الإصلاح وحل الأزمات.. شيء من فكر الشيرازي

بشير البحراني

الإمام الشيرازي واحد من أهم المصلحين في العالم الإسلامي، وقدَّم أفكارًا نظرية وعملية فيما يتعلق بالإصلاح في مختلف الجوانب، وينبغي ألا تكتفي عملية الإصلاح بإصلاح المجتمع دون إصلاح الفرد.

ويعتقد الشيرازي أن حكام الدول الإسلامية واحد من أهم معوقات الإصلاح في بلدانهم، إذ أنهم يدورون في فلك الغرب وقد تعلم الغرب كيف يتخذ حكومات بلاد الإسلام عملاء وآلة لتنفيذ مخططاته، ففسدوا وأفسدوا البلاد والعباد، ومنعوا المسلمين من الإصلاح.

 لذا من أهم مقومات الإصلاح هو الخروج من الانهزامية وتحييد موقف الغرب من عداء المسلمين، فإن الإسلام لا يشكل خطرًا على الغرب، ويتم هذا التحييد بأساليب سلمية منها توعية الغرب بحقيقة الإسلام وتفعيل المسلمين هناك.

ولأن النظم والتنظيم سنة من أهم سنن الحياة، فلا بد من تأسيس المنظمات والمؤسسات التي من شأنها تحريك عملية الإصلاح بشكل منظم وواسع وفعال. وكذلك القضاء على بيئة التخلف والنزاع والجهل الذي يعيش فيها المسلمون، ومن صور تلك البيئة السلبية الكسل والضجر، وشيوع الزنا والانحرافات الجنسية، والمرض والكآبة، وعدم الأمن والبطالة، واشتغال كل بلذائذه ومصالحه بأقصى ما يمكنه، وعدم الاعتناء بحقوق الآخرين، وعدم تحمل المسؤولية وخدمة المجتمع.

فيلزم إحياء الضمير الإنساني في النفوس ومحاربة الفساد بكافة أشكاله، والحد من انتشاره، لأنه من أهم موانع الإصلاح.

حلول الأزمات

يهتم الإمام الشيرازي كثيرًا بمشكلات المسلمين، لذا يحاول وضع حلول لكثير منها، وهنا بعض إشاراته في ذلك:

1- أزمة السكن: ينبغي أن يكون لكل إنسان دارًا يسكن فيها، ويرى أن تعطيل حديث رسول الله (ص): "الأرض لله ولمن عَمَّرَها" هو واحد من أهم أسباب هذه الأزمة، لذا يلزم تطبيق قانون إحياء الموات التي تنص عليه الشريعة الإسلامية، على تفصيل يذكره الإمام الشيرازي ويناقشه في العديد من كتبه.

2- أزمة الزواج: ينبغي القضاء على عزوبية الشباب والشابات، بالحث على الزواج المبكر، وتسهيل القوانين المتعلقة بالزواج وعدم تعقيدها، والتقليل من المهور وما يتعلق بمستلزمات الزواج.

3- الأزمة الأسرية: ونقصد بها المشاكل الزوجية أو المشاكل الأسرية في البيوت، حتى ارتفعت معدلات الطلاق أو المفارقة دون طلاق، وفي نظر الإمام الشيرازي أن من أسباب ذلك ضعف الالتزام بالدين حيث يخون أحد الزوجين الآخر أو ما يشبه الخيانة، وكذلك ضعف الأخلاق حيث يتعامل كل طرف مع الآخر في المنزل بجفاء وخشونة وبأساليب غير مؤدبة وغير لائقة. وفي كتب الشيرازي الكثير من الأفكار والحلول والمناقشات المتعلقة بتفاصيل هذه الأزمة.

4- أزمة الديون الحكومية: تورط الحكومات الإسلامية نفسها عادة في حروب مدمرة تستهلك ميزانياتها وتوقعها في الديون، لذا يجب عدم التورط في ذلك، ويدعو الإمام الشيرازي إلى تقليل عدد الموظفين الحكوميين، فهو يعتقد أن ما يسمى بالبطالة المقنعة واحد من أسباب أزمة الديون للحكومات، حيث تمتلأ الدوائر الحكومية بموظفين لا حاجة حقيقية لخدماتهم.

5- أزمة الأخلاق: يلاحظ الإمام الشيرازي أن الأخلاق العامة صارت سيئة، فكثرت النزاعات وحتى حوادث المرور، بسبب توتر الأعصاب الذي يتولد حسب رأي الإمام الشيرازي من إرادة كل إنسان أن يحوز على أكبر قدر من المال والجمال ومباهج الحياة ولو عن الطرق غير الشرعية، وأن يسبق الآخرين كذلك في كل شيء.. وما أشبه ذلك، لذا لا بد من رفع القيود الذي تعترض تلبية الإنسان لرغباته المشروعة في الحياة، وهذا من مسؤولية الحكومات، كما ينبغي على الإنسان أن يتحلى بالقناعة والرضا.

6- أزمة الأمراض: تفشت الأمراض في العصر الحديث، ويرى الإمام الشيرازي ضرورة الابتعاد عن المحرمات مثل: معاقرة الخمر، والمقامرة، والتدخين، وسائر الانحرافات الجنسية، وأكل الميتة حيث يجمد الدم في الحيوان الميتة بما يسبب الأمراض طبياً، وكثرة أكل لحم الخنزير فإنه موجب لتولّد الديدان، واستعمال الكلاب بشكل غير مشروع حيث إنها توجب انتقال جراثيمها إلى الإنسان، وعدم الختان يؤدي إلى السرطان، وينبغي الابتعاد عن مسببات القلق، ويحث الشيرازي على الالتزام بالحناء والكحل.

ومن ذلك أيضًا أزمة البرود الجنسي، حيث يعتقد الإمام الشيرازي أن البرود الجنسي عند الرجال والنساء هو مشكلة وأزمة في هذا العصر، لكنه يرى أن المشكلة من الإنسان نفسه، لذا ينبغي في نظره الابتعاد عن أسباب ضعف الطاقة الجنسية مثل بعض المآكل والمشارب الكيماوية، وتلوث البيئة، وصرف الطاقة الشهوانية في غير مواضعها المباحة، وتشتت الفكر، وكثرة الغناء والموسيقى، واستعمال المخدرات، وغيرها، مضافًا إلى العوامل الفردية والاجتماعية التي تولَّد البرود الجنسي.

7- أزمة المرأة: يرى الإمام الشيرازي أن المرأة وقعت في مشاكل لا حد لها ولا حصر، مثل العنوسة، وكثرة الطلاق، واتخاذها دعاية لترويج البضائع، ووسيلة لإطفاء الشهوات، وفقدانها للكثير في مشاركة الرجل في الحياة بعدما كانت سابقاً في كثير من الموارد شريكة للرجل في الشؤون التجارية والزراعية والصناعية وتربية الدواجن إلى غير ذلك، لذا يلزم العمل على تزويج العانسات، وإقحام المرأة بما يناسب كرامتها في الحياة العملية.

8- أزمة الفقر: ويلزم لحلها عطف الأغنياء على الفقراء لسد حاجات المحتاجين، وعلى الحكومات في رأي الإمام الشيرازي عدم تعطيل حرية العمل بالمنع من الهجرة أو عدم تمكين الناس من الصيد أو الاستفادة من الغابات وما شابه، وغير ذلك مما ذكره مفصلاً في كتبه الكثيرة.

9- أزمة الاستبداد: والحل يكمن في تصحيح المناهج الموضوعة للحكم، وإيجاد الأحزاب الحرة والمؤسسات الدستورية، وتوفير الانتخابات الحرة في الأجواء الصالحة.

10- أزمة القضاء: حيث يشهد القضاء في العالم الإسلامي تغيير في الموازين الشرعية، وكثرة الالتواء في قوانين القضاء، وينبغي تصحيح القوانين، والتشدد في اختيار القضات والتحري من صدق الشهود والتقليل من السجون.

11- أزمة البطالة: والحل لدى الحكومات والشعوب نفسها أيضًا، حيث ينبغي عدم التوجه إلى الوظائف وإنما إلى الأعمال الحقيقية فالموظف مستهلك، والعامل منتج، وصار التوجه من الإنتاج إلى الاستهلاك، وعلى الحكومات أن توفر حرية الزراعة والعمارة والتجارة وما أشبه ذلك، وفتح المجال للناس للسفر والعمل دون قيود أو شروط.

إلى غير ذلك من الأزمات التي يتطرق لها في مختلف كتبها، وله تفاصيل كثيرة في وضع الحلول التي سعى لتحقيق بعضها سواء فيما يتعلق بالأزمات التي ذكرنها أو غيرها.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/أيلول/2011 - 6/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م