على المنطقة برمتها".

واشارت خلال حديثها مع (شبكة النبأ المعلوماتية)، الى انها قامت بانشاء مشروع سياحي في السيبة من خلال انشاء كازينو مصغرة والعاب للاطفال ومساحة خضراء واسعة، لكن البلدية فرضت رسوم كبيرة لإيجار الارض مما دعاها الى الابتعاد عن المشروع والتخلي عنه.

الوافدون على منطقة السيبة في الاعياد والاحتفالات باعداد غفيرة مما يضع الوافدين في موقف محرج بحيث لا تتوفر فيها مطاعم تفي بالغرض لا كازينوهات او اية وسائل للراحة والاستجمام، فرق كبير بينها وبين عبادان المحاذية لساحلها والتي دخلت معها نفس الحرب، الثانية خرجت من الحرب معافاة اما الاولى لازالت سقيمة تعاني من تدهور واقعها السياحي والاقتصادي.

مدير ناحية السيبة يقول ان البصرة تمتلك مقومات سياحية كبيرة وخصوصا في فصل الشتاء لاعتدال الجو مما يجذب السياح الاجانب، سيما وهي تطل على شط العرب وساحله الجميل الذي يمتلك مواصفات سواحل دول اجنبية وبامتياز.

ويقول لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، نتمنى ان نحذو حذو الدول التي خرجت من الحروب متعافية ووضعت اللبنات الاساسية للبنى التحتية وقامت بتطوير مناطقها مما يعود بالنفع على البلد.

هذا ويذكر ان تاريخ السيبة ذكر في الكثير من الحروب، اذا مر على ترابها العديد من الغزاة وكانت بوابة رئيسية للمرور صوب تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري الابتزازي "صدام".

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 11/تشرين الأول/2011 - 13/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م