البطالة... أزمات اجتماعية وتداعيات سياسية

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تعتبر البطالة بأشكالها من العقبات الاقتصادية الخطيرة التي تولد الكثير من المشاكل بالنسبة للدول والحكومات وتلقي بظلالها وأثارها على مختلف النواحي الاجتماعية والتنموية والسياسية، وبعد أن فعلت ما فعلته من عواقب سلبية أثقلت كاهل الاقتصاد الهش في الدول النامية والفقيرة، فقد وصلت أثار البطالة أيضاً إلى قلاع أوربا الحصينة اقتصادي، حيث باتت العديد من الدول الأوربية تعاني من ويلات البطالة والتي تحولت إلى اضطرابات وأحداث عنف وأعمال شغب في عدة عواصم أوربية.

البطالة في العالم

اذ قال المكتب الدولي للعمل ان برامج التقشف التي تبنتها الدول في الاشهر الاخيرة سرعت تزايد البطالة في العالم التي لا يتوقع ان تعود الى مستواها السابق للازمة قبل 2013، مما يهدد بازمات اجتماعية، وفي تقريره السنوي عن العمل في العالم، اكد المكتب تقديراته للبطالة في السنة، موضحا ان عدد العاطلين عن العمل سيبلغ حوالى 213 مليون شخص اي معدل 6،5 بالمئة مقابل 6،6 بالمئة في 2009، ويرى المكتب ان استئناف التوظيف سيكون ابطأ مما كان متوقعا حتى الآن على الرغم من المؤشرات المشجعة في الاقتصادات الناشئة في آسيا واميركا اللاتينية، وقال ريمون توريس المعد الرئيسي للتقرير ان هذا التباطؤ ناجم عن تدهور على جبهة البطالة في الاشهر الاخيرة بسبب تغيير سياسات الدول التي تخلت عن خطط انعاش لتتبنى برامج تقشف"، واضاف "انه تغيير كبير لم يكن متوقعا"، واكد توريس "بهذه الغيوم الجديدة التي تتلبد في وتيرة الاصلاحات لن يبدأ انتعاش الوظائف الذي كان متوقعا في 2013، قبل 2015"، واوضحت الدراسة انه ما زال ينقص ثمانية ملايين وظيفة للعودة الى مستويات 2007 اي ما قبل الازمة، وتعتمد هذه التوقعات الجديدة خصوصا على مؤشرين محددين يثيران القلق حسب المكتب هما ارتفاع معدل البطالة لمدة طويلة وانتشار البطالة بين الشباب، وقال التقرير ان "حوالى اربعين بالمئة من طالبي الوظائف في 35 بلدا تتوفر فيها احصاءات، لا عمل لديهم منذ اكثر من عام"، اي اكثر بحوالى عشرة بالمئة عن 2009، واضاف توريس ان "هؤلاء الاشخاص يواجهون خطر انهيار معنوياتهم ومشاكل نفسية"، "وبعضهم قرروا حتى مغادرة سوق العمل". بحسب وكالة الانباء الصينية.

وفي 2009 قرر اكثر من اربعة ملايين عاطل عن العمل التخلي عن البحث عن وظيفة، وحتى في دول مثل المانيا حيث الانتعاش الاقتصادي سمح بتراجع لا سابق له في عدد العاطلين عن العمل في ايلول/سبتمبر "7،2 بالمئة مقابل 7،6 بالمئة في آب/اغسطس"، ما زال هناك عدد كبير من العاطلين عن العمل لفترة طويلة "45 بالمئة من العدد الاجمالي للنصف الاول من العام"، واكد الخبير ان البطالة "مؤشر على ركود طويل في سوق العمل" اذ ان امتصاصه اصعب، ويشكل ارتفاع البطالة بين الشباب "بزيادة 7،8 ملايين شخص منذ 2007" عاملا قد يسبب انفجارا اجتماعيا مع ظهور "جيل ضائع"، واوضح المكتب ان تراجع الاجراءات الاجتماعية الواضح في بعض برامج التقشف يمكن ان يؤدي الى ازمة اجتماعية خطيرة، وقال توريس ان "التوتر قائم اصلا" مشيرا الى اضطرابات اجتماعية في 25 بلدا على الاقل، واضاف توريس ان تفاقم الفروق الاجتماعية في 2009 ينضاف الى هذه العوامل، موضحا ان استئناف دفع المكافآت غذى هذه "القنبلة الموقوتة"، وتابع ان الحكومات تملك وسائل تجنب ذلك عبر "اعادة التوازن" الى طرق النمو، واضاف "في التقرير تمكنا من ان نظهر انه بفضل مقاربة متوازنة وغير مكلفة بالضرورة، يمكن ان ندعم في الوقت نفسه نموا اقتصاديا غنيا بالوظيفة ومواجهة حالات العجز المرتفعة جدا والتي يجب خفضها"، وذكر امثلة على ذلك البرامج التي تقوم بها الارجنتين وكندا والبرازيل، وقال توريس "في الدول التي نجحت في الحد من تأثير الازمة الاقتصادية على البطالة نلاحظ مؤشرات اجتماعية افضل انه امر جديد تماما ومشجع.

إسبانيا تتصدر اوربا

فيما تشير إحصاءات البطالة إلى مواجهة أوروبا مشكلة كبيرة أخرى، إلى جانب مسألة الدين العام، فحتى الآن تركز حكومات دول أوروبا انتباهها وقراراتها السياسية على التقشف من أجل احتواء العجز، بيد أن الإحصاءات الأخيرة يجب أن تجبرهم على مراجعة سياساتهم المالية الأخيرة، نظرا لبلوغ معدلات البطالة في شهر يوليو (تموز) 10 في المائة، وهو أعلى معدل لها خلال 12 عاما، بحسب بيانات «يوروستيت»، في حين تنخفض معدلات البطالة في الولايات المتحدة دون 10 في المائة وفي اليابان عن 5 في المائة، وهو ما يعني 16 مليون عاطل عن العمل في أوروبا، أي أكثر من سكان دولة مثل آيرلند، وتتصدر إسبانيا الموقف الحالي كأكثر دول منطقة اليورو في معدلات البطالة بـ20.3 في المائة، أعلى من لاتفيا (20.1 في المائة) وإستونيا (18.6 في المائة)، ويواصل الرقم ارتفاعه، وبموجب هذه الإحصاءات فإن واحدا من بين أربعة عاطلين أوروبيين عن العمل من إسباني، ويصر أماندو ألفا تاي، المتحدث باسم الشؤون الاقتصادية والمالية، على أن الأرقام الأوروبية لا تزال تثير القلق، فقد تبين أنه على الرغم من النمو الاقتصادي القوي، فإن هذا لم يترجم بعد في توافر فرص عمل، وفي حالة إسبانيا تؤكد الأرقام مدى التحدي الذي تواجهه والحاجة إلى إصلاحات هيكلية مهمة، وإذا كانت ألمانيا وفرنسا، حتى هذه اللحظة، هما اللتان ستأخذان بيد بقية الدول الأوروبية ماليا، ففي قضية البطالة تتمتع النمسا وهولندا بأدنى معدلات بطالة بنسبة تبلغ 3.8 في المائة و4.4 في المائة على التوالي في معدلات البطالة، والواقع أن النمسا ومالطا وألمانيا انخفضت فيها معدلات البطالة هذا العام عبر خلق الوظائف. بحسب وكالة أسوشيتد برس.

هذه البيئة تظهر أن أوروبا تسير نحو انتعاش اقتصادي بسرعتين مختلفتين، ففي القمة هناك هولندا وألمانيا، حيث تظهران تقدما إيجابي، وفي القاع هناك إسبانيا ولاتفيا وسلوفيكيا وآيرلندا واليونان تواجه مشكلات جمة في البطالة والدين العام غير المستقر، ويؤكد رويترز كارستيرن برزيسكي، الاقتصادي في شركة «آي إن جي» أن «هناك بعض الدول التي لم تتحسن فيها معدلات البطالة، فيما ترد أخبار سارة من قلب أوروبا عن سوق العمل تتوافق والخروج من الأزمة»، والأرقام الأكثر إثارة للقلق هي معدلات البطالة في الشباب دون الخامسة والعشرين التي تصل إلى 19.6 في المائة في منطقة اليورو، وزادت نسبة البطالة بين الذكور بثلاثة في المائة لتصل إلى 9.8 في المائة، فيما انخفضت النسبة لدى النساء لتصل إلى 10.3 في المائة، وهو ما يعني خطرا بالغا لهذه الفئة، لأن أرقام الشباب العاطلين عن العمل تظهر المشكلات التي تواجه جيلا ينبغي أن يتحمل مسؤولية هذه الدول خلال العقد المقبل، وكانت أدنى معدلات للبطالة بين الشباب في هولندا، حيث بلغت 8.1 في المائة، وكانت أعلاها في إسبانيا بنسبة بلغت 41.5 في المائة وفي لاتفيا وصلت إلى 39.5 في المائة وبلغت في إستونيا 37.2 في المائة، من ناحية أخرى أصدرت «يوروستيت» تواريخ التضخم في المنطقة، وبموجب توقعات المصرف المركزي الأوروبي، انخفضت الأسعار في أغسطس (آب) نقطة واحدة وهو ما جعل المصرف يحجم عن اتخاذ قرار برفع معدلات الفائدة حتى الآن، بحسب محللين في عام 2011، وقال إريك نلسن، الاقتصادي في «يوروب دي غولدمان ساكس»، «هناك الكثير من الأفراد الذين يعتقدون أن التقشف يمكن أن ينتهي مع التعافي الاقتصادي، وهذا أمر ممكن، بل محتمل إلى حد ما، فالتباطؤ في أوروبا سيكون معتدلا فقط»، ولعل أفضل الأمثلة على ذلك ألمانيا، تلك الدولة التي شهدت نموا بواقع 2.2 في المائة في النصف الثاني من العام الحالي، تتقدم دولا مثل إسبانيا التي شهدت معدل نمو بلغ 0.2 في المائة، وخلال العام الماضي شهد معدل البطالة في ألمانيا انخفاضا تدريجيا، في الوقت الذي كانت سياساتها المالية تؤتي ثمارها خطوة بخطوة، بيد أن موقف دول مثل إسبانيا أو لاتفيا تجعل من الصعب جدا على المصرف المركزي الأوروبي اتخاذ قرارات، فزيادة معدلات الفائدة ستكون لعنة على الاقتصادات المتردية والحفاظ على أسعار عقبة النقد

في سياق متصل  يرى الخبراء أن التركيز سينصب على إصلاح سوق العمل، وفي هذا الإطار رد عضو حزب الاستقلال البريطاني وعضو البرلمان الأوروبي جودفري بلوم بالقول، «أوروبا لم تتعاف بعد من ركودها، والمبالغة في زيادة فرض التشريعات على الأعمال يمكن أن تزيد فقط من صعوبة الأوضاع»، والحل هو أن الاتحاد الأوروبي لا يملك أداة مشتركة لتنظيم سوق العمل في اتجاه واحد لأنها مسؤولية أعضائه من الحكومات، غير أن القرارات الجديدة التي اتخذتها الدول الأوروبية نجم عنها ردود مشتركة للنقابات العمالية التي تستعد ليوم العمل الأوروبي في التاسع والعشرين من سبتمبر (أيلول) الحالي، وسيكون يوم العمل مظاهرة أوروبية في بروكسل والنقابات العمالية في الدول الأوروبية المختلفة، وفي إسبانيا أيضا، حيث وافقت أهم نقابتين عماليتين على تنظيم إضراب عام، وقالت النقابة العمالية على موقعه، «إن النقابات العمالية الأوروبية ستنظم مظاهرات ضد إجراءات التقشف التي تبنتها الكثير من الدول الأوروبية مؤخرا والمطالبة بخطط انتعاش تسعى إلى تحسين الوظائف والنمو»، وبالنسبة للحكومات الضعيفة (مثل إسبانيا) يأتي مثل ذلك التجميع كدليل حاسم لمعرفة قوة النقابات العمالية الإسبانية أو ضعف القرارات التي اتخذت خلال العام.

البطالة في اليمن 

الى ذلك فان مشاكل اليمن الهيكلية والاقتصادية والديموغرافية قد تتجاوز قدرات الحكومة، كما يقول المحللون، فالأزمتين التوأمين، أي البطالة والنمو السكاني، تهددان بتضاؤل الأمل في أن يتجه اليمن نحو مستقبل أكثر سلام، وفي مبنى مكتبي بالعاصمة صنعاء، يجلس 20 شاباً يمنياً في دائرة لمناقشة مستقبلهم، جميعهم في العشرينات من العمر وحاصلون على شهادات جامعية، ولكن على الرغم من حماسهم وإنجازاتهم التعليمية، إلا أن معظمهم عاطلون عن العمل، وبينما يحدث هؤلاء المتخرجون من برنامج التدريب المهني، الذي تديره مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف، بتفاؤل عن آمالهم في العثور على عمل مجزي شخصياً ومالياً، ولكن الإحباط كان أيضاً بادٍ عليهم لعدم تحقيقهم أي نجاح في هذا الإطار حتى الآن، وأحد هؤلاء طالب حاصل على درجة في الهندسة المدنية تقدم بطلبات للحصول على وظيفة في جميع الشركات الهندسية في العاصمة تقريباً، ولكنه لم يتمكن من العثور حتى على فرصة للتدريب، وبعد أن واجهوا الرفض المتكرر، يصف الطلاب أنفسهم بأنهم "مدمرون" "ومتشائمون" "ومصابون بخيبة أمل"، وأوضح معين الأرياني، رئيس مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف، أنه في الوقت الذي يسبب فيه معدل البطالة في اليمن الصدمة والذهول "إذ يبلغ 35 بالمائة" إلا أن الواقع أشد قسوة على الشباب، حيث قال، "تشير تقديراتنا إلى أن معدل البطالة بين الشباب الذين نتعامل معهم، والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و28 سنة، تصل إلى نحو 50 بالمائة"، وقد تلقى خريجو مؤسسة اليمن للتدريب بهدف التوظيف تدريباً متخصصاً في اللغة الإنجليزية ومهارات الكمبيوتر التي عادة ما يفتقر إليها خريجو الجامعات، وسيعثر العديد منهم على وظيفة في غضون بضعة أشهر من انتهاء البرنامج، وهو ما لا يحظى به سوى عدد قليل جداً من اليمنيين. بحسب ايرين.

وعلى مسافة قصيرة من مقر المؤسسة، ينتظر أكثر من 100 شاب في ثياب العمل عند تقاطع مزدحم على أمل أن يأتي مقاولون لاختيارهم للعمل في مشاريع البناء في جميع أنحاء العاصمة، وقال نوف، وهو خريج مدرسة ثانوية يبلغ من العمر 27 عاماً "أنتظر هنا كل يوم، سأعمل مع أي شخص يأتي هن، إنهم يدفعون 2،000 ريال يمني في اليوم (حوالي 9 دولارات)، ولكنني لا أجد عمل سوى ليوم واحد أو يومين في الأسبوع"، والعديد من هؤلاء حاصلون على شهادة الدراسة ثانوية وعدد قليل منهم يحمل شهادات جامعية كذلك، وإذا كان اليمنيون الحاصلون على مستوى جيد نسبياً من التعليم يعانون من أجل العثور على مجرد بضعة أيام من العمل منخفض الأجر في الأسبوع، فكيف سيكون مستقبل الاقتصاد؟، وتعتبر آفاق التوظيف بالنسبة للشباب في اليمن محدودة جداً إذ يعاني البلد من "طفرة في عدد الشباب"، وهي ظاهرة ديموغرافية موجودة في الكثير من البلدان النامية عند اتجاهها نحو خفض معدلات الخصوبة ووفيات الأطفال، ولكن عادة ما تنخفض معدلات الوفيات أولاً، ولذلك فإن الجمع المؤقت بين انخفاض معدلات الوفيات وارتفاع معدل الخصوبة يؤدي إلى التضخم السكاني، ويترجم ارتفاع معدل الخصوبة في اليمن، بمتوسط قدره 4.5 طفل لكل امرأة إلى أحد أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، أي حوالي 3 بالمائة، وتتراوح أعمار نحو ربع سكان اليمن بين 10 و19 سنة، مما يوحي بأن أزمة بطالة الشباب قد تزداد سوءاً على المدى المتوسط، وبما أن 46 بالمائة من السكان دون سن 16 سنة، فإن الصورة على المدى الطويل على نفس الدرجة من القتامة، وقال الأرياني أنه "بحلول عام 2020 سيتعين خلق مليوني وظيفة فقط للحفاظ على معدلات البطالة عند مستويات يمكن السيطرة عليها" مضيفاً أن "الطفرة في عدد الشباب"، جنباً إلى جنب مع زيادة البطالة، قد تزعزع الاستقرار في البلاد، "فالشباب الذي يفتقد إلى الأمل قد يصبح شديد التقلب"، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت نظرية "الطفرة في عدد الشباب" العدسة الأكثر شيوعاً التي يدرس علماء الاجتماع من خلالها الصراع، وفي تقرير لمجلس العلاقات الخارجية، كتب ليونيل بينر أن البلدان التي تعاني من طفرة في عدد الشباب "غالباً ما تتفشى فيها البطالة في النهاية وتنتشر بها تجمعات كبيرة من الشبان الساخطين الذين هم أكثر عرضة للتجنيد في حركات التمرد أو الجماعات الإرهابية، كما أن البلدان ذات المؤسسات السياسية الضعيفة أكثر عرضة للعنف والاضطرابات الاجتماعية المتصلة بطفرة الشباب"، ووفقاً لمنظمة حركة السكان الدولية وقعت 80 بالمائة من الصراعات الأهلية الجديدة بين عامي 1970 و1999 في البلدان التي كان 60 بالمائة أو أكثر من سكانها دون سن الـ 30 سنة.

ولدى اليمن تاريخ طويل من عدم الاستقرار، وقد تحدد فرص حصول الشباب اليمني على فرص اقتصادية ما إذا كانت البلاد ستستطيع السيطرة على مختلف الصراعات، ولكن ريدان السقاف، المنسق الوطني لمنظمة العمل الدولية، يعتقد أن نسبة البطالة في البلاد سترتفع حتماً حيث قال، "أرى أن البطالة ستزداد إذ أن عدد الداخلين إلى سوق العمل أكبر بكثير من الفرص التي يتم خلقها"، وأسوأ سيناريو هو أن يتحول هؤلاء الشباب من فرصة إلى كارثة، لأن ذلك من شأنه أن يزيد من زعزعة الاستقرار في البلاد  ورداً على سؤال عما إذا كان ارتفاع البطالة من شأنه أن يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار، قال المحلل السياسي اليمني عبد الغني الأرياني أن "الجواب الواضح هو نعم، فكل هذه التحديات لها جذورها في الضائقة الاقتصادية، وزيادة أحد العنصرين ستعني حدوث زيادة في الأخر كذلك"، وأضاف السقاف أنه على الرغم من أن السياسة هي السبب المباشر لعدم الاستقرار، إلا أن البطالة هي واحدة من الأسباب الهيكلية المتعددة لذلك جنباً إلى جنب مع الفقر وسوء نوعية الحياة والافتقار إلى الخدمات الاجتماعية، وتدل حقيقة أن الصراع في محافظة صعدة الشمالية قد استعصى باستمرار على التسوية السياسية على أن الحلول السياسية قصيرة الأجل لا تفعل شيئاً يذكر لتخفيف أثار الأسباب الاقتصادية الكامنة وراء الصراع، وفي هذا الإطار قال معين الأرياني، "أعتقد أن الرصيد الحقيقي الوحيد في البلد هو الموارد البشرية، وإذا أردنا النجاة، يجب على الحكومة تخصيص مواردها لتنمية الموارد البشرية"، وعلى الرغم من استفادة شعوب كثيرة من "العائد الديموغرافي" الناتج عن التضخم السكاني، حيث ساهم الشباب المتعلم بشكل إيجابي في التنمية الاقتصادية، إلا أن معدل نمو الاستثمار في رأس المال البشري في اليمن ظل متدنياً جداً. فالتعليم لم يجد طريقه سوى إلى نسبة صغيرة نسبياً من السكان (حوالي 50 بالمائة من اليمنيين أميون)، وحتى أولئك الذين يحملون شهادات جامعية نادراً ما يملكون المهارات المطلوبة للنجاح في أماكن العمل الحديثة، وقد كان لدى الأرياني طلاب حاصلون على شهادات في تكنولوجيا المعلومات اكتشف أنهم لا يجيدون استخدام برنامج "مايكروسوفت أوفيس" وخريجو لغة إنجليزية لا يمكنهم في الكثير من الأحيان إجراء محادثات بسيطة مع المتحدثين باللغة الانجليزية.

انخفاض ملحوظ

بدورها أظهرت بيانات حكومية أن طلبات الحصول على إعانات بطالة في الولايات المتحدة تراجعت للمرة الثالثة خلا شهر، يأتي ذلك مع تعديل نسبة النمو في البلاد بارتفاع طفيف خلال الربع الثاني من العام، وقالت وزارة العمل إن المطالبات الجديدة لإعانات البطالة انخفضت بمعدل 16 ألفا إلى 453 ألف طلب، ومع ذلك فقد بقيت أعلى من المعدل المفترض في اقتصاد سليم، كما أنها ليست منخفضة بما فيه الكفاية للإشارة إلى نمو سريع في التوظيف، وأكد كبير الاقتصاديين في باركليز كابيتال مايكل غابن أن أرقام الطلبات مشجعة إلى حد ما وتسير في الاتجاه الصحيح، لكنه قال إنها بحاجة إلى التراجع إلى ما بين 400 ألف و425 ألفا لتؤكد أن معدلات التوظيف في ارتفاع، وفي تقرير منفصل، قالت وزارة التجارة إن النمو الاقتصادي تباطأ في الربع الثاني، ليصل إلى 1.7% من 3.7% في الربع من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، ويعتبر المعدل الجديد أعلى من تقديرات الشهر الماضي التي بلغت 1.6%، ويتوقع معظم الاقتصاديين أن يكون النمو ضعيفا في الربع الثالث من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول، ويجعل ضعف الاقتصاد العديد من الشركات تتخذ نهجا حذرا في التوظيف، وانخفض متوسط أربعة أسابيع من الطلبات "وهو مقياس أقل تقلبا" للأسبوع الخامس على التوالي إلى 458 ألفا، وهو أدنى مستوى في شهرين، وتراجعت المطالبات الأولية بشكل حاد منذ يونيو/حزيران 2009، وهو الشهر الذي انتهى فيه الكساد، حيث بلغت 600 ألف في نهاية ذلك الشهر، وحصل معظم هذا الانخفاض في العام الماضي، وتباطأ الاقتصاد الأميركي بشكل حاد هذا العام، وهو ما جعل العديد من أرباب العمل يمتنعون عن التوظيف، ونما بمعدل 3.7% في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، لكن هذا العدد انخفض إلى 1.7% في الربع الثاني.

البطالة في ايطاليا

على صعيد اخر ارتفعت معدلات البطالة في ايطاليا خلال الربع الثاني من العام الحالي الى أعلى مستوياتها في سبع سنوات بينما بلغ تفشي البطالة بين الشباب معدلات قياسية هي الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات، وذكر المعهد القومي للاحصاء (ايستات) في نشرة دورية عن العاطلين عن العمل في الفترة من أبريل الى يونيو 2010 ان المعدل الاجمالي للبطالة ارتفع الى 5ر8 بالمئة من اجمالي القوى العاملة في ايطاليا بزيادة بلغت 1ر0 بالمئة عن الربع الأول من العام وبنسبة واحد بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وأشار (ايستات) الى أن معدلات البطالة المسجلة خلال فترة الربع الثاني من العام الحالي والتي شهدت فقدان 195 ألف وظيفة مقارنة بالعام الماضي تعد أسوأ المعدلات التي شهدتها ايطاليا منذ الربع الثالث من عام 2003، وفي هذا السياق لاحظ المعهد الرسمي ان هذه البيانات الاجمالية تؤشر الى تعاظم ظاهرة البطالة بين الشباب في المرحلة العمرية من 15 الى 24 عاما حيث بلغت نسبتها 9ر27 بالمئة وهي تعد أعلى معدل فصلي يسجل منذ الربع الثاني من عام 1999. بحسب وكالة الانباء الكويتية.

توقعات في ألمانيا وفرنسا

من جانبهم توقع الخبراء تراجع عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال سبتمبر الجاري إلى نحو 3 ملايين عاطل ، وذلك لأول مرة منذ عامين. وأظهر استطلاع  بين أكبر البنوك الألمانية أن تراجع عدد العاطلين يعتمد في المقام الأول على الانتعاش الذي يشهده الاقتصاد بعد نهاية العطلات الصيفية، تشير تقديرات خبراء سوق العمل إلى تراجع عدد العاطلين عن العمل خلال شهر سبتمبر الجاري بنحو 120 ألف شخص ليصل إجمالي عددهم إلى 3.06 مليون عاطل، فيما أكد بعض الخبراء أن العدد سينخفض إلى مادون 3 ملايين، وبحساب المتغيرات الموسمية، يرى الخبراء أن عدد العاطلين سيتراجع خلال الشهر الجاري بنحو 20 ألف شخص، وكان عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا خلال أغسطس الماضي بلغ 3.188 مليون شخص، بنسبة بطالة 7.6% ، ومن ناحية أخرى، يصدر مكتب العمل الاتحادي في وقت لاحق اليوم الخميس البيانات الرسمية الأولية حول معدلات البطالة في البلاد. بحسب وكالة الانباء الالمانية.

فيما ظهرت بيانات رسمية أن معدل البطالة الفرنسي تراجع قليلا في الربع الثاني من العام الى 9.6 بالمئة على الرغم من تباطؤ النمو في فرنسا ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وتراجع معدل البطالة من 9.7 بالمئة في الاشهر الثلاثة الاولى من العام، وقال معهد الاحصاءات الوطني ان معدل البطالة المراقب عن كثب في البر الفرنسي نزل ايضا في الربع الثاني الى 9.1 بالمئة من 9.2 بالمئة ليقترب من المستوى الذي تستهدفه الحكومة لعام 2011 باكمله، وجاهدت الحكومة لخفض المعدل بدرجة كبيرة منذ أن بلغ ذروته في البر الفرنسي أثناء الازمة المالية العالمية ليبلغ أعلى مستوياته في عشر سنوات عند 9.6 بالمئة في الربع الاخير من عام 2009.ويتعرض تعامل الرئيس نيكولا ساركوزي مع الاقتصاد للتدقيق الشديد قبيل انتخابات الرئاسة المقررة في ابريل نيسان المقبل والمتوقع على نطاق واسع أن يرشح نفسه فيها لفترة ولاية ثانية.

أيرلندا تدرس بيع أصولها

من جهته قال وزير الانفاق العام الايرلندي ان حكومة بلاده تريد استخدام عائدات بيع أصول الدولة في تمويل خطط توفير فرص العمل.وتخطط دبلن لجمع ملياري يورو (2.9 مليار دولار) من بيع أصول غير استراتيجية، وأبلغ برندان هولين لصحيفة صنداي تايمز ان الحكومة ستطلب من دائنيها لدى صندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي والبنك المركزي الاوروبي (الترويكا) السماح لها باعادة استثمار حصيلة بيع الاصول في خلق الوظائف بدلا من سداد الديون، ونقلت الصحيفة عن الوزير قوله "سنقدم خططنا في الجولة القادمة من المفاوضات مع الترويك، وسنسعى لتكون لدينا القدرة على استعمال الاموال التي نحصل عليها من مبيعات الاصول في الاستثمار في المرحلة القادمة من فرص خلق الوظائف في بلادنا"، وأضاف الوزير "سيتم ذلك عن طريق صندوق الاستثمار الاستراتيجي مثلما سنسميه"، ويقترب معدل البطالة في أيرلندا البالغ نحو 14 في المئة من أعلى مستوى تشهده البلاد في 17 عاما. بحسب رويترز.

طلبات الاعانة في بريطانيا

من جانب اخر أظهرت بيانات ارتفاع أعداد البريطانيين المتقدمين بطلبات للحصول على اعانة بطالة بأكبر قدر في أكثر من عامين في يوليو تموز وتباطؤ نمو التوظيف مما يفرض ضغوطا اضافية على الحكومة لدعم الاقتصاد المتأزم، وقال مكتب الاحصاءات الوطنية ان عدد الاشخاض المتقدمين بطلبات للحصول على اعانة بطالة ارتفع 37 ألفا و100 شخص، بينما كانت توقعات الاقتصاديين لزيادة قدرها 20 ألف، والقفزة المسجلة في يوليو هي الاعلى منذ مايو أيار 2009، وكانت سوق العمل أبدت قوة مثيرة للدهشة في خضم الازمة المالية حيث زاد التوظيف رغم وهن التعافي الاقتصادي، لكن الاستطلاعات تنبئ بأن الشركات تقلص خطط التوظيف مما يثير شكوكا بشأن قدرة الشركات الخاصة على تعويض فاقد وظائف القطاع العام بفعل تخفيضات الانفاق الحكومية، ومن المرجح أن ينال ارتفاع البطالة من ثقة المستهلكين المهتزة بالفعل جراء ارتفاع التضخم وتدني زيادة الاجور وأعمال الشغب التي شهدتها مدن بريطانية رئيسية في الاونة الاخيرة، وارتفع عدد العاطلين بحساب مؤشر منظمة العمل الدولية الاوسع نطاقا 38 ألفا في الاشهر الثلاثة حتى يونيو حزيران ليصل الى 2.494 مليون عاطل في حين ارتفعت نسبة البطالة على غير المتوقع الى 7.9 بالمئة بينما كانت التوقعات أن تستقر دون تغيير عند 7.7 بالمئة، وزاد التوظيف 25 ألفا فحسب في الاشهر الثلاثة حتى يونيو وهو أبطأ ايقاع منذ الاشهر الثلاثة حتى ديسمبر كانون الاول 2010 في حين تراجع عدد الوظائف الشاغرة لادنى مستوى في نحو عامين. بحسب رويترز.

وفي وقت سابق من العام الجاري طالب ديفيد لامي عضو البرلمان عن توتنهام بالاهتمام بدائرته الانتخابية التي تعاني من صعوبات جمة بعد أن أظهرت احصاءات أن بها أكبر معدل للبطالة في لندن وعاشر أعلى معدل على مستوى بريطانيا كله، وثبتت صحة وجهة نظره وان لم يكن بالطريقة التي كان يتمناها بعد أن تحول احتجاج بسبب قتل الشرطة بالرصاص رجلا أسود عمره 29 عاما أثناء محاولة اعتقاله لواحدة من أعنف أعمال الشغب في العاصمة البريطانية منذ سنوات، وسارع الساسة ومنهم لامي الى القاء اللوم في أعمال الشغب والنهب وتفشي العنف في أماكن أخرى من لندن على مجموعات صغيرة من المجرمين، لكن سكان المنطقة ومعلقين يحذرون من أن ارتفاع معدلات البطالة طويلة الاجل خاصة بين الشبان وخفض الخدمات مثل مراكز الشباب في أماكن منها هارينجي وهي المنطقة التي توجد بها توتنهام تمثل وضعا متفجر، وكان لامي يأمل تحويل توتنهام الى منطقة مشاريع لاجتذاب الاستثمارات، وقال الاستاذ مايك هاردي المدير التنفيذي لمعهد تماسك المجتمع الذي يجري أبحاثا ويضع سياسات لدمج المجتمعات "هارينجي واحدة من أفقر الاماكن في بريطاني، وفي قلب لندن الصاخبة"، وأضاف "الامر لا يتعلق بالعرق أو العقيدة أو الطبقة بشكل محض، ومن أقوى العوامل من يملك ومن لا يملك، الامر يتعلق بالمهمشين"، ويحصل نحو ستة الاف شخص في توتنهام أو ثمانية في المئة من البالغين على اعانات البطالة أي أكثر من ضعف المتوسط في بريطاني، ونحو خمس من يحصلون على هذه الاعانات دون سن 24 عام، وقال هاردي ان ارتفاع معدلات البطالة الى جانب الخفض في "أدوات الدمج" مثل الرياضة والمجموعات المجتمعية أوجدت بيئة يشعر فيها السكان بأنهم غرباء داخل مجتمعاتهم.وأردف قوله "تعلم الناس العيش خارج المعايير، حيث لا توجد لديهم اعتبارات لاي كيانات رسمية كما نتوقع"، وسعت أكثر المجتمعات حرمانا في بريطانيا جاهدة لتشكيل شبكات دعم داخل المجتمعات ومع الكيانات الرسمية مثل الشرطة عقب أعمال الشغب خلال الثمانينات منها واحدة في توتنهام عام 1985.

ومن غير المرجح أن يتحسن قريبا وضع البطالة خاصة لمن لديهم مؤهلات محدودة مما يعني أن الظروف سانحة لتكرار اضطرابات السبت في مناطق ترتفع فيها معدلات البطالة والكثافة السكانية، ولم يحقق اقتصاد بريطانيا نموا يذكر على مدى الاشهر التسعة الماضية ويرى الاقتصاديون الذين استطلعت اراءهم أن النمو سيبلغ 1.3 في المئة عام 2011 مرتفعا الى 2.0 في المئة عام 2012، وأغلب من تحدثوا اتفقوا على أن العنف والنهب كان تلقائيا بدافع الاستغلال لكن هذا لا يعني أن مشاعر الغضب والاحباط لم تكن حقيقية وخطيرة، وهم يقولون ان الساسة وميسوري الحال يخاطرون باشعار هذه الجماعات بمزيد من الاغتراب عندما يظهرون بمظهر من ليس لديه دراية بأبعاد الوضع بأكمله، وفي حين ان سكان توتنهام تحصنوا داخل منازلهم في مواجهة العنف الدائر بشوارعهم كان رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء ووزيرا الداخلية والمالية يتمتعون جميعا بقضاء عطلاتهم في أماكن مثل ايطاليا وسويسرا وكاليفورني، كما أن رئيس بلدية لندن كان في عطلة، وقال تيم هاردي من مدونة (بياند كليكتيفيزم) اليسارية "أعتقد أن هناك غضبا حقيقيا من الطريقة التي تسير بها الامور بينما يقضي زعماؤنا عطلات صيفية فاخرة لدرجة مشينة."

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 17/أيلول/2011 - 18/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م