بيئة الـتأخّر وانتفاضات الشعوب على حكّامها

رؤى من فكر الإمام الشيرازي

شبكة النبأ: مثلما تستدعي بيئة التقدم عددا من المقومات، لتشييدها وتنميتها وتطويرها، كذلك هناك اسباب تقف وراء صناعة بيئة التخلف، وغالبا ما تنتهي الشعوب المضطهدة، الى الاحتجاج على حكامها، طال الوقت أم قصر، بسبب نشر بيئة التخلف، لتعيش فيها الشعوب من اجل توفير الظروف الملائمة، لسيطرة الحكام المطلقة على الشعوب.

ولهذا ينبغي أن تتنبه النخب والجماعات المتنورة، الى معالجة بعض الاسباب التي تشجع على تنمية بيئة التخلف، وتمنح الحاكم ظروفا مواتية، لتعظيم سلطته ومضاعفة طغيانه ضد الشعب، لهذا لابد من التحرك الجاد والمبرمج، لمكافحة آفات التأخر.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، في هذا المجال، بكتابه القيّم الموسوم بـ (فلسفة التأخر): إن (من فلسفة التأخر عدم المبالاة بتجمع وتراكم المكروه وحصول السلبيات، بل اللازم أن يتعقل الإنسان في عدم حصول المكروه، فإن حصل دفعه فور، وإلاّ فالقطرات تكوّن السيول).

هذا يعني بوضوح أن الأسس الخاطئة، سواء في بناء الدولة او المؤسسة، او المجتمع او الفرد، ينبغي أن لا تكون خاطئة، وبالتالي تتراكم الاخطاء فوق بعضها، فتخلق بيئة تضج بالاخطاء ليضيع فيها الصحيح، إلا ما ندر، وهذه البيئة هي التي تخدم الحكام الطغاة تماما، ويسعون لخلقها دائما، لذلك فإن الانسان غالبا ما يزرع ما يحصد خيرا او شرا، يقول الامام الشيرازي بهذا الصدد في كتابه نفسه: (إن الحياة كالحب والنوى، لا بالنسبة إلى الجنة ومرضاة الله سبحانه فحسب، بل حتى بالنسبة إلى نفس الحياة الدنيوية المادية، فمن يزرع خيراً أو شراً، أو تافه، يرى الثمر قريباً أو بعيداً).

وطالما أن كل شيء قابل للنمو، سواء كان خاطئا او صحيحا، فينبغي أن يسعى الفرد غالبا، الى نبذ الخطأ والتخلص من التوافه بأنواعها،  لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا في هذا الخصوص:

(يجب أن يضع الإنسان جدولاً زمنياً لإلغاء التوافه، وتبديل وقتها إلى أوقات الأعمال الموصلة للأهداف، وكلما تمكن أن يعمل الأفضل فإن هذا هو المطلوب).

ان تفكيك المجتمع هو هدف هام للحكومات الفاسدة، لذا فإن مهمة بناء المجتمع تكون من مسؤولية النخب المتقدمة والافراد معا، ولابد للجميع من الاسهام بمعالجة الاخطاء مهما تنوعت او تزايدت، والسعي لبناء شخصية ناجحة، قادرة على تطوير نفسها والمجتمع في آن، بعيدا عن اللهاث وراء المنافع الفردية والانانية والغرور، وما شابه، لذلك يحذرنا الامام الشيرازي في كتابه نفسه قائلا: (من فلسفة التأخر، رؤية النفس أفضل من الغير، أو أفضل من واقعها. بل من التأخر أيضاً عدم معرفة نفسه ورؤيتها دون واقعها. فإن الأول كبر وغرور، والثاني ذلّ ومهانة).

ولابد من معرفة ما يسعى الانسان لتحقيقه، قبل الشروع بذلك، بمعنى يجب أن نبتعد عن العشوائية، ونلجأ الى التخطيط والبرمجة العلمية، في تحقيق اهدافنا، سواءا على الصعيد الفردي او المجتمعي، لأن الانشغال بعدم معرفة المطلوب، يأخذ منا مزيدا من الوقت، ويشغلنا في امور جانبية لا تستحق الانشغال، في هذا الخصوص يؤكد الامام الشيرازي قائلا في كتابه الثمين نفسه: (من فلسفة التأخر عدم تحديد الهدف الرفيع المطلق).

ويضيف الامام قائلا: (إن بعض الناس ليس له هدف، وبعضهم له هدف وضيع، وبعضهم له هدف رفيع لكنه قادر على الأرفع، فهذا كله من سمات التأخر).

كما يجب أن يردف معرفة الاهداف سمو الاهداف نفسها، فلا ينبغي السعي الى اهداف وضيعة، بل دائما ثمة ما يستحق السعي إليه، وهذا هو الامر الذي يستهدفه الانسان الناجح دائما، لذلك يقول الامام الشيرازي: (ينبغي أن يهدف الإنسان الى أرفع الأهداف، ويهيئ أسبابه ويسير إليه، وبذلك يكون إنساناً تقدمياً).

إن التنبّه الى ضرورة التخلص من بيئة التخلف، تقع على عاتق النخب اولا والمتنورين، وذلك من اجل سحب البساط من تحت عروش الحكام الطغاة، لاسيما ان دول الشرق الاوسط تعيش مرحلة النهوض والاستيقاظ، من سبات الخنوع للظلم والجور بأنواعه كافة، وطالما ان الفرد والمجتمع وعى المشكلة والمعضلة التي تجعله خانعا امام الحاكم الجائر، فإن السعي الى تحقيق الاهداف المشروعة، لابد أن يتواصل من لدن الجميع، خاصة ان العقل يؤكد على أهمية الكفاح لتحقيق الاهداف التي من شأنها رفع الشعوب المظلومة الى مراتب أعلى، لهذا لا يصح التفريط بتحقيق الهدف الأرفع مهما كانت الاسباب، وعلى الجميع أن لا يفوّت فرصة النجاح في تحقيق الاهداف المرجوة، لأن ذلك يعني نوعا من الجنون، كما يؤكد الامام الشيرازي قائلا بهذا الخصوص في الكتاب نفسه: (إن من تمكن من تحقيق الهدف الأرفع ولم يفعل فهو شبه مجنون، فكما أن المجنون هو من لا يدرك مصالحه، كذلك هذا الإنسان، بل هو أسوأ من المجنون، بحيث انه يدرك ولا يعمل).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 22/آب/2011 - 21/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م