مشاركة المرأة السعودية... حق مكتسب أم منة ملكية؟

متابعة وتحليل: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يجمع المراقبون على كون خطوة الملك السعودي الأخيرة المتمثلة في اتاحة الفرصة لمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية، جاءت في سبيل التخفيف من الضغوط الشعبية التي تشهدها دولته المتأثرة برياح التغيير التي تشهدها المنطقة، سيما مع استمرار الحراك الاجتماعي المطالب بالحقوق والمساواة في السعودية التي تعاني تغييب شامل لمعظم الحريات السياسية والعامة، فضلا عن اختزال العائلة الحاكمة لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية منذ عقود طويلة.

وتعاني المرأة السعودية على وجه الخصوص من حرمان مطلق للكثير من الحقوق المدنية، مما دفع ببعض التجمعات النسوية والناشطات الى تنظيم حراك للمطالبة بالتغيير من الواقع المتردي الذي تعانيه اقرانهن في المملكة، في ظل هيمنة الهيئات الدينية المتطرفة، الحليف والمساند للعائلة الحاكمة، على الشؤون الاجتماعية بصورة عامة، وتشدد الخناق على المرأة بصورة خاصة.

خطوة صغيرة كبيرة

فربما يكون الحق في التصويت بالانتخابات في المملكة العربية السعودية خطوة صغيرة للمرأة هناك.. لكن هذه الخطوة غير المتوقعة التي اتخذها الملك عبد الله بن عبد العزيز تمثل تحولا مهما جدا في صراع الثقافات الذي ساد فترة حكمه.

وقال عبد الرحمن اللويحق في تغريدة على موقع تويتر "لله ثم التاريخ ثم للوطن.. شهد عهد الملك عبد الله فسادا للمرأة لم يشهده تاريخ ال سعود." ولم يتضح إلى أي مدى يتفق كبار رجال الدين مع هذه الرؤية.

وكانت مواقف كبار علماء الدين المعلنة من قبل تكشف عن توجس عميق ازاء حقوق المرأة. فقد حذر مفتي السعودية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ال الشيخ على سبيل المثال في صفحة على الانترنت غير محددة التاريخ من أن اشراك المرأة في السياسة ربما يكون بمثابة فتح "باب عظيم من أبواب الشر".

ومثل هذا التوجه المتشدد منتشر في المجتمع السعودي وان كانت القيود التي تباركها الدولة على المرأة أثارت في بعض الاحيان استياء واسع النطاق مثل موجة الغضب التي اندلعت في 2002 عندما منعت شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تلميذات من الفرار من حريق لانهن لم يكن يرتدين الحجاب بالكامل مما أسفر عن مقتل 15 منهن.

وخطوات التغيير ورد الفعل ازاءها ليست بالامر الجديد على السعودية .. فعندما سمح الملك فيصل بن عبد العزيز بتعليم المرأة في الستينات وجد رد فعل شديدا من المحافظين. وعندما سيطر متشددون على المسجد الحرام في مكة عام 1979 بسبب ما اعتبروه ردة أخلاقية أبدى بعض رجال الدين تعاطفا معهم.

وحتى بمعزل عن التطرف الشديد فان هناك قدرا كبيرا من المقاومة لمنح المرأة مزيد من الحريات. وواجهت ناشطات انتقادات لشن حملة للحصول على حق التصويت في الانتخابات البلدية التي تجرى هذا الاسبوع. ولن يمنحهن اعلان الملك هذا الحق الا في المرة القادمة.

وعندما شنت النساء حملة هذا الصيف لقيادة السيارات وتحدت بعضهن حظر القيادة وظهرن وهن يقدن سيارات شكل بعض المحافظين جماعة اعلامية اجتماعية تشجع على ضرب كل من تسول لها نفسها أن تحذو حذو هؤلاء. وواجه الملك عبد الله المقاومة بطرق شتى مستخدما الترغيب والترهيب.

وفي العام الماضي أصدر مرسوما ينص على أن أعضاء هيئة كبار العلماء هم فقط المسموح لهم باصدار الفتاوى في خطوة استهدفت تهميش أشد منتقديه. وفي عام 2009 أقال الملك عالما كبيرا من منصب رفيع بعد أن انتقد أول جامعة سعودية للجنسين.

وفي العام الحالي اتخذ الملك أيضا خطوات تسترضي علماء الدين من خلال انفاق مبالغ كبيرة على بناء المساجد وعلى شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى جانب حظر انتقاد الاعلام لكبار رجال الدين. ويمثل حصول المرأة على حق الانتخاب تطورا مهما للمجتمع السعودي لكنه لن يقلص سريعا نفوذ رجال الدين في السياسة. ولا تزال المرأة السعودية في حاجة الى ولي امر ذكر او محرم لاتمام كل معاملاتها، بما في ذلك الحصول على جواز سفر والسفر.

من جهته رحب البيت الابيض بقرار الملك واعلن المتحدث باسم مجلس الامن القومي تومي فيتور في بيان انه "يشكل تقدما مهما نحو توسيع حقوق المراة في السعودية، واننا نساند الملك عبدالله وشعب السعودية".

كما رحبت لندن بهذا القرار واعتبر وزير الخارجية وليام هيغ في بيان "انها خطوة هامة بالنسبة لشعب السعودية وبريطانيا تدعم بقوة المبادرات الرامية الى زيادة مشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية".

في غضون ذلك، الاكاديمية سهيلة زين العابدين الناشطة في جمعية حقوق الانسان الوطنية، اعتبرت ان "القرار كان منتظرا منذ زمن. واضافت بالامكان "اعتباره يوم المراة السعودية". واشارت الى ان "اقرار حقوق المراة السياسية بقرار ملكي ازال كل الشبهات التي تثار حول هذا الامر". وتابعت "رفض الملك تهميش المراة يتضمن تعميما لمشاركتها في كل نواحي الحياة وتحقيق التوازن في المجتمع (...) مجلس الشورى كان يسير بقدم عرجاء وسيصبح على قدمين ثابتتين عند مشاركة المراة مستقبلا".

بدورها، قالت رشا الشبيلي الموظفة الوحيدة في مجلس الشورى ان "مشاركة المراة تقتصر حاليا على 12 مستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى يحضرن الجلسات وهن اكاديميات واقتصاديات وسيدات مجتمع".

وقال امام وخطيب احد المساجد في الرياض ردا على سؤال بهذا الشان "كيف ستجري الامور وفقا لضوابط الشريعة الاسلامية التي تحرم ابرز اساساتها الاختلاط". واضاف الامام المتشدد متسائلا "كيف سيتم تطبيق ذلك في مجلس الشورى والمجالس البلدية؟ حيث الاصل هو الحوار والجدل بين الاعضاء المختلطين".

بين حق التصويت وقيادة السيارة

الى ذلك الحجاب والتصويت، كان هذا العنوان الذي اختارته صحيفة الاندبندنت لافتتاحيتها التي خصصت للتعليق على قرار الملك السعودي السماح للنساء السعوديات بالتصويت والترشح في الانتخابات البلدية.

تقول الصحيفة إنه بينما يقض الربيع العربي الصاخب مضاجع الجميع في الجوار، تبدو المملكة العربية السعودية هادئة وغير متأثرة إلى حد كبير وسط هذا الصخب . لكن الصحيفة ترى أن هذا الانطباع الذي بدا بالأمس هو أمر مضلل، في إشارة إلى ما تعتبره صعوبات تواجه السعودية. وترى الاندبندنت أن ما أعلن عنه العاهل السعودي أقل من المساواة الكاملة ، وأنه ليس هناك أنباء عن رفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات. وتواصل صحيفة الاندبندنت تناول هذه القضية في تقرير من إعداد مراسلتها كاترينا ستيوارت.

ويصف التقرير قرار الملك عبد الله بأنه نصر حاسم لاولئك الذين قادوا حملة طويلة الأمد (للحصول على) الحقوق الأساسية في المملكة المسلمة المحافظة . ويضيف التقرير أن إعلان الأمس يمثل انتصارا رمزيا كبيرا للنساء السعوديات اللائي صعدن من حملاتهن العامة خلال الأشهر الأخيرة .

ويقول التقرير إن النساء السعوديات طالبن بحق الاقتراع والحق في قيادة السيارات ورفع قوانين الوصاية المشددة التي تتحكم في كل جانب من حياتهن . لكن التقرير يرى أن هذه الإصلاحات جاءت متأخرة جدا بالنسبة لبعض المطالب، وتركت بعض القضايا الأخرى دون أن تتطرق إليها.

وحسب التقرير فإنه باستثناء مملكة بروني، حيث لايحق للنساء ولا الرجال أن يصوتوا، فإن السعودية هي آخر دولة في العالم تمنع النساء من حق التصويت.

وتناولت صحيفة الغارديان القرار السعودي كذلك في تقرير من إعداد مراسلها مارتن شيلوف. يصف شيلوف القرار السعودي بأنه تغير ثقافي يبدو أنه سيمثل حقبة جديدة في المملكة الإسلامية المحافظة الجامدة .

ويشير التقرير إلى أن الملك عبد الله ظل يحاول تطبيق ما وصفه بـ(الإصلاحات الحذرة) في دولة أصولية، حيث تحرم النساء بصرامة من الحقوق المدنية أو أي دور عام .

وتقول الصحيفة إن المعلقين والكتاب في السعودية رحبوا بالقرار في الغالب الأعم، لكنهم دعوا إلى تغيير أكثر شمولا لكي تتواكب السعودية مع الدول الأخرى. وتنقل الغارديان عن سيدة سعودية، رفضت الكشف عن إسمها، في مدينة جدة قولها إذا استطيع أن أدلي بصوتي، لكنني لا أستطيع الحصول على رخصة قيادة . وتضيف السيدة إذا كشفت عن اسمي سأكون قد خرقت قانون ولي الأمر .

وتذكر الصحيفة أن العديد من النساء السعوديات اعتقلن في الرياض في وقت سابق من العام الحالي عندما حاولن تحدي قرار حظر قيادة السيارات. وتقول الغارديان إن الملك عبد الله بدا مناصرا لأن تلعب المرأة دورا أكبر في المجتمع السعودي قبل عامين عندما التقطت له صورة بصحبة مجموعة من طالبات الجامعة السعوديات لم تكن بينهن واحدة ترتدي النقاب.

ونبقى مع الشأن السعودي، حيث القت صحيفة التلغراف الضوء على قرار الملك عبد الله في سياق مقال بقلم ادريان بلومفيلد مراسل الصحيفة لشؤون الشرق الأوسط.

يقول الكاتب أتي هذا القرار التاريخي بعد أن أقر الملك عبد الله بان دراسة للتاريخ الإسلامي أظهرت أن النساء قادرات على التفكير العقلاني واتخاذ القرارات . ويرى الكاتب أنه حتى بالمقارنة مع (بقية دول) الشرق الأوسط، حيث تراجعت حقوق النساء خلف بقية العالم، فإن السعودية تقف منفردة بوصفها قلعة الرجعية ضد المسيرة النسوية . ويتابع الكاتب قائلا لقد حرمت النساء من أبسط الحريات، منعن من قيادة السيارات أو مغادرة البلاد من دون اذن من وصي ذكر .

ويضيف أن قرار الملك عبد الله يدل على أنه، حتى السعودية، ليست محصنة ضد مناخ الانفتاح الكبير والحريات التي تجتاح الشرق الأوسط في اعقاب الربيع العربي . ويرى بلومفيلد أنه على الرغم من أن السعودية نجت من المظاهرات الشعبية التي اندلعت في دول أخرى في المنطقة، إلا أن الملك تعرض إلى ضغوط لتطبيق إصلاحات محدودة .

ويقلل الكاتب من شان الحقوق السياسية التي منحت للنساء بالقول ليس من الضروري أن يمنح هذا القرار النساء صوتا قويا في البلاد . ويشرح ما ذهب إليه بالقول إن السعودية لا تشهد انتخابات سوى على المستوى البلدي، مضيفا أن السلطات محصورة تقريبا في العائلة المالكة .

وعلى الرغم مما ذهب إليه، يعود بلومفيلد للقول لكن القرار بمنح النساء حق التصويت والمنافسة في الانتخابات البلدية هو إشارة غير مسبوقة باتجاه المساواة في السعودية .

الطالبات يحاولن ترسيخ حقوقهن

على صعيد متصل يقول اكاديميون سعوديون ان الطالبات في هذا البلد المحافظ يدركن جيدا حقوقهن ويحاولن ترسيخها بوجه الممانعة الاجتماعية، وخلافا للاعراف السائدة. وتجمهرت مئات الطالبات مؤخرا امام اربع جامعات واقتحمن احداها احتجاجا على آلية اجراءات القبول والتسجيل متهمين الادارة بالمحاباة والمحسوبية.

وتقول سهيلة زين العابدين حماد، الاكاديمية والناشطة في جمعية حقوق الانسان، "انهن يدافعن عن مستقبلهن وحياتهن. في السابق، كن يقابلن بالرفض فلم يكن امامهن الا الصمت. اما اليوم، اصبح لدينا من يطالب بحقه ولا يقبل السكوت". وتضيف ان ما يحدث "ناجم عن نضج الوعي الحقوقي".

وشهدت جامعات ام القرى في مكة المكرمة، والملك خالد في ابها، وطيبة في ينبع فوضى عارمة جراء غضب الطالبات غير المقبولات، كما تجمهرت حوالى ثلاثمئة منهن في جامعة الاميرة نورة، اكبر صرح جامعي افتتحه العاهل السعودي في الرياض قبل اشهر.

واقتحمت خريجات ثانوية عامة مبنى جامعة ام القرى حيث اعتدين على عددٍ من الموظفات العاملات في مكتب التسجيل بسبب عدم قبولهن وحطمن الابواب والنوافذ قبل أن يفرقهن رجال الشرطة. بحسب فرانس برس.

وترى حماد ان "هناك مسؤولية على وزارة التعليم العالي ووزارة التربية في استيعاب خريجي الثانوية العامة، فاعداد الطالبات ليست كثيرة، وينبغي ايجاد طاقة استيعابية اكبر في جامعاتنا".

وتتابع متسائلة "لماذا التعقيد في القبول؟ من الاجدر وضع مناهج في الثانوية تؤهل الطلاب لدخول الجامعة مباشرة".

وتشير الى ان المطالبة بالحقوق "ظاهرة ايجابية نتمنى ان نراها في كل مناحي الحياة وليس في قبول الجامعات فقط، تستطيع المراة ان تطالب بحقوقها امام القاضي مثلا، فالصحابيات يجسدن (...) خير مثال لنا".

وتشيد حماد بما قامت به مجموعة من الناشطات على مواقع التواصل الاجتماعي اخيرا وبينها حملات "بلدي" و"ساقود سيارتي" مؤكدة ان هذا الحراك الاجتماعي "امر مفرح وسار للجميع".

والسعوديات لا يزلن بحاجة الى ولاة امر ذكور لاتمام شتى انواع الامور، بما في ذلك الحصول على جواز سفر والسفر. كما انهن يمنعن من قيادة السيارات، فيما تستمر ناشطات في المملكة بالمطالبة بتحسين وضع حقوق المرأة عموما.

وفي السياق ذاته، يرى طارق فدعق الاكاديمي في جامعة الملك عبدالعزيز وعضو مجلس الشورى ان "زيادة الوعي الحقوقي لدى الفتيات ياتي ترجمة للرغبة الحقيقية من الحكومة في رفع مستوى التعليم في البلاد".

ويضيف "لا شك ان جامعة الاميرة نورة كانت اكبر دليل على رغبة الحكومة في دعم التعليم والمراة على وجه التحديد، فقد انجزت في وقت قصير رغم ضخامتها على المستوى العالمي".

ويشير فدعق الى ان "الوعي والمبادرة لدى السعوديات في ازدياد الامر الذي يتماشى ويتواكب مع التحفيز الذي يجدونه" من الملك عبد الله بن عبد العزيز.

وتشهد السعودية تغييرا منذ بداية عهد الملك عبدالله بن عبد العزيز العام 2005، بما في ذلك تعيين نورة الفايز اول امراة في منصب مساعدة وزير، رغم بعض الاراء الفقهية المتشددة والمجتمع المحافظ بغالبيته.

في المقابل، يعتبر جميل فلاتة المشرف التربوي ان ما اقدمت عليه الفتيات يشكل "تراجعا في الثقافة الحقوقية لديهن". ويتابع ان "اسلوب المطالبة بالحقوق له طرق صحيحة وسليمة عوضا عن التكسير والاقتحام. وهناك مسؤولية تقع على الجامعات في تنظيم طرق القبول والتسجيل من اجل ضمان المساواة والعدل بين الجميع".

بدوره، وصف خالد العنقري وزير التعليم العالي الطالبات المحتجات ب"المندفعات"، معتبرا في تصريحات للاعلام ان "عدم قناعتهن باجراءات القبول ليس مبررا لتكسير الابواب والنوافذ او الاعتداء على الموظفات، وطالبهن بالصبر والتروي".

لكن آمال باسويد الموظفة في احد المصارف السعودية توضح ان "الفتيات يواجهن صعوبات في اختبارات القبول والقياس وغيرها". وتضيف ان "الامر يشكل بداية وعي باهمية العمل والاعتماد على الذات للحصول على الشهادة الجامعية، هناك استفادة من تجارب وخبرات الاخرين، فنسب الطلاق ارتفعت لدينا وتحاول الفتيات مجابهة ذلك بالتعليم لمواجهة اعباء الحياة".

وقد اعلنت آمنة الريس وكيلة عميدة القبول والتسجيل في جامعة ام القرى للصحافة ان معدلات الثانوية العامة فقط لا تمتلك اي قيمةٍ في عملية القبول الجامعية الحديثة. واضافت ان غالبية الجامعات تعتمد على النسبة المكافئة في التسجيل ويعني ذلك مجموع درجات الثانوية العامة مع درجات الاختبار التحصيلي اضافة الى اختبار القدرات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/أيلول/2011 - 29/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م