كرسي قياس 48

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: يعاني احد أصدقائي من عدم وجود ما يناسبه من قياسات كبيرة لملابسه وأحذيته.. يوجد في السوق العربي في بغداد المشهور ببيع الملابس والأحذية احد المحلات الذي كتب على جدار السوق اسم محله واضاف اليه (ملك الاكسات xxx) وهو يصلح ب (اكساته) الثلاثة للاعلان عن احد المنتجات الاباحية الخاصة بالكبار.

في الجهة المقابلة للسوق العربي في الجانب الذي يشتهر بتجارة المواد الغذائية يوجد (ملك الحليب) الذي فام بترجمة (ملوكيّته) الى اللغة الانكليزية على الشكل التالي (im master milk).

هذا الصديق ورغم معاناته المستمرة يرفض قكرة الريجيم، ربما كردة فعل ضد الترشيق الاجباري الذي مارسه صدام حسين ضد وزرائه في التسعينات، او ربما كرد فعل ضد الترشيق الوزاري في الحكومة العراقية لعام 2011 مع اختلاف الترشيق في الحالتين.

صديقي يبحث دائما عن محلات معلق عليها لوحة يكتب فوقها بالخط العريض (لدينا قياسات خاصة) وان لم يجد ضالته في تلك المحلات التي اكثر ما تتعامل بالمنتوج الصيني الذي لا يلبي حاجاته فهو يولي وجهته الى اسواق البالة (الملابس والاحذية المستعملة) والذي كان احد المتعاطين بتجارتها في سنوات الحصار التسعيني على العراق.

كيف يستطيع صديقي الجلوس في مكان عمله مع عدم وجود مساحة كافية وعدم وجود كرسي كبير ومريح يتسع لمؤخرته؟

حين يزورني هذا الصديق في البيت يلاحظ الكرسي الذي اجلس عليه امام جهاز الكومبيوتر.. انه كرسي ضخم اطلق عليه تسمية (كرسي رئاسي) ربما تأثرا بتسميات (الحرس الرئاسي– الامتيازات والمخصصات الرئاسية– اللباس الرئاسي– الموكب الرئاسي) وغيرها الكثير مما يرتبط بالرئيس والرؤساء.

وكثيرا ما كانت تلك التسميات لها اثارها على ارض الواقع.. فالحرس الرئاسي ايام صدام حسين حرس مدلل بكل معنى الكلمة له الجاه والحظوة والسطوة.. والحرس الرئاسي بعد العام 2003 ارتبط اسمه بقضية سرقة شهيرة لأحد البنوك العراقية.

وهو فعلا كرسي يلائمه هذا الوصف.. وقد حاول كثيرا معي للتخلي عنه لأجله شراءا او استبدالا بكرسي اخر يشتريه لي.. كنت ولا زلت ارفض تلك الفكرة، فكرة التخلي عن الكرسي رغم قدمه وموديله الذي اكل عليه الدهر وشرب.. ربما بسبب ادمان الجلوس عليه او ربما لانه اول كرسي اشتريه بعد عودتي الى العراق بعد العام 2003 او ربما هو الشعور بالاتتفاخ الذي بدات اشعر به بعد اطلاق تلك التسمية عليه (كرسي رئاسي).

معروف عن صديقي الذي احدثكم عنه كثرة نومه في مكان عمله.. يحني رأسه وهو جالس ويذهب في سبات عميق.. (نايم المدلول حلوة نومته)، على حد تعبير احدى الترانيم التراثية العراقية.. كثرة جلوسه على الكرسي اضافة الى وزنه منحته تلك القدرة على النوم الوديع والسريع على كرسيه حتى انه كثيرا ما ينام في السيارة عند عودته الى المنزل.. ويأخذ بالشخير دون الالتفات الى الركاب في السيارة.

ربما هو يطمح ان يكون نومه اكثر راحة وهو يغريني بالتخلي عن (الكرسي الرئاسي) الذي امتلكه.. او ربما يريد هذا الصديق ان يتخيل نفسه رئيسا للبلاد والعباد وهو يجلس على ذلك الكرسي الذي اصبح عقدته المعقدة، والتي يمكن لو صدق خياله لحظة ما ان يحصل عليه عبر كاتم الصوت الذي يرتبط بلعبة تبادل الكراسي والادوار.

اقول ربما وهي في الواقع العراقي تحمل الكثير مما هو خارج عن المألوف.. او ربما يحلم هذا الصديق وعبر الكرسي الذي املكه ولا ارضى بالتنازل عنه ان يحصل على ملايين الدولارات – في احلامه طبعا – يستطيع بها ان يسافر عبر الاطلسي او عبر مطارات اوربا مع اصدقائه واحبته.

فالكراسي في عراقنا يمكن ان تأتي بمثل هذه المبالغ واكثر وهي ليست قطعا كرسي الحلاق او كرسي طبيب الاسنان او كرسي موظف الاستعلامات بل مايطمح اليه صديقي هو (الكرسي الرئاسي) الذي ادمنت الجلوس عليه ولا استطيع التخلي عنه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 27/أيلول/2011 - 28/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م