أمريكا وباكستان... تحالف الأنداد وحرب الإنابة

حراجة الموقف تستلزم صبر واشنطن على المدى القريب

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: كثيرا ما فاخرت الولايات المتحدة سابقا بمتانة التحالف الاستراتيجي الذي جمعها مع باكستان، خصوصا إبان ما كان يعرف بالحرب الباردة التي كانت قائمة خلال العقود الخمس الاخيرة من القرن الماضي، الا ان ذلك الحال لم يدم كما كان بعد اختلاف الشركاء القدامى وتضارب المصالح الذي اعقب اجتياح الولايات المتحدة لأفغانستان.

فالدولة الباكستانية باتت بنظر أمريكا مارقة ولا تستق الثقة، خصوصا بعد ان كشفت عن تورط الاجهزة الاستخباراتية الباكستانية بدعم الجماعات الارهابية المعادية لواشنطن داخل وخارج افغانستان.

حيث يسود التوتر ملف العلاقات الدبلوماسية بين كل من واشنطن واسلام آباد، فيما لم يتوانا بعض المراقبين عن اتهام الاخيرة بشن حرب بالانابة على حليفتها التقليدية، مما قد يخفي مستقبلا وجه جديد من الصراع القائم بين الدولتين خلال الفترة الحالية.

وبشير بعض المحللين صعوبة تخلي الولايات المتحدة عن حلفها مع باكستان على الرغم من الاتهامات المباشرة للاستخبارات الباكستانية بدعم اعداء واشنطن في افغانستان، نظرا للضرورة الميدانية والسياسية، وهو ما ينسحب على قادة باكستان ازاء التحالف مع الولايات المتحدة أيضا.

هجوم كابول

فقد قال مسؤولون امريكيون ان هناك ادلة متزايدة على أن جهاز المخابرات الباكستاني شجع شبكة مقاتلين على مهاجمة أهداف أمريكية في حين صوتت لجنة بمجلس الشيوخ لجعل المساعدات المقدمة الى اسلام اباد مشروطة بمحاربة المتشددين.

ويظهر القرار الذي أصدرته لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ والتي لم تحدد مبلغ المساعدات لباكستان في السنة المالية 2012 مدى الغضب المتزايد في واشنطن من وجود متشددين ينطلقون من باكستان ويحاربون القوات الامريكية في أفغانستان.

وقال مسؤولان أمريكيان ومصدر مطلع على أحدث الاتصالات الرسمية بين الولايات المتحدة وباكستان ان بعض تقارير المخابرات الامريكية زعمت أن المخابرات الباكستانية أصدرت توجيهات أو حثت شبكة حقاني على شن هجوم الذي استهدف السفارة الامريكية ومقرا لحلف شمال الاطلسي في العاصمة الافغانية كابول.

وشبكة حقاني هي أحدى ثلاث فصائل للمقاتلين تحارب قوات حلف شمال الاطلسي والقوات الافغانية تحت لواء طالبان في أفغانستان. لكن مسؤولين امريكيين حذروا من أن المعلومات التي تشير الى أن المخابرات الباكستانية تشجع المتشددين ليس لها ما يدعمها.

وقال الاميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة انه حث قائد الجيش الباكستاني على انهاء صلة القوات الباكستانية بالجماعات المتشددة. وفي كلمة القاها امام معهد كارنيجي للسلام قال مولن "بحثنا ... الحاجة الى عزل شبكة حقاني خاصة الحاجة الى أن تقطع المخابرات الباكستانية صلتها بحقاني." وأضاف "المخابرات الباكستانية كانت تفعل هذا -- تعمل من أجل -- دعم وكلاء لفترة طويلة من الوقت. انها استراتيجية في الدولة وأعتقد أنه يجب أن يتغير النهج الاستراتيجي في المستقبل."

وعمل مسؤول باكستاني على التهوين من شأن الخلافات. وقال المسؤول "تقدر باكستان علاقتها بالولايات المتحدة وهي ملتزمة بالقضاء على الارهاب في أفغانستان وعلى أرضنا... سنفحص كل الادلة التي قدمها الجانب الامريكي وسنتعامل بشدة مع أي شخص وكل شخص مسؤول عن الارهاب."

ووافقت لجنة المخصصات في مجلس الشيوخ الامريكي على تخصيص مليار دولار من المساعدات لدعم عمليات مكافحة التمرد التي يقوم بها الجيش الباكستاني لكنها أجرت تصويتا لجعل هذه المساعدات وغيرها من المساعدات الاقتصادية مشروطة بتعاون اسلام اباد مع واشنطن في مواجهة جماعات متشددة بما في ذلك شبكة حقاني. وخصصت واشنطن نحو 20 مليار دولار لباكستان على مدى العقد الماضي. وقال جهاز أبحاث الكونجرس انه في السنة المالية 2010 وافق الكونجرس على 1.7 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية لباكستان و7 ر2 مليار دولار من المساعدات الامنية. بحسب رويترز.

وبرزت التوترات المتصاعدة بين واشنطن واسلام اباد في بهجوم على السفارة الامريكية في كابول. وكانت ضربة موجعة بينما كانت تأمل الولايات المتحدة دفع أفغانستان نحو الاستقرار والسحب التدريجي للقوات الامريكية بعد حرب استمرت عشر سنوات. ومنذ ذلك الحين وجه مسؤولون امريكيون ومنهم السفير الامريكي في اسلام اباد ومولن انتقادات شديدة غير معتادة لاخفاق باكستان في كبح جماح شبكة حقاني.

حرب بالانابة

في حين اتهمت الولايات المتحدة جهاز المخابرات الباكستاني باستخدام شبكة حقاني لشن حرب بالانابة في افغانستان ضد قوات حلف شمال الاطلسي والقوات الافغانية. وقال الادميرال مايك مولن، رئيس هيئة الاركان المشتركة للقوات المسلحة الامريكية إنه ضغط على نظيره الباكستاني في اجتماع جمعهما مؤخرا ودام اربع ساعات من اجل ان تقطع باكستان علاقاتها بشبكة المتشددين المذكورة. ومضى رئيس الاركان الامريكي للقول: لقد دأب جهاز المخابرات الباكستاني على استخدام اطراف ثالثة لشن الحروب نيابة عنه منذ فترة طويلة، فهذه استراتيجية تتبعها باكستان واعتقد ان هذا التوجه الاستراتيجي يجب ان يتغير في المستقبل.

ومن شأن اتهام جهاز المخابرات الباكستاني بشن حرب بالانابة ضد الغرب فب افغانستان ان يزيد من حدة التوتر في العلاقات بين واشنطن واسلام آباد، المتوترة اصلا بسبب عملية قتل اسامة بن لادن التي نفذتها القوات الخاصة الامريكية في مايو / ايار المنصرم.

وكان مؤسس شبكة حقاني، جلال الدين حقاني، قد نال شهرة واسعة بوصفه قائد احدى فصائل المجاهدين التي حاربت السوفييت في افغانستان في ثمانينيات القرن الماضي. وقد تمكن آنذاك بفضل شجاعته وقدراته التنظيمية على الحصول على تمويل وتسليح من الولايات المتحدة والمخابرات الباكستانية والمملكة العربية السعودية.

تنفي السلطات الباكستانية من جانبها ان تكون تحتفظ بعلاقات مع حقاني وشبكته. وقال وزير الداخلية الباكستاني للصحفيين عقب اجتماعه في اسلام آباد مع مدير مكتب التحقيقات الفدرالية الامريكي روبر مولر: الحقانيون نتاج حقبة الاتحاد السوفييتي والحرب الافغانية، وكنا آنذاك حلفاء وهم اولاد هذه الارض. ولكني اكدت لمولر بأنهم لا يحاربون الآن في الصف الباكستاني، ولو حصلنا من الامريكيين على معلومات موثقة (تثبت ضلوعهم في هجمات في افغانستان) فسوف نتصرف.

متشددي أفغانستان

من جهتهم طالب مسؤولون باكستانيون الولايات المتحدة بالتركيز على الحاق الهزيمة باعدائها الاسلاميين المتشددين في أفغانستان بدلا من القاء اللوم على باكستان لتغطية فشلها. وقال مسؤول عسكري باكستاني كبير طلب عدم الافصاح عن هويته "حين تقع هجمات كبيرة في كابول او اماكن اخرى في أفغانستان تبدأ لعبة القاء اللوم.

وفي تصريحات مباشرة قال السفير الامريكي في باكستان كاميرون مونتر للاذاعة الباكستانية انه يوجد دليل "يربط بين شبكة حقاني والحكومة الباكستانية وهذا هو الشيء الذي يتعين ايقافه."

وقتل نحو 5000 جندي باكستاني منذ ان انضمت اسلام اباد للحرب الامريكية على الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول. وتعتبر شبكة حقاني واحدة من ثلاثة فصائل متمردة متحالفة مع طالبان وتقاتل حلف الاطلسي والقوات الافغانية في افغانستان المجاورة.

واستولى متمردون في شاحنة محملة بمتفجرات على مبنى في كابول واطلقوا منه صواريخ وأعيرة على السفارة الامريكية وغيرها من الاهداف في الحي الدبلوماسي بالعاصمة الافغانية كما اشتبكوا مع الشرطة في اشتباك دام 20 ساعة. وقتل خمسة رجال امن افغان و11 مدنيا.

وحذر وزير الدفاع الامريكي ليون بانيتا باكستان من ان واشنطن "ستفعل كل ما بوسعها" للدفاع عن القوات الامريكية وحمايتها من هجمات يشنها متشددون يتخذون من باكستان ملاذا لهم.

وقال مسؤول أمريكي انه خلال محادثات استمرت ثلاث ساعات ونصف الساعة ضغطت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون على باكستان لمهاجمة شبكة حقاني. وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته ان قضيتي مكافحة الارهاب عموما وشبكة حقاني على وجه الخصوص كانتا اول واخر القضايا التي بحثتها كلينتون مع نظيرتها الباكستانية حنا رباني كهر.

وقال المسؤول العسكري الباكستاني الكبير "الامريكيون يقولون ان المتشددين جاءوا من باكستان لكنهم يسافرون الى كابول ولا يعتقلهم احد طوال طريقهم الى كابول. انها مسؤوليتهم لا مسؤوليتنا."

في اليوم العالمي للسلام.. الافغان يدفنون رباني

في السياق ذاته تجمع مواطنون أفغان لتشييع جنازة الرئيس السابق وكبير وسطاء السلام برهان الدين رباني يوم الاربعاء الذي يوافق اليوم العالمي للسلام فيما تصاعدت المخاوف من أن يفاقم اغتياله الانقسامات العرقية ويدفع البلاد نحو حرب أهلية.

وربما يكون رباني أبرز شخصية أفغانية تغتال منذ سقوط حكومة طالبان عام 2001 . وقتل في منزله ليل الثلاثاء بعد أن فجر انتحاري متفجرات مخبأة في عمامة. ويمثل اغتياله تعبيرا قويا عن معارضة طالبان لمحادثات السلام وهو الاحدث في سلسلة اغتيالات لشخصيات رفيعة المستوى مما يهز ثقة المواطنين في امكانية تحسن الاوضاع الامنية.

وحيث ان رباني كان من شخصيات الطاجيك البارزة فمن من المرجح أن يفاقم اغتياله الانقسامات العرقية التي يمكن أن تمثل في حد ذاتها عقبة في طريق اي عملية للسلام اكثر مما يمثله اغتيال رجل لم يقدم أدلة تذكر على اتخاذ خطوات ملموسة نحو المفاوضات على الرغم من نفوذه الواسع.

ولم تقرر الدائرة المقربة من رباني بعد أين ستدفنه. واشتهر رباني في البداية كمحاضر وناشط ثم أصبح مقاتلا مناهضا للاحتلال السوفيتي ثم رأس البلاد لفترة قصيرة بعد سقوط النظام المدعوم من السوفيت. بحسب رويترز.

وأفادت تقارير بأن منفذ الاغتيال تجاوز مراحل من الاجراءات الامنية دون تدقيق لانه قال ان معه رسالة من قيادة طالبان. وتجمعت الحشود صباح يوم الاربعاء في الشارع الذي يوجد به منزل رباني والذي تم اغلاقه وأقلت سيارات مدرعة كبار المسؤولين والاصدقاء والشخصيات الافغانية البارزة لحضور مراسم تشييعه.

وكان هناك طلبة من جامعة كابول يشعرون بالغضب من الحكومة بين الحشد الذي شارك فيه المئات بالشارع الذي رفعت فيه رايات سوداء.

وقال مجيد وهو طالب عمره 21 عاما من اقليم بدخشان مسقط رأس رباني "الوضع اخذ في التدهور بسبب قتل زعمائنا." وأضاف "ليس أمامنا من خيار سوى تسليح أنفسنا والدفاع عن بلدنا. هذه خطة صاغتها الحكومة للتخلص من رباني لانه كان سيكشف حقيقة أن الحكومة تريد عودة طالبان."

احتجاجات تتحول الى العنف

الى ذلك قال شهود ان احتجاجات في الشوارع نظمها أعضاء أكبر حزب اسلامي في بنجلادش للمطالبة بالافراج عن قادته تحولت الى أعمال عنف في جميع أنحاء البلاد وان 70 شخصا على الاقل أصيبوا في الاشتباكات.

وخاض نشطاء ينتمون للجماعة الاسلامية بعضهم يحمل العصي ويلقي الحجارة معارك مع أفراد شرطة مكافحة الشغب في داكا وأحرقوا 30 سيارة على الاقل. وقال الشهود ان 20 شخصا أصيبوا واعتقلت الشرطة قرابة 25 . وقال شاهد "انتشر العنف في جزء كبير من المدينة وتصاعد الدخان من السيارات المحترقة وغطى السماء."

ووقعت اشتباكات مماثلة في تشيتاجونج وكوميلا ومدن أخرى أصيب فيها 50 شخصا بينهم أفراد في الشرطة. وقالت الشرطة ان الجماعة الاسلامية دعت الى خروج المسيرات للمطالبة بالافراج عن كبار قادة الحزب وهم محتجزون في السجن منذ شهور لمواجهة اتهامات بارتكاب جرائم ابادة جماعية خلال حرب بنجلادش للاستقلال عن باكستان في عام 1971 .

وتعهدت الجماعة وهي حليف سياسي لحزب بنجلادش الوطني الذي تقوده رئيسة الوزراء السابقة البيجوم خالدة ضياء بالسعي من أجل الافراج عن قادتها ودعم حملة حزب بنجلادش الوطني للاطاحة بحكومة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة عن السلطة.

ورفضت الحكومة مطلب الحزب اجراء انتخابات مبكرة وقالت انه لن تجرى انتحابات قبل أن تستكمل حسينة فترتها ومدتها خمس سنوات وتنتهي في اخر عام 2013 .

واعتقلت شرطة بنجلادش نحو 300 عضو في أكبر حزب ديني في البلاد يوم الثلاثاء بعد يوم من اشتباكات عنيفة في انحاء البلاد.

ومن بين المعتقلين اثنان من زعماء حزب الجماعة الاسلامية أحدهما القائم بأعمال الرئيس وذلك بتهمة التحريض على أعمال عنف وقعت الاثنين وأصيب فيها أكثر من 150 شخصا.

وقالت الشرطة وشهود ان العنف بدأ في العاصمة وامتد بسرعة الى أماكن اخرى من بينها مدينة تشيتاجونج الساحلية.

ودعا حزب الجماعة الاسلامية الى مسيرات للمطالبة بالافراج عن كبار زعماء الحزب المحتجزين في السجن منذ أشهر انتظارا لمحاكمتهم في جرائم مزعومة ارتكبت أثناء حرب استقلال بنجلادش عام 1971 عن باكستان.

وينفي الحزب الاتهامات وتعهد بالافراج عن زعمائه وهو يؤيد حملة لحزب بنجلادش الوطني الذي تتزعمه رئيسة الوزراء السابقة البيجوم خالدة ضياء للاطاحة بالحكومة.

كما اعتقلت قوات الامن أبو الاسد رئيس تحرير صحيفة داينك سانجرام المؤيدة لحزب الجماعة الاسلامية مما ادى الى احتجاجات من جانب بعض الصحفيين الذين دعوا الى الافراج عنه.

ودعا حزب بنجلادش الوطني الى اضراب عام في انحاء البلاد للاحتجاج على اعمال الشرطة وعلى الارتفاع الكبير في اسعار زيت الوقود في الاونة الاخيرة. ويؤيد حزب الجماعة الاسلامية وعدة أحزاب صغيرة الاضراب المقترح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/أيلول/2011 - 26/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م