المهاجرون العرب عين على أوروبا واخرى على الربيع العربي

 

شبكة النبأ: وصل علي غناي إلى فرنسا من تونس في شهر مارس في محاولة للهروب من الفقر ورغبة في مشاهدة ذلك الجزء من العالم وأملاً في توفير نفقات أسرته المقيمة في قرية بالمنطقة الجنوبية الفقيرة. ولكن عامل البناء هذا البالغ من العمر 24 عاماً يريد الآن العودة إلى دياره بعد أن أصيب بخيبة أمل شديدة بعد أسابيع من معاناته من مضايقات السلطات الفرنسية والنوم في الشوارع والعيش على إحسان الغرباء.

وعن ذلك قال علي لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لم يكن الأمر سهلاً ... لم يكن سفري إلى فرنسا مجدياً".

وتحدث علي أثناء جلوسه مع الأصدقاء في مقهى تونسي على الرصيف وسط مدينة مرسيليا كيف سارت الأمور في الاتجاه الخطأ على مدار الأشهر الأربعة الماضية. فقد حجز رحلة إلى إيطاليا، مثل آلاف التونسيين الآخرين، ودفع 1,000 دينار (700 دولار) للحصول على مكان على متن قارب، لكنه قال: "كانت رحلة صعبة، رأيت الناس يغرقون أمامي... مع ذلك ما زلت ممتناً للرجل الذي أخرجني".

ولدى وصوله، قدمت له السلطات الإيطالية وثيقة تخول له الدخول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي الموقعة على اتفاقية شنغن، بما في ذلك فرنسا، لمدة ستة أشهر دون الحصول على تأشيرة دخول. وكانت إيطاليا قد استقبلت بالفعل الآلاف من المهاجرين من تونس، خاصة في جزيرة لامبيدوسا التي تقع في القسم الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط.

وكان رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني قد دعا الدول الأوروبية المجاورة لإيطاليا إلى تقاسم العبء، لكن فرنسا اتهمت إيطاليا بإرسال المهاجرين عبر حدودها بشكل متهور، دون إضفاء الطابع الرسمي على وضعهم.

استقل علي بعدها قطاراً إلى فرنسا من دون صعوبة، مثل الكثير من التونسيين، ولكن عند وصوله إلى مدينة نيس الفرنسية، كان في استقباله حشد من رجال الشرطة الأشداء في محطة السكك الحديدية. أوضحت الشرطة أنه كان مجرد شخص "بلا أوراق"، أو مهاجر من دون صفة قانونية. وتم بعدها القبض عليه واعتقاله وطرده دون تحقيق. لكنه حاول القيام بنفس الرحلة مرة أخرى وواجه النتيجة نفسها. وفي نهاية المطاف، وصل إلى مرسيليا، لكن دون سكن حقيقي أو وظيفة.

كان منذر حرزلي، وهو تونسي المولد ومقيم في مرسيليا منذ 30 عاماً، يستمع إلى علي بتعاطف. فمنذر من المؤيدين علناً "للربيع العربي"، وقد اعترف بوجود الكثير من عدم اليقين حول المرحلة المقبلة، إذ أن قوى مختلفة تتنافس الآن على السلطة والنفوذ، لكنه لم يخف تفاؤله من إمكانية نجاح تونس.

وقال منذر لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "الناس يريدون التغيير، وهذا أمر طبيعي، لكن الثورة لا تأتي بين عشية وضحاها. فهناك ثمن يجب دفعه مقابل الحرية، وأهم شيء هو أننا أحرار، ولم نعد خائفين". وأضاف أن المرء في الماضي كان يشعر بجو من التحكم حتى في مرسيليا.

وأوضح بالقول: "لم أكن أشعر بارتياح أبداً عندما أمشي بجوار القنصلية التونسية في الماضي لأنني كنت أعلم بوجود عناصر من الحزب الحاكم بداخلها يراقبون الناس ... وكنت أتعمد تجاهل السياسة".

الكفاح في مرسيليا

واعترف منذر أنه لا يزال هناك قلق عام حول بقاء الموالين للرئيس السابق بن علي أحراراً طلقاء يتجسسون على مواطنيهم، ولكنه قال أن التغييرات التي حدثت في تونس قد منحت الجالية التونسية في مرسيليا إحساساً جديداً بالتركيز والتضامن. وأضاف أن التونسيين من جيله يدينون بكثير من الفضل للناشطين الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع، وأنه يرغب في مساعدة أولئك القادمين إلى فرنسا. ولكنه حذّر من التوقعات غير الواقعية المبنية على الجهل.

وأوضح أن "هؤلاء الشباب لديهم إحساس حقيقي بالمغامرة، لكنهم انطلقوا دون تفكير دقيق في الأمر. كما أنهم يستطيعون الاعتماد على دعم أسرهم في بلدهم، ودائماً ما يجدون الطعام الكافي، لكنهم يصابون بخيبة أمل حقيقية هنا، ولا يصدقون أنهم سيُعاملون كمجرمين".

وتعتبر المجتمعات المغاربية مترسخة منذ فترة طويلة في مرسيليا، وخاصة الجزائريين، لكن نسبة البطالة تصل إلى 40 بالمائة في بعض أجزاء المدينة. وحتى المهاجرون منذ مدة طويلة فبالكاد يحصلون على ما يكفي لتدبر أمورهم. كما يستاء السكان من الصورة النمطية لمرسيليا كمركز للجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات، ولكنهم يعترفون بأن معدلات الجريمة عالية وفرص العمل محدودة للغاية.

وبالنسبة للمهاجرين، يمثل النوم في العراء أو في محطة القطار تهديداً واضحاً لأمنهم وسلامتهم، سواء من قبل المجرمين أو أفراد الشرطة المفرطين في الحماسة.

وقال مهدبي بشير، الناشط في رابطة حقوق الإنسان الفرنسية، وهي واحدة من عدة منظمات تعمل من أجل حفظ حقوق المهاجرين، أن السلطات المحلية لا تفعل شيئاً يذكر لتوفير الغذاء والمأوى للقادمين الجدد. وقال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أنه "في بعض الأحيان تحصل على وعد بتوفير قاعة ألعاب، أو شيء من هذا القبيل، ولكن هذا ليس بالشيء الكثير... وفي أحيان أخرى، تجد شخصاً يهتم، مثل مالك المقهى الذي يمرر لهم بهدوء مجموعة من الشطائر".

''علينا أن نفكر الآن، وليس في منتصف المدة ... ربما يكون الربيع العربي مؤشراً على نهاية الرأسمالية القائمة على المحسوبية التي كانت تعوق كثيراً التنمية الاقتصادية في الماضي''

وقد اضطرت مرسيليا تقليدياً للتعامل مع المستقطنين أو واضعي اليد، لكن مهدبي يقول أنه قد تم تدشين حملة ضدهم وأصبحت المباني المتاحة الآن أقل عدداً. وأضاف: "أصبح لديك أشخاص ينامون بشكل غير صحي، وهذا يؤدي إلى مشاكل صحية ... إنهم يصابون بالبرد ويعانون من الصداع. لقد أصبح كل هذا مجهداً للغاية، كما يشعر الوافدون الجدد بالضياع والصدمة وتخلي الناس عنهم".

ويتحدث المهاجرون أيضاً عن ترددهم في العودة إلى ديارهم بجيوب فارغة، لاسيما إذا كانت العائلة قد قدمت تضحيات كثيرة للمساعدة في شراء تذكرة الرحلة البحرية على أمل أن يعيلها المسافر فيما بعد.

تأثير ساركوزي

وتقول جماعات رعاية المهاجرين أن سياسة الحكومة أصبحت مقيدة بشكل متزايد، لاسيما عندما يتعلق الأمر بتأمين وثائق قانونية لمن هم بلا أوراق. وقد اجتذب سجل فرنسا في معالجة قضايا الهجرة في الآونة الأخيرة انتقادات عنيفة من خارج البلاد. وكان هناك أيضاً قلق خاص بشأن قانون بيسون، المسمى باسم وزير الهجرة السابق إريك بيسون، الذي تم التصديق عليه في مايو 2011، وهو خامس قانون هجرة تقدمه فرنسا في سبع سنوات.

وقد أكد بيسون أنه يريد التنظيم والتنسيق، وليس الاضطهاد، قائلاً: "نريد تشجيع الهجرة القانونية، لاسيما بغرض العمل، كما نريد مكافحة شبكات الهجرة غير الشرعية، ونريد أيضاً تنسيق سياساتنا فيما يتعلق بطالبي اللجوء والتعاون مع بلدان المصدر التي يأتي منها المهاجرون".

لكن ناشطي حقوق الإنسان حذروا من أن فرنسا تخالف توجيهات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بحرية الحركة، ومن أن حق فرنسا في طرد الناس على أساس حماية الأمن العام يتعرض لخطر إساءة الاستخدام.

وقال جان شيفاليه، الذي يرأس الفرع الإقليمي للجنة الحركات المشتركة لمساعدة المبعَدين CIMADE، والتي بدأت العمل لخدمة النازحين واللاجئين في ثلاثينيات القرن الماضي، أن جزءاً رئيسياً من عمل اللجنة هو المساعدة في "تنظيم" وضع المهاجرين.

وأضاف: "لقد أصبح الأمر صعباً على نحو متزايد، لاسيما في عهد نيكولا ساركوزي، كوزير للداخلية ثم كرئيس للجمهورية الآن. فهم يقولون: ‘هناك مهاجرون أكثر مما ينبغي في فرنسا، ويجب أن نبعدهم جميعاً’ ... إنهم يعتقدون أنهم يستطيعون لوم المهاجرين على جميع مشاكل فرنسا، ولكن الواقع هو أن الاقتصاد يعتمد اعتماداً كبيراً على العمال المهاجرين".

وفي الماضي، كان يمكن لمن "لا أوراق له" تقديم وثائق للإدارة المحلية أو الولاية وهو على يقين بأنها ستُختم وسيتم منحه حق الإقامة. لكن شيفاليه يقول أن هذا النظام أصبح الآن أكثر تعسفاً، وتستطيع الولايات الآن رفض حق المهاجرين في البقاء. "يمكن للمهاجرين دون وثائق الآن التقدم للسلطات وهم يعلمون أنها قد تقبلهم أو تقوم بترحيلهم".

وقد استنكر شيفاليه استخدام العنف من قبل الشرطة في فرض أوامر الترحيل. وحذر أيضاً من استخدام الشرطة لأسلوب جمع المهاجرين بشكل واضح وبارز والانقضاض على المناطق المعروفة بايوائها للمهاجرين غير الشرعيين وذلك بغرض تعزيز سجلات الاعتقال الخاصة بهم. وفي حين أن شيفاليه يتهم ساركوزي وغيره بإثارة الذعر بشأن قضايا الهجرة، إلا أنه يقول أيضاً أن فرنسا ليست بالضرورة أكثر انعزالية وعداءً ضد الأجانب.

وأكد أنه "لا يوجد خطر من حدوث غزو. فهذا غير صحيح. عندما تتحدث إلى الناس عن قضايا الهجرة، يعبرون عن مخاوفهم، ولكنك سرعان ما تدرك أنهم يسيئون فهم الحقائق، ويجادلون على أساس افتراضات زائفة. ولكن في أعماقهم، هم ليسوا عنصريين حقاً".

وعلى الرغم من انتقاد لجنة الحركات المشتركة لمساعدة المبعَدين ورابطة حقوق الإنسان الفرنسية وغيرهما ساركوزي لاستخدامه بطاقة الهجرة كتكتيك في فترة ما قبل الانتخابات، إلا أن الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة تقول أن كلا من حزب ساركوزي، "الاتحاد من أجل حركة شعبية" وحزب المعارضة الرئيسي الحزب الاشتراكي تراخيا بشكل خطير وفشلا في حماية السيادة الفرنسية، ولذلك تريد الجبهة أن تتبنى نهجاً أكثر تشدداً فيما يتعلق بقضايا الهجرة.

الرغبة في غلق الباب

وكانت الجبهة الوطنية التي تأسست عام 1972 تعتبر لسنوات عديدة حركة متطرفة وعنصرية وانتهازية بشكل فج وغير قادرة على بناء قاعدة سياسية جادة. لكن في عام 2002، تغلب زعيم الجبهة الوطنية جان ماري لوبان على مرشح الحزب الاشتراكي ليونيل جوسبان في الجولة الاولى من الانتخابات الرئاسية ونافس الرئيس جاك شيراك في الجولة الثانية. وستخوض مارين ابنة لوبان الانتخابات الرئاسية في عام 2012، وهي تعتقد أن الحزب سيحقق نتائج قوية.

وينسب المراقبون السياسيون الفضل لمارين في تحديث صورة الحزب وتليين رسالته. وهي نادراً ما تركز على المهاجرين بحد ذاتهم، بل تركز أكثر على التهديد الذي تتعرض له القيم الفرنسية بسبب الإسلام. وقد قامت مارين بزيارة مثيرة للجدل إلى لامبيدوسا التي يصل إليها الأفارقة الفارون من العنف في ليبيا في شهر مارس الماضي، حيث أعربت عن دعمها للربيع العربي وحذرت من موجة جديدة من الهجرة.

وقال كوماس في مكتبه في مرسيليا، الذي يبعد خمس دقائق فقط سيراً على الأقدام "من حي تهيمن عليه جماعات من شمال وغرب إفريقيا، أن موقف الجبهة الوطنية تم تصويره بشكل غير منصف من قبل أعدائها على أنه عنصري ومثير للانقسام، بينما كان الحزب ببساطة يحاول الدفاع عن الهوية الوطنية الفرنسية.

وكانت الجبهة الوطنية قد تعرضت لانتقادات شديدة محلياً بسبب استخدام شعار "مرسيليا، وليس الجزائر العاصمة"، ولكن كوماس تحدث بغضب عن رفع العلم الوطني الجزائري في الأعراس المحلية، وشدد على دعم الجبهة الوطنية لحرية العبادة، لكنه اتهم السلطات المحلية بتقديم تنازلات كثيرة لقادة المجتمعات المسلمة الذين غالباً ما يكونون أكثر تطرفاً من زملائهم المسلمين، لاسيما فيما يتعلق ببناء مسجد مرسيليا الجديد، الذي يشار إليه غالباً باسم "مسجد الكاتدرائية"، بسبب حجمه.

ويعتبر كوماس أن لا فرق كبير بين حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية" الحاكم والحزب الشيوعي، لأنهما يدعمان بتكاسل العولمة المدمرة، ويدسان الدستور الأوروبي غير المرغوب فيه على فرنسا، وقد فشلا في الوقوف في وجه المتطرفين المسلمين. "إن حضارتنا تفقد مضمونها،" وفقاً لشكوى كوماس. "قيمنا الأخلاقية تختفي، والهجرة تهدد حضارتنا وتدمر اقتصادنا".

قضية الدمج

ويتبنى ماتس كارلسون، رئيس مركز "ميديتيرينان إنتجريشن" CMI الذي يتخذ من مرسيليا مقراً له وجهة نظر مختلفة كثيراً. وقد استضاف المركز مؤخراً مؤتمراً حول "الاستجابة لتحديات الربيع العربي"، لبحث قضايا مثل التجارة والاستثمار والعمالة. ويرى كارلسون أوجه تشابه بين "الربيع العربي" وانهيار الشيوعية في الكتلة الشرقية السابقة، موضحاً أنه ينبغي على التطورات في شمال إفريقيا أن تفرض على الاتحاد الأوروبي تسريع خطط الشراكة.

"علينا أن نفكر الآن، وليس في منتصف المدة،" كما قال كارلسون لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، مسلطاً الضوء على أهمية العلاقات عبر البحر الأبيض المتوسط​​، لاسيما في مجالات مثل السياحة والصيد وإدارة مخاطر الكوارث. "ربما يكون الربيع العربي مؤشراً على نهاية الرأسمالية القائمة على المحسوبية التي كانت تعوق كثيراً التنمية الاقتصادية في الماضي".

وأضاف في دعوته للاندماج الذي تتم إدارته بعناية والحوار وإشراك المجتمع المدني ووضع حد للفساد: "إذا كان مقدراً لنا أن ننجح بعد بن علي ومبارك، فعلينا أن نتبنى إطاراً مختلفاً. إن التحول الاقتصادي والتكامل الإقليمي يمثلان الطريق إلى تحقيق السلام والاستقرار وإيجاد طريقة تمكننا جميعاً من العيش معاً في المستقبل".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/آب/2011 - 9/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م