الذكرى العاشرة... اكثر من ذكرى

 

شبكة النبأ: كان أكثر من فقيه ومرجع ومجدد، وأكثر من مفكر ومصلح ومؤسس، فقد استوعبت أفكاره وإنجازاته جل مفردات الدين والحياة من خلال موسوعيته الثقافية وإحاطته الفقهية الممتزجة بثوابت الانفتاح وشجاعة الطرح والقدرة على تحمل النتائج واتخاذ المواقف التي تحفظ المبدأ وإنْ أغضبت سلطة وأزعجت أدعياء وأنعقت رعاعاً.

إن قراءته الموضوعية للتاريخ، وفهمه التفصيلي لواقع الحكم والسياسة وتناقضات الأفكار والمجتمعات وقربه من هموم الناس وهواجسهم، وامتلاكه لخزين علمي مسند بمهارة معرفية تغييرية ومتجددة وكم هائل من التجارب مكنه – كل ذلك - من استيضاح صور الواقع وأنماط التفكير ودوافع السلوك وحقيقة الانتماءات، فكان استشرافه للمستقبل كقراءة رصينة لواقع يراه ويعيشه، ولم تكن ريادته في كشف انقلاب المواقف وتخاذل أصحابها إلا تماهياً مع إحساسه العالي بضرورة إعلان رفضه للمرفوضات وخاصة تلك التي يتوانى آخرون عن رفضهم لها بسبب الخوف أو المصلحة، وهو ما عرّضه الى حكم بالإعدام إبان حكم الاستبداد المباد في العراق، واضطراره الى ترك أرض آبائه وأجداده.

وتواصلاً مع ما آمن به وعاهد الله عليه، كان له - بعد هجرته من العراق - أكثر من موقف في أكثر من حدث، وفي أكثر من موطن وبلد، ورغم عديد الأحداث الجارفة التي مرت مع سنينه السبعين إلا أنه لم ينجر الى عواطف ونزعات، بل ثبت على ثوابت تميز بها واقترب من الآخر بقدر اقتراب الآخر منها، فلم يتورط بدماء حرب طائشة ولا بجريرة قمع معارضة، بل كان اللاعنف مبدأه ومنطلقه ومنهجه، وظل يدعو الى ضرورة سلمية المنهج وثبت على ذلك وتحمل أعباء ضريبتها الباهضة.

من مآثره تفرده بمواقف رائدة في الطرح وتجديدية في الفكر وسباقة في المبادرة جعلته من القادة التاريخيين، وفي الوقت نفسه، أقعدته بوحدة وغربة في بيته المتواضع طيلة سنوات مريرة دون أن يستوحش الحق حيث ظل مستأنساً ببشارة أمل العلماء العاملين ومخلص الأحرار المقهورين الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حتى وافاه الأجل المحتوم، حيث رحل صابراً ومحتسباً وشاهداً وسعيداً في يوم الاثنين 2/شوال/1422هـ فيما يلف جسده الشريف الشوق لكربلاء حيث ينتظر مستقره (وصيته) في جوار سيد الشهداء (عليه السلام) وما زال المانع يمنع.

ما يجعل ذكرى رحيل سيد الفقهاء الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره الشريف) أكثر من ذكرى هو أن كماً من تراثه العلمي لم يزل طي المخطوطات، وأن حركة انتشار هذا التراث الإنساني ما زالت في دائرة جغرافية ضيقة، وأن علم المجدد الشيرازي (قدس سره الشريف) أوسع من أن يحصر في رسالة أحكام عبادات ومعاملات وتشييد مساجد وحسينيات، وأن إنسانيته أكثر غنىً من مؤسسات ثقافية وخيرية وعشرات المجلدات في فقه الدين والحياة.

http://www.alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/أيلول/2011 - 5/شوال/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م