العراق وتداعيات الانسحاب الأمريكي المفترض... الضريبة المكلفة

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: يبدو ان العراق سيدفع ضريبة أخرى مع بداية انسحاب العدد الاكبر من القوات الامريكية نهاية العام الجاري كما هو مفترض، على غرار ما كلفه ذلك من ضريبة اسقاط النظام البعثي السابق.

فكما يبدو ان تكلفة نهاية الحرب ستكون كمثيلتها عندما قررت الولايات المتحدة اجتياح البلاد عام 2003، خصوصا ان تداعيات ما يحدث حاليا اعادة ذلك البلد لمشاهد العنف والدمار بشكل أثار استياء مواطنيه وإحباطهم، بعد ثمان سنوات من التغيير الشامل.

فيما كان لتداخل الاجندات الاقليمية والدولية على المشهد السياسي العراقي، وتقاطعات الدول واستراتيجياتها في ملئ الفراغ السياسي الحاصل، كان لتلك الاجندات انعكاسات سلبية مقلقة بشكل ميداني ومباشر على المجتمعات العراقية ومدنها.

حيث تتنازع كل من دول الجوار والولايات المتحدة فضلا عن بعض القوى السياسية العراقية في وضع الخارطة المستقبلية لوجه العراق لمرحلة ما بعد أمريكا، وعودة السيادة الكاملة وغير المنقوصة لهذه الدولة.

ففي الوقت الذي لا تزال واشنطن تلح فيه على ابقاء بعض قطعاتها المقاتلة لما بعد عام 2012، تبدي ايران انزعاجها الدائم من ذلك، غير مترددة في مطالبها بالانسحاب الامريكي من كامل الاراضي العراقية.

وشجع ضعف الموقف الرسمي للحكومة العراقية والتجاذبات بين القوى السياسية في اتساع دائرة الشد والجذب بين تلك الدول، فضلا عن الضبابية التي اتسم بها الساسة العراقيين ازاء الامر، وهو ما وجد فيه بعض المحللين ان تداعيات ذلك تم ترجمتها عبر ازدياد الخروقات الامنية مؤخرا وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين.

حسابات العسيرة

فربما لا يكون لدى الرئيس الامريكي باراك اوباما من خيارات جيدة حقا عندما يتعلق الامر بالحسابات السياسية العسيرة الخاصة باتخاذ قرار بشأن حجم القوات الامريكية التي يجب ابقاؤها في العراق.

وكان اوباما معارضا لحرب العراق وتعهد مرارا بألا تظل قوات امريكية في البلاد لما بعد 2011 وهو الموعد النهائي لانسحاب القوات الامريكية وفقا لاتفاقية ثنائية. لكن وزيري الدفاع الامريكيين الحالي والسابق دافعا علنا عن استبقاء بعض القوات الامريكية هناك في مهمة تدريب اذا طلب العراق ذلك. ومن اجل ذلك وافق العراق والولايات المتحدة الشهر الماضي على بدء مفاوضات رسمية.

وقالت مصادر ان ادارة اوباما تدرس الان خيارات من بينها استبقاء قوة تدريب صغيرة قوامها ثلاثة الاف جندي في العراق. وربما لا تزال قاعدة اوباما من الديمقراطيين تشعر بأن هذا العدد اكبر مما ينبغي بينما يقول المنتقدون الديمقراطيون انه قليل بدرجة لا يتسنى معها ردع اي تصعيد خطير في العنف.

ومن شأن أي تدهور في العراق ان يلازم اوباما خلال عام الانتخابات الرئاسية في 2012. وسيذكر الديمقراطيين بان القوات الامريكية لا تزال في خطر هناك في حين يعزز رأي الجمهوريين بأن هناك تخبطا في السياسة.

وفي خطابه عن حالة الاتحاد تعهد اوباما "بانهاء مهمة اخراج القوات من العراق." وقال ان المدنيين سيدخلون في شراكة دائمة مع الشعب العراقي في اشارة لدور موسع تعتزم وزارة الخارجية الاضطلاع به. ولمواجهة الانطباع بحدوث تراجع تدرس ادارة اوباما فيما يبدو فكرة اعادة تسمية العمليات العسكرية الحالية في العراق بأنها "قتالية" والمستقبلية بأنها "تدريبية".

وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قالت الشهر الماضي بينما كان يقف الى جانبها وزير الدفاع ليون بانيتا "مهمتنا القتالية في العراق تنتهي بنهاية هذا العام." واضافت في جامعة الدفاع الوطني "مهمتنا للدعم والتدريب ..اذا كان مفترضا ان تكون هناك مهمة من هذا القبيل.. فستكون موضوع النقاش (مع العراقيين)."

غير ان هناك مشكلة تتمثل في اعلان اوباما بالفعل نهاية المهمة القتالية للقوات الامريكية في العراق. وتقوم القوات المتبقية وعددها 43 الف جندي او نحو ذلك بالفعل بدور "ارشادي وداعم" رغم ان الجيش الامريكي لا يزال ينفذ احيانا ضربات جوية.

وكان اوباما قال في يونيو حزيران ان "مد الحرب يتراجع" في افغانستان معلنا عن انسحاب اسرع مما اوصى به جيشه. وربما يحدث هذا الان في العراق برغم وجود رؤى متعارضة داخل الجيش نفسه بشأن حجم القوة اللازمة.

وبعد ثماني سنوات من اطاحة الولايات المتحدة بصدام حسين لا يزال العراق يبني شرطته وجيشه لمكافحة تمرد سني يشن هجمات قاتلة وميليشيات شيعية فضلا عن التصدي للخطر الخارجي.

ويهدد رجل الدين المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر بتصعيد الاحتجاجات والمقاومة العسكرية اذا بقي اي فرد من القوات الامريكية. وتياره الصدري عضو رئيسي في الحكومة الائتلافية لرئيس الوزراء نوري المالكي ويعارض استمرار الوجود الامريكي.

لذلك يؤكد الجيش الامريكي على ان "حماية القوات" الامريكية ستكون عاملا رئيسيا في اي مهمة مستقبلية في العراق. ورفضت وزارة الدفاع الامريكية (البنتاجون) التعليق على المداولات الداخلية لكن مصادر مطلعة على القضية قالت ان الضباط الامريكيين يشعرون انه ستكون ثمة حاجة لما لا يقل عن عشرة الاف جندي لمساعدة بغداد في مواجهة جميع اوجه النقص ونقاط الضعف في قواتها الامنية.

وحتى مع ذلك لم يعبر رئيس هيئة الاركان الامريكية المشتركة الجنرال رايموند اوديرنو الذي كان حتى العام الماضي قائدا للقوات الامريكية في العراق عن انزعاجه من احتمال ابقاء ثلاثة الاف جندي فقط. وقال للصحفيين في البنتاجون "دائما ما كنت اشعر انه يتعين علينا الحذر بشأن ترك عدد قليل للغاية من الناس في العراق. انا لا اقول ثلاثة الاف الى خمسة الاف هو الرقم الصحيح. لكن ما اود ان اقول هو انه سيأتي وقت ..تصبح هناك نتائج عكسية" لوجود عدد اقل مما ينبغي من القوات. واضاف ان عددا كثيرا جدا من القوات يجازف بأن ينظر اليها كقوة احتلال. ومن امثلة المهام التي قد تقع على عاتق القوات الامريكية هي الابقاء على السلام بين العرب والاكراد.

وقال اوديرنو الذي كان لفترة طويلة واجهة المهمة الامريكية في العراق قبل تولي الجنرال لويد اوستين المهمة هذا العام ان الامر ليس بالضرورة ان يكون على هذا النحو. واضاف "اسمع البعض يناقش ما اذا كنا نحتاج الى خمسة الاف شخص لحل القضية العربية الكردية. حسنا.. سمعت بعض الامور في الاونة الاخيرة عن اننا نفكر في انهم (العرب والاكراد) بدأوا يتعاملون مع ذلك. "لذلك اذا كان هذا هو الوضع فاننا لن نحتاج ساعتها الى هؤلاء الخمسة الاف" دون ان يتخذ موقف مباشر من القضية.

مطالب الكونجرس

من جهتهم قال أعضاء في الكونجرس الامريكي ان على الولايات المتحدة الاحتفاظ بعشرة الاف جندي في العراق على الاقل بعد انسحاب قواتها من هناك بحلول نهاية العام الحالي.

وقالت ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما انها لم تبت في هذا الامر بعد وانه على اية حال لم يتم التوصل الى اتفاق مع بغداد على بقاء اي من القوات الامريكية وقوامها الان 46 ألف جندي في العراق عام 2012 .

وكان أعضاء الكونجرس يناقشون تقارير اعلامية أفادت بأن ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي يؤيد خطة لبقاء ما يتراوح بين 3000 و 4000 جندي أمريكي في العراق بعد المهلة المحددة للانسحاب المتفق عليها في اتفاق أمني أبرم بين واشنطن وبغداد.

وقال هاوارد مكيون رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الامريكي "لم أسعد كثيرا برقم 3000 . سمعت من قادة في الميدان انه يجب الا نخفض (القوات) عن عشرة الاف." وحذر مكيون وهو جمهوري كثيرا من قبل من خفض الانفاق الامريكي على الدفاع.

وقال السناتور الجمهوري لينزي جراهام "اعتقد ان عشرة الاف على الارجح هو أقل شيء." وحذر جراهام وهو ضابط في قوات الاحتياط الجوية وزار كثيرا القوات الامريكية في العراق وأفغانستان من ان ايران تحاول زعزعة الديمقراطية الوليدة في العراق.

وأدلى بهذه التصريحات في مجلس الشيوخ الامريكي الذي تحدث أمامه أيضا السناتور جون مكين والسناتور جو ليبرمان وهما من المتشددين في شؤون الدفاع.

وقال جراهام ان هناك حاجة لبقاء قوات امريكية لمساعدة العراقيين على جمع المعلومات والتدريب ومكافحة الارهاب واقرار السلام في المناطق المتنازع عليها بين الاكراد والعرب وحماية المدنيين الامريكيين الباقين في العراق.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية جورج ليتل انه لن يعلق على "المشاورات الجارية في الوزارة حول ما نناقشه مع الحكومة العراقية."

3 الى 4 الاف جندي

في السياق ذاته افاد مسؤول كبير في البنتاغون ان وزير الدفاع الاميركي ليون بانيتا قد يؤيد اقتراح البيت الابيض ابقاء ما بين ثلاثة الى اربعة الاف جندي فقط في العراق بعد 2011، مقابل 46 الفا.

واوضح المسؤول طالبا عدم كشف هويته ان هذه الخطة التي كشفتها قناة "فوكس نيوز"، هي اقتراح اول تم اعداده تحسبا لمفاوضات حساسة متوقعة مع المسؤولين العراقيين. واوضح المسؤول انه "اذا تحدثنا عن عشرة الاف رجل، قد لا نحصل على اي شيء، وبالتالي يجب ان لا نطلب الكثير"، مشيرا الى خطة مطروحة كثيرا تقترح ما بين عشرة الى 15 الف رجل.

لكن ليون بانيتا رفض الثلاثاء تاكيد هذا الخبر الذي سربته وسائل الاعلام. وقال في حديث مع قناة بي.بي.اس التلغفزيونية "لا يمكنني اعطاءكم رقما، ولا توقعا، يجب ان يتم ذلك خلال المفاوضات" مع السلطات العراقية.

وقد اعلن المسؤولون العراقيون مطلع اب/اغسطس انهم منفتحون على مباحثات مع واشنطن حول الابقاء على عناصر يقومون بمهمة تدريب. وتثير خطة ابقاء ثلاثة الاف جندي قلق عدد من البرلمانيين.

وقالت السناتورة الديموقراطية دايانا فانشتاين التي تراس لجنة الاستخبارات "اعتقد انه خطأ، واعتقد انه سريع للغاية". بينما اعتبر السناتوران الجمهوريان جون ماكين وليندسي غراهام والسناتور المستقل جو ليبرمان ان عدد ثلاثة الاف "قليل جدا مما هو ضروري لمساعدة العراق على الحفاظ على ما كسبه بلدانا مقابل ثمن باهظ".

قائد سلاح البر الاميركي يحذر

من جانبه حذر رئيس اركان سلاح البر الاميركي راي اوديرنو من ابقاء عدد كبير من الجنود الاميركيين في العراق بعد 2011 مبديا تخوفه من ان يعطي هذا الامر الانطباع ب"احتلال" اميركي للبلاد.

تولى الجنرال اوديرنو قيادة القوات الاميركية في العراق حتى العام الماضي، وكان من بين كبار القادة الذي دعموا عملية تعزيز القوات الاميركية في ذلك البلد عام 2007، التي يعتقد الجيش انها ادت الى تغير في الحرب والى خفض مستوى العنف المذهبي.

وتاتي تصريحات اوديرنو وسط جدل في واشنطن حول عدد القوات الاميركية التي سيتم تركها في العراق، وبعد ان وافق وزير الدفاع ليون بانيتا على خطة مبدئية لابقاء قوة من 3 الى 4 الاف جندي في ذلك البلد.

وانتقد عدد من اعضاء الكونغرس ضعف هذا العدد، وقال ضباط كبار في الجيش الاميركي انهم يفضلون الابقاء على قوة كبيرة من عشرة الاف جندي على الاقل، يتم نشر قسم منها في شمال العراق لنزع فتيل التوترات بين العرب والاكراد.

الا ان اوديرنو صرح للصحافيين بان على الولايات المتحدة ان توازن بدقة بين عدد الجنود اللازمين لمساعدة القوات العراقية، وبين خفض عدد القوات الاميركية في بلد لا تزال تسوده مشاعر الاستياء من الاميركيين.

وقال اوديرنو الذي تولى رئاسة هيئة الاركان "علينا الانتباه الى ضرورة عدم ترك العديد من الجنود في العراق". واضاف "كلما زاد عديد القوة التي نتركها وراءنا .. كلما زادت الانتقادات بانها +قوة احتلال+، وكلما ابتعدنا عن السبب الحقيقي لوجودنا هنا وهو مساعدتهم على مواصلة التطور".

وتاتي اهمية تصريحات اوديرنو من خبرته الميدانية في العراق الذي عمل فيه مدة 56 شهرا، وتحذيراته السابقة من خفض القوات الاميركية بشكل كبير. واكد اوديرنا ان القرار النهائي بشان حجم القوات التي ستبقى في العراق بعد عام 2011 يعود الى الحكومة العراقية والزعماء الاميركيين والقادة العسكريين. واضاف "لا اقول ان ما بين ثلاثة الى خمسة الاف رجل هو الرقم الصائب" ولكن "في وقت من الاوقات يصبح للوجود الاميركي تاثير عكسي". وقال ايضا "لا اعرف بالتحديد العدد المناسب، ولكن هناك عدد يجب أن نكون حذرين بشانه".

وعندما كان قائدا في العراق، نجح اوديرنو، الذي اصيب ابنه بجروح خطيرة في الحرب، في دفع الرئيس الاميركي باراك اوباما الى ابطاء وتيرة الانسحاب المخطط.

وحذر اوديرنو من ان الخلافات على الاراضي بين القوات الحكومية الكردية والعراقية في الشمال يشكل أكبر تهديد على استقرار العراق، وقال ان التواجد الاميركي يساعد في تهدئة التوترات. الا انه قال انه ربما لم يعد ضروريا بقاء قوة اميركية من 5000 جندي في المناطق الشمالية بعد التقدم الذي تم احرازه مؤخرا. واضاف "لقد سمعت البعض يقول +نحتاج الى 5000 شخص للعمل على المسالة العربية التركية .. وقرأت مؤخرا ما يشير الى انهم بدأوا يعالجون هذه المسالة. لقد تم احراز بعض التقدم، والقوات التي قمنا بتطويرها تشعر بانها تستطيع معالجة الامر". واضاف "اذا كان الوضع كذلك، اذن لا نحتاج الى الخمسة الاف جندي في الشمال".

ويدرس مسؤولون اميركيون امكانية نقل بعض المهمات التي تقوم بها القوات الاميركية حاليا في العراق الى متعاقدين خاصين.

ولا يزال نحو 46 الف جندي اميركي في العراق يقومون بدور استشاري في معظمه، رغم انهم شنوا هجمات بالمروحيات لضرب مليشيات تدعمها ايران في الاشهر الاخيرة. وتوقع اوديرنو كذلك احتمال اقامة قاعدة اميركية في العراق مستقبلا، رغم انها ستكون "خارج بغداد" حسب قوله.

القادة الكرد

من ناحيته قال مسعود برزاني رئيس الاقليم الكردي في شمال العراق ان وجود قوات امريكية في العراق لما بعد عام 2001 هي "حاجة عراقية" ملوحا بان الانسحاب العسكري الامريكي قد يفتح الباب امام نشوب حرب اهلية في البلاد.

وفي أقوى تصريحات لزعيم عراقي حتى الان قال برزاني في مؤتمر لممثلي الاقليم في الخارج "وجود القوات الامريكية تحت اي عنوان هي حاجة عراقية... عدم بقاء القوات الامريكية في العراق يعني ان احتمال الحرب الداخلية سيكون قائما وستزداد التدخلات الخارجية وستزداد المشاكل المذهبية في العراق."

وما زالت القوى السياسية العراقية ومعها الحكومة العراقية تدور منذ عدة اشهر في حلقة مفرغة دون التوصل الى قرار واضح ونهائي لمسالة بقاء او عدم بقاء القوات الامريكية بعد نهاية العام الحالي.

وباستثناء التيار الصدري الذي اعلن زعيمه مقتدى الصدر معارضته لاي نوع من انواع التواجد الامريكي في العراق بعد نهاية العام الجاري فان جميع الكتل السياسية ما زالت ترسل اشارات متناقضة ولم تحسم امرها بشكل نهائي.

ويشعر العديد من الساسة العراقيين بحساسية هذا الموضوع ففي الوقت الذي يعتقد فيه كثيرون ان العراق ما زال بحاجة الى مساعدة القوات الامريكية وان القوات العراقية لن يكن بامكانها الوقوف بوجه التهديدات الداخلية او الخارجية المحتملة فانهم يترددون في التعبير عن مواقفهم بشكل صريح بسبب وجود معارضة شعبية للتواجد الامريكي.

وفي انتقاد واضح للساسة العراقيين بسبب ازدواج المعايير في التعامل مع هذه القضية قال برزاني الذي كان يتحدث بالكردية "عندما يجلسون معنا بشكل ثنائي يؤكدون ذلك (الحاجة لقوات امريكية) وعندما يصبحون بمواجهة الميكروفون يقولون كلاما مغايرا ويزايدون على بعضهم البعض."

وكان رئيس الحكومة نوري المالكي قد عبر عن حاجة القوات العراقية لوجود مدربين عسكريين امريكيين بعد نهاية العام وهو التاريخ الذي سينتهي فيه تفويض بقاء هذه القوات في العراق لكن عددهم واماكن تواجدهم ما زال موضوع نقاش حاد.

وقال برزاني "بلد ليس لديه جيش قادر على حماية ارضه ومياهه واجوائه لا قدرة لقواته الامنية على حماية سكانه." واضاف "لم يتمكنوا من ذلك حتى في ظل وجود القوات الامريكية فما الحال في ظل عدم بقاء القوات الاميريكية."

وحث برزاني السياسيين العراقيين على التوصل لاتفاق مع واشنطن يراعي مصلحة البلاد ويمكن القوات العراقية من الدفاع عن العراق. وقال "عند عقد اي اتفاق نحن جاهزون لتحمل مسؤولية اي ترتيبات تتعلق بكردستان. اما اذا لم يتفقوا فهم يتحملون المسؤولية.

كتائب حزب الله

فيما استنكر بيان لكتائب "حزب الله" في العراق مطالبة مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان العراق ببقاء قوات اميركية الى ما بعد نهاية عام 2011، ووصفتها بانها "صوت شاذ" يتناغم مع مطالب اميركية.

وجاء في البيان الذي صدر انه بعد ان "توحد موقف ابناء المقاومة والعشائر والشرفاء من الحكومة العراقية مطالبين الاحتلال بالرحيل وانهاء وجوده، نسمع صوتا شاذا ومعروفا بارتباطاته المشبوهة ينادي ببقاء الاحتلال ويتوعد الشعب العراقي بحرب اهلية اذا ما خرج الاحتلال".

واضافت كتائب حزب الله في بيانها "ليس غريبا أن يكون ذلك الصوت منسجما مع المطالب الأخيرة للمحافظين المتصهينين في الكونغرس الاميركي المطالبين ببقاء أكثر من عشرة الآف جندي أميركي في العراق".

وخاطب البيان بارزاني بالقول ان الحرب الاهلية حدثت مرتين: "الاولى بين الاكراد والعرب وبين الاكراد انفسهم وذلك عندما كنت انت وصدام (حسين) تديران دفة تلك الحرب لأسباب لا يسمح المقام بذكرها". وتابع "اما الحرب الثانية فقد حدثت حين دخل الاحتلال الاميركي العراق (...) عليه، فعند خروج الإحتلال وعملائه سيكون الشعب العراقي شعبا واحدا متآخيا متحابا".

وجددت الكتائب مطالبتها "بخروج الاحتلال من العراق"، مؤكدة ان "ابناء الشعب العراقي يمتلكون القدرة والاستعداد لحماية وبناء بلدهم (...) وان من ينادي ببقاء الاحتلال وربط مصيره بمصير الاحتلال وباع نفسه رخيصا عليه أن يرحل مع اسياده ليعيش باقي عمره عميلا ذليلا".

وتقول كتائب حزب الله على موقعها الالكتروني انها "منظمة جهادية" تتبنى "ثقافة المقاومة" وتشن في هذا الاطار "عمليات عسكرية جهادية" ضد القوات الاميركية في العراق. ويؤكد الاميركيون ان هذه المجموعة تتلقى الدعم من ايران تمويلا وتسليحا.

القاعدة تعيد تنظيم الصفوف وميليشيات الشيعة تهدد

من جهة أخرى يقول مسؤولون عراقيون ان تنظيم القاعدة طفا للسطح مرة اخرى في معاقل سابقة له في العراق هذا بالاضافة الى الخطر الذي تمثله ميليشيات شيعية منظمة بينما تتأهب القوات الامريكية الانسحاب من البلاد.

وقال مسؤولون انه على الرغم من مقتل زعماء وضغوط من القوات الامريكية والعراقية ينفذ مقاتلو تنظيم القاعدة هجمات أكثر جسارة ويسعون لتقويض قوات الامن المحلية. وقال مسؤولون امريكيون ان عطية عبد الرحمن ثاني اكبر شخصية في تنظيم القاعدة العالمي - وهو ليبي قام بدور رئيسي في تولي العلاقات بين القاعدة والقيادة في العراق - قتل في باكستان الاسبوع الماضي.

لكن ظهور القاعدة مجددا - الى جانب ميليشيات شيعية كثيرا ما تمولها وتسلحها ايران المجاورة - يمثل مزيجا طائفيا خطيرا بالنسبة للعراق بينما تغلي سوريا المجاورة وتستهدف القوات الامريكية مغادرة البلاد بحلول نهاية العام. بحسب رويترز.

وقال الفريق حسين كمال وهو نائب وزير الداخلية العراقي لشؤون الاستخبارات ان ثمة اعتقادا بأن تنظيم القاعدة اختفى من العراق لكن هذا ليس صحيحا لانهم أعادوا تنظيم صفوفهم والان الجيل الثالث من القاعدة يعمل بكثافة ليعيد تنظيم نفسه بالاسلحة والتدريب. وأضاف أنهم ما زالوا يمثلون خطرا كبيرا على الامن والمجتمع في العراق.

وأصبح العراق ساحة معارك للقاعدة بعد غزو عام 2003 الذي أطاح بصدام حسين لكن أعداد أعضاء التنظيم والاراضي التي يعمل بها تقلصت منذ 2006-2007 عندما انضم شيوخ عشائر سنية لجهود القوات الامريكية لمحاربة القاعدة.

وقال مسؤولون عراقيون ان الفرع العراقي لتنظيم القاعدة تطور الى جماعة محلية تتألف من مقاتلين عراقيين بالاساس أصبحوا اكثر صلابة في السجون الامريكية.

وبدأت هذه العناصر تتسلل الى معاقلها السابقة وتوزع منشورات في بغداد تطلب من الناس الانضمام للجهاد. وأصبحت بعض الفصائل حلفاء للحرس القديم التابع لصدام.

وأسفرت تفجيرات سيارات ملغومة وقنابل مزروعة على الطرق عن سقوط نحو 70 قتيلا في أنحاء العراق الاسبوع الماضي في حين أن دولة العراق الاسلامية وهي الجماعة المحلية المنتمية للقاعدة أمرت أعضاء مجالس الصحوة بالعودة الى صفوفها.

وما زال للتمرد موطئ قدم في محافظة الانبار بغرب البلاد حيث اعتقد كثيرون انه فقد السلطة بعد ان تحول عدد من شيوخ العشائر ضده.

وقال اللواء طارق العسل وهو من وزارة الداخلية ان الاقتتال السياسي والفساد أضرا بالوضع الامني في الانبار. وأضاف أن رجال الشرطة والجيش في حاجة الى تعاون المواطنين معهم فيما يتعلق بالمعلومات. وأضاف العسل أن جماعات مسلحة منتمية الى القاعدة أصبحت تغير الان على مجالس المحافظات وتهاجم الطرق السريعة التي تربط بين العراق والدول المجاورة وتخطف أفراد الدورية وتستخدم أسلحة كاتمة للصوت في تبادل اطلاق النار.

وقال مسؤولو أمن عراقيون ان محافظات مثل نينوى في الشمال وصلاح الدين وديالى ما زالت مناطق مشتعلة لعمليات القاعدة. كما أن هذه العمليات تكتسب قوة في العاصمة العراقية وفي المناطق الجنوبية المجاورة.

وينظر للموصل المدينة الرئيسية في محافظة نينوى باعتبارها واحدة من اخر معاقل المدن للقاعدة في العراق. وتمول المحافظة العمليات عبر الابتزاز وجرائم اخرى بعد نفاد الاموال التي كانت تتدفق من الخارج.

وقال زهير الاعرجي وهو عضو في مجلس النواب العراقي انه في عام 2010 و2011 وقعت هجمات أقل في الموصل لان القاعدة لا تريد لفت الانظار اليها هناك. وأضاف أن الدعم المالي لدولة العراق الاسلامية في بغداد وصلاح الدين والانبار مصدره الموصل.

وفي العراق هناك العشرات من الجماعات المسلحة من السنة والشيعة التي تحارب من اجل النفوذ. ويقول مسؤولون عراقيون ان عدد المقاتلين يقدر بالالاف.

والى جانب الجماعات المنتمية للقاعدة هناك جماعات متصلة بحزب البعث المحظور ومنشقين من جيش المهدي الذي يتزعمه رجل الدين الشيعي المناهض للولايات المتحدة مقتدى الصدر وأشهر اثنتين هما عصائب اهل الحق وكتائب حزب الله.

ومن الممكن ان يسبب ما تقوم به قوات الامن في سوريا المجاورة من قمع للاحتجاجات التي تقوم بها أغلبية من السنة المزيد من الخلل في الميزان الطائفي الدقيق في العراق.

ولجأ الكثير من البعثيين العراقيين الى سوريا بعد سقوط صدام وقال الفريق كمال نائب وزير الداخلية ان التدهور هناك دفع البعثيين والجماعات المرتبطة بالقاعدة الى اظهار سطوتهم في العراق.

وقالت مصادر حكومية وسياسية ان العراق أمر مؤخرا باغلاق مخيم تابع للامم المتحدة أقيم للاجئين من سوريا بعد أنباء عن احتمال لجوء مقاتلين من السنة الى هناك.

وتحدث مسؤولون امريكيون وعراقيون عن خطر اخر متزايد يهدد استقرار العراق ألا وهو الميليشيات الشيعية المزودة بمعدات وتدريب أفضل تدعمها قوى اقليمية مثل ايران.

وقال مسؤول امني رفيع "قوات الامن العراقية كانت تستهدف اعضاء القاعدة اكثر من الميليشيات الشيعية... الميليشيات الشيعية أصبحت مؤخرا أقوى وأكثر تنظيما من القاعدة بل وأكثر خطورة."

ويقول الميجر جنرال جيفري بوكانان المتحدث باسم الجيش الامريكي في العراق ان الميليشيات التي تعلن ولاءها لقوة القدس الايرانية المتخصصة في العمليات الاجنبية تمثل خطرا على العراق اكبر من الخطر الذي تمثله القاعدة.

حتى رغم ذلك تقول السلطات الامريكية والعراقية انه في حين ان المسلحين والجماعات المسلحة ستواصل الهجمات الكببرة فانها لن تكون بالمعدل الذي كان قائما في الماضي. وقال الفريق كمال انهم يتوقعون وقوع هجمات هنا وهناك لكنها لن تؤثر على السياسة والحكومة العراقية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/أيلول/2011 - 15/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م