المجالس الثقافية: حضور في الذاكرة وغياب في الواقع

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: أسلافنا قاموا بدورهم، وقدموا ما عليهم من مهام ثقافية، تبعا لقدراتهم وامكانياتهم في التفاعل والتوصيل، والترسيخ المطلوب للتقاليد الثقافية وغيرها، ربما حدثت أخطاء هنا او هناك، وربما شاب الضعف بعض الأنشطة، ولكن معظمنا ممن تجاوز الخمسين، نتذكر المجالس الثقافية التي كانت تعقد – مثلا- في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، ونتذكر ايضا تلك السجالات الجميلة والمفيدة، التي كانت تؤثث تلك المجالس، كما أننا نكاد نستشعر ونتذوق نكهة الكوميديا الهادفة، والمفارقات الساخرة التي كانت تنطوي عليها تلك المجالس.

في شهر رمضان تأخذ المجالس الثقافية طابعا أكثر تميزا وحضورا، فتتعدد الرؤى والطروحات والمضامين التي تطرحها المجالس الثقافية، منها ما يتعلق بالتأريخ (تأريخ المدينة او البلد او حتى المحلة)، ومنها ما يتعلق بإلقاء الضوء على شخصيات تركت حضورها الفاعل في المحيط الذي تحركت ونشطت فيه، وثمة من المجالس تخوض في الفلكلور والتراثيات بوجه عام، فيما يذهب مثقفون آخرون الى مضامين تمس الواقع مباشرة، وتضعه تحت ضوء الملاحظة الدقيقة، تصويبا وتشجيعا وخلافه.

اليوم نفتقد لمثل تلك المجالس، لم تعد الناس مولعة بها، ولم يعد المعنيون بالثقافة يعطون الاهمية اللازمة لهذا النوع من المجالس، أو لدورها في تنمية الوعي الشعبي، نعم هناك منظمات ثقافية تقدم بعض الانشطة الثقافية هنا وهناك، في دور نمطي متواصل ومعروف، ولكن ما نعنيه هنا المجالس ذات النكهة الشعبية التي تفرض حضورها في الوسط، وتنقل المعلومة وتنشرها باسلوب محبب بين من يختلف الى هذه المجالس، واذا كان شهر رمضان له أجواؤه التي تميزه عن غيره من الشهور، فإن هذا التميّز يشمل المجالس الثقافية أيضا، حيث تُعقد الجلسات بعد الافطار بساعتين، في اجواء يشوبها المرح والسعادة، وفي حس فكاهي ينضم إليه الجميع، المحاضر وغيره، فتتحول تلك المجالس الثقافية في رمضان، الى نقاط تشعّ بالبهجة الروحية، وتبدو كأنها بؤر فكرية ثقافية تراثية معاصرة في آن، لتقوم بدور الناشر الثقافي الذي يهدف الى تنمية الوعي بين الجميع.

مثل هذه المجالس ذات الطابع التثقيفي التروحي في آن، تغيب او تضعف الآن، في وقت تبقى حاضرة في ذاكرة من كان يرتادها طفلا مع ابيه، او شابا او رجلا محبا للثقافة والتاريخ والتراث عموما، ويكاد البحث عن السبب لا يجدي نفعا، فالكل كما يبدو منشغل بالتسارع العجيب للمشهد المادي المتنامي على حساب الحضور الروحي، يحدث هذا الخلل حتى في شهر رمضان المخصص بأجوائه المعروفة للنهوض بالجانب الروحي على حساب المادي، وثمة من يتحجج بعصر السرعة ويتناسى او ينسى بأن الامم الراسخة حافظت ولا زالت وستبقى على خصائصها الثقافية وغيرها، لذلك ليس من حقنا أن نجد الاعذار لانشغالنا بتوافه المادة، وعزوفنا عن تدعيم الثقافة الروحية حتى في مثل هذا الشهر!!.

مطلوب أن نتنبّه جميعا الى حماية الخصوصية، ليس بقصد الانغلاق والتحجر ورفض التلاقح مع الآخر، ولكن اذا لم تحافظ على نفسك وسماتك وخصائصك، لن تنجح في عملية التواصل مع الآخر إلا اذا كنت مستعدا للتذويب مسبقا...

أعيدوا لنا مجالس الثقافة الليلية، إفتحوا صالونات الفكاهة التراثية، عمقوا الاجواء الروحية في هذا الشهر، هذا النداء موجه الى كل من يهمه الامر، فالثري عليه ان يفتح صالونا ثقافيا في بيته، او في اي مكان يصلح لان يكون باثّا جيدا للوعي، والحكومة عليها دورها ايضا، والوجهاء لهم دور مهم في هذا المجال.. فلنعمل معا لكي تنتقل المجالس الثقافية من الذاكرة الى الواقع.  

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 16/آب/2011 - 15/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م