الاستجواب البرلماني

وسيلة رقابية أم حسابات سياسية

ناجي الغزي

البرلمان هو أعلى سلطة تشريعية يناط به وظيفة تشريع القوانين والتصديق على مشاريع السياسات العامة في الدولة، وكذلك الرقابة على الاموال العامة للمجتمع ورقابة عمل الجهاز الحكومي التنفيذي. والاستجواب هو أحد صور الرقابة على أداء الحكومة وجهازها التنفيذي. من خلال تكوين لجان برلمانية متخصصة تكون وظيفتها تحري ومراقبة تطبيق التشريعات ورفع التقارير الى المجلس النيابي، وهو من يقرر ثبوت الاخلال أو التجاوز وأن يتخذ ما يراه مناسباً من إجراء الاستجواب والمساءلة داخل قبة البرلمان. وهذا الاجراء هو تقليد يمارس في كل البرلمانات الديمقراطية.

ويعد الاستجواب من الوسائل الرقابية المهمة التي تواجهها السلطة التنفيذية وتخشاها بقوة لما لها من أهمية في كشف الخلل في أداء الحكومة وخطورة الاستجواب الذي يمتد الى إقالة الحكومة وسحب الثقة منها أو من بعض الوزراء إذا ثبتت الأدلة تورطهم.

وعلى الرغم من قانونية الاجراءات المتخذة من قبل البرلمان ولجانه، إلا أن هذا الاستجواب لايخلو من حسابات سياسية في البلدان التي تعاني من تخمة الاحزاب وكثرة التيارات والكتل السياسية التي تشارك بالبرلمان والحكومة كالعراق. وهنا يخرج الاستجواب في حالاته الكثيرة من مساراته الطبيعية والقانونية ليدخل في خانة الاستجواب السياسي، من أجل التشهير والتسقيط بالخصوم السياسيين من خلال فبركة الوقائع والوثائق وقلب الحقائق بطريقة سياسية مكشوفة وفاضحة.

وعلى الرغم من أن الرقابة البرلمانية الجادة ضرورة ملحة لمجتمع ينوي الالتحاق بركب الدول الديمقراطية، لكون تلك الممارسة تمنع استبداد السلطة التنفيذية وتحقق العدالة والشفافية، من خلال تقديم البراهين والدلائل للبرلمان على الوزير أو المسؤول المستجوب. فضلا عن تحقيق السيادة الشعبية والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. والرقابة هي حق من حقوق الأمة والشعب وحاجة من حاجات المجتمع على أعمال السلطة التنفيذية وفقاً لما أقره الدستور العراقي، ولا يمكن الاستغناء أو التهاون عن وسيلة الاستجواب لانها تحقق العدالة الاجتماعية والارادة الجماهيرية داخل المجتمع، والبرلمان هو صاحب هذه المهمة الرقابية لكونه يمثل الشعب وهو صاحب السلطات الاوسع بين كل مؤسسات الدولة.

إلا أن بعض حالات الاستجواب لاتخلو من الحسابات السياسية لهدف النيل من الطرف المستجوب. لأن بعض الطرق والاساليب التي تتناول من خلالها الوزير أو المسؤول المستجوب، طرق شخصية ذات أبعاد ثأرية لا تخلو من السطو على الحقوق الدستورية والقانونية، اضافة الى استخدام بعض العبارات الجارحة التي تحرف الجلسة من مسارها الحقيقي وتجعلها جلسات تسفيه وتسقيط سياسي.

أو نرى العكس عندما تظهر العصبية الحزبية والطائفية في وجه بعض النواب من خلال مداخلاتهم وحواراتهم المتقاطعة مع العضو صاحب الاستجواب، التي تذهب خارج النص وخارج الصلاحيات المهنية والقانونية في النظام الداخلي للبرلمان. وهذه السلوكيات يراد بها افشال واقصاء وسيلة الاستجواب وتحديدها عن ممارساتها الطبيعية التي تعالج مواطن الخلل في منظومة الحكومة وتجعل التستر والتغطية معيار لسير البرلمان أو تحويل البرلمان الى حلبة لتصفية الحسابات السياسية بطريقة الاستجواب والاستجواب المضاد، لا من أجل تقويم مسار الحكومة في أداءها المهني وتصحيح الاخطاء الناتجة في سلوكها الوظيفي. وملاحقة المفسدين والعابثين بالمال العام والمتهاونين بمقدرات وحاجات الشعب العامة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/آب/2011 - 14/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م