مسنون... جفاهم الأبناء فاستكانوا الى أحباء

آباء وأمهات... يستعيضون العقوق بالحب

تحقيق: دعاء القريشي

 

شبكة النبأ: لم تشفع توسلات السيدة البغدادية فوزية جعفر ذات الست وخمسون عاما، بأولادها ليسمحوا لها بالعيش معهم، وهي تسرد كيف آلت بها الأحوال لتقطن دار المسنين وهي في خريف عمرها. وفوزية تجيد اللغة الإنكليزية بالإضافة الى أكثر من اللغة أخرى، وهي خريجة كلية الآداب/ قسم الترجمة من بغداد، وسبق لها ان شغلت عدة وظائف مرموقة منها في السفارات العراقية لوزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية، وتنقلت بين عدد من الدول مثل قطر والكويت والسعودية.

وتلفت فوزية خلال حديثها لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، انه بدلا من ان يكون وضعها الصحي سببا لزيادة عطف واهتمام ابنائها بها، فأنه كان سببا في اسماعها الكلمات الجارحة والمؤذية وقرروا ادخالها مستشفى الامراض العقلية بعد ان اصبحت تعاني من نسيان بعض الاشياء اثر إجرائها عملية جراحية في الرأس للتخلص من ورم في الدماغ.

وجهدت فوزية جعفر لحبس دموعها وهي تستذكر اللحظات التي سبقت مجيئها من بغداد الى دار المسنين في مدينة الديوانية، لكن عيناها اغرورقن بالدموع ولم تتمكن من السيطرة عليها هذه المرة بعد ان تذكرت كيف انها توسلت لأولادها ان يبقونها معهم لكنهم رفضوا وكانوا مصرين على دخولها مستشفى الامراض العقلية.

وقالت فوزية انها اضطرت وهي تتوسّل اليهم ان لا يبعثوها الى هذا المستشفى مقابل تنازلها اليهم عن كل ما  تملك من اموال وحلي ذهبية وبيتها. فسمحوا لها بدخول دار المسنين بعيدا عنهم، لكنهم رفضوا ان اعطائها اجرة السيارة التي تقلها من بغداد الى دار المسنين في الديوانية، فوقفت على باب احد الجوامع وتصدّق عليها احد المصلين بأجرة السيارة.

لكن يبدو ان الله عوض فوزية جعفر بعد نزولها دار المسنين الحرمان الذي عاشته مع اولادها، عوضها الله بعاطفة واهتمام النزيل تحسين محسن السلمان من مواليد 1939 من اهالي  الديوانية الذي تزوجها قبل عام.

ويجيد السلمان العمل في عدة مجالات منها النجارة والكهرباء وغيرها من الأنشطة، ولديه اربعة اولاد. اضطرته عدم رغبة اولاده بسكنه معهم على النزول في دار المسنين في الديوانية.

وقد اصيب السلمان منذ (5) اشهر بمرض اقعده بالفراش وهو مرض الحزام الناري، ومما يزيد من معاناته انه لم يعد يملك شيئا بعد ان تنازل عن ممتلكاته الى ابنائه، ولعل ما يواسيه في محنته ان اولاده يزورونه بين الحين والآخر للاطمئنان عليه حسب قوله.

ويؤكد السلمان، انه وجد في دار المسنين الراحة والحرية والكلام  الطيب والانسجام مع المسؤولين، وهذا اتاح له انجاز عدة اعمال وحرف يدوية منها عملها بالنجارة، وقد اهدى هدية الى وزير العمل والشؤون الاجتماعية والمحافظ ومجلس المحافظة والحوزة العلمية في النجف وكانت عبارة عن مكتبة قرآنية.

ويلفت السلمان الى ان فترة نزوله في هذه الدار التي استمرت تسع سنوات، لم تنته بقصة نزيل شابهت بقية النزلاء، اذ توّج هذه الفترة وبالتحديد بعد مرور السنة الثامنة بزواجه من النزيلة فوزية جعفر.

قصة اخرى لا تقل غرابة عن قصة النزيلة فوزية جعفر، لكن بطل هذه القصة هو  النزيل عبد الخضر عباس الذي جاء من لندن الى بغداد، وفي بغداد حاول الارهابيون قتله مما اضطره اللجوء الى دار المسنين في الديوانية ليكون قريبا من اخوته واقاربه الذين يسكنون هذه المدينة.

لدى عباس خمسة اولاد وبنات ويعتبر ان وضعهم المادي جيد، احد اولاده مهندس في النفط وابنته مهندسة في الاتصالات والاخرى خريجة ماجستير جامعة تكنولوجيا.

ويحمل عباس عدة شهادات منها استاذ جامعي وبكالوريوس من كلية الآداب وتربية علم النفس وخريج من دار المعلمين في الأعظمية وشهادة الماستر جامعة كارده في المملكة المتحدة. كما لدى عباس عدة نشاطات منها التجارة وهو شاعر وفنان تشكيلي ويجيد اللغة الإنكليزية بشكل ممتاز لكنه الا ن صحته غير جيده بسبب اجراءه عملية بروستات.

اما النزيل الآخر فكان حمزة كاظم جمعة/ متقاعد وعمره 69 عاما، لم يرزقه الله الا ببنتين تسكنان سورية،  نزل هذه الدار منذ سنتين وستة اشهر. يقول انه كان يعاني كثيرا من نقص في العاطفة بسبب عدم تواصل بناته واقاربه معه.

ويبدو ان زواج فوزية جعفر من تحسين محسن السلمان، قد شجعه على الزواج قبل ستة اشهر من النزيلة سميرة عبد الله علي من مواليد 1951 وقد سكنت الدار منذ اربعة اشهر وكانت قبل ذلك تسكن في بغداد لكن بسبب كنتها وابنها الذين طردوها من البيت مما اضطرها على النزول في دار المسنين. وتسمي نفسها بـ (سميرة الحزينة)  لما لاقته من مأساة لا توصفها الكلمات لكننا نروي شيء منها.

اتفق ابن سميرة وزوجته بعد سقوط النظام على طردها من البيت، وكانت تعيش وقتها في منطقه شبيهة بالبستان ضمن حدود الدورة ببغداد، وهناك شاهدت سميرة اشبه بأفلام الرعب، حيث كانت تشاهد عمليات القتل وتقطيع الرؤوس التي يقوم بها الارهابيون، وكانت تشرب الماء الملوث بالديدان والاشياء الغريبة  وتأكل مما يعطيها راعي الغنم.

هذه الاجواء والظروف كانت وراء اصابة سميرة بعدة امراض منها القالون، وما رأته جعلها تعاني من نوبات الرعب او (النزة) كما يعبر عنها باللغة الدراجة، وكانت هذه الظروف سببا بإصابتها  بجلطة بالدماغ وشلل نصفي بأطرافها.

تركوها اولادها في هذه المنطقة المرعبة ثمانية اشهر، عانت فيها ما عانته، وهي حتى هذا اليوم تعاني من عدم تواصلهم معها ومن نقص العاطفة والحرمان، ومما زاد من ألمها ومأساتها انها توجهت اليهم قبل فترة لزيارتهم ورؤيتهم الا انهم لم يستقبلونها وطردوها.

وبالرغم من فقرها، الا انها مضطرة على شراء ادويتها من حسابها الخاص، وهي لا تأكل المأكولات العادية بسبب اصابتها بمرض القالون ولذلك هي تضطر على شراء غذاء خاص بها.

وناشدت سميرة الجهات ذات الصلة بتسليمها الراتب التقاعدي الخاص بزوجها والذي يتأخر دائما، حيث لم تستلمه منذ خمسة اشهر.

من جهتها أشارت الباحثة الاجتماعية ضحى فاهم في حديثها لـ(شبكة النبأ المعلوماتية)، الى ان وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تقوم بإجراء فحص كامل للحالة النفسية والعقلية والجسمية والاجتماعية لكل نزيل قبل نزوله الدار، وتأمين مأكل وملبس وعلاج النزلاء، كما تركز دار المسنين توفير بعض الوسائل الترفيهية للنزلاء كأخذهم لزيارة العتبات المقدسة بين الحين والآخر.

مشيرة الى ان محافظ الديوانية خصص (25) الف دينار لكل نزيل شهريا، لكنهم لم يستلموا الا مبالغ (3) اشهر من اصل (8) اشهر، اضافة الى ان دار المسنين توفر لهم (30) الف دينار شهريا. مع كسوتهم كسوتين صيفية وشتوية.

وتبيّن فاهم ان عدد نزلاء الدار هو (47) نزيلا، (12) امرأة و(35) رجلا، مضيفة انهم ينزلون الدار بسبب عدم وجود ابناء لديهم، او رغبتهم الشخصية لعدم راحتهم مع ابنائهم، او لأن بعض كبار السن يرغبون بالراحة بعيدا عن اجواء البيت وازعاجه وهم احيانا يكونون ميسوري الحال.

من جانبها، بيّنت مدير الدار فيان معن ان خدمات الدار إيوائية والكل مسؤول عن تقديم هذه الخدمات،  وهذه الخدمات طبية وعناية مركزة على مدار 24 ساعة، ودعت ابناء النزلاء زيارة آبائهم وامهاتهم بين الحين والاخر لأن هذا يسهم كثيرا في تحسين وضعهم الصحي والاجتماعي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/تشرين الأول/2011 - 10/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م