
شبكة النبأ: يقال ان لكل موجود شهوة،
حتى السلطة لها شهوة وشهوتها تتجلى في الموقف اليمني بالرئيس (علي عبد
الله صالح) اذ تراه يغامر بكل شيء في هذا البلد من أرواح وممتلكات
وأموال في سبيل بقاءه في السلطة، على الرغم من الضرر الذي حلق به من
جراء الاعتداء الذي اجبره على ترك البلاد لتلقي العلاج في السعودية
التي أرادت ان تودي بحياته هو وكوكبه من ازلام نظامه، ومع ما حصل وما
جرى فأن شهوة السلطة تجري في عروقه كجريان الدم!
فهل لنا ان ننعت الرئيس اليمني او نشخص داءه بأنه مصاب بمرض "جنون
العظمة" الذي يصيب الزعماء والملوك الذين طال جلوسهم على كراسي الحكم،
فيتصورون ان الشعوب لا يمكن لها ان تعيش من دونهم؟ أم نستطيع القول أنه
صراع زائف يلجئ له (صالح) من اجل السلطة من خلال زج الجيش وزبانيته
وحاشية المقربة في عمليات قتل وتعذيب وتدمير؟ ام انه الخوف من التنحي
والمصير المجهول الذي ينتظره وربما محاكمة علنية تسوقه نحو حبل المشنقة
تعرض على رؤوس الاشهاد!
فأمام (صالح) طريق طويل ووعر غير معبد، ولابد له من ان يتوقف يوما
لا محال وهذا اليوم بات قريب، فأمام (صالح) جماهير غفيرة غاضبة من
تصرفاته ومن تشبثه بكرسي الرئاسة وكذلك أمامه عصيان مدني يزداد يوما
بعد اخر وأمامه تنظيمات القاعدة التي بدأت تنظم صفوفها وتضع خرائطها
على الطريق اليمني، وبعيد عن كل ذلك امام (صالح) ملاحقات دولية
ستستهدفه شخصيا وأبناءه الذي عاثوا بالبلاد، وكذلك لا تستثني هذه
الملاحقات من سانده من القيادات السياسية والعسكرية ومن تزلف معهم في
سبيل نيل بعض المصالح، فبلا ادنى شك ان الرئيس (صالح) سيواجه تهما
دولية خطيرة تنزل رتبته من رئيس جمهورية اليمن إلى رتبة مجرم حرب! وان
هذه التُـهم لا يمكن (لصالح) أن يهرب منها، وسيطارد بسببها حتى لو
اختبأ في كهوف الجبال اليمنية، وله في زعماء الصرب الملاحقين عبرة، حيث
تم الامساك بهم الواحد تلو الاخر وكان اخرهم تم القبض عليه قبل ايام
فقط، ولا ننسى المقبور (صدام حسين) كيف تم اصطياده في تلك الحفرة
البائسة، والمشهد القريب الذي سيظهر حتما هو الرئيس المخلوع (معمر
القذافي).
فعلى (صالح) الاذعان لمطلب الشعب والتخلي عن السلطة بشكل يليق
بحضارة اليمن وشعب اليمن هذا الشعب الذي عانى الكثير على يد (صالح)
واعوان (صالح) عليه الاذعان قبل ان يطرد من صومعته اللعينة وقبل ان
يصبح مطارد وقبل ان تُصادر جميع ممتلكاته وأمواله وحساباته في مصارف
سويسرا والمانيا والنمسا ونفس المصير سيكون لعائلته، وسيسجل التأريخ
موقفه من كل هذا وسيجعلهم في الصحائف السوداء!
ولا يتوقع ان الشعب اليمني الذي خرج ثائرا سيعودون الى بيوتهم
يائسين بل يزدادون يوما بعد اخر تكاتفا وصمودا في سبيل ان يبلغوا
مقصدهم ومطلبهم بتنحي الرئيس، فينبغي لـ(صالح) ان يفهم الامر وينظر
لمجريات الامور بشيء من التعقل لا التعنت والعناد.. وإلا سيواجه جيشك
وأزلامك حربا بالعصي والحجارة ان اضطروا لذلك حتى لو طال زمانها فأنها
ستنتصر ولن تدعك تتمتع بعظمتك المريضة،، والسؤال المهم هل يدرك (صالح)
هذه الحقائق؟ هل يدرك ان الشعب لايرغب به لا كرئيس ولا كموظف بسيط يقبع
بأي دائرة حكومية اخرى؟
الرئيس التونسي زين الهاربين كما يحلو للبعض ان يناديه، ضرب اروع
مثل للرئيس الغير مرغوب به من قبل شعبه، حيث ادرك الامر وعرف ان
الجماهير التي في الشارع لن تعود ادراجها من دون ان تطيح بالسلطة،
والشعب هو الذي يقرر اخيراً، وكان اقل منه الرئيس المصري (حسني مبارك)
الذي ادرك هو الاخر بعد ان صمد بوجه الانتفاضة الشعبية الكبيرة التي
بقيت اياما في ميدان التحرير ادرك ان هذا الشعب لن يعود من حيث اتى الا
بتنحيه عن السلطة والمثال الاكثر دموية هو المجنون بنفس الداء (جنون
العظمة)، اما القذافي فقد اختار ان يواجه الشعب وان يقف في وجه هذا
التيار الجارف فكان مصيره الهرب!
وفرصة (صالح) افضل من غيره اذا ان المبادرة الخليجية لم تمنح للرئيس
الليبي مثلا، والمبادرة تشير وبوضوح ان يتمتع الرئيس بحصانة كاملة
واللجوء الى دولة خليجية، ففرصة يا (صالح) اكثر من جيدة وعليه التعقل
وادراك مطالب الشعب وان تعي حقيقة هذا المطلب الجدي.. فبعد كل هذا
القتل كيف يتصور ان بأمكانه ان يعود لحكم البلاد مرة اخرى؟ فأي عقلا
هذا الذي تتمتعون به ان معشر الحكام؟!
عاجلا ام اجلا سينتهي صالح، وستسحقه الاقدام ان بقي في غيه هذا هو
ومن معه من متسلطين على هذا الشعب الشجاع، وسيكون مصيره كمصير اقرانه
اما في المحكمة واما في الهرب والمطاردة، وسيعيش اياما قلائل كما عاشها
من قبل (صدام حسين) و(أسامة بن لادن) وكما يعيشها الان (معمر القذافي)
مطاردا هاربا ترصد للنيل منه الجوائز!
ومن جانب اخر وبعد ان مرت أشهر على الحراك السلمي الاحتجاجي في
اليمن، لكن حجم هذا الحراك وحجم الاهتمام به بهت خلال الأشهر القليلة
الأخيرة، سيما بعد توجه (صالح) للعلاج في السعودية، اذ قلَّ تداول
الخبر اليمني في النشرات الاخبارية في معظم القنوات العربية التي
استحوذت عليها ما يجري في سوريا وليبيا اما الصراع في البحرين فهي طامة
كبرى، نعود للشأن اليمني وضعف التغطية الاعلامية في شأنها فقد تناستها
الوكالات العالمية وتغاضت عنها كبريات القنوات الاخبارية وأحجمت عن بث
أخبار وتغطيات مطولة عنها، لكن سرعان ما تغيرت هذه المعادلة لصالح هذا
الحراك عندما ازداد بطش رجالات (صالح) بالمتظاهرين الذي لم يستثني حتى
الاطفال، فمن المؤسف ان تدير العجلة الاعلامية ظهرها لما يجري وتسلط
ضوئها حينما يحتدم الصدام وتزهق فيه الارواح، واليوم وبعد ان كثفت
الوسائل الاعلامية جهدها على الدور الليبي كانت هنالك حوارات دائرة ولو
بشكل محدود عبر الإعلام التقليدي وبشكل أكثر حدة وفاعلية عبر وسائل
التواصل الاجتماعي توحي بمدى المرارة والخيبة للمتظاهرين والناشطين
اليمنيين من ضعف الانشغال بمحنتهم وتجربتهم التي تستحق الكثير من
الإعجاب والدعم، اذا لم يتم الالتفات كما يجب لما يجري في اليمن، فكانت
النتيجة هذه الضربة الدموية الرهيبة التي مارستها قوات النظام خلال
الايام الاخيرة في محاولة لاستعادة زمام الأمور والسيطرة من جديد، وسط
إدراك هذا النظام لما يجري في الساحة العربية ومدى تقاطع المصالح الذي
يمكن أن يجسده الرئيس اليمني لدى بعض القوى الإقليمية، والأهم مدى
التغافل الحاصل عما يجري؛ وبالتالي سهولة تحقيق ضربة قاصمة ضد
المتظاهرين، سيما قبيل عودة (صالح)، اليمن بحاجة الى دعما حقيقي كالذي
احتاجته تونس ومصر وليبيا لنيل مطالبها المشروعة لازاحة هذا النظام
الفاسدة الذي جثم على صدر بلادها لعقود طويلة وهو مصاب بمرضا خطير هو
"جنون العظمة". |