القرآن قانون الله

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: تبدأ القصة مع سيدنا آدم وزوجه وولديهما قابيل الذي قتل أخاه هابيل. حتى الآن، هل مرت على الإنسانية لحظة بدون ظلم للنفس وللغير أو قتل أو تدمير على يد هذا الظلوم الجهول الذي كرمه المولى:(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الإسراء/ 70.

قال تعالى:(إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا) الأحزاب/72. هذا الإنسان، هذا الخصيم المبين هل تغير منذ أن أوجد الله الإنسان الذي يدعونه بالعاقل؟ كلا.

هذا الإنسان الأكثر جدلا، الذي قبل وحمل الأمانة أي السيادة على جميع مخلوقات الله التي سخرها له، شرط ألا يفسد في الأرض ولا يطغى في ميزان الخلق ولا يتعسف في استعمال هذه الأمانة السيادة، هل كان بمستوى هذه المسؤولية الخطيرة، مسؤولية الأمانة على بقية مخلوقات الله؟ كلا.

هذا الإنسان، الهلوع الجزوع المنوع القتور البؤوس الفخور المغرور الكفار المتكبر المفسد في الأرض سفاك الدماء؛ إلا القلة ممن هدى واهتدى، ما وصل الى هذه الحالة النفسية والاجتماعية والأخلاقية التعيسة التي تلف أكثر المجتمعات اليوم إلا لأنه ترك كتاب الوقاية والصيانة والشفاء للأفراد والمجتمعات: القرآن الكريم، واتبع دساتيره وقوانينه الوضعية الأرضية، ونسي أبسط البديهيات، فكل صانع هو أعلم بصنعته، ما يصلحها ويضرها، الخالق هو الأعلم بمن خلق.

نرى الإنسان لأخيه الإنسان، يبتزه ويسرق موارده وخيراته الأولية ويستعمره في جسده ونفسيته وأرضه بأي وسيلة تتوفر له منذ أن كان الإنسان العاقل حتى الوقت الحاضر. يصرف ملايين الدولارات في الدقيقة لإنتاج وسائل الفتك والدمار، ويترك عشرات الملايين من إخوانه يموتون سنويا من الجوع، ومئات الملايين يعانون من سوء التغذية، ومليار نسمة في دياجير الجهل والمرض والفقر، بينما هو يصنع القنابل الجرثومية ويخطط لحرب النجوم. كدس فوق رأس كل فرد من أفراد البشرية بضعة أطنان من المواد شديدة الانفجار، في ترساناته الحربية ما يكفي بكبسة زر أو أزرار لمحو كل أثر للحياة على وجه الأرض خمسا وعشرين مرة، اعتقادا منه أنه يستطيع أن يتحكم تماما بمصانع الدمار الجهنمية هذه.

نسي الإنسان أو تناسى محدودية علمه وقدرته، وتناسى ما يتعرض له كل سنة من كوارث بسبب مصانع الدمار المدمرة لبيئته وما عليها لأنه نسي أو تناسى القانون الإلهي الذي ما وضع إلا للمحافظة عليه وعلى بيئته.

تجاهل الإنسان ونسي القانون القرآني لأنه وضع لنفسه وفرض على غيره قانون الباطل المتمثل في تصرف أكثر الدول: القوة هي الحق والحق هو القوة. نسي قول المصطفى (ص):(بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد تجبر ونسي الجبار الأعلى، بئس العبد سها ولها ونسي المقابر والبلى)، يتجاهل الموت وهو يعلم أن لا مفر منه.

يتجاهل وجود الخالق وهو يعلم ضمنا بل لا يستطيع إلا أن يقر بينه وبين نفسه بوجود الخالق، ولأنه لا يعترف بأن قانون الله هو الصحيح رغم كل الإحصائيات والوقائع والتجارب التي اثبتت له خلل قوانينه الوضعية.

درس الإنسان كل شيء في هذا الكون فوجده قائما على نظام صحيح محكم ومتقن الصنع، رغم ذلك تجاهل من وراء هذا النظام المحكم المتقن في كل شيء من الذرة الى المجرة وأرجع ذلك الى فرضيات كثيرة كأزلية المادة والصدفة وهل من شيء منظم إلا ويكون وراءه منظم! لكنه لا يريد أن يعترف بقلة ومحدودية علمه مهما أوتي من علم.

الإنسان هذا الخصيم المبين، أخطر وأفتك حيوان على وجه الأرض، هو في طريقه لتدمير بيئته التي يعيش عليها، وللتدمير الذاتي، بعد أن لوث الجو والبر والبحر، وقضى على آلاف الأنواع من المخلوقات الحية ظلما وجهلا، هل أوصله الى هذه الحالة التعيسة إلا تجاهله للقانون الإلهي الحق وإتباع قوانينه ودساتيره الوضعية.

هذه الإنسانية التعيسة: القلق اليوم يلفها من أقصاها الى أدناها بالرغم من وصولها أعلى درجات التقدم الحضاري. ما وصل الإنسان فردا ومجتمعا الى هذه الحالة إلا لأنه ترك القوانين السماوية الحقه وهي تعاليم الإسلام واتبع قوانينه الوضعية التي أثبت الواقع والاحصائيات خللها.

يقول الفيلسوف روجيه غارودي، وهو الذي درس مختلف العقائد الوضعية واستقر به المسار بعد خبرة طويلة مع قوانين الإنسان الوضعية الى اعتناق الإسلام، بأنه لا يصلح حال هذه الإنسانية إلا الالتزام بتعاليم الإسلام.

ما أحوجنا اليوم أفرادا ومجتمعات الى الرجوع الى هذا الكتاب العظيم: القرآن الكريم كتاب الوقاية والصيانة والشفاء للنفوس نتدبر صفاته وميزاته وخصائصه وأوامره ونواهيه ونلتزم ونعمل بها:(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى صراط مستقيم).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/آب/2011 - 28/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م