نحن والشهر الفضيل!

غريبي مراد

كل عام والأمة الإسلامية مباركة ووفقنا الله جميعا لأداء الطاعات والنهل من البركات الإيمانية خلال هذا الشهر الكريم رمضان المبارك، ونأمل أن يجعله الله إرهاصة إيمانية قوية ونهضة رسالية إستراتيجية لهذه الأمة المرحومة (أفرادا ومجتمعات، شعوبا وحكومات)، لا أطمح من خلال هذه السطور الى الامتداد في الفكر الوعظي بأهمية اغتنام هذا الموسم الإسلامي المبارك والإستراتيجي في تجديد وتطوير الذات الشخصية للفرد المسلم، وتنظيم وترشيد الذات الاجتماعية للمسلمين (مذاهب وطوائف وأحزابا)، بما يغني واقعية الدعوة الإسلامية ويتنقل بحقائقها من كهوف التنظير والتجريد إلى عمق الحياة بثقافة رسالية عملية تزدهر معها عزة الأمة وكرامتها.

بصراحة: رمضان كقضية إسلامية كبرى ومركزية في أبعاد التشريع الإسلامي العظيم، لا نزال نتعامل معها بالتركيز على الجوانب الفردية أو الصورية بعيدا عن الجوانب والمضامين العامة التي تفتح العقول والقلوب على الآفاق الواسعة وتواجه الواقع الإسلامي العليل، بعقلية منفتحة واعية تحرك عبادة الصيام في الإطار الإسلامي الشامل وليس على مستوى الذات والمذهب والحزب كعوالم كبرى في دنيا الناس بعيدا عن الحكمة الإسلامية المستوعبة للدورين الفردي والاجتماعي في الدعوة الإسلامية الشاملة والمتجهة نحو الإنسانية للإيمان بالله.

هذا التعاطي مع شهر العبادة المكثفة رمضان الفضيل، مصدره وحيد: أننا كمسلمين لا نزال منذ قرون ننظر للحياة الآخرة عبر تحريك التشريعات وفق النظرة الذاتية، حيث انطلق التركيز على الجوانب العبادية الفردية الخاصة التي تجعل طريق الدار الآخرة لا تمر عبر قضايا الاجتماع والاقتصاد والسياسة وضمن أطر قيم التسامح والتعارف والتعايش والتكافل والتواصل، كأنشطة إسلامية عملية في حياة الأمة، بل تمر عبر الأروقة الذاتية والمصلحية والأحقاد التاريخية وصراع الإرادات فقط مما ضيق واسعا وعطل دور المسجد والإعلام الإسلامي الجامع، حتى أصبحت الآخرة للأتباع والشركاء في الفكر والحزب والمشروع!

بكلمة: شهر رمضان الكريم لا يشرق على الأمة، إلا إذا استعدنا حقائقه القرآنية والنبوية العظيمة وأبعاده التربوية وآفاقه الحضارية الحاضرة في موقعه بالتاريخ الإسلامي، التي تجعله مدرسة دعوة للعبادة المركزة والهادفة لصناعة الداعية المسلم المنفتح على الله والناس والحياة وأيضا عبادة دعوية للإصلاح والتجديد وتجاوز المحن واتقاء الفتن، بحيث لا يصبح الصوم مجرد نشاط ذاتي في الصبر على الطعام والشراب يخضع في امتداده للحالات النفسية التي يتحرك فيها الصائم، ولكن ليكن عودة للوعي الإسلامي الكبير من خلال الصوم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والإعلامي عن كل ما يربك الأمن الإسلامي العام.

هكذا شهر رمضان هو موسم بناء التقوى الذاتية الفردية التي تمتد لتركيز وتوطين التقوى الاجتماعية، حيث نستوحي من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة الخاصة بالشهر الفضيل، أن الغاية الرمضانية والقضية الأساسية للصيام هي التقوى التي تمتد في الحياة الإسلامية من جذورها المصنعة في أعماق النفس.

أما بعد: نتساءل لنكتشف المضمون الرمضاني كمسلمين: ماذا يعني لنا وما حقيقة رمضان الذي لا نحيي فيه أسباب عزتنا ووحدتنا وأخوتنا ومحبتنا وتطلعنا الإسلامي للدعوة إلى الإيمان بالله؟

الجواب أحبتي: أن نلتقي في رياض الرحمة ونتدارس ثقافة المغفرة لنتحرر مع بعض من نيران الفرقة والخلاف والصراع ، ثم نكون أهلا لنجعل واقعنا الإسلامي عيدا على طول الزمن الإسلامي القادم كله ...والله من وراء القصد.

www.aldaronline.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/آب/2011 - 6/رمضان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م