الارهاب وآل سعود.. عضوية العلاقة

نـزار حيدر

عندما يفلت آل سعود من العقاب اثر احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001، على الرغم من قناعة الجميع بان لهم دورا ما في الموضوع، خاصة بعد ان تبين ان كل عناصر المجموعة الارهابية التي نفذت الجريمة هم (سعوديون) لبعضهم علاقات من نوع ما بامراء بلادهم، وعندما لم يطرأ اي تغيير على العلاقة التاريخية التقليدية بين واشنطن والرياض، بعد الحدث، على الرغم من اعتراف الاميركيين وحلفائهم الغربيين بان منهجية سلطات آل سعود الداعمة للارهاب والمغذية للفكر التكفيري الذي انتج التطرف (الديني) والحاضنة للحزب الوهابي الذي فرخ الارهابيين بمدارسه و (مساجده) ومنهجه التعليمي الضال، هي التي تقف وراء هجمات الحادي عشر من ايلول، فان ذلك يعني احد امرين:

 فاما ان تكون الولايات المتحدة لازالت ترى ان بالامكان القضاء على الارهاب الذي يهددها، من دون تغيير موقفها المؤيد للأسرة الفاسدة الحاكمة في الجزيرة العربية، او انها لم تتأكد بعد من ان آل سعود يقفون وراء الارهاب العالمي الذي يتلفع بالدين المزيف لتضليل السذج وبالتالي لتجنيدهم في صفوف الجماعات الارهابية حول العالم، وكلا الامرين خطا وهو نوع من انواع الضحك على الذقون لا اعتقد بانه ينطلي على الراي العام باي شكل من الاشكال، والذي بدا يشكك في النوايا والخفايا والاهداف، ، ولذلك لا ارى اية نهاية للحرب على الارهاب في هذه الحالة، لان واشنطن وحليفاتها الغربيات تتعامل مع الارهاب كمن يسعى لتجفيف مستنقع كريه الرائحة من الماء الاسن من دون ان يقطع عنه الماء الذي يرد اليه من الروافد والانهر المتصلة به، فهل يمكنه ذلك؟.

 هذا يعني ان الولايات المتحدة حولت الحرب على الارهاب الى اداة من ادوات السياسة، فاذا صح ذلك فانها ستدفع الثمن مرة اخرى ان عاجلا ام آجلا، بعد ان دفعت ثمن احتضانها لأسرة آل سعود، مع علمها المطلق بانها الحاضنة الرئيسية للإرهاب.

 فكيف يمكن للولايات المتحدة ان تقضي على الارهاب وهي لازالت، وبعد مرور عقد من الزمن على انطلاق حربها على الارهاب، منشغله بمحاربة الاطراف تاركة المركز والعقل المدبر الذي ينتج ويصدر الارهابيين؟ واقصد به (المملكة العربية السعودية)؟ انها سوف لن تقضي على الارهاب قبل ان تقضي على سلطة آل سعود، اذ لا يمكن لاحد ان يقضي على الارهاب قبل تجفيف منابعه ومصادره وروافده الاصلية.

 ان العلاقة بين الارهاب وآل سعود هي علاقة عضوية لا يمكن الفصل بينهما ابدا، وان مثل من يحاول ان يفصل بين الاثنين كمثل من يتصور ان بامكانه ان يفصل بين الولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، فهل يعقل ذلك؟ بالتاكيد كلا والف كلا.

 فلولا التحالف غير المقدس القائم بين آل سعود والحزب الوهابي، لما انتشر الفكر التكفيري، ولما غزا التكفيريون بمدارسهم (الدينية) ومساجدهم (المشبوهة) الكثير من عواصم الدول الغربية، يدرسون فيها مناهج التكفير التي تغذي في عقول الناشئة الكراهية للاخر، وتعلمه القتل والذبح، فحولت الكثير من المغرر بهم الى ما يسميه البعض بالخلايا الارهابية النائمة، وهي، لو يعلمون، مستيقظة وغير نائمة ابدا.

 ان على الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات، وهم يحاربون الارهاب، ان يضعوا نصب اعينهم دائما هذه العلاقة العضوية بين الارهاب وآل سعود، وليتذكروا دائما الحقيقة القائلة باستحالة القضاء على الارهاب مع احتفاظ آل سعود بسلطتهم في الجزيرة العربية، ولذلك فان عليهم ان يساهموا في وضع حد لها اذا ارادوا ان يروا نهاية مشرفة لحربهم على الارهاب، فبوجود آل سعود في السلطة لا يمكن لاحد ان يتصور نهاية قريبة للارهاب في العالم، ولذلك فان الولايات المتحدة، والغرب عموما، سوف لن تكون في منأى عن تهديد الارهاب لا زال آل سعود في السلطة، والذين يجنون من البترول فقط يوميا اكثر من (الف مليون) دولار، تتسرب اكثرها الى جيوب الارهابيين، للاستمرار في تهديدهم للبشرية.

 ان الولايات المتحدة ترتكب خطا كبيرا اذا تصورت بانها نجحت في تطويق الارهاب في الشرق، بعيدا عن عقر دارها، مع وجود سلطة آل سعود، وليس في ذلك اي تهديد لها، ابدا، فالارهاب يستوطن دورهم الان، وهو لا يحصر نفسه في بقعة جغرافية معينة ابدا، فالعالم، اما ان يكون آمنا للجميع، او لا احد في ما من الارهاب، بما فيها الولايات المتحدة، وان العالم سيكون اكثر امنا بغياب آل سعود عن السلطة.

 صحيح ان الولايات المتحدة حولت مملكة آل سعود الى بقرة حلوب بالكامل على اثر احداث الحادي عشر من ايلول، وصحيح ان الرياض سلمت المفاتيح كلها الى واشنطن، فلم يعد لها حول ولا قوة، كما انها فقدت سيادتها مقابل الاوامر الصادرة لها من واشنطن في كل قضية من القضايا، حتى ان واشنطن باتت تملي قراراتها واوامرها على الرياض من دون نقاش، الامر الذي يعتبره البعض من الاميركيين اهم من عملية اسقاط سلطة آل سعود في الوقت الحاضر، الا ان ذلك لا يمكن ان يقنع الراي العام العالمي والاميركي تحديدا بجدية تعامل الاميركيين مع الحرب على الارهاب، اذ كان بإمكانهم ان يضعوا خططا بعيدة المدى لتحقيق التغيير المطلوب في الجزيرة العربية، والذي كان يمكن ان يأتي اكله اليوم وبعد مرور عشرة اعوام على احداث ايلول، الا ان ابقاء الولايات المتحدة على سلطة آل سعود في الجزيرة العربية، وهي تراها كيف تغذي الارهاب الذي ترعاه بمدارسها الدينية وبمناهجها التعليمية المتطرفة، دليل قوي يسوقه المشككون بجدية واشنطن في تعاملها مع الحرب على الارهاب.

 كيف تريد الولايات المتحدة ان تقنعنا بجدية حربها على الارهاب، وهي التي لم تغير شيئا من علاقتها بمنبع الارهاب في العالم، واقصد به اسرة آل سعود الفاسدة؟.

 ان (الممكلة العربية السعودية) هي منبع الارهاب في العالم، فبعد ان كانت شعوب مثل العراق وافغانستان والهند والباكستان وغيرها ضحية ارهابها الذي غلفته بالطائفية المقيتة فاصدر فقهاءها الفتاوى التكفيرية التي استحلوا بها دماء الابرياء واموالهم واعراضهم، اذا بارهابها يضرب اليوم، ومنذ الحادي عشر من ايلول عام 2001، يمينا وشمالا، من دون ان يفرق بين شعب وآخر او بين اهل دين وآخر، لان الحزب الذي يرعاه آل سعود، واقصد به الحزب الوهابي، ينظر لكل من لا يعتقد او يؤمن بمتبنياته الفكرية الفاسدة بانه كافر ومشرك لا يستحق ان يتمتع بحياته لحظة واحدة، ولذلك شرعنوا الكراهية والحقد والغاء الاخر كعلل يبررون بها قتل الاخر مهما كان دينه او مذهبه او اثنيته، فليس المهم عندهم الانسان وهويته، اذ يكفي، ليحكموا عليه بالموت، انه لا يأخذ بأفكارهم ولا يؤمن بمعتقداتهم المتخلفة والفاسدة والمنحرفة.

 لقد ظل العالم يتنفس الصعداء منذ سقوط الطاغية الذليل صدام حسين في التاسع من نيسان عام 2003، بانتظار ان تتحرك الشعوب العربية لتسقط النظام السياسي العربي الفاسد، الذي احتضن اسباب الارهاب، ومنها الجهل والتخلف والمرض والسحق المنظم لحقوق الانسان والقمع والتجويع والتمييز الاثني والطائفي وسياسات مثل تكميم الافواه ومصادرة حرية التعبير وملاحقة المعارضة وزجها في قعر السجون واغتيالها، الى جانب الحروب العبثية التي يشعل اوارها بين الفينة والاخرى، واليوم وقد نجحت عدد من هذه الشعوب في تحقيق المراد من حركتها الشبابية التغييرية، والتي ستساهم، اذا ما نجحت في تحقيق الديمقراطية في بلدانها، في القضاء على الارهاب، اذا بسلطة آل سعود تتحرك بسرعة لتطويق هذه الثورات وتهديدها بالحزب الوهابي الذي عاد لينشط في هذه البلدان للحيلولة دون اقامة شعوب هذه البلاد للديمقراطية، ما يعني بشكل قاطع ان (الممكلة العربية السعودية) تحاول افراغ المحتوى الحقيقي للثورات الشبابية والالتفاف عليها لإفشال مشروعها الرامي الى استبدال النظام السياسي العربي الديكتاتوري بنظام ديمقراطي يعتمد الحرية والكرامة والمساواة والمشاركة الحقيقية، وتكريس مبدأ التداول السلمي للسلطة، في اطار نظام سياسي دستوري يكون فيه القانون فوق الجميع، ليس لاحد ميزة على الاخر الا بالانجاز الصحيح والسليم.

 لماذا لا تتحرك الولايات المتحدة لايقاف آل سعود عند حدهم، فتحول بينهم وبين اي نوع من انواع التدخل السلبي الذي سيضر بثورات الشعوب، وتاليا بالمجهود الرامي الى اقامة الديمقراطية، والذي سيصيب، اذا ما نجح، كل الجهود الدولية الرامية الى القضاء على الارهاب؟.

 الم تتبنى الولايات المتحدة، بعيد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001، مشروع نشر الديمقراطية في العالم العربي، كاسلم الطرق لتجفيف منابع الارهاب التي تحتضنها الديكتاتورية عادة؟ فلماذا لا تساعد الشعوب العربية المتحررة للتو من ربقة الديكتاتورية لتقف على قدميها وهي تسعى لاقامة الديمقراطية في بلدانها، فتمنع آل سعود وحزبهم الوهابي من عرقلة هذه الجهود؟.

 ان الولايات المتحدة ستتحمل كامل المسؤولية اذا فشلت الشعوب العربية التي اسقطت انظمتها السياسية الديكتاتورية الفاسدة، في بناء النظام الديمقراطي على انقاضها، لانها تقف اليوم متفرجة على التدخلات السلبية لحليفها التقليدي آل سعود في هذه البلدان من دون ان تردعها او توقفها عند حدها.

 ان التأثير السلبي لسلطة آل سعود في البلدان العربية المتحررة للتو من الديكتاتورية والرامي الى افشال جهود شعوبها والحيلولة دون اقامة الديمقراطية، ان كل ذلك لان اسرة آل سعود ترى في الديمقراطية تهديدا مباشرا لسلطتها الفاسدة، فبعد ان تنجح الشعوب العربية في اقامة نظام سياسي ديمقراطي، سيحاصر (المملكة العربية السعودية) من كل الجهات، الامر الذي سيحاصرها في عقر دارها، ما سيسقط شرعيتها، وعندها سيكون آل سعود ومن لف لفها من الاسر الفاسدة الحاكمة في دول الخليج امام خيارين لا ثالث لهما، فاما ان تبدا بعملية اصلاح سياسي حقيقي سيهز اركانها بمرور الزمن، او ان تنتظر الطوفان القادم لا محالة على يد شعوب المنطقة التي تستجمع اليوم قواها واراداتها التي نجحت الاسر الحاكمة في تشتيتها وللاسف الشديد تارة باسم المذهبية واخرى باسم التطرف والتزمت، وثالثة بادوات التفريق بين الدين والعلمانية.

 ان على الولايات المتحدة ان تثبت انها بريئة من السياسات المدمرة التي يمارسها آل سعود في الدول العربية المتحررة للتو، والا فان شعوبها سوف لن تغفر لها سكوتها الذي يعده كثيرون بانه الضوء الاخضر الذي تعطيه واشنطن للرياض لتفعل ما تريد في هذه البلدان.

 كما ان سكوت واشنطن على الرياض دليل يسوقه كثيرون على الدعم الذي يلقاه (الدين المزيف) الذي تروج له وتمتطيه (المملكة العربية السعودية) لإفشال مشروع الديمقراطية في العالم العربي، من جهة، وكذريعة لاستمرار الغرب في توجيه التهم الباطلة الى (الاسلام) ونعته بالارهاب، للتحريض على صدام الحضارات وتوسيع الهوة بين الشرق والغرب، الامر الذي يستفيد منه المتطرفون في كلا الجانبين.

 ان على الغرب ان يحذر من مغبة التفات الشعوب العربية المتحررة للتو لسياساته الداعمة لنظام آل سعود وسياساته التخريبية، فبعد ان تنبهت هذه الشعوب للخطر العظيم الذي يمثله آل سعود والحزب الوهابي على ثوراتها وجوهرها الحقيقي، تكون الفرصة السانحة قد حطت برحالها ليبدا الغرب بفك ارتباطه بهذه الاسرة الفاسدة التي ستظل تبذل كل ما بوسعها من اجل افشال اي مشروع للديمقراطية في العالم العربي، كما فعلت من قبل في العراق، والذي ظلت الى اليوم تعرقل جهود ابنائه للحيلولة دون تحقيق الامن والاستقرار.

 ان الديمقراطية وآل سعود على طرفي نقيض لا يجمع، ولذلك لا يمكن ان نتصور نظاما ديمقراطيا في العالم العربي بوجود آل سعود في السلطة، ولان الشعوب العربية انتفضت اليوم لإسقاط النظام السياسي العربي الفاسد، ولذلك فان من مصلحة الجميع، بمن فيهم الغرب، ان تزاح اسرة آل سعود عن السلطة، لنطمئن على الديمقراطية الوليدة في العالم العربي، ولتتحرر الشعوب العربية من خطر النهج التكفيري الذي تعتمده اسرة آل سعود الفاسدة باحتضانها للحزب الوهابي التكفيري، الذي يعتمد الكراهية والغاء الاخر واستباحة الدماء والاعراض والاموال كأدوات لتحقيق غاياته الفاسدة وغير النبيلة، التي تعرض البشرية لخطر الارهاب المستمر.

* مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 14/أيلول/2011 - 15/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م