العرب وسياحة التغيير... مصائب قوم

باسم حسين الزيدي

 

شبكة النبأ: تعرض قطاع السياحة العربية إلى هزات عنيفة على اثر الانتفاضات والثورات التي حركت الشارع العربي وأسقطت أقنعة الحكام العرب وإزاحتهم عن عروش الظلم والاستبداد، وان كان هذا القطاع الحيوي في الأساس يعاني الأمرين جراء السياسات الخاطئة والمتبعة في تنمية وتمشية السياحة العربية المتهالكة، إلا إن هذه الإحداث أدت إلى مزيد من السوء والتردي في السياحة التي تعتبر احد الركائز الأساسية للدخل القومي للكثير من البلدان العربية أمثال مصر وتونس ولبنان، وفي المقبل ومع تراجع أعداد السائحين "من العرب والأجانب" في البلاد العربية، زاد الطلب على السياحة في بلدان أخرى تشهد استقرار امنياً كبير وتطور حقيقي في قطاع السياحة وبنسب عالية مما يضع سياحة العالم العربي على المحك في إمكانية المنافسة والتصدي للتغيرات الجديدة والخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

السياحة في لبنان

اذ توقع وزير السياحة اللبناني فادي عبود ان تنخفض أعداد السياح القادمين الى لبنان بنسبة 15 بالمئة في نهاية العام الحالي نظرا للإضطرابات في سوريا وبلدان عربية أخرى لكنه قال ان الوضع السياحي لن يكون مأساوي، وقال عبود "أعداد السياح انخفضت 18.6 بالمئة في أول خمس شهور ويتوقع في نهاية السنة ان يكون الانخفاض بحوالي 15 بالمئة ولكن، لا أتصور ان ينقص العدد عن حوالي مليون و700 ألف أو مليون و800 ألف سائح"، واضاف "الوضع السياحي لا بأس به، نعم هناك امكانية للاستفادة أكثر وستسعى وزارة السياحة للاستفادة أكثر بسرعة وبفعالية"، وقال ان الايرادات المتوقعة من القطاع السياحي هذا العام ما بين 7 و8 مليارات دولار مما يشكل نحو عشرين بالمئة من الناتج القومي المحلي كما كان الوضع في العام 2010، وكانت السياحة تشكل نحو خمس الناتج المحلي اللبناني قبل انهيار القطاع من جراء الحرب الاهلية بين عامي 1975 و1990، ولبنان الذي يعد واحدا من أشد البلدان مديونية في العالم اذ يبلغ الدين العام أكثر من 50 مليار دولار، وتمكن من تفادي اثار الازمة المالية العالمية محققا نموا قويا نسبيا للناتج المحلي الاجمالي بلغ تسعة في المئة في 2009 ونحو سبعة في المئة في 2010، ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد اللبناني بمعدل 2.5 بالمئة انخفاضا من توقعات سابقة بمعدل حول خمسة بالمئة بسبب خلافات سياسية حالت لما يقرب من خمسة شهور دون تشكيل حكومة جديدة بعدما أطاح حزب الله وحلفاؤه بحكومة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري في يناير كانون الثاني. بحسب رويترز.

وأخرت الانقسامات السياسية ميزانية 2010 في البرلمان ومنعت الحكومة من انفاق ملياري دولار خصصت لمشروعات البنى التحتية التي تشتد الحاجة اليه، ولا تزال مسودة ميزانية 2011 عالقة في مجلس الوزراء، وبعد مرور عشرة أيام فقط على تشكيل حكومة جديدة برئاسة الملياردير السني نجيب ميقاتي ارتفعت نسبة الاشغالات في الفنادق من 40 بالمئة الى 70 بالمئة وقال عبود "نعم تشكيل الحكومة ساعد على بث جو من الاستقرار"، واوضح عبود ان القطاع السياحي تأثر بالاضطرابات في المنطقة وخصوصا ما يجري في سوريا بعد أكثر من ثلاثة اشهر من الاحتجاجات ضد حكم الاسد المستمر منذ 11 عام، وقال "بالطبع حوادث المنطقة لها اثر واثر مباشر، نحن يأتي الينا حوالي نصف مليون سائح برا وعندما نقول برا يعني سوريا لان الحدود الصديقة الوحيدة هي بيننا وبين سوري، اتوقع ان ينخفض السياح الذين يأتون برا الى اكثر من النصف"، اضاف ان اعداد السياح الاردنيين انخفضوا في شهر مايو ايار الماضي الى اكثر من 15 الف سائح مقارنة مع العام الماضي "لذا بالطبع هناك اثر سلبي بما يتعلق بالحدود البرية مع سوريا"، واكد على ضرورة الاستفادة من الاضطرابات في المنطقة عبر تسهيل دخول السياح جوا وبحر، وقال "لا يوجد لدينا شيء مأساوي، النقص فقط من الدول العربية، لدينا زيادة من اوروبا عندنا زيادة من افريقي، الانفاق السياحي لم ينقص ابد، الانفاق السياحي، مازال على ما هو عليه في ظل وضع المنطقة وضعنا غير ميؤوس منه وبعض وسائل الاعلام التي تقول ان السياحة انهارت هذا كلام سياسي وليس له علاقة بالوقائع"، ويركز لبنان هذا العام على السياحة الفنية حيث تستضيف مهرجانات الصيف، وقال عبود "سنة 2011 هي افضل سنة بتاريخ المهرجانات في لبنان عندنا زيادة في المهرجانات الدولية عندنا مهرجانات بكل المناطق اللبنانية بدون استثناء".

يتدفقون على تركيا

في سياق متصل تتجول عشرات النساء الخليجيات بحجابهن الاسود المميز في واحد من أفخم المراكز التجارية في اسطنبول ويحملن اكياسا عامرة بالملابس والاحذية ولعب الاطفال وبصحبتهن أطفالهن، اذ ان موسم السياحة الصيفية على أشده في تركيا وهو ما يعطي اركان زنجين مدير أحد متاجر شركة تركية كبيرة للمجوهرات سببا للسعادة، وقال "زبائننا الاجانب أغلبهم من السعودية، لهم ذوق جيد في المجوهرات ويختارون عادة الاحجار الكبيرة"، يتكرر المشهد في متجر قريب للاحذية والمعاطف الجلدية حيث يحاول موظف جاهدا تلبية طلبات الزبائن الذين قدموا من الشرق الاوسط وينفقون المال الكثير، وقال الموظف "ليسوا مثل الاتراك، انهم يحبون الاحذية ويطلبون مقاساتهم ويجربونها ثم يذهبون الى الخزينة ويدفعون، الاتراك يريدون تجربة 20 زوجا من الاحذية قبل أن يتخذوا القرار"، ومضى يقول "عملاؤنا المفضلون هم العرب بسبب قراراتهم السريعة وقدرتهم الشرائية العالية"، وأصبحت تركيا وجهة مهمة للسائحين والمستثمرين العرب في الاعوام القليلة الماضية وظهرت كقوة اقليمية في منطقة الشرق الاوسط تحت قيادة حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، وساعد اهتمام العرب بالثقافة التركية بدءا بالمسلسلات التلفزيونية والموسيقى والاطعمة وانتهاء باصلاح تركيا لتاريخها العثماني في تدفق أعداد كبيرة من السائحين العرب، ويقصد الكثير من العرب اسطنبول العاصمة الامبراطورية القديمة لاقامة أعراسهم، كما يستطيع العرب الذين يهربون من حرارة الصيف الحارقة الاستفادة من قطاع متنام في تركيا يخدم المسلمين المتدينين الاثرياء بفنادق بها أحواض سباحة ومناطق شاطئية مخصصة للرجال وأخرى للنساء ولا تقدم الخمور.

وبعد أن أقلقت انتفاضات "الربيع العربي" التي تجتاح أجزاء كبيرة من الشرق الاوسط وشمال افريقيا الزائرين تعتمد تركيا على ساحلها الكبير المطل على البحر المتوسط وتراثها لاجتذاب المزيد من السائحين، وقال بصران اولوسوي رئيس رابطة شركات السياحة التركية لوسائل اعلام تركية "الربيع العربي يؤثر على عائداتنا من السياحة بالايجاب، قدم اسهاما ايجابيا للنظرة الى تركيا على المستوى الدولي"، وتظهر بيانات من وزارة السياحة أن عدد السائحين الذين يزورون تركيا زاد بنسبة 14.56 في المئة في الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي مقارنة بالفترة من يناير كانون الثاني الى مايو ايار عام 2010، وفي حين لايزال الالمان والروس والبريطانيون يتصدرون قائمة السائحين ومعظمهم تغريهم عروض الاقامة الكاملة منخفضة التكلفة في تركيا فان زيادة كبيرة طرأت على أعداد السائحين العرب الذين ينفقون ببذخ، وتتحدث الارقام عن نفسه، في مايو ايار ارتفع عدد السائحين من اليمن بنسبة 87 في المئة عن العام الماضي في حين بلغت نسبة الزيادة في السياح من السعودية 79.3 في المئة والعراق و 45.84 المئة، ويعطي هذا دعما مطلوبا لخزائن تركيا حيث تسعى البلاد الى سد العجز المتنامي في ميزان المعاملات الجارية، والسياحة مصدر ضروري للعملات الاجنبية في تركيا وهي تساعد في سد العجز في ميزان المعاملات الجارية الذي ارتفع 77 في المئة على أساس سنوي الى 7.68 مليار دولار، وبذلت تركيا جهودا كبيرة لتحسين العلاقات السياسية والتجارية مع جيرانها في الشرق الاوسط لكن اضطرابات "الربيع العربي" كلفت رجال الاعمال الاتراك مليارات الدولارات في ليبيا وعطلت مشاريع البنية التحتية في سوريا المجاورة، واضطرت الاوضاع في مصر وتونس الكثيرين الى اعادة النظر في خططهم للسفر وينظر الى تركيا على أنها مستفيدة لان الوجهات السياحية في الدول التي تعاني من زعزعة الاستقرار تضررت بشدة، وقال اوزجور التوج كبير الاقتصاديين في شركة (بي.جي.سي) للسمسرة "تركيا مقدمة على موسم سياحي هائل هذا العام مستفيدة من المشاكل في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا والاستثمارات السياحية الجديدة في البلاد"، وأضاف "نهاية مايو هي البداية الرسمية للموسم السياحي في تركيا وفي يوليو واغسطس وسبتمبر ستصل العملات الاجنبية في تركيا الى ذروتها بسبب ازدياد عائدات السياحة". بحسب رويترز.

وتجاوزت عائدات تركيا من السياحة 25 مليار دولار عام 2010 ويتوقع المسؤولون تحقيق مبالغ اكبر في عام 2011، ومن المنتظر أن يكون قد دخل اكثر من 30 مليون سائح بحلول نهاية العام في ارتفاع عن 28.6 مليون العام الماضي، ويوجد في تركيا 48 مطارا 16 منها مطارات دولية وهي موطن واحدة من أسرع شركات الطيران نموا في اوروبا وهي الخطوط الجوية التركية لذلك فانها أصبحت نقطة انطلاق لوجهات أخرى، وقال اولوسوي "نريد أن يتحسن الوضع في مصر على وجه الخصوص قريبا وأن تستقر لانها تمثل مع تركيا عطلة من خطوتين بالنسبة للسائحين الامريكيين"، وتستقبل اسطنبول معظم السائحين وهي اكبر مدينة في تركيا وبها القصور والمساجد التي تنتمي لعصر الدولة العثمانية فضلا عن الاسواق التي يبلغ عمرها قرونا من الزمن ويليها منتجع انطاليا المطل على البحر المتوسط، لكن في حين يتوافد المزيد من العرب على تركيا فان عدد السائحين الاسرائيليين الذين زاروا تركيا بين يناير ومايو انخفض بنسبة 59 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وتدهورت العلاقات بين الدولتين اللتين كانتا حليفتين وثيقتين بشدة حين اعتلى جنود من القوات الخاصة الاسرائيلية سفينة ضمن قافلة مساعدات دعمتها تركيا كانت متجهة الى غزة العام الماضي مما أسفر عن مقتل تسعة نشطاء أتراك، وزار نحو 30 الف سائح من اسرائيل تركيا في الاشهر الاولى من العام الحالي مقابل 72500 سائح اسرائيلي زاروا تركيا خلال نفس الفترة من عام 2010، وظهرت مؤشرات على تحسن مبكر في العلاقات بين تركيا واسرائيل لكن في مايو زاد انخفاض اعداد السياح الاسرائيليين ولم يأت سوى 6417 سائحا من اسرائيل الى تركيا مقابل 18295 في نفس الشهر من العام الماضي، ولا يزعج هذا فيما يبدو زنجين بائع المجوهرات الذي يتطلع الى وصول المزيد من السائحين العرب، وقال "زبائننا العرب من الفئة الاولى الممتازة الذين يختارون افضل المجوهرات لم يصلوا بعد، نستطيع أن نقول أن الموجودين هنا هم من الفئة الثانية او الاولى لكننا مازلنا نبيع لعدد من العرب اكبر من الاتراك، نتطلع الى يوليو حين يصل زبائننا الاكثر ثراء".

الربيع العربي

الى ذلك ومع انتشار ما أصبح يعرف بأيام "الربيع العربي،" في عدد من دول المنطقة، ينظر خبراء ومتابعون إلى القطاع السياحي في العالم العربي بكثير من التشاؤم، بعد ما تعرض إلى الكثير من الهزات، بدأت في تونس ولم تنتهي في الدول الأخرى، ورغم النظرة المستقبلية غير الواضحة، إلا أن عددا من المراقبين يجدون "نورا في نهاية النفق"، مع الاتجاه إلى تعزيز الأنظمة الديمقراطية، في دول مثل مصر وتونس، والتي من المؤمل أن تنعكس إيجابيا على السياحة، وعدد آخر من القطاعات الاقتصادية، ومن مصر، حيث القطاع السياحي كان الأكثر نشاطا في المنطقة، يقول رئيس هيئة تنشيط السياحة عمرو العزبي، إن حركة السياحة إلى مصر تأثرت سلبا بثورة يناير، نظرا لتخوف العديد من السياح العرب والأجانب، في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد منذ بداية العام، وأضاف العزبي "الانفلات الأمني الذي حدث في مصر في أعقاب الثورة، أثر بشكل كبير على حركة السياحة، وهو أمر طبيعي وغير مقلق، لأن الأحداث الجسام التي تحدث في أي منطقة في العالم تتبعها مثل هذه الظروف"، وأشار إلى أن الأحداث التي شهدتها بعض المدن المصرية عقب تنحي مبارك، من اعتداءات حدثت بين مسلمين ومسيحيين أثرت بشكل كبير على حالة الاستقرار التي كنا نأمل به، وقال العزبي "مصر كانت تستقبل ما بين 11 - 13 مليون سائح في العام، ينفقون نحو 13 مليار دولار سنويا، وستقل هذه الأعداد هذا العام نظرا للظروف الطارئة التي تمر بها، ولكن أتوقع أن تزداد حركة السياحة في مصر في الفترات المقبلة، بعد السمعة التي اكتسبتها مصر خارجيا بفعل ثورتها"، من جهته قال عمرو صدقي نائب رئيس غرفة وكالات السفر والسياحة بالغرف التجارية بمصر، إن "هناك عدم وضوح للرؤية حول الموسم السياحي الحالي، بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي من متغيرات جديدة بالبلاد، فضلا عن دخول موسم الامتحانات الدراسية والانتخابات البرلمانية"، وقال إن استمرار الثورات والاضطرابات في بعض الدول العربية، ليس له علاقة بتأثر مصر سياحيا، إذ أن السائحين باختلاف جنسياتهم لديهم ثقافة جغرافية ويعلمون أن ظروف كل دولة تختلف عن الأخرى، ولفت إلى أن "دعم رجال الأعمال للسياحة لم يتوقف قبل وبعد الثورة، حيث اتفق عدد منهم على إعادة استثمار أموالهم داخل القطاع لتنشيط السياحة، كما أن القطاع المصرفي أعلن دعمه للسياحة إذ يوجد اتفاق عام بأن السياحة تمرض لبعض الوقت ولا تموت مهما حصل من نكبات".

أما في تونس، حيث أولى الثورات العربية، يقول الخبير الاقتصادي حاتم الشنوفي إن عدد السياح القادمين إلى تونس سينخفض بشكل كبير هذا العام نتيجة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد بعد الثورة، إضافة إلى الوضع السياسي المضطرب في الجارة القريبة ليبي، وأضاف "عدد السياح القادمين من أوروبا سينخفض إلى ما دون النصف، لكن السياح القادمين من الدول المجاورة (ليبيا والجزائر) لن يتأثر بالأوضاع الحالية لأنهم يدركون أن الوضع الأمني في البلاد تحسن كثيرا منذ سقوط النظام السابق"، وكان مهدي حواس وزير السياحة التونسي توقع في وقت سابق أن تهبط إيرادات السياحة هذا العام بنسبة 50 في المائة تقريبا لتصبح 1.8 مليار دينار (1.3 مليار دولار)، لكن الشنوفي أكد أن "السياحة التونسية ستستعيد ألقها في النصف الثاني من العام المقبل، مبررا ذلك بـ"محدودية الطاقة الاستيعابية للقطاع السياحي في البلدان المجاورة وانخفاض قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار واليورو بنسبة 10 نقاط، الأمر الذي سيعزز القدرة الشرائية للسائح"، وتابع "صيف 2012 سيعج بالسياح من كل مكان، سيأتي الناس إلى تونس ليكتشفوا حقيقة هذا البلد ونوعية الناس الذين قاموا بالثورة، وأعتقد أننا سنشهد مجيء نوعية جديدة من السياح من أميركا الشمالية وروسيا والخليج العربي وغيرها"، ولم يسلم المغرب من انعكاسات الاضطرابات السياسية على أداء القطاع السياحي، ويقول عزيز اللبار، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بفاس، إن "السياحة عالميا تعيش حالة ركود حاد، ليس فقط بسبب الاضطرابات السياسية ببعض البلدان، بل أيضا كنتيجة لحدة الأزمة الاقتصادية العالمية"، ولاحظ اللبار، الذي يدير هيئة لترويج المنتج السياحي المحلي، نقصا ملحوظا في التدفقات الواردة من الأسواق التقليدية للسياحة المغربية، وخصوصا فرنسا، اسبانيا وايطالي، وقال "إن كان الاعتداء الإرهابي الذي استهدف مراكش قد أثار تخوفات من تداعيات محتملة على القطاع، فإن التأثير كان عارضا، حيث طغت صورة المغرب كبلد استقرار ووجهة متنوعة المنتجات السياحية بين جبلية، صحراوية، شاطئية، تاريخية وبيئية".

ويستند الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان في تقديراته بعدم تحسن العائدات السياحية في لبنان إلى إحصاءات المجلس العالمي للتجارة السياحية التي سجلت انخفاضا بلغ 13 في المائة للربع الأول من هذه السنة، ويستند إلى توقع رئيس تجمع أصحاب الفنادق بيار أشقر بأن يبلغ تراجع الحجوزات الفندقية في لبنان نسبة 28 في المائة للنصف الأول من عام 2011، ويكشف حمدان عن أن الربع الأول من السنة شهد تراجعا في نسبة  الزوار العرب بلغ 10 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2010 حيث كان وصل إلى 43 في المائة بينما لم يتجاوز 33 في المائة هذه السنة، وربط حمدان تحسن قطاع السياحة أو تراجعه بأمرين، أولهما الاستقرار السياسي في لبنان وأداء الحكومة الجديدة التي تنتظر الحصول على ثقة المجلس النيابي، والأمر الثاني "تطور الأحداث في سوريا وما إذا كان الوضع يتجه على نحو تصاعدي أم يميل نحو الهدوء والاستقرار الأمني"، ورغم كل هذه العوامل المذكورة، يشير حمدان إلى أن "الأحداث الأمنية التي تجتاح العالم العربي منذ أوائل السنة الحالية قد أثرت سلبا ومن دون شك في عائدات قطاع السياحة في لبنان إلا أن توقعات التراجع كانت أيضا محسوبة قبل ذلك بسبب المعدلات القياسية التي تم تسجيلها في السنوات الأربعة السابقة، من جهته يرى مدير إدارة السياحة في دمشق فيصل نجاتي إن "القطاع السياحي في سوريا هو أحد القطاعات الاقتصادية الأساسية في البلاد التي تأثرت بشكل مباشر في الأحداث الأخيرة، باعتبار السياحة صناعة مرنة وقلقة تتأثر بشكل سريع ويمكن استردادها بشكل سريع أيضاً"، وأضاف "عادةً ما يبدأ موسم السياح الأجانب في سوريا سنوياً اعتباراً من أواخر شهر شباط (فبراير) ويمتد إلى أواخر شهر أيار (مايو) من كل عام، وهذا يعني أن هذا الموسم السياحي تضرر بشكل كبير"، ولفت إلى أن "تأثير الأحداث التي تجري في البلاد كان واضحاً جداً، ونسبة الإشغال في الفنادق انخفضت بشكلٍ حاد، خاصة أن السائح يبحث عن مقصدٍ سياحي آمن، والكثير من السيّاح الأوربيين أجلوا رحلاتهم إلى سورية بناءً على نصائح مكاتب السياحة في بلدانهم"، وأوضح نجاتي "وزارة السياحة السورية الآن بصدد وضع خطط لإدارة هذه الأزمة وتفادي الوضع الحالي واسترداد السياح بشكلٍ سريع فور الانتهاء منها، وذلك بالتعاون مع القطاع الخاص، واعتقد أن السائح الذي أجل رحلته لم نخسره فعلياً، والخسارة التي تعرضنا لها في هذه الأزمة ليست نهائية، ويمكن تعويضها"، ولا توجد أرقام محددة حالياً لحجم الخسائر.

وفقا للمسؤول السوري، الذي قال بشكل عام السياحة في سورية ساهمت بما نسبته 11.3 في المائة من الدخل القومي في سوريا خلال العام الماضي"، وفي الأردن، صنف خبراء في قطاع السياحة موسم السياحة للعام الحالي 2011، بأنه الأسوأ الذي يمر على البلاد منذ أحداث تفجيرات عمان عام 2005، خاصة فيما يتعلق بتراجع حجم الإيرادات السياحية وإلغاء حجوزات الرحلات السياحية الأوروبية امتدت حتى العام المقبل 2012، وقال الخبير في القطاع السياحي والرئيس الأسبق لجمعية السياحة الوافدة في الأردن عوني قعوار، إن "حالة من الشلل أصابت موسم السياحة في الأردن منذ بداية الثورات العربية في المنطقة لتكون الأسوأ منذ تفجيرات عمان"، وقال قعوار "إن حجوزات البرامج السياحية من دول أوروبا انخفضت منذ بداية العام الجاري بسبب الاضطرابات في المنطقة لموسمي الربيع والخريف، حيث ألغيت ما نسبته 70 في المائة من حجوزات البرامج السياحية الأوروبية للأردن وسوريا ولبنان منذ الموسم الحالي وحتى  العام 2012، منذ اندلاع  الأحداث في سوريا في شهر آذار من هذا العام"، ولفت إلى أن "محاولات عديدة من الهيئات السياحية الأردنية بذلت من أجل عدم إلغاء الحجوزات الخارجية، بيد أن شيوع أنباء عن خروج مظاهرات ومسيرات واحتجاجات في الأردن ضربت موسم السياحة للعام الحالي"، وعلى الجانب الآخر، وفي دبي، أكثر مدن الخليج العربي جذبا للسياح، يرى محمد الصاوي، مدير عام شركة بن عمير للسياحة أن "هناك تحول نسبي واضح في النشاط السياحي في منطقة الشرق الأوسط هذا العام، نتيجة عدة أسباب، أهمها عدم الاستقرار السياسي والأمني"، وأضاف "هناك مشكلة تواجه السياح حالياً، وهي عدم استيعاب السوق السياحي لهذه المتغيرات، فشركات الطيران مثلا لم تغير من جداول رحلاتها، لتزيد من عدد رحلاتها إلى الوجهات التي تحول إليها السياح، ما  يؤدي إلى صعوبة حصول المسافر على تذكرة طيران إلى هذه الوجهات، كذلك مشكلة التأشيرات"، كما تحدث عن منطقة الخليج قائلاً "بالنسبة لمنطقة الخليج ازدادت نسبة السياحة فيها، ووصلت إشغالات وحجوزات الفنادق إلى 70 في المائة هذا الموسم، بعد أن كانت تصل بالكاد إلى 50 في المائة، وهذه فرصة يجب أن تستفيد منها دول الخليج لتطوير المنتج السياحي لديها"، أما في البحرين، التي شهدت احتجاجات واضطرابات واسعة، فيقول أكرم مكناس رئيس مجلس إدارة شركة "برومو 7" إن "هناك تردد بالنسبة إلى زوار وسياح البحرين من الدول القريبة مثل السعودية والكويت خوفا من عدم الاستقرار وعدم استكمال الأمن والاستقرار في البحرين"، أما رجل الإعمال السعودي في البحرين الدكتور عبد اللطيف الخاجة فيقول إن "البحرين ليس فيها مقومات السياحة العالية أو غير العائلية وإن الأحداث الأخيرة خففت من الزوار السعوديين المسافرين للبحرين للدخول إلى السينما أو المطاعم بسبب المضايقات التي يواجهوها إثناء التنقل".

السياحة الداخلية

من جانبهم اختار عدد كبير من السعوديين قضاء اجازاتهم الصيف الحالي داخل البلاد نظرا للاحداث والاضطرابات التي تعيشها دول عربية تمثل متنفسا لعائلات عدة في المملكة، وتشكل "الثورات" في تونس ومصر وسوريا واليمن فضلا عن حالة عدم الاستقرار في لبنان عائقا كبيرا امام العديد من السياح السعوديين الراغبين في السفر اليها في حين ألغى عدد كبير حجوزاتهم الى اوروبا بعد تفشي بكتيريا "اي كولاي" وتجدد مخاطر تصاعد الرماد البركاني في ايسلندا خلال الفترة الماضية، وقال الامير عبد الله بن سعود رئيس اللجنة السياحية في جدة "سيكون الطلب هذا الصيف كبيرا جدا، خصوصا مع قصر فترة الاجازة التي لا تتجاوز 40 يوم، واضاف "هناك اكثر من مئة فعالية رئيسية في مهرجان جدة يتفرع عنها كذلك نحو مئة فعالية ثانوية في المهرجان الذي يستمر سبعين يوما حتى بعد عيد الفطر"، وتابع الامير، "توقعاتنا تشير الى ان مدينة جدة ستستاثر باكبر نسبة تشغيل هذا الصيف، تليها الطائف ومكة المكرمة التي ستنشط فيها الزيارة الدينية بشكل كبير، الى جانب المنطقة الجنوبية ومدينة ابها تحديدا التي يقصدها السياح الخليجيون"، من جهته، قال محمد الفلاح "35 عاما" الذي يعمل محاسبا انه الغى خطط السفر لعائلته بسبب الاوضاع غير المستقرة في المنطقة "كنا في السابق نتوجه الى القاهرة لقربها وملائمة اسعارها لمدخولنا، لكن قررت مع عائلتي ان نقضي الاجازة داخل الوطن خصوصا وان فترة ما قبل رمضان قصيرة جدا"، بدوره، قال عبدالله العجمي "49 عاما" الذي يعمل مدرسا انه قرر في اللحظات الاخيرة الغاء الحجز المؤكد الى فرنسا "وبعد ان استبعدنا الدول العربية لقضاء اجازة العام، اخترنا اوروبا لكن فجاة ظهرت بكتيريا اي كولاي واثارت الذعر، لذلك فضلنا المكوث في جدة والاستمتاع بالمهرجانات المحلية"، ويقدر حجم صناعة السياحة في المملكة العربية السعودية بحوالى 57 مليار ريال "15،2 مليار دولار" العام الماضي، لكن الامير عبد الله اكد ان اكبر عائق سيواجه التدفق السياحي الداخلي هو محدودية الرحلات الجوية، واوضح في هذا السياق ان "المملكة مترامية الاطراف والتنقل عبر الطرق مستبعد لدى السعوديين نظرا لسوء الخدمات وعدم جهوزيتها اي ان الطرق البرية ما تزال غير ممتعة للسائح مما يضطره الى اختيار النقل الجوي"، وتوقع رئيس اللجنة السياحية في جدة ان يصل حجم الانفاق السياحي في المدينة الى اربعة مليارات ريال. بحسب فرانس برس.

الى ذلك، قال محمد العمري رئيس جهاز السياحة في مكة المكرمة ان معدلات الاشغال سترتفع بين 15 الى 20 في المئة العام الحالي لان بدء العمل بالتصنيف "الجديد للفنادق والشقق المفروشة الذي اقرته هيئة السياحة الى جانب تحديد الحد الاعلى للاسعار يخلق نوعا من المنافسة الشرسة في السوق"، واستبعد العمري ان يكون للاحداث الجارية في الدول العربية اثر كبير في زيادة الاشغال محليا "ففي العام الماضي لم تكن هناك اي اضطرابات ومع ذلك ازدادت نسبة الطلب داخليا 15 في المئة مقارنة مع العام 2009"، من جانبه، توقع مركز المعلومات السياحية السعودي نموا بنسبة 27،5 في المئة في عدد الرحلات السياحية المحلية خلال الصيف الحالي وارتفاع اجمالي ما ينفقه السياح في الحركة المحلية 31 في المئة طوال فترة الموسم، ومن المتوقع كذلك ان تزداد عائدات الحركة المحلية الصيف الحالي الى 10،4 مليار ريال "2،8 مليار دولار" مقابل دخل بلغ ثمانية مليارات ريال العام الماضي، اي بزيادة نسبتها 30 في المئة.ووفقا للمركز، فان اعداد المسافرين للخارج خلال اجازات الاعياد العام 2010 بلغت ما لايقل عن 3،4 ملايين مقابل ثلاثة ملايين العام 2009، اي بزيادة 13 في المئة، في غضون ذلك، قال محمد عزوز مدير قطاع السفر في احدى وكالات السياحة "ان الحجوزات لصيف هذا العام شهدت تراجعا كبيرا الى مصر، فيما كان هناك إلغاء تام للسفر الى سوريا وتونس والمغرب"، واضاف "تصدرت حجوزات العام دول اوروبا وجنوب إفريقيا وتركيا، كما ان هناك طلبا جديدا على ايطاليا واسبانيا ونتوقع ان يكون هناك طلب على اوروبا الشرقية خلال الفترة المقبلة".

الالمان ومصر

من جانب اخر حث مسئولو صناعة السياحة الالمان على العودة إلى الشواطئ المصرية مشيرين إلى أن مصر آمنة وعادت إلى وضعها الطبيعي بعد أن أطاحت انتفاضة شعبية بالرئيس المصري حسني مبارك الشهر الماضي، وقال متحدث باسم رابطة الشركات السياحية الالمانية "دي.آر.في" إن الحجز إلى تونس الذي أطيح بزعيمها متاح أيض، وأضاف أن "صناعة السياحة الالمانية تؤيد بوضوح حدوث انتعاش في السياحة " في البلدين"، لقد عادت جميع الرحلات إلى ما كانت عليه، ليس هناك أي عقبات وأسعار العطلات هناك جذابة للغاية، ونحن جميعا نبلغ "العملاء" بأن الامر عاد إلى طبيعته"، وكان الالمان يمثلون ثالث أكبر الافواج السياحية الاجنبية بعد الروس والبريطانيين إلى شواطئ البحر الاحمر وفي وادي النيل بمصر قبل الثورة ضد مبارك، وكان مسئولو صناعة السياحة يتحدثون في برلين عشية المعرض السنوي للتبادل السياحي الدولي في برلين "آي.تي.بي" الذي وصف بأنه أكبر معرض عالمي للمزارات السياحية في أبرز الدول بالنسبة للانفاق على السياحة، وتوقع المسئولون أن يسجل إنفاق ألمانيا على العطلات هذا العام رقما قياسيا جديدا فيما تخرج البلاد من كساد اقتصادي، وقال يورجن بوشي رئيس الرابطة إن "القطاع يحظى بسلسلة من النجاحات". بحسب وكالة الانباء الالمانية.

من جهته فقد أعلن وزير السياحة المصري منير فخري عبد النور، خلال مؤتمر صحفي، للإعلان عن مبادرة لتنشيط السياحة الداخلية بالاشتراك مع البنك الأهلى وشركة موبينيل ووزارة الطيران المدني، إن وزارته تدرس قراراً يسمح للسياح العرب بدخول مصر دون الحصول على تأشيرة خلال الفترة المقبلة، بهدف جذب السياحة العربية التي تنشط في شهور الصيف، وقال عبد النور مؤكداً ، بشأن مطالبة بعض الجماعات السلفية بتحريم السياحة،  أنه لن يقف أمام أي تيارات أو جماعات لها آراء محددة، وقال إن السلفيين أصواتهم عالية، والاستجابة لهم قد تؤخرنا قروناً، مضيفاً أن الوزارة تعمل على مضاعفة دخل مصر من السياحة لخدمة الاقتصاد الوطني، وقال "أمامنا فرصة للوصول بتلك المعدلات إلى 30 مليار دولار سنوياً، ويجب ألا نعود بأنفسنا إلى القرون الماضية، ويجب أن نكون أكثر إيجابية"، وأوضح الوزير أن وزارة الداخلية ستدرس الأبعاد الأمنية لقرار دخول السياح العرب دون تأشيرة قبل الموافقة عليه، كما تدرس أيضاً آليات لتسهيل الحصول على تأشيرات لجميع دول العالم، أملاً في زيادة أعداد السائحين خلال الفترة المقبلة، وأضاف عبد النور إنه ناقش مع مسؤولين إيرانيين إمكانية تنفيذ بعض التسهيلات في الحصول على تأشيرات الدخول بالنسبة لمواطني البلدين، لافتاً إلى أن مصر يجب أن تعمل على فتح أسواق جديدة، لكن هذا يتطلب مجهوداً مضاعفاً من شركة مصر للطيران لمد خطوط ربط إضافية، من جانبه، أوضح إبراهيم مناع، وزير الطيران المدني، أن مد خطوط طيران جديدة في الوقت الحالي سيكون أمراً شديد الصعوبة بسبب التكلفة الكبيرة، وأكد إن شركة مصر للطيران تكبدت خسائر كبيرة خلال أحداث الثورة، وأصبحت إيرادات الشركة لا تغطي مصروفاتها، لكنها ستعمل مستقبلاً على تنمية مواردها لتعويض خسائرها .

موجة استثمار أجنبي

على صعيد اخر حيث يجتاح مد التغيير السياسي الوطن العربي ومع أنه يثير القلق والخوف فإنه قد يؤدي في نهاية المطاف إلى اجتذاب موجة جديدة من الاستثمارات الأجنبية الى المنطقة، فمع تراجع الاحتكارات والمصالح الراسخة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تتجه الحكومات في المنطقة إلى المزيد من فتح أسواقها وبيع بعض حيازات الدولة، ودول الخليج الغنية مثل الكويت وقطر ليس لديها أسباب تذكر للبيع لكن دول ما بعد الثورة في المنطقة مثل تونس ستتجه على الأرجح إلى تقليص حواجز الحماية مع سعيها الى التعجيل بإعادة توزيع الدخول لمصلحة مواطنيها المتذمرين، غير ان انتصار الديمقراطية الموجهة الى تبني مبادئ السوق الحرة لم يتأكد بعد، فبعد عقود من الحكم الاستبدادي فإن الأحزاب السياسية بدأت للتو الإصلاح في مصر وتونس بينما تنبئ الأحداث في ليبيا بأن الثورة فيها دامية وطويلة الأمد، غير ان فتح الأسواق بشكل أكبر في منطقة غنية بالنفط يتميز سكانها بصغر أعمارهم هو فرصة جذابة للمستثمرين، وقال جوليان مايو مدير الاستثمار في شارلمان كابيتال "من السابق لأوانه معرفة ما ستتمخض عنه هذه الثورات لكن هذه الأزمة ستكشف عن بعض الفرص مع التخلص من الهياكل المرتبطة بالنظم القديمة"، ومن المستبعد أن تحدث خصخصة واسعة النطاق ولا سيما في قطاع النفط والغاز الذي يعتبر منطقة حرام، وبدلا من ذلك فإن قطاعات مثل الخدمات المالية والاتصالات والسياحة قد يتم تحريره، وقال لوكا دي كونتي مدير اسواق رأس المال في جي.إم.بي اوروبا "الاستثمار الاجنبي كان قويا في المنطقة لكن الشيء المفقود هو الاقتناع بأن التغير يحدث بخطى سريعة بدرجة كافية، ومستويات السيولة في السوق منخفضة حيث ان الأسهم لا يكاد يتخلى عنها اصحابها"، وبيع الحصص المملوكة للدولة في شركات التداول العام هو وسيلة واضحة لتعزيز الاستثمارات الاجنبية، وتظهر بيانات تومسون عن الملكية ان حكومات المنطقة تحوز حصصا قيمتها 320 مليار دولار في شركات عامة سواء بطريق مباشر أو من خلال الحكام أو صناديق الاستثمار السيادية، وتستبعد هذه الارقام تونس التي يكون فيها كثير من الشركات مملوكا ملكية خاصة لعائلة الرئيس السابق زين العابدين بن على. بحسب رويترز.

وقد قالت حكومة تونس المؤقتة ان هذه الحيازات التي تشتمل على شركات في قطاعات رئيسية مثل التعدين والسياحة سيتم استعادته، وقال الوكيل العقاري عصام عياري ومقره تونس إن الكثير من هذه الحيازات من المحتمل التخلص منها من خلال عمليات بيع مباشر او عن طريق الإدراج في بورصة الاسهم، واضاف قوله "الحكومة ليست مصرة على التأميم والشفافية ستكون مهمة وكذلك اكتساب الخبرة الفنية"، ولمعالجة البطالة ستسعى الحكومة القادمة ايضا الى مضاعفة الجهود لاجتذاب الاستثمار الاجنبي الذي ساهم بنسبة ضئيلة ستة في المئة فحسب من اجمالي الناتج المحلي لتونس في عام 2008 قبل وقوع الازمة المالية، وتباين وقع هذه التطورات لدى المستثمرين الاجانب، وكان من العمليات الناجحة البارزة صفقة شركة بوتاس كورب ومقرها تورونتو في عام 2003 لشراء حصة 28 في المئة في شركة البوتاس العربية التي لا تزال مملوكة في أغلبها للحكومة الأردنية، وعلى طرف نقيض من ذلك تأتي الجزائر التي ما زال الاقتصاد فيها تهيمن عليه الدولة، ويجري تأميم وحدة محلية لخدمات الهاتف المحمول بعد نزاع ضريبي بين مالكها المصري شركة اوراسكوم تليكوم والحكومة الجزائرية، وكانت مصر من الاقتصاديات الاكثر انفتاحا في شمال افريقيا ولكن حتى هناك لم يتضح بعد هل سيتخلى الجيش طواعية عن سيطرته على شريحة من الشركات تتراوح من انتاج زيت الزيتون الى تصنيع المركبات، ويمسك الجيش حاليا بمقاليد الحكم بعد اسقاط مبارك، وقال بريان بلاموندون كبير اقتصاديي الشرق الاوسط وشمال افريقيا في آي.اتش.اس جلوبال انسايت "احتمالات خصخصة هذه الشركات ضعيفة جدا لأنها تجلب أموالا طائلة للجيش"، وفي نظر الزعماء القادمين فان الحفاظ على الانسجام الاجتماعي مع اجتذاب الاستثمار الاجنبي سيكون عملية موازنة دقيقة.

وكانت شركة الاتصالات التونسية المملوكة للدولة ألغت الشهر الماضي خططا لادراج مشترك لأسهمها في بورصتي باريس وتونس وسط تهديد باحتجاجات عمالية من جانب عمال الشركة، وقال اوكان أكين المحلل في آر.بي.إس "الشركات المملوكة للدولة مصدر مهم للوظائف، والخصخصة والاصلاحات الاقتصادية الاخرى غالبا ما تتضمن تسريح عمال"، ومن المفارقات ان ليبيا التي تشهد اشد الثورات عنفا في المنطقة حتى الان تعتبر أفضل المناطق الواعدة، وحتى وقت قريب قبل الاضطرابات الاخيرة كانت ليبيا في المركز الثاني عشر بين اكبر مصدري النفط في العالم، ويقول محللون ان اقتصادها يمكنه ان يحقق انطلاقة إذا عاد الاستقرار دون الحاق اضرار بمرافق البنية التحتية لصناعة النفط والغاز التي ياتي منها معظم عائدات البلاد، وقال ديفيد دامبيات الذي يرأس فريق الاستثمار في افريقيا في مؤسسة رينيسانس لإدارة الأصول "الاقتصاد ليس متقدما مثل باقي شمال افريقي، ولذلك فإنه من وجهة نظر الاستثمار فانه قد يكون اكثر الاقتصاديات جاذبية بسبب ضعف الآثار على البنية التحتية"، واجتذبت ليبيا اهتماما قويا من المستثمرين حينما رفعت عقوبات غربية دامت عقودا في عام 2004، وحصلت شركة بي.ان.بي باريبا الفرنسية على حصة اقلية في بنك محلي حينما تم تخفيف القواعد المصرفية وما زال المستثمرون يرون فرصا جيدة في قطاع الخدمات المصرفية والتأمين، وقال بيورن انجلوند الذي يدير صندوق استثمار يتركز على العراق "حينما يكون الاقتصاد في حالة انتقال من الاستبداد الاشتراكي الى سوق حرة كاملة الخصائص فإن اسهل الفرص المتاحة في هذا التحول سيكون البنوك".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م