تفكيك العراق... إستراتيجية أمريكية مطروحة

متابعة: علي الطالقاني

 

شبكة النبأ: تنص الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في العراق على توظيف 16 ألف موظف مدني تابع لوزارة الخارجية في أكبر عملية مدنية أميركية منذ خطة مارشال التي نفذت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي اضطلعت بمهمة إعادة إعمار أوروبا.

وأن تأمين سلامة الطواقم الأميركية في العراق سيكون صعبا في ظل الوضع الأمني الهش وتسابق وزارة الخارجية الأميركية الزمن لاستلام راية المهمة في العراق من وزارة الدفاع الأميركية، التي ستسحب قواتها من هذا البلد مع نهاية العام الجاري.

فيما يرى مراقبون في صحيفة واشنطن بوست ان هذا العدد يمثل تحديا كبيرا لوزارة الخارجية الأميركية، حيث يوازي عدد فرقة عسكرية بمعايير الجيش الأميركي. وقد أبدى المشرعون الأميركيون ومراقبون لعمل الحكومة الأميركية مخاوفهم من عدم استطاعة وزارة الخارجية السيطرة بشكل مناسب على هذا الجيش من الموظفين الذين سيتبعون السفير الأميركي في بغداد، علما أن 80% من هذا العدد هم من المتعاقدين وليسوا موظفين في وزارة الخارجية. يقول كريستوفر شايس -العضو الجمهوري السابق في الكونغرس الأميركي- "نحن قلقون جدا جدا. لا أعلم كيف سيقومون بتلك المهمة".

مسؤولو وزارة الخارجية الأميركية من جهتهم يقولون إنهم يعملون بكل طاقتهم من أجل إنهاء ترتيباتهم في الوقت المناسب، وإنهم يعملون على ضمان أكبر عدد من المتعاقدين لخفض احتمال حدوث عمليات فساد، ولكنهم أقروا أنه من الصعوبة بمكان تنفيذ عملية ضخمة مثل التي ينفذونها بدون أن تكون هناك أخطاء.

يذكر أن هناك 43 ألف جندي أميركي في العراق الآن، وطبقا للاتفاقية الأمنية التي وقعها العراق مع رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج بوش فإن هؤلاء الجنود سيغادرون أرض العراق نهاية العام الحالي 2011. وكان العراق قد أعلن أنه يرغب في إبقاء كتيبة أميركية صغيرة بعد الانسحاب يتراوح عددها بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف شخص لأغراض التدريب.

الولايات المتحدة كانت قد أبدت استعدادها لتلبية طلب كهذا، لكن اشتراط العراقيين بأن هذه الكتيبة التي ستظل لأغراض التدريب لن تتمتع بالحصانة من الملاحقة القضائية أدت إلى رفض إدارة أوباما للفكرة. ولكن الإدارة الأميركية لا تزال منفتحة على خيار إبقاء مدربين إذا ما توصل الجانبان العراقي والأميركي إلى اتفاق مناسب.

وبالعودة إلى مهمة وزارة الخارجية الأميركية، تقول واشنطن بوست، إن لائحة المهام التي سترثها وزارة الخارجية من الجيش الأميركي يمكن أن توصف بأنها تسبب الإحباط. فعلى الخارجية أن توفر الحماية لحوالي 1750 موظفا هم هيكل السفارة الأميركية في العراق ويتألفون من دبلوماسيين وموظفي إغاثة وموظفي وزارة الخزانة الأميركية. وتكمن صعوبة المهمة أن أولئك الموظفين يعملون في بلد ما زال يعج بالتفجيرات والاغتيالات بشكل يومي.

ويرى مراقبون أن مهمة وزارة الخارجية تتطلب التعاقد مع قوة أمنية قوامها خمسة آلاف عنصر، تكون مهمتها ليس فقط حماية السفارة الأميركية في بغداد، بل حماية قنصليتين أميركيتين خارج بغداد وموقعين في مطارين عراقيين ومعهد لتدريب الشرطة.

وستستخدم وزارة الخارجية طائرات خاصة بها ومستشفيات خاصة وتقوم بأعمال أخرى كانت القوات الأميركية تقوم بها بنفسها. وسيكون هناك 4600 متعاقد مدني معظمهم من غير الأميركيين سيزودون الطاقم الأميركي في العراق بخدمات الطبخ والتنظيف والرعاية الصحية وخدمات أخرى. يذكر أن هذا العدد من المتعاقدين المدنيين سيكون موزعا على عشرة أو أحد عشر موقعا حيث ستكون هناك تدريبات أميركية مقدمة للعراقيين بشأن استخدام المعدات العسكرية الأميركية التي اشتروها.

وكانت لجنة برلمانية أميركية مشتركة قد أبدت في تقرير لها الشهر الماضي مخاوف من عدم قيام وزارة الخارجية الأميركية بإصلاحات على نظام التعاقد مع المدنيين الخاص بها، وقال التقرير إن تلك المخاوف جاءت بعد أن تبددت مليارات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين في العراق وأفغانستان.

ولكن وزارة الخارجية تنفي تلك الاتهامات وقالت إنها وظفت أعدادا إضافية من خبراء التعاقد، إضافة إلى الخبرة التي تكونت لديها خلال السنين السابقة والتي ستستخدمها في التعاقد في العراق هذه المرة.

كريستوفر شايس -نائب وزير الخارجية الأميركي- أقر في جلسة استماع بأنه قلق من عدم كفاية الفرقة الأمنية التي سيتوزع جهدها في مرافق كثيرة، وأنه قلق أيضا من تكرار حادثة شركة الأمن الأميركية بلاك ووتر عندما فتح عناصرها النار على المدنيين العراقيين في بغداد عام 2007 وقتلوا 17 منهم.

أما ستوارت بوين -المفتش العام لإعادة إعمار العراق- فيقول إن هناك جوانب وتكاليف أخرى لعملية نقل المهمة في العراق إلى وزارة الخارجية. وأشار -في مقابلة أجريت معه مؤخرا- إلى أن غياب القوة العسكرية الأميركية سيجعل من الصعب على الطواقم الأميركية الوصول إلى أي مكان يريدون في العراق. وضرب بوين مثالا في القنصلية الأميركية في البصرة، حيث قال إن عناصرها لا يمكنهم التجول في المنطقة بحرية. يذكر أن خطة وزارة الخارجية الأميركية في العراق كانت أوسع وأشمل، لكنها فشلت في الحصول على التمويل اللازم من الكونغرس الأميركي.

خطة تفكيك العراق

من جانب آخر كشف تقرير لمنظمة "محكمة بروكسل" عن استراتيجية امريكية جديدة لتفكيك العراق داخليا عبر بنشر العنف والارهاب، وتشتيت الطوائف، فقد اعلن نائب وزير الدفاع بول وولفويتز حينئذ، بأن تركيز امريكا الرئيسي للسياسة الخارجية هو انهاء الدول التي ترعى الارهاب، وكانت العراق تصنف فى حينه بـدولة ارهابية.

وقال التقرير الذى اشرف عليه الناشط البلجيكى ديرك ادريانسنز عضو اللجنة التنفيذية للمحكمة أن هناك عمليات ممنهجة ومنظمة مارستها امركيا بالقتل والاهمال الصحى لتقليص الشعب العراقى مما ادى لوفاة اكثر من 1.3 مليون مدني، وثمانية ملايين عراقيين بحاجة الى للمساعدات، واكثر من 45% من العراقيين يعيشون بأقل من دولار في اليوم، بجانب تشريد 2.5 مليون.

وقبل الغزو الامريكي تراوحت نسبة السكان الذين يعيشون في الاحياء الفقيرة اقل من 20 بالمائة، اما الآن ارتفعت هذه النسبة الى 53 %، وهو ما يعادل 11 مليونا من قاطني المدن الحضرية من اصل 19 مليونا.

وفى مجال التعليم تم احراق و نهب و تدمير 84% من مراكز التعليم العالي، و25% من المدارس الابتدائية بحاجه لحملة اعادة تأهيل، وقد تم قصف اكثر من 700 مدرسة ابتدائية، و حرق 200، ونهب اكثر من 3 آلاف.

وتراجعت اعداد المدرسين بنسبة 80%، وتعرضت مؤسسات التعليم لعدد 31.598 هجوم، وبلغ عدد الاكاديميين المغتالين اكثر من 200 اكاديمى بمراكز مهمة، وعدد الاعلاميين اكثر من 200 ايضا، وعانت الطبقة المثقفة من حملات منظمة و منهجية من التخويف، الاختطاف، الابتزاز، القتل العشوائي والاغتيالات المستهدفة.

وهجر العراق بسبب الغزو الامريكى عشرون الف طبيب مسجل عراقي من اصل 34.000، فيما قتل اكثر من 2000، واستهدف الغزو الامريكى تحقيق الخراب الثقافي، فتم تدميرالمحفوظات والمعالم الوطنية التي تمثل الهوية التاريخية للشعب العراقي.

واختفت الاف القطع الاثرية منها 15.000 قطعة نفيسة تعود الى حضارة وادي الرافدين، وقطع مأخوذة من 12.000 موقع تأريخي، ودمرت المكتبة الوطنية، واصبح تهريب و تجارة القطع الاثرية العراقية هي واحدة من اكثر الاعمال ربحاً في العراق والعالم. وحولت امريكا سبعة مواقع اثرية لقواعد عسكرية منها اور، واحدة من اقدم المدن في العالم وهى مسقط رأس النبي ابراهيم عليه السلام، وكذلك بابل الاسطورية.

ونفذ البنتاجون عمليات اغتيالات منظمة وشكل الوحدات شبه العسكرية، وتم جلب مصادر خارجية لترهيب البلاد ولتتكفل بالقوى المحلية، وهو نفس السيناريو السابق الذى نفذته امريكا فى السلفادور، وقام البنتاجون بتعيين المرتزقة امثال داينكورب، الذي ساعد الميليشيات الطائفية المستخدمة لترهيب و قتل العراقيين وجرالعراق الى الحرب الاهلية.

وكشف التقرير "الحرب القذرة" الامريكية فى العراق كما حدث في امريكا اللاتينية، وبصورة اعنف مما تم فى حرب فيتنام بالتركيز على المدنيين باتباع استراتيجية ترهيب البلاد، والعقاب الجماعي ضد عامة الشعب لترويعهم و اجبارهم على الخضوع.

وقد اختفى آلاف العراقيون جراء هذه الحرب القذرة، شوهد بعضهم معتقلا ومحملا على ظهر شاحنات من قبل مليشيات ترتدي زي الشرطة، وآخرون اختفوا ببساطة، واعترفت وزيرة حقوق الانسان وجدان ميخائيل بتلقى اكثر من 9000 شكوى من عراقيين حول اختفاء اقاربهم خلال سنتي 2005 و2006فقط.

ونفذت امريكا عملية "سيرج" او عملية تصعيد العنف الداخلى، بزيادة استخدام فرق الاغتيال الاميركية من القوات الخاصه، بجانب القوات الخاصة البرطانية التى عينت و دربت ارهابين في المنطقة الخضراء لتصعيد التوتر العرقي.

وحصلت نخبة جناح الساس، والذين يدعون "فرقة العمل الاسود" ذوي التاريخ الدامي في شمال ايرلندا، حصلوا على حصانة، لاداء اعمال تتلخص فى توفير متفجرات ذات تقنية عالية، كما ضخت امريكا قواتها للعمليات الخاصة فى العراق رغم مزاعم سحب وتقليص القوات، وانشأت نخبة وحدة عمليات سرية فتاكة، مجهزة بشكل كامل بالمعدات الأمريكية.

كما وثقت المنظمات الدولية لحقوق الانسان على غرار اللجنة الدولية، منظمة حقوق الانسان، منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش، الجرائم المنهجية التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد معتقلين بغير امر قضائي في العراق.

وشملت أشكال التعذيب تهديدات بالقتل، عمليات اعدام صورية، عمليات الاغراق الوهمية، خفض حرارة الجسم بالمبردات والمياه المثلجة، التعليق، الحرمان من النوم، الجوع والعطش، والامتناع عن العلاج الطبي، الصعق بالصدمات الكهربائية، ومختلف أشكال الاغتصاب والاعتداء المثلي، الضرب المتواصل، الحرق، والقطع بالسكاكين واستخدام الأصفاد المرنة المؤذية، والخنق، والاعتداء الحسي.

وأكثر أشكال التعذيب النفسي هو الإذلال الجنسي، والاحتجاز وتعذيب أفراد الأسرة، وقالت لجنة للصليب الاحمر ان "بين 70 ٪ و90 ٪ من الأشخاص المحرومين من حريتهم في العراق أُعتقِلوا عن طريق الخطأ.

وبالمخالفة لاتفاقية جنيف، ولاتفاقية 1994 لمناهضة التعذيب وللقانون الامريكي لجرائم الحرب لسنة 1996، مما سيتوجب على امريكا دفع تعويضات للمضارين من اعمال التعذيب. ونادشت المحكمة فى نهاية تقريرها المجتمع الدولى بمساءلة امريكا اثناء قيامها بالمراجعة الدورية الشاملة في 5 نوفمبر القادم، حول كل هذه الجرائم ضد الشعب العراقي، وبوضع اجراءات لتعويض العراق والعراقيين عن جميع هذه الخسائر و الدمار و الاضرار التي تسبب بها الاحتلال الامريكي.

يعرف ان منظمة محكمة بروكسل، تأسست فى بلجيكا عام 2003 عقب الغزو الامريكى للعراق، وتضم نخبه من المثقفين العراقيين والبلجيك، وتعتمد فى تقاريرها على معلومات ومستندات موثقه صادرة من منظمات حقوق الانسان الدولية والاهليه، اطلقت على نفسها لقب محكمة، لمحاكمة الغزو للعراق.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/تشرين الأول/2011 - 12/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م