النرويج وإرهاب اليمين المتطرف... انطلاق حملة صليبية في أوروبا

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: كشفت التحقيقات التي تجريها الشرطة النرويجية بعد إلقاء القبض على منفذ العلميات المسلحة مؤخرا، ان بعض جماعات اليمين المتطرف قررت البدء بحملة صليبية للقضاء على الإسلام، كما هي الحال مع الحملات القديمة التي شهدها العالم في ما يعرف الحروب الصليبية.

وعلى الرغم من اقرار منفذ تلك العمليات الارهابية البشعة بوحشية ما حدث، إلا انه لا يزال يصر على ضرورة ما قام به، متوعدا الجهات المعنية بتصعيد مثل تلك الهجمات بواسطة بعض أفراد خليته الإرهابية.

فيما تشير الهجمات المسلحة في النرويج تنامي خطر تلك الجماعات، واتساع نطاق معاداة الإسلام في أوروبا، وتبني العنف كمنهج تتخذه بعض المجاميع العنصرية في التعامل مع قضايا الاثنية والدينية.

خريف 2009

فقد افادت وثيقة من 1500 صفحة نشرها على الانترنت اندرس بيرينغ-برييفيك، المتهم بارتكاب اعتداءين في اوسلو وجزيرة مجاورة لها راح ضحيتهما الجمعة 92 قتيلا على الاقل، انه بدأ التحضير لعمليته هذه منذ خريف 2009 على اقل تقدير.

ويفصل النروجي البالغ من العمر 32 عاما في هذه المذكرات كيف بدأ التحضير لعمليته، ويبرر فعلته ب"استخدام الارهاب وسيلة لايقاظ الجاهير"، مؤكدا انه يريد ان ينظر اليه على انه "اكبر وحش منذ الحرب العالمية الثانية".

وتتضمن هذه المذكرات-"المانيفستو" في قسم كبير منها مراجع تاريخية طويلة، وهي حافلة بالتفاصيل التي ترسم شخصية المتهم وتخصص جانبا منها لشرح كيفية اعداد قنبلة والتدرب على اطلاق النار، وتفصل ايضا تنقلات صاحبها منذ ثلاث سنوات وحتى تنفيذ الاعتداءين.

وفي الصفحة الاخيرة من هذه المذكرات كتب بيرينغ-برييفيك "اعتقد ان هذا سيكون دخولي الاخير. نحن اليوم الجمعة 22 تموز/يوليو الساعة 12,51" اي قبل اقل من ثلاث ساعات على انفجار السيارة المفخخة في وسط اوسلو والذي تلته مجزرة بسلاح رشاش استهدفت مخيما صيفيا لشبيبة الحزب الحاكم في جزيرة قرب العاصمة، في هجوم مزدوج اسفر عن 92 قتيلا على الاقل.

والمذكرات مدونة بالانكليزية تحت عنوان "اعلان اوروبي للاستقلال-2083" وتحمل توقيع "اندرو بيرويك، قائد فرسان العدالة"، ولكن في متن المذكرات يقول صاحبها انه نروجي وان اسمه الحقيقي هو اندرس بيرينغ-برييفيك.

والمذكرات حافلة بالافكار المعادية للاسلام والماركسية. وكتب الشاب النروجي (32 عاما) في مذكراته الطويلة جدا والتي يقول انه بدأ بوضعها قبل تسع سنوات ان "احد الاهداف الرئيسية هو الاجتماع السنوي للحزب الشيوعي/الاجتماعي-الديموقراطي في بلدكم".

وتتضمن المذكرات ايضا لائحة بالدول الاوروبية الواجب استهدافها، مرتبة بحسب نسبة المسلمين فيها وتتصدرها فرنسا. وكتب بيرينغ-برييفيك "سوف ينظر الي كأكبر وحش (-نازي) على الاطلاق منذ الحرب العالمية الثانية".

واعلن وكيل الدفاع عن بيرينغ-برييفيك ان موكله اعترف السبت بالتهم الموجهة اليه في قضيتي تفجير سيارة مفخخة في وسط اوسلو ما اسفر عن سبعة قتلى على الاقل، وارتكاب مجزرة بواسطة رشاش في جزيرة اوتوياه الصغيرة المجاورة للعاصمة راح ضحيتها 85 قتيلا غالبيتهم من المراهقين والشباب، في اسوأ هجوم تتعرض له النروج منذ الحرب العالمية الثانية.

وذكرت وسائل اعلام نروجية ان المتهم نشر كما يبدو على موقع يوتيوب شريط فيديو يهاجم فيه بعنف الاسلام والماركسية والتعددية الثقافية ويشيد بالحروب الصليبية. واوضحت شرطة اوسلو ان ليس بوسعها التعليق على هذا الشريط. بحسب فرانس برس.

وتبلغ مدة شريط الفيديو 12 دقيقة وهو عبارة عن نصوص وصور تبجل الحروب الصليبية وتشن هجوما عنيفا على الشيوعية والاسلام. وفي الشريط لا يظهر اندرس بيرينغ-برييفيك، المتهم بارتكاب الاعتداءين، الا في نهايته وذلك في ثلاث صور فوتوغرافية يرتدي في احداها بزة عسكرية رسمية مزينة بالاوسمة وفي اخرى يظهر وهو يهم باطلاق النار من بندقية حربية.

ونشر الفيديو على يوتيوب الجمعة وهو يصف الاسلام خصوصا ب"الايديولوجيا الرئيسية للابادة". ويقول احد النصوص الواردة في الشريط انه "قبل ان نبدأ حربنا الصليبية علينا ان نقوم بواجبنا المتمثل بالقضاء على الماركسية الثقافية".

وينقسم الشريط الذي نشره مستخدم يدعى "بيروكاندرو" الى اربعة اقسام هي "انطلاق الماركسية الثقافية والاستعمار الاسلامي والامل والتجدد".

وقائع وحشية لكن ضرورية!

فيما اكد النروجي اندرس بيرينغ بريفيك القريب من اليمين المتطرف، انه تصرف بمفرده في تنفيذ المجزرة في عمل "وحشي" كما اعترف لكنه "ضروري".

ويعتبر المحققون ان بريفيك نفذ اعتداءي الجمعة وهما تفجير قنبلة قوية في وسط اوسلو وارتكاب مجزرة بسلاح ناري بعد ذلك في جزيرة اوتويا القريبة من العاصمة النروجية. وصرح مفوض الشرطة سفينانغ سبونهايم ان المشتبه به "قال خلال الاستجوابات انه كان وحيدا" في تنفيذ الاعتداءين، مؤكدا "سنحاول التحقق من ذلك عبر التحقيق الذي نجريه".

وقال سبونهايم ان الشرطة لا تزال تحقق لتحديد ما اذا كان هناك "مطلق واحد للنار او اكثر" اثناء اطلاق الرصاص على تجمع لشبان في جزيرة اوتويا. الا ان بعض شهادات الناجين تدعو الى الافتراض حتى الان انه كان هناك شخص اخر يطلق النار ايضا.

واكدت المتحدثة باسم الشرطة فيولا بيلاند ان المتهم "متعاون" لكنها رفضت تقديم اي عنصر حول دوافعه. وبحسب معلومات نشرها على الانترنت فان الرجل نروجي الجنسية و"الاصل" في الثانية والثلاثين من عمره و"اصولي مسيحي"، كما قال المسؤول في الشرطة روجر اندرسون، موضحا ان اراءه السياسية تميل الى "اليمين".

واعتقل بريفيك في الجزيرة اثر المجزرة التي ارتكبها. وقال المفوض سبونهايم ان "المتهم استسلم لدى وصول الشرطة بدون اي مقاومة". وقال ان المجزرة استمرت "زهاء الساعة وثلاثين دقيقة"، موضحا ان الرجل كان يحمل سلاحين ناريين، احدهما مسدس.

واعلن حزب التقدم وهو تشكيل يميني شعبوي نروجي، ان المتهم انضم الى صفوفه في العام 1999 وانسحب منه في 2006. وقالت رئيسة هذا الحزب سيف ينسن "يحزنني اكثر ان اعلم ان هذا الشخص كان بيننا".

وقد انتقد بريفيك حزب التقدم في رسالة نشرت على موقع الكتروني في 2009 آخذا عليه "عطشه لتلبية التطلعات المتعددة الثقافات والمثل العليا الانتحارية (المتمثلة بالنزعة) الانسانية".

وبحسب مؤسسة اكسبو، وهي مرصد مجموعات اليمين المتطرف مقره في ستوكهولم، فان المتهم سجل في 2009 في منتدى متطرف سويدي على الانترنت.

والمنتدى الذي اطلق عليه اسم "نورديسك" انشىء في العام 2007 ويؤكد انه يدافع عن "الهوية والثقافة والتقاليد الشمالية".

تنكيس الأعلام

في سياق متصل اللتزمت جميع دول شمال اوروبا دقيقة صمت تضامنا مع النروج. وطلبت حكومات السويد وفنلندا والدنمارك وايسلندا من مواطنيها لزوم دقيقة صمت عند الساعة 10,00 تغ.

وفي ايسلندا دعت رئيسة الوزراء يوهانا سيغورداردوتير "جميع الايسلنديين الى تكريم الضحايا بلزوم دقيقة صمت" موضحة انه سيتم تنكيس الاعلام الاثنين في الوزارات حدادا على الضحايا.

وفي فنلندا حيث نكست الاعلام منذ الاحد دعت الحكومة ايضا الى لزوم دقيقة صمت الاثنين ودعا رئيس الوزراء يركي كاتاينن الى دعم الديموقراطية. وقال كاتاينن في بيان الاثنين "يجب ان ندافع عن قيم مجتمع منفتح وقيم الديموقراطية حتى عندما تتعرض لهجوم".

وفي الدنمارك اعلن رئيس الوزراء لارس لوكي راسموسن في بيان ان مجزرة النروج هي "هجوم على القيم الحقيقية التي قامت عليها بلداننا. انه هجوم علينا جميعا". كما دعت السويد الى لزوم دقيقة صمت ونكست الاعلام فوق المباني الرسمية. واعلن رئيس الوزراء فريدريك راينفلد في بيان انه "تعبيرا عن تضامنها الكبير مع السويد، تدعو الحكومة الى المشاركة بشكل واسع في دقيقة الصمت".

وفي النروج اعلنت شركة ان اس بي للسكك الحديد ان حركة القطارات ستتوقف الاثنين دقيقة في مجمل مناطق النروج في تمام الظهر فيما اعلنت بورصة اوسلو عن توقيف نشاطاتها ايضا التزاما بدقيقة الصمت عن نفس ضحايا الاعتداءين.

خطر اليمين المتطرف

من جانب آخر أعرب وزير الداخلية الألماني هانز بيتر فريدريش عن اعتقاده بأن بلاده لا تواجه خطراً مباشراً من قبل اليمين المتطرف.  يأتي ذلك على خلفية الهجوم في العاصمة النرويجية 

وفي مقابلة مع صحيفة «بيلد آم زونتاغ» الألمانية قال فريدريش إن سلطات الأمن الألمانية تراقب التيار اليميني بشكل مكثف.  غير أنه أكد على عدم وجود اشارات في الوقت الراهن تدل على اعتزام التيار اليميني المتطرف القيام بأنشطة إرهابية في ألمانيا.

فيما حذر وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ من ان قوات الامن البريطانية قد لا تكون قادرة على وقف الهجمات الارهابية على غرار الهجوم العنيف الذي وقع في النرويج.

وقال هيغ في حديثه لتلفزيون (بي.بي.سي) ان منع وقوع فظائع يتم تنفيذها من قبل افراد اصعب بكثير من التي يتم تنفيذها من قبل الشبكات المتطورة مثل تنظيم القاعدة.وتأتي تصريحات هيغ بعد ان قامت المملكة المتحدة أخيرا باجراء اختبار امني تجريبي وذلك استجابة لحوادث مماثلة لتلك التي وقعت في النرويج.

وفي هذا السياق اشاد هيغ بـ «العمل الهائل» للشرطة والاستخبارات البريطانية في الحفاظ على أمن البلاد مضيفا ان الحكومة قد وضعت خبرتها في الجرائم مثل تفجيرات السابع من يوليو في تصرف السلطات النرويجية.

واشار الى انه تم وضع دفاعات قوية داخل البلاد على مدى السنوات القليلة الماضية وذلك في ظل الحكومة السابقة والحكومة الحالية موضحا انه «لدينا ضوابط مشددة على الاسلحة النارية في بريطانيا وضوابط صارمة جدا على بيع المواد اللازمة لتصنيع القنابل».

واضاف هيغ ان «قوات الشرطة ووكالات الاستخبارات تعمل معا بشكل جيد في التأكد من ان البلاد في مأمن من هجوم ارهابي او متطرف» ملفتا في الوقت نفسه الى ان الامر «بالطبع اصعب بكثير في حالة فرد واحد او بضعة أشخاص».

وقال «انه اصعب بكثير من محاربة شبكة ارهابية وهذا هو السبب في انه يجب ان يكون لديك تلك الأشياء الأخرى مثل التشريعات المتعلقة بالأسلحة النارية والضوابط على المواد اللازمة لصنع القنابل».

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 26/تموز/2011 - 24/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م