إعدام وإعلام... عن العدالة والطوائف في زمن الديمقراطيات الهجينة

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: كل شيء في العراق مشروع سجال سياسي لا ينتهي... وهذا السجال قد يكون مفهوما لو بقي في اطار ما تعارفت عليه السياسة كمفاهيم ونظريات وتجارب سابقة تؤسس لمقاربات لقضايا هي في المحصلة النهائية من صلب السياسة وفي عمقها.

رغم ابتذال السياسة كممارسة الا انها في الكثير من تفاصيلها بقيت وفية لمبادئ عامة كثيرة، فضيحة ووترغيت أطاحت بنيكسون ولم تطح به هزائم فيتنام... مونيكا بولانسكي دمرت صورة بيل كلينتون... رغم تسامح زوجته ازاء تلك الخيانة.

رغم التسامح الاجتماعي الذي قد نجده في الثقافة الأمريكية تجاه فعل العلاقة العاطفية خارج مؤسسة الزواج الا انها في المحصلة النهائية تسمى باسمها الواقعي وهي الخيانة الزوجية أو العلاقة غير الشرعية.

آخر قضايا حكومات الغرب قضية التنصت في الحكومة البريطانية، استقالات ولجان تحقيقية ومحاكم.. هنا تنتفي القاعدة المكيافيلية الشهيرة (الغاية تبرر الوسيلة) فلا أكثر حقارة ودناءة من مسألة التنصت على أحاديث الآخرين.. انه فعل انتهاك صريح لخصوصية الانسان وحق من حقوقه التي تكفلها شرائع الأمم المتحدة ودساتير الدول الناظمة لتلك الحقوق.

كل شيء في العراق يسير عكس المنطق، منطق العقلاء او منطق ما تواضع عليه الناس في أمورهم الحياتية الكثيرة.

في كراجات النقل العام تسمع السواق في مناداتهم عبارة (على التبريد) مع أن من البداهة في حرارة الصيف العراقي ان يكون التبريد شغالا في السيارات التي تنقل الركاب من مكان الى آخر، وهي ليست منّة من السائق او فضل يتفضل به على الراكبين.

وفي المطاعم من يعلق لافتة كبيرة مكتوب عليها (المقبّلات مجانا) مع انه من البداهة أن تقدم المأكولات مع مقبلاتها.. والتي لا تكلف صاحب المطعم مبالغ تمنعه من تحقيق أرباح مبالغ فيها في أحيان كثيرة.

وخذ أيضا أصحاب المولدات وبكاؤهم المتواصل على مادة (الكاز) في معرض تبريرهم لما يقومون به من سرقات فاحشة لساعات التشغيل مع أنهم يستعملون النفط الأسود في تشغيل تلك المولدات وليس (الكاز).

نعود الى بداية موضوعنا عن السجالات السياسية غير المنتهية حول جميع ما يطرأ على الساحة من أحداث.

يأخذ الإعلام العراقي بعد العام 2003 على عاتقه الترويج للكثير من المحفزات لهذا السجال بصورة بدائية فوضوية تبعا لمصالح الجهات الداعمة لوسائله من صحف ومجلات وقنوات تلفزيونية واذاعات.

قد يعود ذلك لأسباب إيديولوجية او طائفية او قومية في ساحة تتنازعها الصراعات البينية لمكونات المجتمع العراقي.

آخر سجال وقد لا ينتهي طالما القضية معلقة هي قضية إعدام وزير الدفاع العراقي الأسبق سلطان هاشم.. انقسمت المواقف إزاء قضية إعدامه الى قسمين لا ثالث لهما.. فريق يرى ان إعدامه هو تحقيق للعدالة وإحقاق للحق، تفرضه أصوات الشهداء الذين راحوا ضحية لأسلحة الجيش العراقي السابق أيام حكم صدام حسين.

الفريق الآخر يعتبر إعدام الوزير الأسبق إهانة للمؤسسة العسكرية العراقية او تهديد للوحدة الوطنية ويذهب هذا الفريق الى ان قرار الإعدام هو قرار مسيّس، او هو في ابعد تجلياته الطائفية هدية مالكية (نسبة الى نوري المالكي) الى إيران.

لا وجود لمفردة العدالة في خطابات الفريق الثاني او ذكر لها بل محاولات لتبرير المطالبة بإلغاء حكم الاعدام... لكن ما هي العدالة ؟

في استعمالها الاعتيادي تعني معاملة الأفراد من دون تحيز وإعطاءهم حقهم كما تقرره القواعد والمبادئ العامة. المحاكم التي تطبق القوانين على الحالات الفردية توصف بانها جزء من نظام العدالة وان القضاة يقيمون العدالة او يديرونها.. وتؤدى العدالة حين يطبق القانون من دون تحيز ومن دون خوف او مفاضلة.

وفكرة ان العدالة تكمن في معاملة الحالات المتشابهة بالمثل والحالات المختلفة باختلااف ظروفها تلتقطها على نحو جميل الصورة التقليدية لامراة معصوبة العينين تحمل كفي ميزان العدالة باستواء... ولا تعنى العدالة بتوزيع الحقوق والمصادر وحسب، بل أيضا العدالة الجنائية او عقوبة من انتهكوا القانون.

والعقوبة بوجه عام تعتبر عادلة اذا لبت المعايير التالية:

اولا: ألا توجه إلا لمن أدينوا بجرم في محاكمة عادلة.

ثانيا: ان المذنبين الذين ارتكبوا جرما مماثلا يجب ان يحصلوا على العقوبة نفسها.

ثالثا: يجب ان تتناسب العقوبة مع درجة الجرم.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل لبى الحكم الصادر بحق سلطان هاشم وحسين رشيد معايير العدالة عبر حكم المحكمة الجنائية ام لا؟

غير ذلك من اسئلة لا تفيد ما يسعى اليه العراقيون من ترميم لأرواحهم وعقولهم عبر كل تلك السنوات السابقة.. وإذا استمر السجال حول كل قضية بهذه الطرق فان عمليات الهدم ستكون متسارعة ومريعة ولا يقف بوجه الطوفان اي شيء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 25/تموز/2011 - 23/شعبان/1432

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م