العراق وميناء مبارك... هل يمهد لـ(ام معارك) جديدة؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: مع تصاعد وتيرة السجالات السياسية بين العراق والكويت، على خلفية مشروع ميناء مبارك في الخليج، يستعيد سجل الذكريات وقائع مؤلمة لشعبي تلك الدولتين لا تزال جراحها حاضرة الى حد الان.

فقبل ما يوازي العقدين من الان تسببت الخلافات الشبيه بما يدور اليوم في نشوب حرب حامية الوطيس واحتلال متبادل للبلدين، مع تدخل دولي وغربي كلف شعوب المنطقة خسائر مادية ومعنوية جسيمة، وسقوط الالاف من الضحايا الابرياء.

ومع دخول بعض الجماعات المسلحة التي تتبنى العنف كسياسة في التعامل مع القضايا العراقية، تلوح في الافق أم معارك جديدة، لكن وفق معطيات مختلفة يصعب احتوائها في حال نشوبها.

وتمثل قضايا الحدود المشتركة معضلة مستديمة بين الدولتين، على الرغم من تدخل مجلس الامن الدولي لترسيمها في أكثر من مناسبة.

جماعة مسلحة تحذر

فقد حذرت كتائب "حزب الله" الشيعية العراقية الشركات العاملة في مشروع ميناء مبارك الكويتي من الاستمرار في العمل هناك، مطالبة الحكومة العراقية باتخاذ مواقف مناسبة لمنع اعمال البناء.

وقالت في بيان نشر على موقعها الالكتروني "نحذر الشركات العاملة في مشروع بناء الميناء الكويتي من الاستمرار بالعمل". واضافت "مثلما لم ينس الشعب الكويتي ما تعرض له من نظام صدام، فان الشعب العراقي لم ينس مواقف حكومة آل صباح كدعم نظام صدام في محرقة حرب السنوات الثمانية ضد الجارة ايران وفتح الاراضي والاجواء الكويتية امام القوات الاميركية لإحتلال العراق". وتابع البيان "لن ينسى الشعب العراقي ما تقوم به حكومة الكويت الآن من بناء ميناء لخنق العراق اقتصاديا".

وطالبت المجموعة المسلحة الحكومة العراقية ب"الضغط على الجانب الكويتي واتخاذ المواقف المناسبة التي من شأنها منع حكومة الكويت من استهداف العراق شعبا وارضا".

وتقول كتائب "حزب الله" على موقعها الالكتروني انها "منظمة جهادية" تتبنى "ثقافة المقاومة" وتشن في هذا الاطار "عمليات عسكرية جهادية" ضد القوات الاميركية في العراق.

ويؤكد الاميركيون ان هذه المجموعة التي تبنت في الاسابيع الماضية هجمات ضد جنود اميركيين، تتلقى الدعم بالاسلحة والتمويل من ايران. بحسب فرانس برس.

وشهدت العلاقات بين بغداد والكويت التي كانت بوابة لعبور القوات الاميركية الى العراق عام 2003، تحسنا ملموسا في السنوات القليلة الماضية اذ بدا وكانها تتجاوز تداعيات الاجتياح العراقي للكويت ايام نظام صدام حسين عام 1990. ولا يزال يتحتم على العراق الاعتراف رسميا بحدود الكويت البرية والبحرية.

ويحتج العراق بصورة خاصة على ترسيم الحدود الذي اجراه مجلس الامن الدولي عام 1993 ضمن القرار 883. وهو يبدي استعداده للاعتراف بحدود الكويت البرية، الا انه يطالب بتوسيع منفذه البحري على الخليج.

طرف ثالث

من جانبه نفى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ان تكون الكويت اطلعت بغداد خلال محادثات ثنائية عقدت مؤخرا على مشروع بناء ميناء "مبارك الكبير" الذي يطالب العراق بايقافه.

وقال المالكي في بيان وزعه مكتبه الاعلامي "اننا ننفي طرح موضوع ميناء مبارك في هذه المناقشات لا من قريب ولا من بعيد". واضاف ان الجانب الكويتي لم يطرح المشروع "طيلة المباحثات التي جرت حتى مع اللجان الوزارية والفنية المكلفة بحل الملفات العالقة بين البلدين".

وجاء بيان المالكي ردا على تصريحات نقلت عن لسان نائب رئيس الوزراء الكويتي وزير الخارجية الشيخ محمد الصباح، واشار فيها الى اطلاع المالكي على المشروع خلال زيارته للكويت في شباط/فبراير الماضي.

واكد بيان رئيس الوزراء العراقي "ما ورد في جانب من هذه التصريحات من الشرح المفصل للامور المتعلقة بالملاحة في خور عبد الله كونه ممرا مائيا مشتركا لكلا البلدين ويدار بصورة مشتركة ولا ميزة فيه لاي جانب على الجانب الآخر". لكنه شدد على ان العراق لم يطلع على مشروع ميناء مبارك "الا من طرف ثالث".

وكانت الكويت وضعت في نيسان/ابريل حجر الاساس لبناء ميناء "مبارك الكبير" في جزيرة بوبيان التي تقع في اقصى شمال غرب الخليج العربي، وتعد ثاني اكبر جزيرة في الخليج (890 كلم مربعا) بعد جزيرة قشم الايرانية.

وقف البناء

من جهته طالب وزير النقل العراقي هادي العامري الكويت بوقف بناء ميناء مبارك الجديد في جزيرة محاذية للممر المائي العراقي، داعيا الى نقله لمكان اخر. وقال العامري في مؤتمر علمي في بغداد "نقول ان انشاء الميناء في الجزء الخانق عملية واضحة لاعاقة الملاحة في الموانىء العراقية ونقض صريح وواضح لقرارات مجلس الامن". واضاف "اذا كانوا يلزمونا بتطبيق القرارات الاممية، فالاولى ان يلزموا انفسهم اولا". وتابع الوزير "علينا ان نتخذ كل الوسائل الدبلوماسية والعقلية والمنطقية لمنع بناء (ميناء) مبارك في هذا المكان". واضاف "اذا كانوا (الكويتيون) جادين في بناء الميناء، لا مانع لكن ليغيروا مكانه ويبنوه في مكان اخر لاننا نؤكد ان فيه خنقا للعراق".

ويرى خبراء عراقيون ان بناء الميناء سيؤدي الى "خنق" المنفذ البحري الوحيد للعراق، لانه سيتسبب في جعل الساحل الكويتي ممتدا على مسافة 500 كيلومتر، بينما يكون الساحل العراقي محصورا في مساحة 50 كيلومترا.

وقال الوزير الذي ينتمي الى المجلس الاعلى الاسلامي الذي تربطه علاقات جيدة بالكويت "لا نريد سياسية الحروب نريد سياسة الاستقرار، واكثر من ضحى هو العراق، نحن مع تطبيق كل القرارات الدولية على الرغم من عدم انصافها ولكن لن نتنازل عن مصالحنا الوطنية". واضاف "سيؤثر الميناء علينا سلبا بالتاكيد وعلى البيئة مستقبلا". وتابع "نريد ان نقطع الشك باليقين من اجل تنوير المسؤولين العراقيين والبرلمان، فهناك فعلا خطر حقيقي، ويجب ان تتضافر كل جهود العراقيين وبكافة الاساليب لمنع الكويت، وهناك الف مبرر لمنعها والف موقع يستطيع الاخوة في الكويت ان يبنوا فيه ميناءهم".

وبحسب تقرير اعده عضو في لجنة فنية زارت الكويت اخيرا فان انشاء الميناء يلحق مخاطر ملاحية جسيمة بحركة البواخر، مؤكدا ان نقله الى مكان اخر يحقق سلامة الملاحة.

وقال العامري "نرى انه يجب وقف العمل به لا سيما ان نسبة الانجاز بلغت 14 بالمئة ووفقا للمخططات يمكن تغيير مكانه الان (...) تقدمنا بعدة مقترحات للجانب الكويتي لبنائه في مواقع بديلة فيها جدوى اقتصادية افضل لهم".

بدوره، دعا نائب رئيس الوزراء العراقي صالح المطلك الكويت الى "التسامح ونسيان الماضي والبدء بعلاقات حميمة". وقال في كلمة القاها في المؤتمر "نقول لن نقبل للبصرة بان تحاصر ولن نقبل بان يخنق العراق باي شكل من الاشكال". واضاف "يراهنون على حلم العراقيين، لكن في نفس الوقت على الجميع ان يتذكر بان هناك حدودا للتحمل، وان غضب الحليم ليس ببسيط". وتابع المطلك "نحن تواقون الى علاقات الاخوة بينا وبين الكويت، وحقيقة نريد ان نبي العلاقة على اسس متينة لان فيها مصلحة البلدين، وبها يمكن ان نتطور جميعا، لكن بالمشاحنات والمضايقات لاي منا للاخر، لا يمكن ان تنمو المنطقة بالشكل السليم".

واعرب المطلك الذي ينتمي الى القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي عن امله في ان يعيد "المجتمع الدولي النظر بقراراته، ونتمنى على الكويت والجيران والعالم ان لا يستغلوا هذه القرارات ويكونوا منصفين فهم يعرفون جيدا انها فرضت فرضا على العراقيين".

فيما قال عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، في البرلمان العراقي إن لجنته تنتظر رأيا تفصيليا من مجلس الوزراء بشأن وضع ميناء مبارك الكويتي، مبينا ان العراق قد ينقل المشكلة الى مجلس الأمن لأن صبر العراقيين له حدود.

وأوضح النائب حسن خضير شويرد ان لجنته "تنتظر رأي موحد من اللجنة المشكلة من مجلس الوزراء الذي عليه ان يعطي الرأي التفصيلي من خلال خبرائه المختصين بالشؤون الفنية والبحرية وبشكل رسمي بشأن وضع ميناء مبارك الكويتي ووضع ميناء الفاو المهم بالنسبة للعراقيين". وأضاف شويرد أنه "اذا ما تمكنت اللجنة من إرساء نتائج ايجابية عن طريق المفاوضات باتجاه يخدم مصلحة الشعبين العراقي والكويتي فهذا أمر جيد، وبعكسه فان صبر العراقيين سيقف عند امور كثيرة، منها نقل الحوار الى مجلس الأمن الدولي او اللجوء الى الاتفاقات الدولية وصولا الى ما يخدم مصلحة العراقيين".

تجمع 17 ايار

الى ذلك شكل مجموعة من النواب العراقيين تجمعا جديدا حمل اسم (17 ايار) لمتابعة موضوع ميناء مبارك الكويتي.   وقالت عالية نصيف، وهي احدى اعضاء التجمع، إن "التجمع ضم اكثر من 15 نائبا، وتجمعنا لا يمثل جهة سياسية معينة"، مشيرة الى أن الهدف من تجمعهم هو "حماية حدود العراق وبالاخص مناقشة موضوع ميناء مبارك الكويتي".

الى ذلك ذكرت النائبة عن كتلة الاحرار هيفاء العطواني في المؤتمر الصحفي الذي عقده التجمع في مبنى البرلمان العراقي أن "تجمع 17 ايار يأتي لجمع الهوية العراقية والدفاع عن حدود العراق ومناقشة التطورات الحاصلة على ميناء مبارك الكويتي"، موضحة أن مؤسسي التجمع اكدوا على "العلاقات بين العراق والكويت وحل مشكلة الحدود بين البلدين والعمل بالتوازي وفق الحوار الدبلوماسي".

وكان الدباغ صرح لجريدة السياسة الكويتية في الـ11 من ايار الحالي بعدم وجود اي اعتراض عراقي على انشاء ميناء مبارك الكبير الذي قامت الكويت بوضع حجر الأساس له منذ اسابيع قليلة، مشيرا الى الحق الكامل لأي دولة في ممارسة سيادتها على مواردها ومنشآتها وبالتالي لا يوجد ما يمنع من ان تقوم الكويت ببناء اي شيء ضمن ما تراه مناسبا لها في اراضيها ومياهها الاقليمية.

الا انه نفى دقة التصريحات هذه، حيث قال إن ما نقلته عنه صحيفة السياسة الكويتية بشأن موضوع إنشاء ميناء مبارك الكويتي لم "يكن دقيقا ومجتزءا"، منوها ان الحكومة العراقية سترسل وفدا من الخارجية العراقية ووزارة النقل بتعاون مع الامم المتحدة من اجل الاطلاع الميداني على تفاصيل انشاء هذا الميناء. بحسب اصوات العراق.

ولاقت تصريحات الدباغ ردود فعل متباينة حيث وصفتها القائمة العراقية ، بـ"اللا مسؤولة"، داعية مجلس الوزراء إلى اتخاذ موقف وطني ضدها،  في حين طالب النائب عن ائتلاف دولة القانون عزت الشابندر، رئيس الوزراء نوري المالكي بعزل الدباغ من منصبه، أما النائب عن دولة القانون سامي العسكري  فقد وصف تصريحات الدباغ بـ"الشخصية"، داعياً وزارة الخارجية إلى متابعة القضية، بحسب جهات اعلامية.

من جهته قال النائب رافع عبد الجبار في المؤتمر ذاته إن "الحكومة العراقية شكلت لجنة من وزير الخارجية والنقل لمتابعة موضوع ميناء مبارك"، مبينا ان "هذا الميناء سيؤثر على ميناء عبد الله وسيحوله الى مستنقع صغير لا تستطيع السفن دخوله".

حق مطلق

في حين قال النائب في مجلس الامة الكويتي عبد الرحمن العنجري، إن ميناء مبارك الكبير مشروع حيوي للكويت وأحد المشاريع التنموية، وهو حق مطلق لها ولا يحق لأي دولة التدخل في هذا الشأن.

ونقلت جريدة السياسة الكويتية عن العنجري قوله ان "تهديدات النواب العراقيون مجرد حرية رأي، وان كل النواب في برلمانات العالم يصرحون بما يشاؤون".

واشار الى ان "ميناء مبارك الكبير مشروع حيوي للكويت وأحد المشاريع التنموية وهو حق مطلق للكويت ولا يحق لأي دولة التدخل في هذا الشأن".

وأعلنت الكويت، في السادس من نيسان المنصرم، عن البدء بإنشاء مشروع ميناء مبارك بعد سنة تماماً من إعلان العراق نيته بناء ميناء الفاو الكبير، فيما أشار نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية ووزير التنمية الكويتي أحمد الفهد إلى أن المشروع سيكون "صديقاً للبيئة"، مؤكداً أنه "ينطوي على أهداف كبيرة، ويحقق آمال وتطلعات الشعب الكويتي، الذي طالما تمنى بناء ميناء بهذا الموقع الاستراتيجي والفعال، بهدف جعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً على المستويين الإقليمي والعالمي.

يذكر أن وزارة النقل العراقية وضعت في نيسان الماضي، حجر الأساس لمشروع ميناء الفاو الكبير الذي تشير تصاميمه الأساسية إلى احتوائه على رصيف للحاويات بطول 39 كم، ورصيف آخر بطول ألفي كم، فضلاً عن ساحة للحاويات تبلغ مساحتها أكثر من مليون م2، وساحة أخرى متعددة الأغراض بمساحة 600 ألف م2، حيث تبلغ الطاقة الاستيعابية للميناء 99 مليون طن سنوياً، فيما تبلغ الكلفة الإجمالية لإنشائه أربعة مليارات و400 مليون يورو، ومن المؤمل أن يتصل الميناء بخط للسكة الحديدية يربط الخليج العربي عبر الموانئ العراقية والتركية بشمال أوروبا.

تظاهرة في البصرة

في السياق ذاته قال نائب مدير اتحاد رجال الاعمال في البصرة، إن المئات من البصريين تظاهروا، احتجاجا على سعي دولة الكويت لبناء ميناء "مبارك" قبالة ميناء الفاو العراقي.

وأوضح صاحب صالح الجويبر "تم، تنظيم اعتصام وفقا لنداء وجهه اتحاد رجال العمال في البصرة بمشاركة منظمات اقتصادية ومهنية كاتحاد رجال الاعمال وغرفة التجارة ومنظمات مجتمع مدني، وذلك احتجاجا على قيام دولة الكويت ببناء ميناء مبارك قبالة ميناء الفاو المزمع انشاءه في البصرة".

وأضاف الجويبر أن الميناء الكويتي "سيعيق الحركة الملاحية للسفن العراقية"، وتابع "لقد أصدرنا بيانا ناشدنا في الكويت بحفظ حق الجيرة والعلاقات الاخوية بين الطرفين وعدم الاضرار بمصالح العراق،  سيما وان الكويت تمتلك ما يكفي من الموانئ والمرافئ على اراضيها ولا تحتاج لهذا الميناء". بحسب اصوات العراق.

وأردف أن البيان طالب الأمم المتحدة "التي انحازت في زمن النظام العراقي السابق إلى الكويت بأن تكون منصفة عند ترسيم الحدود، بعدما اعطت الكويت ما هو حق ثابت للعراق"، مبينا أن اعضاء من البرلمان العراقي "حضروا الاعتصام فضلا عن اعضاء في مجلس محافظة البصرة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تموز/2011 - 23/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م