أمريكا والخيار المر... البقاء المذل!

العراق يرفض منح الحصانة وواشنطن تبحث فرصها

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: حزمت الكتل السياسية العراقية أمرها، معلنة في اجتماعاتها شبه الرسمية والتي دعا اليها الرئيس جلال طالباني لحسم ملف القوات الأمريكية، أنها (الكتل السياسية) أجمعت على عدم تجديد اي اتفاق يسمح ببقاء تلك القوات لما بعد عام 2012، ليسدل الستار رسميا على حقبة استمرت على مدى ثمان أعوام كان للجيش الأمريكي الكلمة العليا في تلك الدولة التي خضعت لاحتلال عقب إسقاط الديكتاتور صدام حسين.

الا ان تلك الكتل وبدفع استشعارها القلق من الفراغ الأمني والسياسي الذي سيخلفه الانسحاب العسكري الامريكي الكامل من بلادهم، تركوا نافذة صغيرة لتدارك اي طارئ قد يقع في المستقبل القريب، خصوصا على صعيد سلامة العملية الديمقراطية التي لا تزال تعاني ضعف كبيرا، الى جانب التحديات الإقليمية المحيطة بذلك البلد الاستراتيجي الذي بات همزة وصل أو بوابة مشتركة بين عوالم مختلفة شرقا وغربا، أو شمالا وجنوبا.

وجل ما يقلق العراقيين، أو الكتل السياسية التي تقود البلاد تنامي نفوذ دولة على حساب أخرى، سيما ان الوضع السياسي والاقتصادي لا يزال يمهد لدول الجوار التدخلات المباشرة وغير المباشرة في بعض أشكال القرار في العراق.

ويتفق معظم الساسة هناك على تأمين عدم خروج الصراع الإقليمي الذي بات العراق احد ساحاته على الحد المسموح، وإيجاد حالة من التوازن الدولي في ذلك بما يؤمن عدم إثقال كاهل بلدهم الذي لا يزال يعاني آثار الحرب والدمار الذي نجم عنها.

ولكن في حال نجح العراقيون في عقد صفقة مع الولايات المتحدة لإبقاء جزء من قواتها بصفة مدربين فهل سيؤمن ذلك تطلعاتهم؟ وهل سترتضي أمريكا الإبقاء على قواتها بدون حصانة قانونية؟

المؤشرات تدل على امتعاض الولايات المتحدة من القرار العراقي، الا أنها في ذات الوقت لم تعد قادرة على التأثير والضغط كالسابق، وهي تسعى بأي وسيلة متاحة للبقاء في العراق وبأي شكل كان، سيما ان ذلك البلد سيستعيد على المدى المتوسط وبحسب الكثير من المحللين الاستراتيجيين لمكامن القوة في المنطقة، سياسيا واقتصاديا.

مدربين بدون حصانة

فرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي والذي يتعرض لضغوط أمريكية غير مباشرة نجح في كسب المزيد من التأييد من التكتلات السياسية في حكومته للتفاوض بشأن خطط لابقاء قوات امريكية في العراق للعمل كمدربين عسكريين ولكن بدون منحها حصانة من المقاضاة اذا ارتكبت جرائم.

ويسمح قرار تكتلات الشيعة والسنة والاكراد للمالكي بمواصلة المناقشات بشأن أبقاء بعض القوات الامريكية في العراق بعد حلول الموعد النهائي لرحيلها في عام 2011 بعد ثمانية اعوام من التدخل الذي أطاح بصدام حسين.

وقال نائب رئيس الوزراء روش نوري شاويش وهو يتلو بيانا "اتفق الزعماء على الحاجة الى تدريب القوات العراقية واتمام تسليحها في أقرب وقت ممكن وعلى ضرورة مساندة الحكومة العراقية." واضاف قوله "اتفق الذين حضروا الاجتماع على انه لا داعي لمنح الحصانة وقالوا كذلك ان التدريب يجب ألا يجرى الا في قواعد عسكرية عراقية."

ولم يرفض الاتفاق الا انصار رجل الدين المعادي لامريكا مقتدى الصدر. وكانت الميليشيات التي يتزعمها تقاتل القوات الامريكية في وقت من الاوقات لكنه الان حليف للمالكي في البرلمان.

وقال القادة السياسيون ان المدربين العسكريين الاميركيين الذين سيبقون بعد نهاية العام لتدريب قوات الامن "لا يحتاجون الى حصانة" بينما تشدد واشنطن على ضرورة منحها لهم.

وتطرح هذه التصريحات تساؤلات حول ما اذا كان الجيش الاميركي الذي يتولى مهمات تدريبية يوافق على ذلك بعد الانسحاب المقرر نهاية 2011 حسب الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن.

واكد هؤلاء القادة السياسيون خلال اجتماع استمر نحو ساعتين "الحاجة لتدريب القوات العراقية واستكمال تجهيزها في أقرب وقت ممكن وضرورة تأييد مساعي الحكومة العراقية ومباحثاتها بهذا الشأن".

وبموجب اتفاق وقع بين الولايات المتحدة والسلطات العراقية في 2008، سيتم سحب كل القوات الاميركية بحلول نهاية 2011، الا اذا وقع الجانبان اتفاقا جديدا. واكد القادة العراقيون في بداية آب/اغسطس الماضي استعدادهم لاجراء مشاورات مع واشنطن بشأن الابقاء على بعثة تدريب. وعرض البيت الابيض ابقاء ما بين ثلاثة او اربعة الاف جندي بعد 2011 مقابل 43 الفا و500 جندي ينتشرون حاليا في العراق.

وفي آب/اغسطس الماضي، شدد القائد السابق لاركان الجيش الاميركي الاميرال مايكل مولن خلال زيارة لبغداد على قيام البرلمان العراقي بمنح حصانة للجنود الاميركيين الباقين في العراق لحمايتهم من اي ملاحقات.

من جهة اخرى، اكد المسؤولون العراقيون وفقا للبيان، ضرورة ان يتم التدريب في قواعد عراقية وان يكون مصمما لضمان ان تكون القوات العراقية محترفة ومهنية بكافة صنوفها. كما شددوا على ضرورة ان تعمل القوات الاميركية وفق الدستور العراقي وتكون قادرة على تجنب اي تهديد للامن الداخلي والخارجي للعراق والحفاظ على سلامة اراضيه ومياهه واجوائه، اضافة الى ديموقراطيته الدستورية.

في السياق ذاته أعلن التيار الصدري الذي يتزعّمه السيّد مقتدى الصدر، عن رفضه بقاء مدربين أميركيين في العراق الى ما بعد العام الحالي (2011)، تحت أي صفة كانت. وقال النائب في البرلمان العراقي والقيادي في التيار الصدري وممثله في اجتماع قادة الكتل السياسية بهاء الأعرجي خلال مؤتمر صحافي عقده، إن "التيار الصدري أكّد ومنذ الإجتماع الأول لقادة الكتل السياسية، عن رفضه القاطع لبقاء القوات الأميركية في العراق بأي صفة كانت سواء مدربين وبحصانة أو من دون حصانة". وشدّد الأعرجي على أن موقف التيار الصدري الرافض لبقاء القوات الأميركية في العراق، هو موقف  ثابت ولآخر لحظة".

امريكا تدرس فرصها

الى ذلك قللت الولايات المتحدة من أهمية خلاف فيما يبدو مع العراق بشأن الحماية القانونية للقوات الامريكية وسط محادثات لابقاء جزء من هذه القوات في العراق بعد الموعد النهائي للانسحاب نهاية العام الجاري.

وكان الجيش الامريكي قد أعلن في السابق ان مسألة الحماية القانونية لقواته يحتمل أن تعطل الاتفاق. وفي وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) قال الكابتن جون كيربي ان الجيش الامريكي ما زال يدرس هذا البيان ورفض مناقشة كيفية تفسير المسؤولين الامريكيين لهذه التصريحات. وشدد على ان المسؤولين الامريكيين "سعداء ومتحمسون لان المفاوضات جارية." وقال كيربي "لا اعتقد انه أمر مساعد وبناء أن نجري مفاوضات من خلال الصحافة... لكننا سنحرص على ان تكون لقواتنا الحمايات التي تحتاج اليها."

ويضمن الاتفاق الامني بين الولايات المتحدة والعراق الذي ينتهي أمده حصانة القوات الامريكية من المحاكمة أمام المحاكم العراقية ما لم تتضمن القضية ظروفا استثنائية. وتتضمن هذه الظروف المحاكمة في جرائم عمدية كبرى ارتكبها جنود امريكيون في غير اوقات الخدمة وكانوا خارج القواعد الامريكية وقت ارتكابها.

ردع التدخل الاقليمي

من جهته قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري "كل بلد في المنطقة يراقب هذا باهتمام وقلق." واضاف أن تركيا وإيران قامتا بتصعيد الهجمات العسكرية على المتمردين الاكراد الذين ينشطون من المنطقة الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي في العراق. وقال زيباري وهو نفسه كردي "هذا سبب اخر في ان الحكومة العراقية تحتاج الى استمرار هذه المساندة (الأمريكية) على الاقل لردع هذا التدخل الاقليمي."

وقال إن الغارات الجوية الايرانية والتركية لا تتناسب مع اي تهديد من الجماعات التي تستهدفها وربما يقصد منها اختبار ردود الافعال الامريكية والعراقية. والامر لا علاقة له بالسياسة الاقليمية الاوسع للعراق في اعقاب الانسحاب الأمريكي."

غير ان زيباري قال إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد اشار له في مناقشة للمسألة أن طهران لن تعادي استمرار الدور الأمريكي في العراق. ونسب زيباري إلى أحمدي نجاد قوله "انهم أنبتوا هذه الشجرة ويجب أن يرووها وان يرعوها لا أن يحزموا متاعهم ويرحلوا."

وبالاضافة إلى التدريب للدفاعات الجوية والبحرية قال إن قوات الامن العراقية ما زالت تحتاج إلى المهارات لمواجهة المتشددين السنة والشيعة الذين ما زالوا قادرين على تنفيذ هجمات مميتة.

وقال زيباري إن تعافي العراق لم يكتمل بعد لكن البلاد في الطريق الصحيح نحو شكل فيدرالي ديمقراطي مستقر للحكم. وقال "ما نشهده هذه الايام في العالم العربي والعالم الاسلامي والشرق الاوسط يظهر ان تجربة العراق في الديمقراطية تستحق كل التضحيات التي قدمتها القوات الأمريكية وقوات التحالف الاخرى وقبل كل شيء شعب العراق نفسه."

وكان رئيس اركان الجيش العراقي بابكر زيباري اعلن في عدة مناسبات ان قوات تحتاج تدريب لعقد من الزمن، قبل ان تكون قادرة حماية البلاد من الاعتداءات الخارجية. ويشهد العراق هجمات مفترقة بصورة شبه يومية، إلا أن التقديرات تشير بصفة عامة إلى تراجع في وتيرة العنف مقارنة بعامي 2006 و2007. وأثارت الهجمات التي وقعت مؤخرا في مناطق بمحافظة الأنبار غربي بغداد ومدينة كربلاء المقدسة مخاوف من تصاعد في العنف الطائفي.

الجيش العراقي

من جانب آخر... قاد الديكتاتور العراقي الراحل صدام حسين في وقت ما واحدا من أقوى الاسلحة الجوية في الشرق الاوسط اذ بلغ قوامها 40 ألف فرد وألف طائرة من بينها طائرات مقاتلة من طراز ميج السوفيتية وميراج الفرنسية. والان تكمن معظم قدراتها القتالية في ثلاث طائرات من طراز سيسنا مزودة بصواريخ هيلفاير.

وفي خطوة لاصلاح اختلال الموازين في مواجهة تمرد اسلامي واضطرابات اقليمية اعلن العراق انه وقع عقدا بمليارات الدولارات لشراء 18 طائرة لوكهيد مارتن واف-16 . ولكن لن تسلم قبل عدة اعوام ويقول مسؤولون امريكيون وعراقيون ان العراق يحتاج مساعدة كي يحكم السيطرة على مجاله الجوي.

وقال البريجادير جنرال توني روك وهو امريكي يساعد في اعادة بناء القوات الجوية العراقية "سيبلغونك مثلما ساقول لك ان (الدفاع الجوي) في مقدمة أولوياتهم حين يتعلق الامر بسد الثغرات." واستطرد "حين نغادر ... لن يكون لديهم قدرة على الاعتراض الجوي حتى (يحصلون على) طائرة مقاتلة متعددة الاغراض مثل اف-16."

وبعد ثمانية اعوام من الاطاحة بصدام تضم وحدتان جويتان في العراق هما القوة الجوية وقيادة طيران الجيش 158 طائرة من بينها طائرات هليكوبتر ونحو 7500 فرد حسب الارقام الامريكية اي تزيد قليلا عن نسبة واحد بالمئة من الجيش وقوات الامن العراقية وقوامهما 650 الفا.

ولا تقتصر المشكلة على نقص الطائرات فحين ترسل قيادة طيران الجيش طائرة هليكوبتر لملاحقة متشددين اسلاميين فانها غالبا تحتاج اعادة للتزود بالوقود من واحد من عشرات مستودعات الوقود التي اقامتها الولايات المتحدة وتديرها في سائر انحاء العراق.

ولكن مع تفكيك الجيش الامريكي لقواعده وقبل ثلاثة اشهر من مغادرته العراق فان عددا كبيرا من نقاط التسليح واعادة التزود بالوقود المتقدمة التي اعتمد عليها العراقيون لتوسيع نطاق التغطية الجوية لملاحقة متمردين سيختفي.

وقال اللواء حامد المالكي رئيس قيادة طيران الجيش انه اكتشف ان شاحنة الوقود أهم من الطائرة مضيفا ان العراق لا يملك عددا كافيا من الشاحنات لتزويد القوات الجوية والجيش العراقي بالوقود. وصرح بأنه يمكن للقوات الجوية العراقية ان تعمل بدون الامريكيين ولكنه اضاف انها مازالت بحاجة اليهم.

ولتهدئة المخاوف العراقية طلب الجيش الامريكي ثماني شاحنات وقود تكتيكية وسيسلم للجيش العراقي بعضا من محطات التزود بالوقود النائية. ولكن قصور عمليات التزود بالوقود ليس نقطة الضعف الوحيدة للقوات الجوية العراقية.

فحين تنسحب القوات الامريكية ستقتصر قدرة العراق على تغطية 60 في المئة من مجاله الجوي من خلال نظامي رادار بعيدي المدى في تليل في الناصرية جنوبا وفي التاجي بشمال غربي بغداد.

وتحتاج القوات الجوية نظامي رادار بعيدي المدى اخرين لتغطية مناطق اخرى في الشمال والشمال الغربي والغرب وانظمة دفاع جوي ارضية ولكن هذا يحتاج لسنوات.

وفيما ينتظر العراق الطائرات اف-16 تعتمد القوة الجوية على ما وصفه روك "بقدرات ناشئة يعتمد عليها" وتضم 69 طائرة من بينها ثلاث طائرات سيسنا مزودة بصواريخ وثلاث طائرات استطلاع من طراز سيسنا ايضا قادرة على تصوير ونقل افلام فيديو على الهواء وطائرات شحن من طراز سي -130 اي وطائرات تدريب وغيرها. بحسب رويترز.

ولدى قيادة طيران الجيش 89 طائرة هليكوبتر من بينها طائرات روسية من طراز ام.اي 171 وسيجري تعزيزها بعدد 27 طائرة هليكوبتر من طراز بل 407 ومعظمها مزودة باسلحة. وكان متوقعا تسليم الطائرات في 31 ديسمبر كانون الاول ولكن الموعد تأجل الي مارس اذار أو ابريل نيسان. ولن تصل أول طائرات من طراز اف-16 قبل عام 2014 او 2015 ولكن سيظل العراق متأخرا عن جيرانه حتى بعد وصولها.

وقال قائد عسكري عراقي سابق طلب عدم نشر اسمه "الحصول على هذه المقاتلات لا يعني ان القوات الجوية العراقية ستكون على قدم المساواة مع نظيراتها في الدول المجاورة." وتابع "اذا قارنا مستوى القوات الجوية العراقية بما كانت عليه قبل عام 2003 (قبل الغزو الامريكي) يمكن القول انه لا يزيد عن عشرة بالمئة ان لم يكن صفرا."

في حين قال مسؤول عسكري امريكي ان تدريب القوات العراقية على كيفية تشغيل معدات عسكرية جديدة من بينها طائرات هليكوبتر ودبابات وزوارق دورية سيتولاه بالاساس متعاقدون وليس عسكريين امريكيين.

وقال اللفتنانت جنرال مايكل فريتر نائب قائد القوات الامريكية في العراق للتخطيط والتدريب ان التدريبات على جميع المعدات التي اشتراها العراق سيستغرق ما بين 12 و18 شهرا.

وأبلغ فريتر الصحفيين "التدريب على المعدات الجديدة سيتولاه... اولئك الذين يعملون كمتعاقدين." وأضاف "وسيساعد في تلك الحالة أي عسكريين اخرين يعملون كمدربين."

واضاف فريتر ان التدريب على الدبابات "سيكون في الموقع حيث ستقوم فرق من المتعاقدين بالمساعدة في التعليم والعمل جنبا الي جنب وكتفا بكتف مع العراقيين." ومضى قائلا "معظم العمل سيقوم به متعاقدون." وقال فريتر ايضا ان العراق ما زال بحاجة الى الكثير من التدريب الميداني خصوصا على كيفية ادارة عمليات القوات المشتركة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/تشرين الأول/2011 - 10/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م