بيئة التقدم والانسجام بين فطرة الانسان وأعماله

رؤى من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: ثمة مقومات ترتكز عليها ميول الانسان، وطبيعة أعماله وتوجهاته الفكرية والعملية، ويمكن أن نطلق على هذه الميول المتأصلة في الذات الانسانية تسمية (الفطرة) حيث تهفو نفس الانسان نحو الاشياء تبعا لطبيعة هذه الفطرة، وتكمن أهمية الانسجام بين اعمال الانسان وبين فطرته، في خلق العنصر البشري القادر على إدامة بيئة النجاح والتقدم للفرد والمجتمع، وليس غريبا أن يقول المعنيون من علماء او غيرهم، بالطبيعة البشرية، أن نجاح الافراد والمجتمعات تعتمد على درجة الانسجام بين فطرة الانسان وأعماله ونشاطاته المتنوعة.

لذا نحن بأمس الحاجة لدفع الانسان - باعتباره الخلية الصغرى المكونة للمجتمع- الى حالة من الانسجام بين ذاته وفطرته، كخطوة اولى لصناعة بيئة التقدم، لذلك غالبا ما تكون فطرة الانسان هي الدفة التي تتحكم باتجاهاته.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره)، في هذا الصدد، بكتابه القيّم الموسوم بـ (الصياغة الجديدة): (كما أن لكلّ شيء في الحياة فطرة وخاصية حسب ما قرره الله سبحانه وتعالى، كذلك نرى في الإنسان فطرة خاصة، وهذه الفطرة هي التي تملي على الإنسان ما يلائمها وما ينافرها).

لذا فإن التركيز على صيانة الفطرة الانسانية، ينبغي أن يأخذ جانبا مهما من المعنيين، لأن التضارب بين اعمال الانسان وفطرته، يؤدي الى نوع من الانفصام والتراجع الحاد في الانتاج المادي والفكري معا، ويؤكد الامام الشيرازي في هذا المجال قائلا: (إن فطرة الحيوانات تختلف عن فطرة الأشجار.. وكما أن فطرة الأشجار تختلف بعضها عن بعض، فكذلك للإنسان فطرة خاصة، بينما نرى الآن في العالم جماعة من المفكرين والسياسيين وهم يظنون أن الإنسان صفحة بيضاء يمكن أن ينقش فيها أي نقش، ولذا يتهافتون على قضايا غسل المخ وعلى مسائل الدعاية والتبليغ كيفما شاءوا).

وثمة فرق كبير بين هوى الانسان ورغباته من جهة، وبين فطرته من جهة اخرى، فالهوى يعني الانسياق وراء اهواء النفس مهما انحدرت الى قاع الحضيض، أما الفطرة فتتمثل بالميول السليمة للانسان، كرفضه للشر بأشكاله، ودعمه للخير بأشكاله، لذلك يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد بكتابه نفسه: (إن الهوى لا استقامة له، فالرياح تهب مرة نحو الجنوب، وأخرى نحو الشمال، وثالثة نحو الغرب، ورابعة نحو الشرق، ويكون حال الإنسان المتبع لهواه حال العنقود إذا انفرطت الأعناب منه فإنه لا يبقى قوام لحبات الأعناب المنفرطة حين الرفع والوضع والنقل وما أشبه).

لهذا لابد للانسان الواعي من ملاحظة فطرته، ولابد من المعنيين مساعدة الاخرين على نمو فطرتهم بالطريقة السليمة، الخالية من المساس بها بأي شكل كان، وذلك من اجل صنع وبناء شخصية متوازنة ومنسجمة مع ذاتها وع المجتمع في وقت واحد، ويؤكد الامام الشيرازي على هذا الجانب قائلا: (من الضروري على الإنسان أن يلاحظ فطرته القويمة الخالية عن الأهواء الداخلية والمضللات الخارجية، فإذا نمت تلك الفطرة نمواً طبيعياً كان الإنسان سليماً وكان المجتمع المحتوي على هؤلاء الأفراد مجتمعاً سليماً).

وحين تتم متابعة الفطرة والحفاظ عليها، لابد من ملاحظة الاشياء التي تلائمها، والابتعاد عما يناقضها، أملا بصنع الشخصية المنتجة والقادرة على تشييد بيئة متقدمة، تسهم بصنع المجتمع المنتج والمنسجم في آن، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (بعد أن عرفنا الأمر الأول ـ وهو طبيعة الإنسان وفطرته لا الألوان المفروضة عليه من الداخل أو من الخارج ـ يأتي دور الأمر الثاني وهو أن نعرف ماذا يلائم هذه الطبيعة، وماذا لا يلائمها؟ حتى نصنع الوئام بين الطبيعة وبين النفس، وفي هذا المجال نلمح انحرافاً آخر.. وهو: أن يكون الإنسان مع الناس كيفما كانوا، وقد اشتهر عند جماعة من الناس قديماً وحديثاً - حشر مع الناس عيد- بينما الحشر مع الناس المستقيمين عيد، أما الحشر مع المنحرفين فهو عزاء وضلال).

لذا نحن أما خيار بناء الفطرة وتعضيدها فقط، من اجل النجاح الفردي والجمعي ايضا، وينبغي أن نراقب الذات والفطرة، ونتابع الخلل اذا وجد فيها، كالميل الى الانعزال وما شابه، ولابد أن نفهم جميعا ان الفشل في مجاراة الفطرة، تعني نوعا من الانحراف الذي لابد أن يصيب الانسان، وهذه تسجل حالة هدم واضحة لبيئة التقدم، يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه في هذا الخصوص: (ان الانعزال يزيد الإنسان انكماشاً حول نفسه، كما أن العلاقة المنحرفة تسبب عطباً وخبالاً، نقول: إن الإنسان إذا لم يصرف فطرته الخلاقة في البناء، لابدّ وأن يصرف فطرته في الهدم، سواء في هدم نفسه أو هدم مجتمعه).

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 17/آب/2011 - 16/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م