المشهد الأدبي العراقي: مجاملات قاتلة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لم تقتصر المجاملات المجانية بين الأدباء، على المشهد الأدبي العراقي، بل تتعداه الى المشهد العربي، وأحيانا لا يسلم الأدب العالمي من ذلك، ولكن المجاملات في المشهد العراقي تكاد تتحول الى مرض عضال يصعب التخلص منه، فيحيل الأدب العراقي في الغالب، الى مشهد فارغ مريض مجامل، يرتكز في حراكه ونموه الى نهج مجاملاتي تزلّفي واضح، وهو سبب كاف لجعل الأدب العراقي يراوح في مكانه، يعاني من البدانة الكمية، التي تأتي بالكم على حساب النوع، ودائما أو في الغالب، ستجد المجاملات على حساب الأفضل، هي التي تسود هذا المشهد.

لست متحاملاُ على أحد أو جهة أو منظمة ولن أكون كذلك في يوم ما، لكنني لن أسكت قط حين أرى مرضا واضحا يفتك في أشلاء وسط أنا جزء منه، ولكي لا تكون كلماتي خالية من الأسانيد والأدلة، فإنني سأتحدث (من دون تسميات) عن آخر نشاط أدبي حضرته، وليعذر القارئ لي عدم تسميتي لهذا النشاط، أو الجهة التي تقف ورائه، فالهدف هو التقويم والتصحيح، وليس التشهير بفرد او منظمة ثقافية، وكم نحن بحاجة الى الأنشطة الثقافية والأدبية، وكم نحتاج الى الندوات والملتقيات العراقية التي تبحث في الثقافة والادب، على أن لا تكون رقما مضافا الى الاخطاء والسلوكيات التي لا ترقى الى قيمة الادب، ولا تتسق مع أهداف الثقافة، فحين يُقام ملتقى ما، في الشعر او القصة او المسرح، ينبغي أن نعطي من خلاله صورة مشرفة وناجحة للسياسي أو غيره، في الشفافية، والنزاهة، وتكافؤ الفرص، وجماليات الحوار، وغير ذلك مما نحتاجه، كي نرقى الى مصاف من سبقنا، فالثقافة كما قلت مرارا، لا يصحّ لها أن تخطئ قط، لأنَّ الجميع سيخطئ إستدلالا بها، لكن للاسف هذا ما يحدث في معظم الانشطة الادبية والثقافية التي تُقام هنا أو هناك، وغالبا ما يكون الهدف المعلن هو صالح الثقافة والادب، وصالح البلد عموما، لكن مرض المجاملة سيكشّر عن أنيابه في كل حين ليحيل النجاحات الى فشل مرير.

لقد كانت إدارة النشاط الذي حضرته مؤخرا مدهشة، من جميع النواحي، وكان حضور الادباء والمثقفين يشمل خارطة العراق كلها، وكأنك تلمس الانسجام العراقي الأزلي، هنا في هذا الملتقى تحديدا، وكانت المشاركات كثيرة، ومتعددة، عالية في قيمتها الأدبية وهابطة أحيانا، فثمة أدباء ومثقفون متنوعون ارتقوا المنصة، وأدلوا بمشاركاتهم بجمال وإنصات رائع، وأسهمت أوراق الدراسات والنقود، والتعقيبات والحوارات، في إضفاء جمال باهر على هذا النشاط، الذي تمّت الاساءة له بعنصر  المجاملات حين مُنح الناقد الفلاني درعاً يستحقه غيره، ولكن لأنه ممن ركبوا الموجة، وحصل على منصب عال في الاتحاد العام للادباء، فلابد أن يُسرَق درع التكرم من ناقد يستحقه فعلا، ليُعطى الى صاحب المنصب العالي في الاتحاد (وهو معروف للادباء بتلاعبه بالألفاظ والمصطلحات)، أما حين تبحث في منجزه النقدي، ستجد نفسك في فراغ داهم.

الشيء نفسه حدث، حين مُنح درع التكريم لقاص معروف وجيد لكنه لم يقرأ نصا يتسق مع النصوص التي قُرئت، فكيف يدخل معها المنافسة ويحصل على درع كان من حصة غيره حتما، والسبب دائما هو عنصر المجاملة، نعم هو قاص جيد لكنه لايستحق الدرع لأنه لم يشترك في نص يتجانس مع نصوص المسابقة.

لقد جاء هذا النشاط لمنظمة تؤسس لنفسها في المشهد، وقد نجح القائمون والمشاركون في هذه الفعالية، لو لا أن تسللت إليها المجاملات (كالعادة)، فأحالت منجزها المدهش في الادارة والقراءات والنقود والمداخلات، الى صورة مشوّهة، لا ترقى لكي تكون مثالا للسياسيين أو غيرهم، كونها فعلا ثقافيا، والفعل الثقافي الصحيح، هو الذي يكون نموذجا لغيره دائما!.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تموز/2011 - 24/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م