الجيش الأمريكي ولغز السياسة العراقية

متابعة: محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في الوقت الذي يتهيأ ألفا جندي من الحرس الوطني من ميريلاند للانتشار في العراق في الاشهر الـ 12 المقبلة في وقت يفترض ان تغادر القوات الاميركية هذا البلد نهاية العام الحالي وفقا للاتفاقية الامنية المعقودة بين البلدين، عد خبراء مشاهد التوديع الباكية التي تقوم بها العوائل لأبنائها لغزا محيرا للسياسة العراقية الشائكة وللدبلوماسية العالمية. ولا يعرف الجنود ولا عوائلهم متى وكيف ستنتهي مهمتهم في العراق، بل انهم لا يعرفون على وجه الحقيقة مقدار خطورة هذه المهمة.

يقول اللواء جيمس ادكنز من الحرس الوطني في ميريلاند قوله لكوننا جنود، فاننا نذهب الى اي مكان نؤمر بالذهاب اليه. نحن نقوم بإطاعة الاوامر فقط، فذلك يجعل الامور سهلة وممتعة. اما الباقي فمتروك لوزارة الخارجية وللحكومة الاميركية ولاحتياجات العراق والاتفاقيات المعقودة معه. ويرى محللون ان المهمة بسيطة نظريا لكنها ليست كذلك عمليا.

وعلى الرغم من التحسن النسبي الذي يشهده العراق يرى الكاتب آرون ديفيس في مقال نشر في صحيفة واشنطن بوست ان عدم اتضاح الرؤية السياسية في ذلك البلد وضبابية الاوضاع يثير القلق لدى الجنود الذين ستنقلهم الحافلات الى معسكر فورت هود في تكساس وهي المحطة الاخيرة قبل انتقالهم جواً الى العراق، خصوصا ان ما سيحدث بعد نهاية السنة في العراق لا يزال يمثل مجهول محيرا للقادة الامريكان.

فيقول النقيب هاريس روسكو، انه اخبر جنوده ان لا يقلقون عما سيحدث لوحدتهم سواء في اميركا او في العراق بعد نهاية العام. ويقول في اشارة منه الى المدة الكاملة التي سيبتعد فيها رجال الحرس الوطني عن وطنهم لغرض السفر والانتشار داخل العراق والتدريب ان الاوامر ابلغتنا ان مهمتنا ستكون لمدة 400 يوم، وذلك ما سنقوم به. اما ماذا سيحدث في 31 كانون اول/ ديسمبر وبعده؟ فانا لا أعرف، لا أعرف.

وفي تعريف لجنود الحرس الوطني من ميريلاند الذين سينتشرون داخل العراق يقول خبراء انهم سيشكلون سرية المقر للواء الطيران القتالي التاسع والعشرين. اما كامل الوحدة التي سيكون قوامها بحدود الفي جندي فتتشكل من حرس وطني من عشر ولايات وستكون مسؤولة عن الاشراف على كل عمليات طيران الجيش في العراق التي تتضمن كل شيء ابتداء من النقل بالمروحيات وتقديم الدعم الجوي للعمليات التي تقوم بها القوات العراقية وصولا الى الاخلاء المصابين من القوات الاميركية والعراقية.

فيما قالت اللفتنانت كولونيل بيجي كاجيليري المتحدثة باسم الجيش في البنتاغون في رسالة الكترونية ان اللواء 29 هو واحد من أربعة الوية من الجنود الجدد، وستتناوب الألوية في العمل في العراق قبل نهاية السنة. وكل الوحدات التي ستنتشر من الآن لغاية نهاية السنة مخططٌ لها الانتشار لـ 12 شهرا.

الىى ذلك يعلق جون الترمان مدير برنامج الشرق الاوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية على تلك المستجدات قائلا، "ان هذا يذهلني بوصفه محاولة ليكون اكثر امانا بدلاً من التأسف. اذ سيكون لديهم قوات من الاشخاص الذين يستطيعون البقاء واذا توجب عليهم تقليل عدد القوات والعودة مبكرا للوطن فلن يتذمر احد بشأن البقاء اطول مدة ممكنة مع عائلته".

ويضيف، "لكننا سنرى ما الذي سيتمخض عنه كل ذلك. ولقد كانت هناك توقعات كبيرة باننا سنعمل من اجل التوصل الى اتفاق من اجل ابقاء قوات، ولكن ليس هناك من دلائل كيف سيكون ذلك".

ويقول الترمان، "ان السياسة العراقية التي لا يمكن التنبؤ بها قد توحي بأن قرارا قد يتخذ في وقت غير مريح. انها مثل تحريك سفينة فانك تحتاج وقتا وتلك هي المشكلة".

وقد تعقد التطورات التي حدثت مؤخرا من جهود التوصل الى قرار سريع. فقد قال متحدث باسم رئيس الوزراء العراقي ان الحكومة ستعيد فتح التحقيقات بالغارة التي حدثت عام 2006 التي قتلت فيها القوات الاميركية 11 مدنيا عراقيا على الاقل. وقالت الوثائق التي كشف عنها موقع ويكيليكس، ان مفتشي الامم المتحدة يقولون ان الجنود الاميركان  قاموا بتكبيل كل السكان واعدامهم.

وكان المالكي قد اعلن في اكثر من مناسبة ان القوات الاميركية المتبقية ستغادر العراق وفقا لما هو مقرر. فيما قال مسؤولون اميركيون ان بضع مئات من الجنود سيقون للتدريب بحماية دبلوماسية.

تغيير رأي

وتتباين مشاعر الكثير من العراقيين في مختلف أنحاء الدولة بعد أن كشفت الولايات المتحدة عن خطتها للاحتفاظ بما يتراوح بين ثلاثة إلى أربعة آلاف جندي في العراق بحلول العام القادم. فرغم أن العراقيين قد طالبوا الأميركيين بمغادرة بلدهم من بداية الاحتلال في عام 2003، فإن الكشف عن سحب معظم القوات -من مستوى 48 ألفا حاليا– يكشف الجانب الآخر من الحالة النفسية العراقية. هذه الأمة التي لا تثق بنفسها، ولا تثق كثيرا في قوات الأمن التابعة لحكومة أو القادة السياسيين. يبدو أن العراقيين لم يعتقدوا فعلا أن الولايات المتحدة سوف تنسحب، ولذلك لم يكن هناك دراسة حقيقية لتداعيات هذا الانسحاب على العراق.

إلا أن هذا لا يعني أن القيادة العراقية لا ترغب في رؤية القوات الأجنبية تنسحب حسب قول المتابعين، فالعراقيين الذين فرحوا بسقوط الدكتاتور يتذكرون بوضوح أيضا حالة من الفوضى وسفك الدماء التي عمت العراق بعد أن سقط نظام صدام حسين. خصوصا ان بلدهم لا يزال يعاني من المشاكل الطائفية والعرقية، السنة والشيعة، والعرب والأكراد. في المقابل تفتقد الدولة المؤسسات القوية والشعور الجماعي بالهوية الوطنية التي تحافظ على تماسك العراقيين.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد كتبت في وقت سابق من هذا الشهر، أن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا يؤيد خطة مفادها الإبقاء على 3 إلى  4 آلاف جندي أميركي في العراق منذ بداية العام 2012. في حين كان من المقرر كما هو معروف سحب كل الجنود الأميركيين من العراق في نهاية السنة الجارية. إلا أن البنتاغون يفضل الإبقاء على مجموعة غير كبيرة من الجيش الأميركي، تعمل في مجال إعداد الجنود العراقيين فقط.

ويذكر أن قائد القوات الأميركية في العراق الجنرال لويد أوستين، وعلى خلاف بانيتا يفضل الإبقاء على عدد ما بين 14 و18 ألف جندي أميركي في العراق بعد العام 2011.

ويعتبر خبراء أن انخفاض أعداد القوات الأمريكية فى العراق يعتبر تجاهلا لتوصيات القادة العسكريين، وتهديداً للاستقرارا فى العراق، كما يعرض جميع المكاسب التى حققتها الولايات المتحدة بشق الأنفس مع اهدار فى الدم والمال، للخطر، دون سبب مقنع يدعى إلى ذلك.

كما يشكل سحب القوات الأمريكية خطرا حرجا فى شمال العراق، حيث التوترات المتزايدة بين العرب والأكراد، والتى تضاعفت فى فبراير الماضى وتحولت إلى العنف، إلا أن الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق قد أخمد اندلاع الصراع الذى كان من الممكن أن يشعل حربا أهلية.

واكد محللون سياسيون أن ضمان الأمن والاستقرار فى العراق يتطلب استمرار الوجود العسكرى الأمريكى فى العراق برغم نهاية هذا العام، وإن كان الوجود العسكرى سيتقلص إلى حد كبير. وأبدى خبراء  رايهم بشأن عدد القوات التى ستحتفظ بها أمريكا فى العراق، حيث قالت إن عدد القوات يجب ألا يقل عن 10 آلاف قوة، وبما لا يقل عن 25 ألف جندى.

لكن هناك رأي يقول إلى عدم وجود قوة عراقية تسعى إلى الحد من الوجود الأمريكى فى المستقبل. وتبدو جميع الكتل السياسية الرئيسية فى العراق، باستثناء التيار الصدرى، موافقا على بدء مفاوضات من أجل بقاء البعثة العسكرية الأمريكية فى العراق بعد هذا العام.

وكان مسعود بارزانى رئيس حكومة اقليم كردستان، قد حذر فى وقت سابق من هذا الشهر من تقليل أعداد القوات الأمريكية فى العراق، قائلا لا تزا قوات الأمن العراقية ليست مستعدة لتأمين  الحماية للعراق، وإذا فشلنا فى التوصل إلى اتفاق من أجل ضمان استقرار العراق، سيقع كل اللوم بعد ذلك على عاتق الجانب العراقى.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/أيلول/2011 - 22/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م