ضرورات الثقافة الشعبية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الثقافة الشعبية هي ثقافة عامة الناس، وهي نقيض ثقافة النخبة التي تتسم بالحصر والتعالي أحيانا، ولو أثير سؤال مفاده، هل هناك صراع او تناقض بين الاثنين (الثقافة الشعبية وثقافة النخبة) نقول نعم، لأن الثقافتين لهما مساران مختلفان، وقد لا يلتقيان إلا في نقاط قليلة جدا، وربما ينتفي مثل هذا الإلتقاء تماما، فثقافة النخبة تستهدف الجمال قبل أي عنصر آخر، ولهذا تركّز على الفن حتى لو كان ملتبسا، أو تجريديا، فيما تذهب الثقافة الشعبية الى السائد بين الناس من منهج حياتي يومي متعارف، ينحو الى البساطة، وأحيانا الى السذاجة، وهنا يكمن التقاطع الحاد بين الثقافتين المذكورتين.

بعضهم يعرّف مصطلح الثقافة الشعبية بأنه ثقافة الشخص العادي- العروض التليفزيونية والأفلام والتسجيلات والبرامج الإذاعية والأطعمة والموضة والمجلات والظواهر الأخرى التي تلعب أدوراً مهمة في حياتنا اليومية- وهناك مقدار كبير من الخلاف حول ماهية الثقافة الشعبية وما ليس بثقافة شعبية وكيف ترتبط بالثقافة الممتازة، بحسب رأي أحد الكتاب.

وغالبا ما تكون هناك شبه قطيعة بين الاكاديميين وبين الثقافة الشعبية، لاسيما في الازمنة الماضية، ولابد أن نفرق هنا بين الثقافة الشعبية كنصوص ادبية او كتابية وبين كونها منهج سلوكي لحياة عامة الشعب، يرى احد الكتاب أن الثقافة الشعبية كانت في الماضي منبوذة من لدن العديد من الأكاديميين، إذ كانت تعد بحسب رأيهم  غير جديرة بالاهتمام. أما بخصوص النصوص الادبية، فقد نظر إليها بعضهم على انها شيء تافه، وأن أولئك الذين يستهلكونها ينظر إليها على أنها مضيعة لوقتهم.

لكن مع تطور وسائل الاتصال وزيادة الوعي الشعبي، اصبح للثقافة الشعبية دورها في ادامة حركة المجتمع، فالثقافة الشعبية Popular culture (أو ثقافة الشعب) هي مجموع العناصر التي تشكل ثقافة المجتمع المسيطرة في أي بلد او منطقة جغرافية محدودة، ويتم ذلك غالبا باستخدام طرق إعلام شعبية. حيث تنتج هذه الثقافة من التفاعلات اليومية بين عناصر المجتمع إضافة لحاجاته ورغباته التي تشكل الحياة اليومية للقطاع الغالب من المجتمع.

لذلك تعد هذه الثقافة من الضرورات التي ينبغي متابعتها حتى من لدن النخب التي تقود المجتمع في شتى المجالات، هذا يعني أن النظر الى الثقافة الشعبية باعتبارها أمر ثانوي او تافه او لا يستحق الاهتمام، لم يعد يتسق مع الواقع العصري، نظرا لاهمية هذه الثقافة وتأثيرها الكبير في حياة الناس، لذا بدلا من اهمالها او محاربتها احيانا، ينبغي المساعدة في تطويرها وتشذيبها وجعلها اكثر مواءمة للواقع الحياتي المتحرك، خاصة انه يشمل شرائح شعبية واسعة لا ينبغي اهمالها وترك ثقافتها على الغارب، او تركها تسير في مسارات عشوائية قد تدمر ثقافة المجتمع عموما، إن الفوارق التي يتحدث عنها بعض المعنيين بثقافة النخبة والثقافة الشعبية لا تعني تفضيل احدهما على الاخرى، فمثلما يُنظر لثقافة النخبة على انها من ضرورات الحركة العامة للمجتمع، كذلك الحال مع الثقافة الشعبية، ولا يصح النظر للاخيرة بنظرة دونية، فكما يقول أحد الكتاب، هناك حديث يومي في الإعلام العربي عن "النخبة" و"الشارع" أو "العامة"، مع ربط النخبة عادة بالثقافة والحكمة والعمق، وربط العموم بالغوغائية والسطحية والجهل.

لكن متابعة ما يحصل في عالمنا العربي تؤكد حقيقة أن دور النخبة يتضاءل في مجالات عديدة، ودور العموم يتزايد، وأسهم في ذلك تطور مجالات الترفيه التي ترتبط عادة بالجماهير، ونمو الإعلام الإلكتروني والتفاعلية في الإعلام التلفزيوني والذي سمح لكل إنسان عربي أن يكون له صوته ويشارك في صياغة المعلومات التي تتطاير من حولنا، كما أسهم في ذلك نمو الحس الفردي على المستوى الاجتماعي، ونمو الممارسات الديمقراطية.

إن هذه الآراء التي يطلقها مفكرون معنيون بهذا الامر، تعني أن الثقافة الشعبية ما تفتأ تأخذ دورها الصحيح في الحياة، وانها تحاول التحرك من منطقة الهامش والتهميش الى المكانة التي تليق بها، او التي تستحقها، كونها عامل مهم من عوامل حركة المجتمع.

إذن لابد أن تتحرك الجهات الثقافية المعنية، رسمية كانت أو اهلية، باتجاه تعزيز الثقافة الشعبية، من خلال تطويرها وتشذيبها مما يشوبها من زوائد غير محببة ولا تتسق مع حركة العصر المتجدد، وهذا يعني أن العلاقة مع ثقافة العامة، ينبغي أن تتواصل وتتسم بالتصحيح المتواصل وليس الاهمال او التعالي المتسم بالتهميش.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 30/آب/2011 - 29/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م