فاء الفساد... ونون النفس الأمارة بالسوء

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الناس على دين ملوكها... لكثرة ترديد هذه العبارة وإطلاقها لا استطيع تذكر قائلها الأول (حكمة نبوية – حكمة أرسطية).. يكتب المؤرخون لتاريخ الإسلام في عصوره المتعددة وخاصة بعد تحوله من رسالة ودعوة، الى سلطة ودولة الكثير عن دين الحكام.

حاكم يتجه الى العمارة وتشجيعها، الرعية تقلده في ذلك.. حاكم اخر يتجه الى الطعام وأصنافه تقلده الرعية في ذلك.. اخر يتجه الى الثقافة والتأليف يقلده الرعايا في ذلك.

لم تكن تلك العبارة قد وقفت عند زمن معين واندثرت، بل تواصلت فعاليتها وفاعليتها عند الحكام المتأخرين وحتى يومنا هذا، انتشرت في العراق في الثمانينات والتسعينات الكثير من الظواهر السلوكية والاجتماعية تاثرا برأس الهرم السياسي والذي اختصر العراق باسمه وشخصه وهو القائد الضرورة صدام حسين.

وظهرت مترافقة مع هذه الظواهر اساطير سياسية لعل اشهرها اسطورة (الحاكم الذي لا يعرف او لا يدري)، التي استطاعت المخابرات العراقية غرسها في الوعي الجمعي العراقي طيلة سنوات الثمانينات او قبل ذلك بقليل وتحديدا مع بزوغ نجم النائب الذي سيصبح الرئيس والقائد المطلق.

ناهيك عن اللباس الخاكي الذي تسيد ثقافة الازياء في الثمانينات نتيجة للحرب العراقية الايرانية برزت ظاهرة تفليد القائد الضرورة فيما يتعلق بغطاء الراس والذي يعرف بالعصقورية حين ارتداها صدام حسين فيى اجدى جولاته اضافة الى الشوارب الكثيفة التي ولع بها العراقيون تشبها بشوارب قائدهم أبي الليثين.

حين اخرج صباحا من المنزل متوجها الى عملي اشاهد الكثير من اعمال الترميم والبناء للمنازل.. اعود بالذاكرة الى تسعينات القرن الماضي العراقي وايام الحصار الاقتصادي، حيث انتشرت ظاهرة بناء المنازل الفخمة والتي عرفت وقتها بتسميات هي (الفاليوم والدبل فاليوم) والتي اقتصرت على النخبة من القيادات السياسية والعسكرية وتجار الحصار في ذلك الوقت وهي كانت نتيجة طبيعة لما قام به صدام حسين من حركة بناء وتشييد للكثير من القصور في محافظات العراق والتي سميت وقتها (قصور الشعب).

في ايامنا هذه يكثر الحديث عن الامتيازات التي يحصل عليها ساسة العراق ومن يسير في اثرهم.. بعد ان استنفد الناس الحديث عن المنطقة الخضراء وما يحدث فيها... انها ظاهرة التوزيع والاستيلاء على املاك الدولة اراض ومنازل في بلد يعاني من ازمة سكن مستفحلة تحتاج عند اكثر الخبراء تفاؤلا الى عشرين عاما لامكانية حلها... لا يكتفي الناس بالحديث بل يتوجهون صوب البناء والتشييد تاثرا بهؤلاء القادة الجدد.

ما هي اخطر مشكلة واجهها الانبياء في التاريخ؟ انها المشكلة الاجتماعية.. ولعل اخطر مرض يواجه المجتمع هو في كيفية تنظيم نشاطه الذي ينعكس في اوضح صوره في مسالة العدالة الاجتماعية ومايترتب على حضورخا او غيابها.

ماهو الدين في التعريف اللغوي؟... انه الملك والسلطان، كما في قوله تعالى: (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)[يوسف:76] أي في ملكه وسلطانه، وهو الطريقة، كما في قوله تعالى: (لكم دينكم ولي دين)، وهو الحكم، كما في قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله).

وهو القانون الذي ارتضاه الله لعباده، كما في قوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً)، وهو الذل والخضوع، يقال: دان لفلان أي خضع له وذل. وهو الجزاء، كما في قوله تعالى: (مالك يوم الدين). أي يوم الجزاء.

ما هي ابرز صور الفساد التي تستشري في عراق اليوم؟

انها الفساد المالي والصراع على الكعكة الكبيرة التي هي ثروات العراق وما تسمح المناصب والمواقع بالحصول عليه من هذه الكعكة.

ما هي الرموز والمعاني السيكولوجية التي يحملها المال؟

انها وحسب علماء التحليل النفسي تتركز في اربعة معاني ورموز: الاحساس بالامن – الشعور بالقوة – الحب – الاحساس بالحرية.

ركز هؤلاء العلماء على الاثار السلبية لمعتقد الاحساس بالامن ووجدوا ان ابرز سلبية فيه هي الاحساس بفقدان الثروة الذي يقابله رفض الاخر وعدم قبوله بل والشك فيه.

يظن اصحاب المال ان قوة المال هي قوة مطلقة تجعلهم متمكنين متفوقين ناجحين وقادرين على كل شيء.

في كتابه (فن الحب) يرى اريك فروم ان الحب هو الجواب الصحيح عن مشكلة الوجود البشري لو اننا ادركناه وفهمناه بطريقة صحيحة باعتباره اهتماما بحياة الاخرين وشعورا باننا جزء من كل واننا نشترك في العمل من اجل سعادة البشرية..وماكانت الامراض النفسية العقلية والسرقة والرشوة والاختلاس والانحراف والانتحار والدعارة والادمان وغير ذلك من الامراض النفسية والاجتماعية الا لانها جميعا مظاهر متنوعة لعجز الانسان عن الحب وعدم القدرة على تحقيق اي نوع من التآزر بين الفرد والاخرين.

يحاول العاجزون عن الحب الحصول عليه باي ثمن فاعتقدوا انه سلعة تباع وتشترى او تسرق.. ويعتقد الكثير من الناس ان المال بديل للحب والعاطفة فيقومون باستخدامه لشراء عواطف الناس وانتمائهم.

فيما يتعلق بالحرية ونتيجة للمفاهيم والمعتقدات الخاطئة التي تقود الفرد في كثير من الاحيان الى استخدام ادوات خاطئة لتحقيق الحرية المزعومة، التي اكثرها شيوعا هي المال حيث يعتقد الكثير من الناس ان المال هو الشيء الوحيد الذي يجعل الفرد حرا حرية مطلقة من الضغوط والقيود كافة في جميع مناحي حياته الخاصة والعامة.

هل يمكن ان يطابق الكلام السابق واقع حالنا العراقي؟

(فاء الفساد ونون النفس الامارة بالسوء) فاعلان مؤثران في حياتنا الراهنة تاثيرا لا يمكن الفكاك منه دون تنمية للانسان العراقي تعيد تشكيل وعيه من جديد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 1/تشرين الأول/2011 - 3/ذو القعدة/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م