ربيع التغيير العربي... هل سيكون إسلاميا؟

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: بعد أن تسارعت الأحداث اثر تحرك الشارع العربي بانتفاضاته وثوراته التي أطاحت بالحكام والمستبدين اللذين احتكروا السلطة فيها لعقود طويلة، بات الجميع يبحث عن موطأ قدم له وسط الديمقراطية الجديدة من اجل مواكبة التطورات والتفاعل مع النتائج اثر انتهاء سنوات الكبت والحرمان وتقييد الحريات، والإسلاميين بمؤسساتهم وأحزابهم وتياراتهم ليسوا بمنء عن المشاركة في تطورات الأحداث والتأثر بها سلباً أو إيجاب، بل إن هذه العودة من وجهة نظر الكثيرين مرحب به، واعتبر عودة طبيعة لجانب ومكون مهم من الجوانب التي تشكل ثقلاً أساسياً في المنطقة والعالم، وقد استثمر الإسلاميين "لاسيما الأحزاب في مصر" نتأئج التغيير في الربيع العربي بكسب قلوب الملايين من المصريين والاستعداد للمعركة الانتخابية القادمة للدخول بقوة في العملية السياسية الجارية، كما عادت المكانة المعهودة لـ"الأزهر" كمنبر إسلامي رصين يعبر عن الاعتدال والمسامحة وانعتاقه من ربقة الطغاة.

الازهر والربيع

اذ يخرج الازهر الشريف من ظل الرئيس المصري السابق حسني مبارك حيث يحاول استعادة مكانته التي أضرت بها عقود من الرضوخ لزعماء أقوياء، ومن داخل جدرانه العالية المزخرفة قضى شيوخ الازهر اكثر من الف عام يدرسون النصوص الدينية ويفسرون معانيها للمسلمين وهو ما جعل من الازهر سلطة لا تنافسها سلطة في العالم الاسلامي، وكان الازهر قد فقد بعضا من بريقه حين أخضعه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لسلطة الدولة عام 1961، وبعد مرور 40 عاما كان شيوخ الازهر يحملون على دعم النظام الامني الصارم الذي عزز حكم مبارك الذي دام نحو ثلاثة عقود، ونتيجة لارتباط سمعته بسمعة زعيم لا يحظى بشعبية خفت بريق الازهر في حين بدأ خطباء متشددون وعلى درجة أقل من التعليم الديني ينشرون تفسيراتهم للاسلام عن طريق الانترنت والقنوات الفضائية التلفزيونية، وبلغ الامر في عام 2007 أن أفتى شيخ الازهر محمد سيد طنطاوي الذي تولى المنصب لاكثر من عشر سنوات انتهت بوفاته العام الماضي بأن الصحفيين الذين ينشرون شائعات عن صحة مبارك يجب أن يجلدوا 80 جلدة، وفي محاولة لاستعادة سمعة هذه المؤسسة العريقة يسعى أزهريون بارزون لتجديدها بوصفها مدافعة عن الديمقراطية واصلاح الدولة وربما أيضا عن الدولة المدنية، وقال حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان كثيرين يشعرون بالحاجة الملحة الى هذه المؤسسة في المستقبل للحفاظ على الاسلام المعتدل في مواجهة الموجات الاخرى التي تقودها هيئات اكثر تشددا واقل جدارة بالثقة.

وبدأت رياح التغيير تهب على أروقة الازهر الحجرية قبل اشهر من الثورة التي أطاحت بمبارك في فبراير شباط، وفي عام 2010 أشرف رئيس وزرائه احمد نظيف على تعيين الدكتور أحمد الطيب خلفا لطنطاوي، ويوصف الطيب بأنه اكثر ميلا للاستقلالية، وحين خرج الملايين الى الشوارع لمطالبة مبارك بالتنحي في يناير كانون الثاني لم تصدر الفتوى المتوقعة من الازهر لمطالبة المصريين بالاتحاد وراء رئيسهم وانما اكتفى الازهر باصدار بيان يحث على ضبط النفس، وانضم كثير من علماء الازهر الى المحتجين خلال الثورة ولم يتعرضوا لانتقادات من رؤسائهم، وبعد رحيل مبارك جمع الازهر المثقفين للتعاون بشأن رؤية لمستقبل مصر السياسي، وأصدر الازهر وثيقة من 11 نقطة في يونيو حزيران تقترح احترام حرية الرأي والعقيدة وحقوق الانسان في دولة مدنية يحميها الدستور والقانون، وقال محمد رفاعة الطهطاوي المتحدث السابق باسم الازهر والذي شارك في صياغة المسودة الاولى للوثيقة السياسية ان الازهر يريد أن يتطور بما يعكس التغييرات التي يراها قادمة، وأضاف الطهطاوي انه استقال من منصبه في فبراير شباط لينضم الى الثورة لكن زملاءه السابقين رحبوا بعودته الى الازهر وكأنه لم يغب عنهم أبد، وتابع أنه لم يكن هناك رفض من شيخ الازهر او اي مسؤول اخر بل على العكس شجعه الجميع، وعبر عن اعتقاده بأن الجميع كانوا يدركون أنه لا مفر من التغيير وأنه لا أحد يستطيع منعه، ولا يزال لما يصدر عن الازهر قوة معنوية حتى بين المسيحيين الذين يمثلون نحو عشرة في المئة من سكان مصر البالغ عددهم 81 مليون نسمة، وفي دولة تعاني من أزمة في التعليم الحكومي تقدم جامعة الازهر بعضا من أفضل البرامج الدراسية في العلوم الحديثة واللغات والدراسات التجارية والهندسة والزراعة، ويدير الازهر معاهد في انحاء مصر ويرسل خبراء للتدريس في أنحاء الشرق الاوسط وخارجه، ومن بين خريجي الجامعة بعض من أبرز العلماء والساسة في العالم الاسلامي، ولا يزال الوقار حاضرا لكن استعادة الازهر لسلطته على الشؤون الدينية باتت اكثر اهمية من اي وقت مضى بعد أن ضعف الجهاز الامني وظهرت تيارات مثل السلفيين تعارض اخضاع القيادات الدينية لسلطة علمانية. بحسب رويترز.

وبدأت قيادات الازهر في التواصل مع ساسة يتنافسون لتشكيل حكومة جديدة منتخبة ومن بينهم اعضاء بجماعات اسلامية مثل الاخوان المسلمين التي كانت محظورة رسميا في عهد مبارك ويرجح أن تلعب دورا حاسما على الساحة السياسية، ووضع المجلس الاعلى للقوات المسلحة الذي يدير البلاد جدولا زمنيا لاجراء انتخابات برلمانية في نوفمبر تشرين الثاني تعقبها انتخابات رئاسية ربما في اوائل العام القادم، والتقى شيخ الازهر احمد الطيب بمرشد جماعة الاخوان محمد بديع في مايو ايار، وقال الطيب ان الجماعة كانت دائما قريبة من الازهر لكن الظروف السابقة لم تسمح بعقد هذه الاجتماعات، وقال الطيب في تقرير نشرته صحيفة الاهرام ان الاجتماع بحث اهمية الوصول الى خطاب اسلامي معتدل وموحد، وفي الشهر الماضي توسط الازهر بين ساسة ليبراليين واسلاميين عارضوا محاولتهم وضع مباديء لدستور جديد وهي خطوة يعتبرها الاسلاميون خدعة للحيلولة دون اقامة دولة اسلامية، لكن علمانيين يتشككون في سعي الازهر للعب دور على الساحة السياسية، وتساءل جمال عيد المحلل المتخصص في حقوق الانسان ورئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان ومقرها القاهرة عما سيحدث اذا دب خلاف مع الازهر بخصوص شيء م، وتابع أنه سيكون من الصعب مجادلة مؤسسة دينية، وقال عيد انه لا يمكن الدعوة الى اقامة دولة مدنية والسماح في الوقت نفسه للمنظمات الدينية بالاشتراك في السياسة، ويسعى الازهر الآن إلى التخلص من سيطرة الحكومة قائلا انه يجب أن ينتخب شيخه مجددا والا يختاره رئيس الدولة، وقال المحلل السياسي نافعة ان الازهر أدرك استحالة ان يستمر في العمل بنفس الطريقة التي كان يعمل بها في عهد مبارك، وأضاف أنه يعلم أن عليه تطهير الفساد الداخلي، وقال نافعة انه يرى رغبة قوية لدى الازهر في العودة الى زعامة العالم الاسلامي السني.

الاستفادة من الثورة

من جهتها اعتبرت المؤسسة الدولية للدراسات الاستراتيجية في تقريرها السنوي الذي صدر مؤخراً في لندن ان المجموعات الاسلامية يمكن ان تستفيد من الفراغ الامني الذي احدثته الثورات في عدد من الدول العربية، الا انه من المستبعد ان تسعى الى تسلم السلطة، وقال اميل حكيم الخبير في المؤسسة في مؤتمر صحافي عقده في لندن "لا اقول ان اعمالا ارهابية ستحصل بالضرورة، الا ان سقوط انظمة امنية يتيح بالتاكيد فرصا امام هذه المجموعات للتحرك"، ورأى حكيم ان الثورات التي اندلعت في دول عربية عدة خلال الاشهر القليلة الماضية اعطت الدليل على ان التغيير ممكن من دون الجهاد المقدس، وتابع هذا الباحث المقيم في البحرين "حتى فترة قصيرة كانت المجموعات الجهادية الدولية تعتقد انها غير قادرة على القيام باي نشاط في بلدانها، لذلك قاتلت في امكنة اخرى، الا ان الفرصة باتت متاحة لعناصرها حاليا لاسماع صوتها في امكنة اقرب الى بلدانهم"، وتابع ان "مجموعات اسلامية وخصوصا مجموعات تعتمد العنف باتت تعتقد اليوم انها لتكون اكثر فاعلية عليها ان تدخل في السياسة الجديدة للعالم العربي وهذا يعني المشاركة في الانتخابات"، وقال ايضا "لن اتعجب اذا شهدنا دخول مزيد من المتشددين السابقين في العمل السياسي خصوصا في مصر". بحسب فرانس برس.

وحذر المدير العام للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية جون شيبمان من ان الثورات الشعبية في الدول العربية لن تؤدي حكما الى الديموقراطية، وقال "سنقول لاحقا ان هذه السنة كانت سنة اليقظة العربية وما حملته من تداعيات، الا اننا لن نقول حكما انها كانت السنة التي سجلت فيها الديموقراطية تقدما"، وتابع شيبمان ان "التحولات التي حصلت حتى الان تبقى نصف انجاز، وتحقيق الوعود الديموقراطية يبقى مرتبطا بالمخاطر التي تحملها الطوائف والمؤسسات العسكرية والمجموعات التي قد تكون قادرة على حرف العملية السياسية" القائمة حاليا عن مساره، واضاف ان "المعركة بين القوى الامنية والعناصر الليبرالية والمجموعات الاسلامية لانشاء حكومة مستقرة ديموقراطية وذات صفة تمثيلية ستكون العامل الحاسم خلال مرحلة ما بعد اليقظة العربية"، وشهدت الاشهر التسعة الاولى من العام الحالي انتفاضات شعبية غير مسبوقة انتهت بسقوط الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك وفرار الزعيم الليبي معمر القذافي، وادى سقوط نظامي زين العابدين في تونس ومبارك في مصر الى اعطاء دفع لحركة الاخوان المسلمين المصرية وحركة النهضة الاسلامية التونسية اللتين باتتا عنصرا حاسما في كلي البلدين.

الصوفية تشارك بالتغيير

من جهة اخرى قال خالد بن تونس الشيخ الصوفي للطريقة العلوية بمستغانم بالجزائر انه يتعين على المسلمين الصوفيين في جميع انحاء شمال افريقيا مناصرة الكرامة والحرية حتى يمكن الاستماع الى فكرهم الاسلامي الصوفي في مناقشات نشطة حول الديمقراطية في العالم العربي، وقال الشيخ بن تونس ان الاسلام الرسمي الذي روج له دكتاتوريون أطاحت بهم ثورات الربيع العربي باء بالفشل وان المسلمين في حاجة الان الى قيم روحانية على النمط الصوفي لتعزيز أواصر الاخوة والوحدة، وقال في مقره الديني بمدينة مستغانم الساحلية التي تبعد 300 كيلومتر غربي الجزائر العاصمة ان الزعماء العرب الذين لا يكفلون القيم الشمولية مثل الكرامة والحرية يخاطرون بالاطاحة بهم من السلطة بواسطة احتجاجات الشباب التي تشبه أمواج المد العاتية "تسونامي"، وقال بن تونس (62 عاما) الذي تضم جماعته عشرات الالاف في شمال افريقيا واوروبا انهم بحاجة الى فتح ابواب النقاش في دولهم، وطالب بالسماح للسلفيين وللاخوان المسلمين والعلمانيين والملحدين والصوفيين بالتحدث بحرية واقتراح الحلول، وأضاف ان الروحانية تلزمهم باتباع طريق الخير والوحدة والاخوة، ورغم ان الصوفية ممثلة جيدا في الاسلام التقليدي بشمال افريقيا حيث ان تعاليمها تؤكد على التصوف وحب الله الا انها اقل ظهورا في ثورات الربيع العربي من الاخوان المسلمين المحافظين أو السلفيين المتشددين، ويتعرض الصوفيون في مصر من حين لاخر لهجوم السلفيين الذين يعتبرونهم زنادقة لتبجيلهم للاولياء الصالحين واحيانا يتلفون الاضرحة التي يحتفظون بها تكريما لهم، وقال بن تونس ان الصوفيين يجب ان يهبوا لمواجهة التطرف، وقال ان هناك 13 مليون صوفي في مصر وان الوقت قد حان بالنسبة لهم لاظهار ما يستطيعون القيام به للمساعدة في تطبيق الديمقراطية. بحسب رويترز.

وقال الشيخ ان الشباب الذين يقودون احتجاجات الربيع العربي لم يعد باستطاعتهم العيش في دكتاتورية، وأضاف انه ليس امام الحكام في العالم العربي اي خيار الان سوى ضمان كرامة وحرية الشباب، وقال انه اذا لم يفعلوا ذلك فسوف تطيح بهم أمواج مد الاحتجاجات، وانتقد بن تونس "الذي كتب عدة كتب عن الصوفية" الاسلام الرسمي الذي تم الترويج له طويلا في شمال افريقي، وقال ان الاسلام اصبح سلعة مستهلكة مثل اي شيء اخر وان خطب الجمعة اصبحت سلعا مستهلكة وانها فشلت مشيرا الى ان الصوفية المحافظة فشلت ايض، وقال ان ما يحتاجونه الان هو صوفية في شكل قيم شاملة مثل الكرامة والحرية للجميع، واثار بن تونس غضب السلفيين الجزائريين بأحدث كتاب له باسم "الصوفية الارث المشترك" لان غلاف الكتاب احتوى على صورة للنبي محمد، لكن الكتاب ما زال يباع هن، وقال الشيخ ان الجزائر التي لم تصل اليها احتجاجات الربيع العربي التي تهز الدول المجاورة لكنها شهدت اضطرابات في اوائل هذا العام بسبب الاجور وظروف العمل يجب ان تستثمر كل اموالها على شبابه، وتساءل عن اهم مصدر في الدولة قائلا هل هو بترولها ام غازها ام جيشها ام شبابه، وفي مواجهة الاضطرابات قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة زيادة الاجور وعرض تقديم قروض بدون فوائد لملايين الاشخاص في استراتيجية حققت النجاح حتى الان، وقال بن تونس ان الشباب يريد مساحة واملا اكبر وان من واجب الحكومة تلبية هذه المطالب، واضاف ان الجزائر لا تستطيع حل مشكلاتها من تلقاء نفسها ويجب ان تتقبل فكرة اقامة مجال اكبر ليضم جميع دول المنطقة.

شتاء اسلامي

في سياق متصل اعتبر الجنرال الاسرائيلي ايال ايزنبرغ المسؤول عن الدفاع المدني الاثنين ان "شتاء اسلاميا راديكاليا" قد يلي "الربيع العربي" الامر الذي يزيد من مخاطر اندلاع "حرب شاملة"، وقال الجنرال في خطاب امام معهد الابحاث حول الامن القومي في تل ابيب "ان ما اعتبر بمثابة ربيع الشعوب العربية يمكن ان يتحول الى شتاء اسلامي راديكالي الامر الذي يزيد من احتمالات اندلاع حرب شاملة في المنطقة مع امكانية استخدام اسلحة دمار شامل"، ونقلت وسائل اعلام عدة تصريحات الجنرال، بما فيها التلفزيون العام والاذاعة العسكرية.وبحسب المعلق العسكري في التلفزيون العام، فان الجنرال كان يشير على ما يبدو الى سوريا التي قد تطلق صواريخ مجهزة برؤوس كيميائية اذا سقط هذا السلاح بين ايدي مجموعات اسلامية في اعقاب سقوط محتمل لنظام الرئيس بشار الاسد، واعتبر الجنرال الاسرائيلي ايضا ان "تدهور" العلاقات مع تركيا التي كانت في ما مضى حليفا استراتيجيا لاسرائيل، يشكل ايضا عامل توتر، واعلنت تركيا طرد سفير اسرائيل في انقرة وتجميد العلاقات العسكرية مع الدولة العبرية كاجراء عقابي ردا على رفض اسرائيل الاعتذار عن الهجوم الدامي الذي شنه الجيش الاسرائيلي على اسطول المساعدات الانسانية المتجه الى غزة في 31 ايار/مايو واوقع تسعة قتلى اتراك، واكد الجنرال ايزنبرغ ان المنظمات الفلسطينية في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، توصلت الى امتلاك "اسلحة اكثر فعالية" لمهاجمة بلدات في جنوب اسرائيل، لكنه لم يعط المزيد من التوضيحات. بحسب فرانس برس.

دعم مالي

بدوره أبلغ مصدر بمجموعة الثماني أن وزراء مالية دول المجموعة المجتمعين في جنوب فرنسا سيتعهدون بتقديم 38 مليار دولار الى تونس ومصر والمغرب والاردن على مدى 2011 الى 2013، وسيقوم الوزراء وكبار المسؤولين من الاقتصادات السبع الرئيسية زائد روسيا بتوسيع نطاق الدعم الذي أعلن عنه لمصر وتونس خلال قمة عقدت بمدينة دوفيل بشمال فرنسا في مايو أيار ليشمل المغرب والاردن أيض، ويهدف التمويل الى دعم جهود الاصلاح في أعقاب انتفاضات الربيع العربي وسيضاف الى أي تمويل قد يتاح من صندوق النقد الدولي، ومن المتوقع أن تحذر المؤسسات المالية الدولية المشاركة في محادثات مجموعة الثماني من التحديات التي تواجه دول الربيع العربي اذ تحاول تدبير التمويل الاجنبي في ظل مخاطر عالية وضغوط اجتماعية ومالية في بيئاتها المحلية، وقال مصدر مطلع ان من المرجح أن يدعو المسؤولون الى فتح أسواق الدول المتقدمة أمام المنتجات والقوى العاملة من منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا لتفادي الاعتماد على المساعدات والمساهمة في تعزيز القطاع الخاص، ويأتي اجتماع الثماني اثر انتهاء اجتماع وزراء مالية مجموعة السبع في مدينة مرسيليا على ساحل البحر المتوسط والذي تعهد برد فعل منسق على تعثر التعافي الاقتصادي العالمي لكنه لم يذكر تفاصيل كافية لتهدئة مخاوف الاسواق المالية. بحسب رويترز.

وكانت مبادرة دوفيل قد تأسست تحت الرئاسة الفرنسية لمجموعة الثماني بهدف مساعدة دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا التي شهدت انتفاضات شعبية على تبني اصلاحات ديمقراطية عن طريق جعل المساعدات والقروض التنموية مشروطة بالاصلاح السياسي والاقتصادي، ويأخذ معظم التمويل شكل قروض بدلا من منح مباشرة وتقدمها مجموعة الثماني والدول العربية والبنك الدولي وبنوك التنمية متعددة الاطراف مثل البنك الاوروبي للانشاء والتعمير ومقرضون اخرون، ومن المقرر أن يعتمد مسؤولو مجموعة الثماني مبادرة دوفيل الموسعة في وقت لاحق اليوم بعد مناقشة التحديات الاقتصادية التي تواجهها دول أطاحت بحكام مستبدين مثل تونس ومصر، وكان متحدث باسم الخزانة البريطانية أبلغ الصحفيين أن بلاده ستدعو الى تعزيز التجارة وفتح الاسواق بين أوروبا والدول العربية، ويضطلع البنك الاوروبي للانشاء والتعمير بدور قيادي أيضا في مبادرة دوفيل حيث يوسع نطاق تفويضه التمويلي ليضم دولا شملها الربيع العربي، ومن بين الوفود المشاركة في الاجتماع ممثلون عن المجلس الانتقالي الحاكم في ليبيا اضافة الى السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت وقطر وتركي، ومن بين المنظمات الاقليمية المشاركة صندوق النقد العربي والصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وصندوق أوبك للتنمية الدولية.

اختبار البرازيل

على صعيد مختلف تسير البرازيل باتجاه سياسة خارجية تستند بشكل أكبر الى حقوق الانسان لكن رفضها تدخل القوى الغربية يجعلها في خطر المراهنة على الجواد الخاسر فيما يتعلق باحتجاجات الربيع العربي وقد يضر بمصالحها الاقتصادية، وتعتزم رئيسة البرازيل ديلما روسيف وهي مقاتلة يسارية سابقة الاهتمام بشكل أكبر بحقوق الانسان في السياسة الخارجية في تغير له جذور في خبرتها الشخصية السوداء مع التعذيب على أيدي الحكام العسكريين في البرازيل في سبعينيات القرن العشرين، وحتى قبل توليها الرئاسة بعد الرئيس لويس ايناسيو لولا دا سيلفا في أول يناير كانون الثاني أوضحت روسيف أن سياستها الخارجية ستكون من التغيرات الكبيرة القليلة التي ستميزها عن أستاذها لول، وانتقدت روسيف امتناع البرازيل عن التصويت في مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة بشأن ايران عام 2010 وقالت انها تعارض اعدام امرأة في ايران بالرجم حتى الموت، لكن الانتفاضات الكبيرة التي يشهدها الشرق الاوسط هذا العام كشفت النقاب عن معضلة قديمة في البرازيل وهي رغبتها في تحسين صورة تظهر فيها على أنها تتساهل مع الدكتاتورية مع وجود القليل من الشكوك لديها بشأن استخدام القوة العسكرية وفرض عقوبات أقوى تدعمها قوى غربية، وهناك اشارات واضحة على تغير السياسة البرازيلية تجاه ادانة انتهاكات حقوق الانسان ودعم فرض عقوبات على الحكومات القمعية، وتهديء هذه الاشارات قليلا من الاحباط الذي يساور بعض الدول الغربية بسبب ما تصفه بأنه فشل البرازيل في اتخاذ مواقف واضحة في قضايا أمنية كبيرة تماشيا مع قوتها الاقتصادية المتنامية، لكن رد فعل البرازيل مازال يشير الى أنها تلعب دورا قياديا في العالم النامي وترى أن التدخل العسكري الغربي انتقائي ويلحق أضرارا أكثر من المكتسبات التي يحققه، وسببت حملة القصف التي يقوم بها حلف شمال الاطلسي في ليبيا لدعم المعارضين الليبيين قلق البرازيل التي أيدت فرض جولة أولى من عقوبات الامم المتحدة على حكومة الزعيم المخلوع معمر القذافي لكنها امتنعت عن التصويت مع الصين والهند وروسيا وألمانيا على فرض المزيد من العقوبات على ليبيا وفرض منطقة حظر طيران فوقها.

وقال باولو كورديرو نائب سكرتير شؤون افريقيا والشرق الاوسط في وزارة الخارجية البرازيلية "تحولت منطقة حظر الطيران الى حملة قصف لمدة ستة أشهر وهذا تغيير في روح القرار"، وفي الشأن السوري تتبع البرازيل نهجا حذرا فيما يتعلق بمسعى غربي لفرض عقوبات جديدة من الامم المتحدة على الرغم من اعلان المنظمة الدولية أن عدد قتلى المدنيين بسبب قمع الحكومة السورية للاحتجاجات ارتفع الى 2200 شخص، وقال كورديرو ان البرازيل ليست بالضرورة ضد الموافقة على فرض عقوبات على سوريا لكن الامر يعتمد على طبيعته، وأضاف "مبعث قلقنا هو شكل العقوبات وكيف ستؤثر على الناس، ومبعث القلق الثاني لدينا هو ماذا سيحدث بعد ذلك اذا تعقدت الامور وتم تدمير مبنى ما؟"، ويرى خبراء أن البرازيل ممزقة بين قلق حقيقي بسبب حقوق الانسان وخوف من أن يشكل التدخل سابقة خطيرة، وقال ماتياس سبكتور وهو أستاذ علاقات دولية في مؤسسة جيتوليو فارجاس وهي مؤسسة فكرية في ريو دي جانيرو "موقف البرازيل مكلف للغاية"، وأضاف "الموقف هو أن هناك مجتمعا حيويا وديمقراطيا مثل البرازيل ينتج شكلا من أشكال الدبلوماسية التي تدعم نظاما في دمشق يعتبره كثيرون نظاما وحشيا"، وقد يؤدي تردد البرازيل في تقديم دعم أكبر لمحتجين يطالبون بالديمقراطية في نهاية المطاف الى الاضرار بمصالحها في منطقة مهمة لطموحاتها الرامية الى تعزيز العلاقات مع الدول النامية، وقال مسؤول في شركة النفط التابعة للمعارضة الليبية ان أي حكومة يقودها المعارضون في ليبيا ستواجه "قضايا سياسية" مع روسيا والصين والبرازيل لانه ينظر الى هذه الدول على أنها لم تدعم جهود الاطاحة بالقذافي، وللبرازيل شركات خاصة واستثمارات كبيرة في ليبي، ودعمت البرازيل التي تشغل مقعدا غير دائم في مجلس الامن الدولي وتسعى لشغل مقعد دائم فيه بيانا صادرا عن المجلس لادانة انتهاكات حقوق الانسان في سوريا. بحسب رويترز.

وأيدت البرازيل أيضا قرارا من مجلس حقوق الانسان لايفاد لجنة الى سوريا للتحقيق في الانتهاكات، وقال خوسيه بوتافوجو كونكالفيز نائب رئيس المجلس البرازيلي للعلاقات الدولية في ريو "تحاول وزارة الخارجية ايجاد سبيل بين موقفها التقليدي الحذر وحاجة البرازيل الى رد فعل أسرع وأوضح لان دورها في العالم أصبح مهما بشكل أكبر مما كان عليه قبل عشر سنوات"، واتسمت لغة الدبلوماسية البرازيلية بأنها شائكة أيام الرئيس لولا الذي أدى سعيه لاقامة علاقات صداقة مع حكومة ايران والتفاوض لحل الملف النووي الى فتور سريع في العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعرض لولا لانتقادات أيضا عندما بدا أنه يضع العلاقات مع الدول النامية كأولوية قبل مخاوف حقوق الانسان مثل دعمه المطلق للقيادة في كوب، وكانت البرازيل أيام لولا تمتنع عن التصويت في مجلس حقوق الانسان على قرارات تدين الانتهاكات في دول مثل الكونجو وكوريا الشمالية، وكانت أول اشارة ملحوظة على التغيير في السياسة الخارجية البرازيلية بعد مجيء روسيف للسلطة عندما صوتت البرازيل في مارس اذار في مجلس حقوق الانسان لارسال مقرر لحقوق الانسان الى ايران، وقال ثيلزو اموريم وزير الخارجية السابق ان البرازيل لم تكن لتوافق على الامر لو كان لولا مازال في السلطة، والواضح هو أن شكل السياسة الخارجية البرازيلية تغير بعد تولي روسيف السلطة، واختفت الى الابد على ما يبدو اشارات الوحدة الدافئة التي كان يرسلها لولا للزعماء المستبدين والتغاضي الصريح في بعض الاحيان عن مخاوف لها علاقة بالحقوق، واشتهر لولا بوصف متظاهري المعارضة في ايران بأنهم يشبهون مشجعي كرة القدم الغاضبين، ويبدو أن روسيف مازالت تصيب المدافعين عن حقوق الانسان بخيبة الامل لانهم يأملون في تغيير أكبر في سياسات البرازيل، وأضاف سبكتور "أعتقد أن التغيير لم يتعد الشكل، لم أر تغييرا في الاساسيات، تخشى البرازيل أن تفتح المخاوف بشأن حقوق الانسان الباب أمام عهد من التدخل يسبب انعداما في الامن للجميع".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 18/أيلول/2011 - 19/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م