الدول الناجحة سببا لكرامة شعوبها

عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

قد يكون من السهل وصف دولة ما بالنجاح أو الفشل ولكن خلف ذلك الوصف أسبابا كثيرة وعديدة قد تمتد الى قرون وسنوات من العمل والمثابرة او العكس، فالدول تكاد تتوزع بين هاتين الصفتين سواء على صعيد الإنسان مجتمعا او الدولة كيانا.

وكما هو الحال في الإنسان فالدول تنمو نمو الطفل حتى يشتد عودها وتصبح قوية فمنها من يصبح الدولة العظمى العملاقة ومنها المفككة الهزيلة، وهذا التوزيع لم يأت من فراغ بل له أسباب مختلفة قد تكون فيها ذاتية نتيجة وقوع بعض تلك الدول على مواقع جغرافية غير وفيرة بالموارد الطبيعية سواء الزراعية او الصناعية والاستخراجية او المواقع التجارية المهمة، او تكون سياسات البعض الآخر سببا في فشلها رغم وفرة خيراتها وتنوعها.

في وقتنا الحاضر بدا التمايز بين الدول يأخذ أشده فبدأ نمو دول في قدراتها الاقتصادية والعسكرية والتجارية وحتى السياسية فيما تراجعت أخرى, ما يهمنا في هذا الأمر هو كيف استطاعت بعض الدول أن تتقدم بفوارق زمنية كبيرة عن مثيلاتها رغم تشابهها في اغلب مواردها وعناصر تقدمها، فيما تراجعت وانهارت أخرى رغم احتوائها على نفس موارد؟

الأسباب:

أولا: التعددية: غياب الاستبداد ومحاربة الدكتاتورية أهم أسس الشروع لنجاح سياسات الدول، فحرية الرأي والتعدد يعطي زخما واسعا لبناء أفضل إستراتيجية لتقدم الدولة كيانا ومجتمعا وبالتالي فهي تحقق نموا متصاعدا لتكون بمصاف الدول المتقدمة فهي خلاف الدكتاتورية التي تكون فيها الدولة منغلقة على رأي واحد وقائد واحد وأكثر قراراته تكون فيها الارتجالية والمزاجية أسس ومنطلقا لها, وأي نجاح في وجود دكتاتورية الحاكم او الحزب إنما هو نجاح شكلي ونسبي.

ثانيا: الاستشارية: ففي هذه الواحة تجد الآراء المختلفة والمتنوعة، ورغم تضاربها في كثير من الأحيان إلا إنها في الأغلب تحصد أفضل النتائج، فاعقل الناس من جمع عقول الآخرين الى عقله، وقيادة الدول ونجاحها يحتاج الى جمع الآراء وسماع لوجهات النظر المختلفة التي لا بد إن لكل منها مشروعيته ومنطلقا في توجهها ولها نظرتها الخاصة, لان كل إنسان يقرأ الحياة من زاويته وضمن مشروعه الذي قد يراه البعض غير موفقا، بينما يراه آخرون مطلبا حقا، وفي هذا المجال يصف المجدد الثاني الامام الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) الاستشارية برائعة من أقواله الخالدة حيث يصفها بـ (إنّ الاستشارية سواء في الحكومات الزمنية مما تسمى بالديمقراطية ام في الحكومة الإسلامية هي صمام الأمان، وذلك لأنّ الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم، يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما انّ الجائع يخرج على مَن أجاعهُ بالإضراب والمظاهرة، حيث ورد: (عجبتُ للفقراءِ كيفَ لا يخرجونَ بالسَّيف على الأغنياءِ)، كذلك من لا يستشار يخرج على من صادر فكره وأجاعه، وألغى دوره) ومن باب أولى فان تضارب الرعية مع الحكومة سيسير بالدولة الى الفشل والعكس بالعكس.

ثالثا: المدنية والمؤسساتية: فالمجتمع المتمدن والمبني بناء مؤسساتيا ركن أساسي في نجاح الدول وحيوية الحكومات التحضرية التي تعمل وفق الأطر العلمية والإستراتيجية الصحيحة وهذا المجتمع لا ينشط باتجاه الحالة السياسية في الانتخابات فقط، بل يشارك في جميع المفاصل المهمة لبناء الدولة بما فيها انتخاب الحكومات وفق المنظار العلمي والعقلي الصحيح ويبقى يراقب ويحاسب ضمن الأطر الدستورية والقانونية السلمية حتى لو تطلب الأمر إسقاط أي حكومة حتى المنتخبة ان لم تلبي مطالب ذلك المجتمع، ويبقى هذا المفصل ركيزة مهمة في رسم سياسات الدول في جميع جوانبها.

رابعا: سلطة ونزاهة القضاء: حيث يكاد يكون صمام الأمان لبناء أي دولة تريد أن تبحر في عالم التقدم والنجاح فالحد الفاصل بين الفساد المدمر للدول وبين النزاهة والعدالة هو القضاء القوي النزيه الذي يكون كالجبل بين واديين يؤمن عملية البناء ويحرم المفسدين من أي فرصة للانقضاض على هذا النمو المليء بالنجاحات ومرفقاتها من الانجازات.

خامسا: نكران الذات للقيادات قبال المصلحة العامة: ورغم إن المتابعين السياسيين يرون بأنها حالة مثالية إلا إنها وجدت عند الكثير من القيادات التي شيدت دولها فنكران الذات وترك المصلحة الآنية يؤدي بالنتيجة الى مصلحة البلاد ومنها مصلحة ذلك القائد او المتصدي للعمل السياسي، وقد يكون سببا لتخليده او إعادة انتخابه سببا لنجاح سياسته، وهذا ما يكاد يكون شحيحا في الديمقراطيات الناشئة ومنها العراقية.

سادسا: مراكز البحوث والمؤسسات العلمية: شرط إن تكون علمية بحتة ومساحات تطبيقاتها مفتوحة ويكون صوتها قويا ومفترض الطاعة عند أصحاب القرار، فلم يشهد التاريخ لأي دولة إنها فعَلت مراكز علومها وكانت ضعيفة أو سببت لها تلك المراكز فشلا في أي مستوى بل العكس كان وما يزال صحيحا.

سابعا: الرؤية السياسية الناضجة: حيث تكون بمثابة العمود الفقري لهيكلية البناء التطوري للدول، وهذا بدوره لا يتغير بتغير الأشخاص والأحزاب او الكتل الحاكمة إذا ما نتج من رؤية سياسية مشتركة وسليمة وفق ضوابط منطقية للتعامل مع الأمور المختلفة، لذا تجد سنوات عديدة وشخصيات ووجوه مختلفة تحكم دول ما إلا إنها تسير وفق نمط تصاعدي في الجوانب المختلفة كونها أنشأت على أساس سليم من البناء غير الخاضع لأهواء شخصية.

ويشير التقرير الذي نشرته مجلة فورين بوليسي حول الدول الفاشلة للعام 2010 الى 12 مؤشر مصنفة الى ثلاثة اقسام بينت على اساسها (الدول الفاشلة) من غيرها، وابرز هذه المؤشرات كانت: تصاعد الضغوط الديموغرافية، الهجرة والتهجير والتشرد والانتقام وهجرة العقول، تفاوت التنمية الاقتصادية، عدم المساواة في مجالات التعليم وفرص العمل، وزيادة نسبة الفقر ومعدلات الوفاة، وتغليب الطائفية والقومية على حساب المواطنة، انهيار أو انخفاض قيمة العملة الوطنية، ونمو تجارة المخدرات وتهريب رؤوس الأموال، زيادة في مستويات الفساد والصفقات غير المشروعة بين عامة الناس، نزع الشرعية عن الدولة، تدهور الخدمات العامة، انتهاك لحقوق الإنسان، وعمل جهاز الامن بصورة دولة داخل الدولة، تدخل دول أخرى أو جهات فاعلة سياسية خارجية في شؤون الدولة.

إن لنجاح أي دولة في جوانبها المختلفة انعكاسات كبيرة لا تقتصر على رفاهية شعبها ونمو اقتصادها وقوة وجودها بين الدول بل إن أهم مطلب هو أن يكون مواطنها متمتعا بكرامة خاصة واحترام متميز حتى لدى الدول الأخرى، فلذا تجد إن المواطن الأوربي يتمتع بشخصية ومكانة تختلف عن مثيلاتها من باقي الدول سواء في داخل بلده او في سفره خارج دولته وهذا مؤشر على الحياة الكريمة التي توفرها تلك الدول لمواطنيها والتي تعتبر كرامة أي مواطن لها هي جزء من كرامتها وسيادتها ولذلك فهي تعطيه حصانة كبيرة عند حله او ترحاله في بلدان العالم وهو دليل واضح على نجاحها، وخلاف ذلك تجد إن الدولة الفاشلة فان مواطنيها يعانون من الاستخفاف والاحتقار سواء من قبل حكومتهم او في الدول التي يسافرون إليها لمعرفة تلك الدول بخلفية وهشاشة حكوماتهم وضعفها.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com/index.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/أيلول/2011 - 22/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م