قراءة التطلعات والرؤى في فكر الإمام الشيرازي

الشيخ ناجي زواد

هـموم وتطلعات

قليلون هم الذين نذروا أنفسهم طوال الحقب التاريخية للتصدي لعملية التغيير والإصلاح في تاريخ الأمة، وقد بدلوا كل ما بوسعهم رغم ما يجري عليهم من ظروف قهرية، وأحوال صعبة، لتصحيح مسيرة الأمة وتجديد فاعليتها وفكرها وثقافتها، وعلى ممر التاريخ الإنساني قلما برز من يقوم على صياغة مناهجها وتراثها ضمن نظريات ورؤى تنهض بها من وهدة الضياع والشتات، وتدفع بها إلى ركب الحضارة والانطلاق.

ولقد كان رجال التاريخ الذين مثلوا بجهودهم ومساعيهم أعمق نهضة إنسانية عريقة الذكر، لاستنهاض إمكانيات الأمة وحفظ تراثها وهويتها، تجاه الأخطار التي كانت تهدد شخصيتها ومكانتها من الاستلاب والتجريد من كل ما تملك من مدخرات معرفية وحضارية، وساهموا بشكل كبير في استنبات المناخ الصحي الذي يحقق لها العافية والرفاه، والأمن والاستقرار.

ومن الذين غدوا بإسهاماتهم وعطاءاتهم لإصلاح وتغيير الوضع الداخلي في الأمة، وتجديد فكرها وثقافتها لاستنهاض قدراتها وإمكانياتها الإمام الشيرازي (قدس سره) وقد طرق الكثير من الأبواب وتعرض لمحاور متعددة، وكان له في هذا الفن خبرة واسعة، حيث أثرى ساحة الأمة بإعماله الأدبية والفكرية والمهنية، واستطاع أن يصل بكثير من المفاهيم والرؤى وعلاقتها بهدي السنة المطهرة وروح الدين الأصيل، وأصل لكثير من العلوم والمعارف بما توفر بين يديه من أدلة شرعية، وأتت استنباطاته سلسة، تفكك الرموز الغامضة، لتصل مفاهيمها إلى سائر العقول وتصلح أن تكون منهجاً علمياً وعملياً.

ولن نضيف كثيراً إذا قلنا أن أعماله المتناثرة بين موسوعات ضخمة، ومؤلفات فريدة، ومؤسسات منتشرة في الأصقاع، تمثل طاقة مشعة حملت من هموم الأمة وقضاياها الشيء الكثير، الأمر الذي استدعى كل هذه التضحيات الجزيلة، والحركة الدائبة، طوال مشوار حياته، ولم يدخر وسعاً لإيصال الكلمة وبث وسائل الوعي والمعرفة، لتحقيق هدفه الأصيل (حكومة ألف مليون مسلم) ناهيك عن التطلع الواسع الذي حلق به عبر أفكاره واستنباطاته الوافرة، وجلها كان يحتضن تلك الأهداف المنشودة.

فقه متحضر

ثم أنه أسبر غوراً في علوم الفقه والأصول فأتقن معانيها ومقاصدها، فعالج بها قضايا العصر وموضوعاته الحساسة، فجاءت لتواكب علوم عصرنا الحديث، فسد النقص في مجالات مختلفة ونواحي متعددة، وفتح أبواباً للحوار والمناقشة في أندية العلم والفقه، وكان حريصاً أن يتناول محاور ملحة، وكانت الضرورة تستدعي الكشف عن مدى علاقة علوم الفقه بوسائل الحياة ومقتضياتها، فكما أسهب في مناقشة القضايا الفقهية والأصولية، وأسبغ لها من الأحكام الشرعية ما تيسر من أدلة وبراهين، فقد توسل بها لتكون مدخلاً على نافذة العلوم الإنسانية، والقضايا الحياتية، فأبدع بحسن فهمه وعراقة معرفته في نظرياته وتطلعاته التي أتت مواكبة لركب الحضارة الإنسانية، فوضع نظريته في الاقتصاد وأزاح كل غموض وخلل يعتري طريقها، وتناول فصولها بدقة متناهية، وكذا الحال في رؤيته للسياسة، وهي من الأبواب الحساسة جداً، ولم تقف تطلعاته عند هذا الحد، بل مضى يؤسس دائرة معرفية واسعة النطاق، فهرعت يراعه الشريفة تتحدث عن نظرية الاجتماع، لما لها من أثر كبير على بناء نسيج الأمة وصياغة شخصيتها وفكرها، وهكذا اقتحم موضوع الإدارة بشيء من الإسهاب والشرح المفصل، ثم أطلق تصوراته في القانون، وما ينبغي قيامه عليه، وناقش نظرياته بدقة علمية وحنكة المتطلع الخبير، وعضد دائرته المعرفية بأبواب مختلفة منها في شأن الحكم الإسلامي، ومنها في علاقة الإنسان بالبيئة، وما يستوجب عليه من حفظها وصيانتها، ومنها فقه المرور، وهي أراء حديثة أفاض عليها من حلة الشريعة وعلوم أهل البيت (عليهم السلام) الشيء الكثير.

ويمكن لنا أن نلخص تلك الانطلاقة العلمية الرائدة في الأبعاد التالية:

1 - شغفه واهتمامه بالعلوم الشرعية والإنسانية، وكان مولعاً بالمطالعة ومحباً للكتاب، وكانت ثقافته وأفكاره تكشف عن عمق هذه الأبعاد في شخصيته، ولم يفرط بأي حال من الأحوال في أوقات فراغه دون أن يشغلها بالعطاء.

2 - هضمه للمطالب وسرعة فهمه لمقاصدها، مما كان يعينه على كشف ارتباطها بالمعارف والعلوم الإنسانية، لتتواصل مسيرة الحركة الفكرية المواكبة لقضايا العصر ومفاهيمه.

3 - الإبداع الراقي في تناوله للأفكار والموضوعات الحساسة التي اقتضت الدقة العلمية والموضوعية الشاملة في التعاطي معها، ولم تنقصه الشواهد والرؤى لعرض مرئياته بوضوح تام يسهل على المتلقي هضمها والانسجام معها.

عنوان للتاريخ

ومهما نسج وقيل من إطراء وثناء في حقه فهو قليل، إذ نذر أن يولد عبر هذه العصور والأجيال المتلاحقة شخصية مشابهة له في العطاء والتطلع، وسعة المعرفة والثقافة، وسبر غور العلم، لتتفتح بين يديه مناهلها، فتتناثر الأفكار والرؤى بوفرتها من بين ثناياه وأنامله، بل لن نعطيه كل حقه مهما خلعنا عليه من أوسمة، فلقد كان رجل تاريخ وتاريخ أمة، ينطلق عبر قنواتها بعنفوان الشباب والمراهقة، فما كان لنشاطه وفاعليته قدر محدود، فسارع مساحات الزمن، وكان طوفانه يخترق أتون المحن، ويبدد الصعوبات المستعصية، ورغم ما عانى من انتقاص لمكانته العلمية، إلا أنه كان يسترسل في عطاءه وجهاده، دون أن يعتريه ضجر أو ملل، ولا يكاد يكلل تضحياته بإنجازات متلاحقة ومتميزة، إلا وتدفقت بين يديه من المفاهيم والرؤى، مآثر نفيسة، ولن نبالغ إذا ما زعمنا أن ما جاشت به نفسه، وصاغته روحه، من علوم ومعارف وثقافة، بحاجة إلى مساحة تاريخية واسعة كيما يستوعب، وتأتي ثماره الخيرة، ولقد كان إيمانه الكبير هو الذي يدفعه لتقديم كل تلك التضحيات والإنجازات، ولطالما شملته عناية السماء فوفقت حركته ومساعيه، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت/69.

المدرسة الشيرازية

لقد انحدر المرجع السيد الشيرازي (قدس سره) من أسرة علمية عريقة الذكر، كان لها الصدارة في مجال الفقه والإصلاح ومقارعة مدّ الاستعمار في الأمة، ولقد ورث عنها الخصال النفيسة، واكتسب منها علمه وجهاده وتضحياته، وظل طوال مسيرته العلمية والجهادية يعنى بإرساء أسس هذه المدرسة وتأسيس كيانها، وكانت عطاءاته الجزيلة تدعم هذا البناء، الذي حمل من التصورات والرؤى ما يطلقها لخدمة المجتمع وإثراء مسيرته، وكان هم هذه المدرسة الإصلاح والتغيير، وتجديد فكر الأمة وثقافتها، لتكون أقدر على مواجهة الأخطار المحدقة بها، ومنذ أضحى المستعمر يعبث بهوية الأمة وشخصيتها وموروثها الحضاري، كان رعيل من أبناء الأمة في مقدمتهم العلماء الأجلاء تتواصل مساعيهم الحثيثة لإعادة ما استلب منها، ولا مناص من أنه طرق مواضيع متعددة تناول فيها ما استخدمه المستعمر واستفاده من وسائل وسبل للسيطرة والتحكم بمقدرات الأمة وواقعها، وبحث في الكثير من تأليفاته عن الحيثيات التي يتخلص فيها عالم المسلمين من تحكم المستعمرين والمستبدين بواقع الأمة.

وصفوة القول إن المرجع الشيرازي أجاد (قدس سره) مواصلة عطاء هذه المدرسة، ودعم بناءها بأسس متينة، وطور مناهجها ووسائلها بما يجعلها متمكنة من البقاء والاستمرار مدة أطول في عالم العطاء والتضحية، لتكرس جهدها في خدمة المجتمع.

الأخلاق الفاضلة

مع جهد الأنبياء والرسل (عليهم السلام) وعناءهم الدائم وفي مقدمتهم رسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت السماء تقدر لهم كل ذلك العناء والمشقة، غير أن القرآن الكريم حين أراد الحديث عن تلك الإسهامات العظيمة التي قدمتها الرسالة طوال مراحل الدعوة، كان العنصر الأخلاقي المتميز يتجلى في تحقيق المكاسب، فقال عز وجل: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم/4. وقال تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ﴾ عمران/159. فأضحى العنصر الأخلاقي العامل المؤثر في بناء خط الدعوة، فمضت سيرة الأوصياء والصالحين تقتفي هذا الأثر، وكان العلماء الأجلاء يسطرون صفحات حياتهم بمآثر أخلاقهم، فجاء المرجع الشيرازي (قدس سره) ليحيي هذه السنة بدماثة أخلاقه، وافقه الواسع في التعامل مع سائر الأطراف والتوجهات، وكان القريب والبعيد يألف فيه الخلق الرفيع، ويلامس هذه الأحاسيس الجياشة بما تحمل من مناقبية وقيم، وكانت هذه الأخلاق تحتضن الصغير والكبير، القريب والبعيد، الصديق والمعادي، وكان يؤثر البساطة في سائر أموره الشخصية، ويوصي المقربين منه بذلك، وطوال مسيرة حياته النضالية أبى أن يعيش إلا متواضعاً، مقتفياً بذلك سيرة الصالحين والأئمة المعصومين (عليهم السلام)، ورغم ما كان له من المؤيدين والأصدقاء من كافة أبناء المجتمع وتوجهاته، وفيهم الأثرياء والوجهاء، وكانوا يبدون لسماحته عدم ارتياحهم للوضع الذي يعيشه، فيلتمسون منه أن يهيئوا له داراً تتناسب مع وضعه ومنزلته، لكنه كان يرفض ويطلب منهم أن يكون عطاءهم لتأسيس المشاريع الخيرية، ودعم العمل الرسالي، وجاء هذا البعد ليأصل لوناً جديداً من التألق الفكري الذي يتجاوز الأطر الشخصية والمحاور الذاتية التي تعيش الأنانية الفردية، ولا تشارك الآخرين همومهم وقضاياهم.

تألق مرجعي

جهدت الحوزة العلمية طوال حقبها التاريخية لرعاية أمر المسلمين، وأتت مساعيها الخيرة لحفظ تراث الأمة وأصالتها من الاستلاب والضياع، وكانت مشاريعها تقوم على تكريس واقع التدين في المجتمعات المؤمنة، وبقت المرجعية طوال عهودها المحور الذي يلتف الناس حوله، ليستقون عنها مبادئ الدين وتعاليمه الأصيلة، وعنت لنشر العلوم والمعارف لتعضد مسيرة الأمة بالفكر والثقافة، ولم يتوانى العلماء الأعلام من إيصال قبس الهداية إلى سائر الناس، فأضحى الهدف الذي يبتغيه رجالات العلم هو تبصير المجتمعات وتفقيههم بأمور دينهم، ورفدهم بمنطلقاتهم في الحياة، ولقد اكتسب المرجع الشيرازي (من أسلافه العلماء التطلع والطموح، فلم تكن المرجعية بالنسبة إليه تعني العكوف على دروس الفقه والأصول والمنطق والنحو، لتعزله عن هموم وتطلعات الأمة، بل كان يستلهم من روح الشريعة الغراء ما يعينه على خدمة المجتمعات وإثراء واقعهم بالمعارف والعلوم، فيطلق نظره بعيداً ليعالج ما استعصى من أمور ملحة، ولطالما كشف عن مدى تعمقه وانفتاحه على قضايا المجتمعات، ولم يكن مرجعاً يغفل مجريات الحياة وخصوصياتها الملحة، بل كان يواكب مسيرة العصر، فينقدها بسعة تطلعه وخبرته، هذا فضلاً عن أحاطته الواسعة بقضايا الأمة، ورؤيته العميقة بشؤونها، الأمر الذي جعله أكثر إحاطة بقراءة الواقع ووضع العلاج المناسب لعلاج الظواهر المرضية، وكان مشروعه المرجعي يحمل هموم إصلاحية واسعة النطاق اقتضت تفرغه وانشغاله التام لتأسيس المؤسسات التي تباشر هذه الأدوار، واستدعى ما أمكن من وسائل وآليات لتيسير مسيرتها واستنهاض قدراتها.

ومن سماته المميزة احترامه الكبير لأهل العلم، فمع ما كان يتمتع به من تأهيل علمي راقي ومتقدم، سبق به الكثيرين في مجالات مختلفة، سيما آفاقه وتطلعاته الرحبة التي دفعته لإطلاق حركته وجهاده، إلا أنه لم يكن يقصي أحداً من أهل العلم، بل كان يجلهم ويقدر عطاءهم وجهدهم، وإذا كان دور العلم والعلماء ظل مغيباً أحقاباً متلاحقة في واقع الأمة، فقد كان يبذل جهداً كبيراً في استحضار مآثرهم وسيرهم، دون أن يخفي إعجابه واحترامه الكبير لهم، ورغم ما كان يحضره من أحداث التاريخ ووقائعه، إلا أنه كان يدعم أفكاره وتصوراته بشواهد من تاريخ العلماء، ولقد ابتغى بذلك تكريس دور العلماء وما يتحملونه من مشاق وصعوبات في هذا الطريق، وكان مع ما أنتج من موسعات وكتب تجاوزت الألف كتاب، إلا أنه كان يحترم عطاءهم ويثني على إنجازاتهم مهما كانت، يسيرة أم كبيرة، ولم يكن هذا حض الأموات فحسب، بل كان تعامله مع الأحياء الذين عاصروه.

رسالية التأليف

لقد نهضت رسالة الدين منذ نشأتها الأولى بواقع المسلم لتعتقه من التخلف والانحطاط الذي كان يسيطر على الحياة بكافة ميادينها، وكان ذلك يستدعي الاهتمام بوسائل العلم والمعارف، لإطلاق مسيرة المجتمع، كيما تتقدم وتتطور أموره إلى الأفضل والأحسن، وسعت بكامل قدراتها لتهيئة العقول للاستجابة والانسجام مع المعارف والعلوم، وشجعت لاستخدام كافة الوسائل المتاحة للمحافظة على هذا النتاج المعرفي، بالحفظ والكتابة، فورد في الحديث الشريف: «قيدوا العلم بالكتابة» كيما يتواصل هذا التراث مع الأجيال المسلمة، جيلاً بعد جيل، وجاء عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام): «من مات وميراثه الدفاتر والمحابر وجبت له الجنة»[1] ومنذ تلك الدعوة كان المسلمون يتعاقبون على هذا الشأن الذي بعث بهم إلى التقدم والنهوض.

لم تكن الكتابة والتأليف في حياة المرجع الشيرازي (قدس سره) هواية يتمسك بها، أو موهبة ينميها، وإنما كانت رسالة يبتغي بها نشر الوعي وإيصال الكلمة الصادقة إلى جماهير الأمة، ولذلك لم يراع فيها دقة الصياغة وانتخاب الألفاظ قدر ما كان يهتم بإبراز الرؤى والأفكار، لذلك اعتمد في جل أعماله الأدبية على تسهيل المطالب وتبسيطها قدر الإمكان، لتأتي نافعة لسائر قطاعات المجتمع، ومنذ أن بدأ مشروعه الكتابي انتهج ذات الأسلوب في الطرح والمناقشة، ولطالما كان يكثر من الشواهد التي تقرب لقراءة هضم الرؤى والأفكار التي دأب على نشرها، وغني عن الذكر أن نقول: أنه لم يكن قليل المعرفة بأساليب التعمق في البحوث وإنشاء الطلاسم الغامضة على الإفهام، لكنه كان يتبع سبيل التيسير فيما يدعو ويبشر به، انطلاقاً من الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا» بل مضى في بعث رسالته إلى براعم الأمة، فأفرد لهم مساحة من عطاءه، فكتب القصص، وطرح الأفكار في تبسيط تام، في الثقافة والعقائد والتاريخ.

ثم أنه خاض محاور مختلفة ليخاطب بها سائر القطاعات والطبقات، ليستنهض القدرات والكفاءات ويدفع مسيرتها في ركب الحضارة والتقدم، وكان عطاءه المعرفي ثروة فكرية رائدة أسهمت في استنبات المناخ الثقافي في الأوساط الإيمانية، ودفعت مسيرة الرؤى والأفكار في عالم المعرفة، فلا يمكن لأي انطلاقة أن تتقدم إلا بتبني الرؤى والأفكار، يقول الإمام علي (عليه السلام): «اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة»[2].

ورغم ما كان يقوم به من دور كبير في الكتابة والتأليف، كان يكثر من إلحاحه على الطلبة والمهتمين بالشأن الثقافي والديني، على امتهان وظيفة الكتابة والتأليف، ولم يتخلى عن توجيهه وتشجيعه الدائم، وببركة مساعيه وتوصياته أهتم جمع من العلماء والمثقفين بالكتابة والتأليف، وأثروا الساحة بموضوعاتهم الهادفة، ولا زالوا يواصلون في هذا الجانب.

ومحصلة الحديث فقد انطلق المرجع الشيرازي (قدس سره) في عالم الكتابة والتأليف من المحاور التالية:

1 - الهدفية.. وهي تبتغي تذليل المطالب وتسهيلها لتصل إلى عامة الناس بكافة مستوياتهم وتوجهاتهم، وإثراءهم بالعلوم والمعارف، وكشف الحقائق الداعية لخلاصهم من الأمية المعرفية.

2 - نشر وسائل الوعي في ربوع الأمة، وكانت نشراته المتناثرة في أصقاع العالم تكرس هذا التوجه في أجيال الأمة، سيما الناشئة الذين تفاعلوا وانسجموا مع تطلعاته وأفكاره، ووجدوا فيها السبيل إلى تحقيق الطموحات والأهداف.

3 - استنهاض الواقع للاندفاع في ميادين العمل، فالساحة لا تتقدم بالنظريات والأفكار فحسب، وإنما هي بحاجة إلى النشاط والفاعلية في المجالات المهنية، بل لا تتكون مسيرة التكامل إلا من خلال انسجامهما وتعاضدهما على هذا الصعيد.

منطلقات المأسسة التوعوية

العظماء في التاريخ لم يتقوقعوا في زوايا ضيقة في الحياة، ولم ينطلقوا من فكر محدود، يقتصر على مرئيات قشرية ومفاهيم لا تتعدى النظم التقليدية، بل كانوا ينفتحون على الحياة بكاملها، وينطلقون في رحاب الفكر والمعرفة ليستلهموا منها العمل والكفاح والنشاط في سبيل الإنسانية المعذبة، فعشقهم للعلم لم يأت في طريقهم ليجعلهم في مصاف العلماء فحسب، وإنما كانت الرسالة التبصيرية التي تكشف لهم السبل الهادية لاختراق مجالات العمل وتكريس النشاط والفاعلية في ميادين الحياة، هي الهدف الأسمى الذي يدفعهم لتحمل المشاق والعناء في سبيل تحصيل وكسب المعارف والعلوم.

وبقدر ما كان المرجع الشيرازي (قدس سره) مفعماً بالحيوية والفاعلية والنشاط، فإنه أضاف إلى أعماله ومشاريعه، محاور وأطر متعددة كيما تأتي على تكميل أهدافه ومنطلقاته، فجاءت دعوته الدائمة لإنشاء المراكز والمؤسسات والهيئات التي تدعم سير النهضة، فبادر منذ إطلاق حركته النهضوية إلى تأسيس المشاريع الخيرية، وكانت بمثابة انبعاث تيار الصحوة في الأوساط الجماهيرية، ولم تأت هذه الحركة لتكشف عن مقدرة التوجهات الإسلامية على التنظيم والانبعاث من جديد لتبني هذه الأدوار فحسب، وإنما كانت تحتضن ذلك التطلع الذي يحقق الطموحات والأهداف الكبرى، التي تبتغي الوصول لها، وقد تعددت أطر تلك المؤسسات وأهدافها، وكانت تقوم بأدوار ريادية وتوعوية في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية، ولها من معطيات التأثير في الجوانب الدينية والفكرية والثقافية الشيء الكثير، ونذكر منها:

1 - إنشاء دور لحفظ القرآن الكريم بمختلف المراحل والمستويات.

2 - بناء المساجد والحسينيات.

3 - تأسيس الهيئات التوعوية للشباب.

4 - إنشاء المكتبات العامة للمطالعة.

5 - إرسال المبلغين في أقطار بلاد العالم.

6 - بناء المستوصفات الخيرية لعلاج المرضى.

7 - إصدار النشرات والمجلات الإسلامية.

8 - افتتاح المراكز الإسلامية في أقطار العالم.

9 - إنشاء صناديق خيرية.

10 - توفير هيئات للتزويج وتيسير أمور الزواج.

إلى غيرها من المشاريع والمؤسسات التي أسست لخدمة المجتمع ودعم تطلعاته وطموحاته، واستقطاب طاقاته وكفاءاته وتفعيلها في حركة نهضة الأمة وانطلاقتها، ومن التصورات التي يشير إليها عبر كتاباته وتوجيهاته، ما جاء في كتاب (الحكم في الإسلام) حيث يقول: المجتمع الإسلامي يجب أن ينقلب إلى ألوف المؤسسات حتى يصبح دولة عصرية آمنة من التزعزع والانهيار والانهزام أمام الأعداء.[3].

وهكذا يشير في موضع آخر إلى ضرورة إنشاء ودعم المؤسسات الاجتماعية لتتحسن أوضاع الناس، فيقول: من الضروري إيجاد النقابات والتكتلات والهيئات والجمعيات لتحسين أوضاع الناس، وتقديم البلاد إلى الأمام فإن «يد الله مع الجماعة» و«المسلمون كالبدن الواحد إذا اشتكى عضوا اشتكت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»[4].

تطلعات تغييرية في الواقع المسلم

في ظل الظروف التي يعيشها العالم المسلم، من تراكم الأزمات وانحراف الأيدلوجيات، وتخبط في المسيرة الدينية والحياتية، ظل السيد الشيرازي (منذ حداثة سنه يضع كامل تصوراته ومرئياته في تغيير هذا الواقع، الذي لن يتم إلا بإرادة جماهيرية واسعة النطاق، والتفافها حول المصلحين والمغيرين من عقلاء الأمة ومثقفيها، ودون في جملة من تأليفاته ملامح نظريته في العمل التغييري، والتي منها: السبيل إلى إنهاض المسلمين، والصياغة الجديدة لعالم الإيمان والحرية والرفاه والسلام، وممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، إلى غيرها كثير.

ومن الضرورة بمكان معرفة أن نظم التغيير لا تتم إلا من خلال إرادة جماهيرية حقيقية تنبعث من رحم الأمة لتمارس دور التغيير والإصلاح في ربوعها، ولكي تتواصل بركة هذه النواة عمقاً وتجدراً ونمواً في حركة النهضة، ينبغي على المصلحين والمخلصين والشرفاء بشتى شرائحهم وتوجهاتهم أن يجتهدوا على تعبئة الجماهير ورفدها بالأفكار والرؤى التي تقدم من وعيها وثقافتها ومعرفتها.

وفي خضم هذه الرؤى والتطلعات كان المرجع الشيرازي (قدس سره) يبادر في نشر ثقافة الوعي وتصحيح المقاصد والأهداف، ويدعو عبر سائر الوسائل والأدوات الإعلامية إلى التغيير بما أمكن، لإخراج الجماهير من النفق المظلم الذي يسيطر على مقدراتها وإمكانياتها، وأمام ما يواجه الأجيال من أخطار ثقافية تهدد استقامتها وتمسكها بتراثها وأصالتها، كان يباشر في وضع الأسس التي تنبني عليها تطلعات المسلم وعقيدته في غمار الحياة، ومن جملة ما أكد عليه في دفع حركة التغيير الأمور التالية:

أولاً: بناء نهضة ثقافية:

من أولويات ركائز التغيير نشر الثقافة الإسلامية الهادفة بشتى الوسائل المتاحة، بين مرئي ومسموع ومقروء، ولا يخفى ما لها من تأثير كبير على صياغة الأجيال وبلورة أفكارهم ومعتقداتهم، ولقد أضحت النظم القائمة تندفع للاهتمام بهذا العنصر، وباتت تنفق في سبيله الشيء الكثير، من وقتها وجهدها، إضافة إلى تأسيس المعاهد الدراسية والمراكز المتخصصة بتعميم هذه الثقافات والأفكار، وقد نصاب بالدهشة حين تطالعنا الإحصائيات عن الكم الهائل من الإنتاج الثقافي والمعرفي.

ففي دراسة ترجمها مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية في أبو ظبي ظهر أن الإنتاج الإسرائيلي من الكتب يوازي أربعة آلاف كتاب في السنة، في الوقت الذي تنشر في مصر - وهي أكبر منتجة للثقافة العربية - حوالي 280 كتاباً في العام.

ليس هذا فحسب وإنما.. أحصيت أخيراً خمسة عشر مركزاً للدراسات الإستراتيجية والسياسية في إسرائيل مهمتها البحث وتقديم الدراسات عن العالم العربي، وهي منتشرة في جامعات تل أبيب، وحيفا، وبن جوربون، والعبرية في القدس، ويرأس هذه المراكز متخصصون في دراسات الشرق الأوسط واللغة والثقافات الشرق أوسطية والعلوم السياسية والاجتماعية[5].

وتؤكد دراسة علمية نوقشت في كلية الإعلام، في جامعة القاهرة، أن 2880 جريدة ومجلة، وما يقارب 4000 محطة تلفازية، وما يزيد على 490 دار نشر تصدر نحو 3000 كتاب سنوياً بجميع اللغات وأن أكثر من 1150 محطة إذاعية مملوكة لمراكز وجهات وشركات يهودية؟!! ويذكر أن الإنفاق على البحث العلمي والتطوير بلغ لدى الكيان الصهيوني نحو 1.8% من إجمالي الناتج المحلي بينما لم يتجاوز 02% في الدول العربية كافة!؟ ووصل عدد الدوريات العلمية الصادرة من قبل اليهود في فلسطين المحتلة، 370 دورية بينما يصل عددها في الوطن العربي 173 دورية، وبمقارنة دولة صغيرة مثل بلجيكا تبلغ إصداراتها ما يقارب 12000 ألف سنوياً، بينما عدد السكان في الوطن العربي أصبح ما يقارب 300 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي ما تنتجه دور النشر العربية ما يقرب 8000 سنوياً في مختلف الميادين العلم والمعرفة أما اليابان فتصدر (35) ألف عنوان سنوياً تقريباً، وهذا ما يمثل ضعفي ما ينشر في الولايات المتحدة.

وخلصت إليه طاولة مستديرة نظمتها أكاديمية العالم الثالث للعلوم في مدينة تريستا الإيطالية، قدم فيها باحثون أرقاماً مقلقة فموازنات البحث العلمي في العالم العربي لا تتجاوز 02% من الدخل القومي مقارنة مع 22% في اليابان أي أكثر بـ110 أضعاف وفي المقابل موازنات البحث العلمي الضئيلة، يصرف العرب 7% من دخلهم القومي على التسلح أي 35 مرة أكثر مما يصرفون على العلم، أما عدد الباحثيين العلميين العرب، لا يتجاوز الـ20 ألفاً من أصل 282 مليون شخص يقطنون في الوطن العربي[6].

ولا غرو أن هذه الثقافات تخترق الآفاق، وتجتاز كل الحواجز والسدود، ونحن اليوم أمام هذه الأخطار لا نأتي إلا بالقليل من النتاج الثقافي، وتكاد تكون في مجالات محدودة جداً، ولا يمكن لثقافتنا أن تنهض بواقعنا وتجابه ذلك السيل الجارف إلا حين تكون بالمستوى المناسب مع متطلبات واحتياجات الواقع، ومن هذا المنطلق يفترض المرجع الشيرازي (قدس سره): أننا لو ألفنا ألف مليون كتاب ووزعنا هذه الكتب في كل البلاد الإسلامية فستكون حصة كل فرد مسلم كتاباً واحداً[7]. بل تجده يدعو إلى تدويل الفكر الإسلامي، إذ لا زالت المراكز الإسلامية المختصة بهذا الشأن ينقصها الكثير، فضلاً عن قلة الدعم الذي تلقاه، وينقل عن بعض المجلات أن الاتحاد السوفيتي طبع ووزع في سنة واحدة فقط، واحد وعشرين ملياراً من الكتب، ويضيف قائلاً: لقد ترجم كتاب ماوتسي تنخ (الكتاب الأحمر) إلى أربعمائة لغة رغم عدم مرور حتى نصف قرن على تاريخ انتشار (الماركسية المادية)[8]. ففي الوقت الذي تلقى الثقافة كل هذا الاهتمام من العالم الخارجي لا نتعاطاها إلا في أطر محدودة، مع أن دعوة الإسلام الأولى كانت التأكيد على هذه المادة، وندبت المسلم ليتقصى نور الحكمة ومنابعها أينما كانت ليستل منها وعيه وفهمه، لكنه تخلى فأضحى عرضة للأخطار.

ثم أن الثقافة أضحت المعلم المؤثر في عالم الحياة، وهي ركيزة أساسية من ركائز البناء والتطور في التصور الحضاري، ومن مقومات البعث في نهضة الأمم وتقدمها، فلا تجد مجتمعاً ما قد تقدم وتطور في ميادين حياته المهنية والمعرفية، إلا وهو يمتلك رصيداً من المعارف والعلوم تنتهي به إلى الرقي والتقدم، الأمر الذي جعل الغرب والشرق يسارعا في المبادرة إلى الاهتمام بها، وتكثيف النشاط في مضمار بناءها وتقدمها، ويكشف السيد المرجع (قدس سره) عن هذا الاهتمام قائلاً: قد أغفل المسلمون أهمية التثقيف وتناسوه في الوقت الذي أدرك الغربيون والشرقيون أهميته وراحوا يعملون بكل طاقاتهم في هذا السبيل.9].

ثانياً: الوعي ركيزة التقدم:

قبال ما يعيشه واقعنا الإسلامي من رهانات وتحديات ومخاطر محدقة تكاد تسلب منه كافة ثرواته وقدراته وإمكانياته، وتغيب هويته وشخصيته من ميادين الحياة وحاضرها، نحن بحاجة ماسة إلى امتلاك الوعي، لتتسع آفاقنا وبصائرنا فنكون أقدر على فهم ما يدور حولنا من مستجدات وأحداث، ودون ذلك ستتضاعف الانهزامات، وستتراكم الأزمات.

ولا يكفي بحال من الأحوال الزعم بقدرتنا على العمل والنشاط، فلربما ذهب كل ذلك أدراج الرياح وتلاشى بأسرع مما نتصور، حين نفتقر إلى هذا الأساس، ولقد ورد عن الصادق (عليه السلام) قال: «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق، فلا تزيده سرعة السير إلا بعدا»[10].

ففي ظل المعطيات التي نعيشها والرهانات الحرجة التي تعترض مسيرتنا، لا يسعنا إلا أن نكثف من جهودنا ومساعينا لنكتسب فكراً ووعياً يعيننا على المواجهة وفقه ما يجري علينا من مكائد ودسائس، وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): «العالم بزمانه، لا هجم عليه اللوابس»[11].

ونحن كأمة استطاعت أن تنهض بوسائل العلم والمعرفة وتحقيق تلك الإنجازات الضخمة في فترة وجيزة، وجنت تلك المكتسبات الهائلة عبر مراحل تكوينها، لسنا في معزل عن المكائد والدسائس التي تهدف إلى جعلنا في سبات وضياع وشتات، بل ستبقى تلك المساعي لتغرقنا في مستنقعات الضياع، وما لم نخلص إلى وسائل الوعي بالتطلع والمعرفة فلن نبرح ذلك الواقع المقيت، ومن هذا المنطلق يؤكد المرجع الراحل (قدس سره) في دراسته المتأنية لظواهر الواقع ومستحدثاته إلى ضرورة تعميم وسائل الوعي الإسلامي العقائدي والاقتصادي والسياسي والشرائعي والاجتماعي والتربوي والعسكري والزراعي والاستقلالي، في كافة البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة والصحف والمجلات والنوادي والكتب والمؤتمرات وغيرها[12].

ثم أن الضرورة التي تستدعي المثابرة إلى التسلح بوسائل الوعي والمعرفة، أن العالم الإسلامي برغم ما يتمتع به من كثافة سكانية وبشرية، ومؤهلات جغرافية واستراتيجية، إضافة إلى الكفاءات العلمية والمهنية، إلا أنه لا زال يعيش الأزمات والانقسامات، وتفشي الظواهر المرضية في جل ميادينه ومجالات حياته، ومع ما يؤرقه إزاء كل ذلك، لا يزال يعيش ذات الهموم والقضايا، نتيجة عدم تحول الوعي إلى إرادة فاعلة، تتفاعل مع معطيات الحاضر ومتطلبات الواقع، وقد حذر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته مغبة أن تصل بمسيرتها إلى هذه المنعطفات الحرجة، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «يوشك أن تداعى عليكم الأمم تداعي الأكلة إلى قصعتها، (قال: قائل منهم): من قلّة نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعنّ الله من عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»[13].

وأمام هذه الحقيقة المرة التي نشهدها يأتي المرجع الشيرازي (قدس سره) ليبين مكمن الخلل الذي انتهى بالمسلمين إلى هذا الحال، يقول: يبلغ عدد المسلمين –حسب بعض الإحصاءات- ألف مليون، لكنهم مبعثرون جغرافياً وإقليمياً ولغوياً، ويعيشون تحت سيطرة الاستعمار والاستغلال، أما قوانينهم فقد أصبحت وضعية بعد ما كانت إلهية، وإنما أصابهم هذا التبضع والتشتت لعدم اتخاذهم الإسلام منهجاً علمياً في الحياة، وقد صدق الله سبحانه وتعالى حيث قال: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ طـه/124[14].

ثالثاً: التنظيم وسيلة الإصلاح:

لقد اعتمد المعسكر الغربي والشرقي على التنظيم كأساس دافع لعجلة تقدمه وحضارته، واستطاع أن يحقق نتائجاً هائلة ضمن نطاقات واسعة من الحياة، فغدا يوظف قدراته وكفاءاته في قنوات هامة ومفيدة للكسب الحضاري، فأتاح المجال لتأسيس الهيئات والمؤسسات والمنظمات، لإطلاق مجتمعاته في ميادين العمل والعطاء، وبذل جهوداً مضنية لإشراك أفراده في هذا السياق.

وبعيداً عما نشهده من تقدم هائل وتطور مستمر لحضارة الغرب والشرق، نحن أمام حقائق قائمة تقر صحة هذه الدعوى، حيث أصبح التنظيم من الركائز الرئيسية واللازمة لحياة العالم المعاصر، وغدا التنافس في هذا المجال بشكل ملحوظ، وتحول إلى سلاح للمواجهة.

ويستشعر المرجع الشيرازي (قدس سره) مدى الخطر الكبير الذي يواجه الأمة أمام الإحصاءات الضخمة سُبل التنظيم عند الشرق والغرب، فيقول: إن للصهاينة خمسة ملايين منظم، وللصين الشيوعية ما لا يقل عن عشرين مليون منظم، وللبلاد الأوروبية التسعة مع أمريكا: خمسون مليون منظم[15].

إن العالم المسلم يعيش اليوم ضمن رهانات حرجة، وفي ظل معطيات قاسية، ليس له القدرة على مواجهتها إلا بتنظيم مؤسساته وقدراته، ولقد أضحى يواجه عدواً منظماً، يبتكر أرقى وسائل التنظيم الحديثة، ليوظفها في سبيل السيطرة على مقدراتنا وثرواتنا.

ولقد حرصت رسالة الإسلام منذ نشأتها على إرساء قواعد التنظيم في أرجاء الحياة، لا اقتصاراً على توظيفها في حركة الدعوة والرسالة فحسب، أو قسرها على الفروض الدينية والعبادية، وإنما إطلاقها لتقنين وتقويم مجريات الحياة، بل أضحت هذه المفاهيم المغيبة في واقعنا وحياتنا الأسس والركائز التي دفعت بمجتمع الرسالة إلى تحقيق نهضة علمية ومهنية واسعة النطاق، وعضدت مسيرتها الجهادية المظفرة، وورد في الحديث عن النعمان قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوّي صفوفنا حتّى كأنّما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد غفلنا عنه، ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبر فرأى رجلاً بادياً صدره، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): عباد الله لتسووّن صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم»[16].

وفي خضم ذلك ينوه المرجع الشيرازي (قدس سره) إلى أهمية التنظيم كأساس دافع لنهضة حركة التغيير والإصلاح في ربوع الأمة، فيقول: إننا بدون التنظيم لن نستطيع من مواجهة التحديات المعاصرة، ولن نتمكن من الوقوف أمام الشرق والغرب، وعملائهما[17].

قضايا فكرية ساخنة

لقد امتاز المرجع الشيرازي (قدس سره) بسعة تطلعه وقدرته على ابتكار الرؤى والأفكار الهادفة وبلورتها ضمن معطيات الحاضر واستشراف المستقبل، سيما ما يرتبط مع مجريات العصر وأحداثه، وتكاد تلمس من خلال إنجازاته الجزيلة، الأفق الرحب، الذي يستوعب قضايا الساحة وهمومها، وفي خضم تصنيفاته المتناثرة في الأصقاع تطرق إلى الكثير من المحاور التي أنشأها كنتيجة قراءتية لمراحل الواقع الإسلامي، ومن أبرز هذه الرؤى التي استلخصها عبر مشواره الطويل، نظريته في السلم الاجتماعي، القائمة على إتباع وسائل الحوار الهادئة، وقبول الطرف الآخر، واحترام حق الإنسان في الحياة، وفي خضم الشأن السياسي يستعرض قضية التعددية الحزبية في سياق تمثيل النظام الحاكم، وضرورة إشراك كافة أطياف المجتمع وتوجهاته في البناء والتقدم، ثم يتطرق إلى أهمية نظام الشورى بين فقهاء الأمة، إلى غيرها من رؤى وأفكار كانت تستقرئ طبيعة الواقع ومتطلبات مراحله الحرجة التي لا زالت تجري على الأمة.

أولاً: اللاعنف أرضية السلم الاجتماعي:

وانبثقت هذه النظريات في سياق ما يعيشه الواقع المسلم من صراعات ونزاعات داخلية وخارجية، أغرقته في نفق الأزمات التي احتلت مساحة واسعة من جهده وفكره، وأضاعت عليه فرص متاحة في مجالات متعددة، ولذلك جاءت نظريته لتحمل رؤية حضارية واعية، يقرر وفقها نبذ العدوانية بشتى صورها وأشكالها، ليعيش الواقع ضمن منظومة السلم الاجتماعي.

ولا غرو أن مسيرة المجتمع إنما تتقدم وتحقق تطلعاتها وأهدافها، بنشر مفاهيم السلم ومبادئه، ومن هذا المنطلق كان عنوان الرسالة وأساسها المتين، هو نشر الرحمة والطمأنينة والسلام بين الناس، واطلاق المبادئ الإنسانية ليعم الخير والصلاح في أرجاء المعمورة، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء/107، وقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ سبأ/28، ولقد غرست تعاليم الإسلام أبان صدور أحكامها ونظمها، المحبة والوئام بين الناس، واحترمت حق الإنسان وكرامته في الحياة، ونبذت العدوانية بكافة أطيافها وتلوناتها، وشجبت حالة الاستهانة بجهد الآخرين واستنقاص منزلتهم ومكانتهم دون حق، وأكدت على ضبط معايير العدل في التعامل وقياس عمل الإنسان وإنتاجه، ولعل من الأمور التي تكاد أن تكون في عداد المغيبات في واقعنا وحاضرنا وقلما نتعاطاها برحابة صدر وأفق واسع هي حالة الاعتدال والوسطية في النمط السلوكي الاجتماعي، ولقد أكدت الآيات القرآنية على وضع الأسس الضابطة للمعايير التي يقاس عليها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ المائدة/8.

ثم أن الدواعي المسببة لانعدام السلم الاجتماعي واتباع طرق العنف قد تكون كثيرة ومتشعبة، ولا تنحصر في مجال معين أو قضايا مخصوصة، وقد تتفاقم عبر امتدادها الزمني والمكاني لتنتشر عللها إلى سائر قطاعات المجتمع وتوجهاته، فتغرق المجتمع حالة من الفوضى والخروج عن المسار الطبيعي، لذا ينبه السيد المرجع (قدس سره) إلى ضرورة مسالمة الجميع: من الضروري لممارسي التغيير أن يجعلوا في مقدمة أهدافهم مسالمة الجميع، فكما أن للإنسان الحق في أن يعيش بكرامة وحرية، ورفاه وسلام، عليه أن يترك الآخرين يعيشون كذلك، كما قال الإمام علي (عليه السلام): «أحبب لغيرك ما تحبه لنفسك»[18].

وفي طور بناء حركة الدعوة وإرساء أسسها ينبغي انتهاج سبل السلم الاجتماعي والتجرد من وسائل العنف بشتى صورها، ومعنى اللاعنف: أن يعالج الإنسان الأشياء سواء كان بناءاً أو هدماً بكل لين ورفق، حتى لا يتأذى أحد من العلاج، فهو بمثابة المخدر الذي يسلب الحس، حتى يعمل المبضع في نكيء القرحة، وشرح اللحم والجلد[19].

ويشير الإمام الشيرازي (قدس سره) إلى أن الحركات الإصلاحية في التاريخ حين انتهجت أسلوب اللاعنف فإنها حققت مكاسب ونجاحات لشعوبها وأممها، بأقل الخسائر في الأرواح والثروات، أما الطريق الآخر الذي قد تقسر الشعوب على استخدامه سيكبدها من الخسائر، حتى مع مشروعيته وأحقيته، وفي سياق المقارنة بين الاتجاهين، يقول: إن الهند تذرعت باللاعنف، فأسفرت حركتها عن تحرير بيضاء، لم يتمكن المستعمر من إراقة الدماء فيها إلا بقدر يسير نسبتها إلى المجموع وهم ينوفون على أربع مائة مليون نسمة الواحد إلى المائتين أو أبعد، بينما أبطال المسلمين في الجزائر رأوا آية السيف، تمسكاً بالجهاد – حسب اجتهادهم طبعاً - فأسفرت الحركة عن قتل مليونين، وسجن مليون بينما نفوس الجزائر لا تزيد على أحد عشر مليوناً، فنسبة الاراقة إلى النفوس: الخمس.

ويضيف الإمام الشيرازي (قدس سره) قائلاً: وإني لا أريد بذلك أن أخطئ موقف الجزائر الباسل، فلعلي لو كنت هناك ورأيت الظروف والملابسات، لكنت ممن اسهموا في نفس الحركة.. وإنما أريد أن أبين أن اللاعنف أسلم بكثير من الحرب[20].

ثانياً: التعددية صحوة المنطلقات:

من المظاهر المرضية المتفشية في أقطار العالم الإسلامي هي سيطرة أحزاب وتنظيمات محدودة على مقدرات الأمة، والتصرف فيها بما يوافق مصالحها وأهدافها، وإقصاء سائر التوجهات عن المشاركة والإسهام في عملية البناء والتطوير، وقد امتدت هذه الصيغ أحقاباً طويلة جرّت على الأقطار الإسلامية اختناقات وأزمات ألجأتها إلى التبعية والانقياد، وأورثتها عللاً متلاحقة أفسدت بها جميع الحقول المهنية والمعرفية، ولقد جسد الكتاب العزيز مدى الضرر الذي يلحقه تنفذ انفرادية الحزب الواحد على المقدرات الإنسانية، وما يجلب عليها من إخفاقات وخسائر فادحة، وكان النموذج البارز الذي كرس هذا الواقع، هو فرعون الذي كان يزعم قدرته على قراءة الواقع واستشراف قضاياها بوضوح تام، ووضع التصورات والرؤى انطلاقاً من تلك المعتقدات، قال تعالى: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾ غافر/29.

وقد تكون الدوافع نحو تشكيل القنوات الحزبية والتنظيمية منبعثة من الإحساس بقضايا المجتمع وحاجاته الضرورية، وقد تكون مندفعة من زوايا أخرى، وفي هذا السياق يشير المرجع الشيرازي (قدس سره) في بحثه عن الأحزاب عن الدوافع لتكون الأحزاب، فيقول: وأصل تكون الحزب، إنما هو من وجود الفوارق النفسية بين الناس، فكل جماعة وأمة وشعب وقبيلة، لا بد وأن يوجد بينهم أناس لهم صفات نفسية متمايزة وكفاءات خاصة، وتلك الصفات تدعو أولئك الأفراد إلى (الأنانية) تارة وإلى (المشاركة الوجدانية) أخرى، وبذلك يجمع ذلك الإنسان حول نفسه جماعة يصبهم في اتجاهه، أما لإشباع رغبته في السيادة والأنانية، وأما لجعلهم في خدمة الناس بالقيام بحوائجهم لحسه بالمشاركة مع الناس في أحزانهم وآلامهم وآمالهم وهذا ما يصطلح عليه بالمشاركة الوجدانية[21].

ولكي تعيش الأمة العافية وتنطلق مسيرتها في ركب التقدم والنهضة، وتستنهض إمكانياتها لمعالجة قضاياها، فإن السبيل الأمثل هو الاستفادة من الكفاءات والقدرات، وإطلاقها المصالحة مع الأحزاب والتنظيمات التي تحمل من هموم الأمة وقضاياها ما يحمله كل فرد، وتربطها قواسم مشتركة في محاور كثيرة، لا تنحصر في مجال معين أو اتجاهات محدودة، وإنما تنسدل على جل الأمور.

وتأتي الفائدة من تعدد القنوات والأحزاب في إطار إنماء بناء حركة الأمة ورفدها بالتطلعات والرؤى أنها تقوم على:

1 - توفير الحريات للناس حيث أن كل حزب يخاف الحزب الآخر فيعمل جهده في إصلاح شأنه، وخدمة الناس، لئلا يتقدم الحزب الآخر عليه وبذلك يعيش الناس أحراراً لا يتمكن أن يكبتهم أحدهم إلا في إطار القانون.

2 - كما يصل الناس في مثل هذه الأنظمة إلى أهدافهم وحاجاتهم، وذلك لأن الحزب يعمل جاهداً لإعطاء حاجة الناس، لئلا ينفرط منه أحد إلى الحزب الآخر، فهو نوع من تنافس، يسبب ظهور الكفاءات ودرء المظالم والتقديم إلى الأمام، ولذا قال السياسيون: إن الأحزاب السياسية المتعددة تسبب للجماهير تنسم الحريات والتعبير عن آرائها وإبداء رغباتها والوصول إلى أهدافها[22].

ثالثاً: الشورى قنطرة التطور والتكامل:

لقد حفل التاريخ بأمم وحضارات، وأجيال متنوعة، طوال المسيرة البشرية الممتدة عبر القرون، غير أنه لم يشهد عبر عصوره، وأحقابه الزمكانية، أفضل ولا أنبل مما عاصره أبان العهود الإسلامية الأولى، حين كانت حضارة الإسلام ترفل وتنعم بتطبيق شريعة الله، وتعم أرجاء أروقتها ومحافلها نظم الشورى، وتبادل الآراء، الذي حقق لها سبل الرفاهية والعيش بسلام واطمئنان.

ولم تأت الأهمية القصوى لحركة الشورى بغية إقحام المجتمع في أتون الصراعات الفكرية والمعرفية وغيرها، لتنتهي عبر وسائلها وآلياتها لمعرفة آراءه المتنوعة، وتطلعاته الفكرية المختلفة، إنما كانت انطلاقتها للوصول بالأمة إلى المستوى الراقي من الرشد والنضج الفكري، لتكون له الملكة في التعبير عن الآراء والأفكار والمواقف المتنوعة، التي ترقى بقيمه ومفاهيمه إلى مرحلة متقدمة، فالشورى في حقيقة أمرها، إضفاء الشرعية لتهيئة المساحات الحرة الداعمة لإيجاد الفاعلية في المجتمعات.

إن المشورة عبارة عن الاستطلاع على الآراء ليظهر الرأي الأصوب، وهو في باب الحكم واجب، حيث قال سبحانه: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾[23].

ولقد أضحت مبادئ الشورى في الإسلام أشبه ما يكون بمؤسسة دراسات تهتدي إلى خير الأمور وأرشدها، إذ أن مبادلة الرأي بعرضه على العقول يستدعي تحريك الرأي وتنشيطه فكرياً، فالشورى في حقيقتها تعميقاً لبناء مأسسة دراساتية في مظلة المجتمع تقوم على رعاية تنمية الحالة الفكرية والمهنية في حياة الأمة.

ويسهب المرجع الشيرازي (قدس سره) عند تعرضه لنظرية الشورى من خلال قراءته لملامحها وأهميتها على الواقع المعاش، وما ينبغي أن تكون عليه، فيقول في جملة ما جاء في دراسته (الشورى في الإسلام): ثم إن الاستشارية سواء في الحكومات الزمنية – مما تسمى بالديمقراطية – أو في الحكومات الإسلامية، هي صمام الأمان، وذلك لأن الناس كما يحتاجون إلى ملء بطونهم يحتاجون إلى ملء أذهانهم، فكما أن الجائع يخرج على من أجاعه بالإضراب والمظاهرة، ولذا قال: «عجبت للفقراء كيف لا يخرجون بالسيف على الأغنياء» كذلك من لا يستشار يخرج على من أجاع فكره، مهما فرض نزاهة الحاكم، وكونه مطبقاً لقوانين البلاد، سواء كانت تلك القوانين إسلامية كما في بلد الإسلام أو غير إسلامية، كما في البلاد الديمقراطية.

ولا يكفي للحاكم الإسلامي أن يطبق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون قانون الشورى، لأن الناس يرون أنه لم يطبق قانون الإسلام الذي هو الشورى فينتفضون من حوله ثم يثورون عليه حتى إسقاطه، هذا إذا فرض أنه حسن الاستنباط وحسن التطبيق، وذلك قليل أو عديم، بل الظاهر أنه من غير الممكن الاستنباط وحسن التطبيق من الاستشارية في أصل مجيء الحاكم وفي مدة امتداده بعد المجيء، إذ الاستنباط المحتاج إلى العمل المداوم لا يكون حسناً، فكيف بالتطبيق الخالي عن الاستشارة الدائمة، وفي الحديث «إن العلم ليدعو بالعمل فإن أجابه وألا ارتحل»[24].

ما تقدم أعلاه كان لمحة خاطفة تناولت بعض الجوانب الشخصية والفكرية للمرجع الشيرازي (قدس سره) وهي لم تأت إلا بنذر يسير من روافد شخصيته العصامية، ولم تقرأ إلا بعض الجوانب العامة من أفكاره ومرئياته، وستبقى شخصيته محوراً فعالاً في نوادي الفكر والثقافة والأدب، إن نصفوه حقه، وستغدو نظرياته وأفكاره واستشرافه لملامح المستقبل محط أنظار المتنورين والمهتمين لمصالح الأمة ونهضتها.

* مجلة البصائر-العدد47

albasaer.org

..........................................

[1] الديلمي، أبي محمد الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، ص176، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1398هـ، 1978م.

[2] الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج6، ص452، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية.

[3] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الفقه، كتاب الحكم في الإسلام، ج99، ص74، دار العلوم، بيروت، 1410هـ، 1989م.

[4] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الفقه، كتاب الحكم في الإسلام، ج99، ص87، دار العلوم، بيروت، 1410هـ، 1989م.

[5] مجلة (العربي) عدد 449، ص18،17.

[6] شبكة النبأ المعلوماتية، الخميس 2/10/2003م. 5/8/1424هـ.

[7] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص19، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[8] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص20، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[9] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص37، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[10] الحراني، ابن شعبة، تحف العقول، ص266، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

[11] الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج4، ص234، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية.

[12] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص19، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[13] الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج1، ص153، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية.

[14] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص14، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[15] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص59،58، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[16] الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج10، ص96، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة الثانية.

[17] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ص58، مؤسسة البلاغ، لبنان، 1406هـ، 1986م.

[18] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، ممارسة التغيير لانقاد المسلمين، ص179، الطبعة الأولى، 1412هـ، 1992م.

[19] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، إلى حكم الإسلام، ص50، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404هـ، 1984م.

[20] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، إلى حكم الإسلام، ص56،55، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404هـ، 1984م.

[21] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الفقه، كتاب السياسة، ج106، ص99، دار العلوم، بيروت، 1407هـ، 1987م.

[22] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الفقه، كتاب السياسة، ج106، ص113، دار العلوم، بيروت، 1407هـ، 1987م.

[23] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الشورى في الإسلام، ص13، دار الفردوس، بيروت، 1409هـ، 1989م.

[24] الشيرازي، آية الله السيد محمد الحسيني، الشورى في الإسلام، ص26،25، دار الفردوس، بيروت، 1409هـ، 1989م.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 8/أيلول/2011 - 9/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م